المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الخامس: إفساد المنطلقات - موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام - جـ ٨

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المبحث الأول: التفسير الإشاري

- ‌المبحث الثاني: أدلة المجيزين للتفسير الإشاري

- ‌المبحث الثالث: آراء العلماء في التفسير الإشاري

- ‌المبحث الرابع: آراء المستشرقين في التفسير الصوفي

- ‌المبحث الخامس: شروط قبول التفسير الصوفي

- ‌المبحث السادس: أمثلة على التفسير الإشاري يترك تقديرها للقارئ

- ‌الفصل الخامس والثلاثون: علاقة التصوف بالثورات السياسية على الحكام وبالتكفير والانقلابات

- ‌الفصل السادس والثلاثون: الصوفية والسحر

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: الاستسلام العجيب للتتر

- ‌المبحث الثاني: تمزيق الأمة الإسلامية إلى فرق مذهبية تحارب الإسلام باسم إسلام محرف ينتهجونه

- ‌المبحث الثالث: الإفساد العام في العقائد والعبادات والأخلاق والسلوك وأساليب التفكير

- ‌المطلب الأول: إفساد العقيدة

- ‌المطلب الثاني: إفساد العبادات

- ‌المطلب الثالث: إفساد الأخلاق والسلوك

- ‌المطلب الرابع: إفساد الفكر

- ‌المطلب الخامس: إفساد المنطلقات

- ‌المبحث الرابع: عوامل أخرى أدت إلى تمزيق الأمة

- ‌المطلب الأول: الخلفيات الفكرية والعقائد والفلسفات

- ‌المطلب الثاني: الموقف السلبي في مواجهة الصوفية

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: نشر العقيدة الصحيحة المأخوذة من الكتاب والسنة

- ‌المبحث الثاني: القضاء على المظاهر التي تكون سببا في انتشار الشرك كالقباب والمساجد المبنية على القبور والأشجار والأحجار التي تعبد من دون الله

- ‌المبحث الثالث: منع كتب الصوفية لئلا يتداولها الناس ومنع دعاة التصوف ودراسة كتبهم من قبل شخصيات لها حصانة عقدية لكشف زيفها

- ‌الفصل الأول: تاريخ نشأة الطرق الصوفية

- ‌الفصل الثاني: معنى الطريقة الصوفية

- ‌المبحث الأول: التعريف

- ‌المبحث الثاني: التأسيس وأبرز الشخصيات

- ‌المبحث الثالث: مصادر التجانية

- ‌تمهيد:

- ‌المطلب الأول: عقيدتهم في الله

- ‌المطلب الثاني: عقيدتهم في القرآن

- ‌المطلب الثالث: عقيدتهم في الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الرابع: عقيدتهم في التجاني

- ‌المبحث الخامس: بدعهم في الأدعية والأذكار:

- ‌المبحث السادس: عمالة التجانية لأعداء الإسلام والمسلمين

- ‌المبحث السابع: الانتشار ومواقع النفوذ

- ‌المبحث الثامن: حكم الشريعة فيمن يعتقد هذه العقيدة

- ‌مراجع للتوسع:

- ‌المطلب الأول: نسبة الطريقة الرفاعية

- ‌المطلب الثاني: سيرة الرفاعي من خلال كتب المؤرخين

- ‌المطلب الثالث: مؤلفات أحمد الرفاعي

- ‌المطلب الرابع: سيرة الرفاعي من خلال كتب التصوف

- ‌المطلب الخامس: قصة نسب الرفاعي إلى آل البيت

- ‌المطلب السادس: قصة مد يد النبي من خارج قبره

- ‌المطلب الأول: استغاثتهم بالرسول صلى الله عليه وسلم وغلوهم فيه بلا حد

- ‌المطلب الثاني: حقيقة حياة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الأول: الاستغاثة بالرفاعي

- ‌المطلب الثاني: الاستغاثة بالرفاعي في نظر الرفاعي

- ‌المطلب الثالث: موقف الرفاعي من الاستغاثة بغير الله

- ‌المطلب الرابع: موقف أتباع الرفاعي من الاستغاثة بغير الله

- ‌المطلب الخامس: الاستغاثة بمشايخ الطريقة الرفاعية

- ‌المطلب الأول: أنواع الكرامات

- ‌المطلب الثاني: موقف الرفاعي من هذه الكرامات المحكية

- ‌المطلب الثالث: نماذج من كشوفات مشايخ الرفاعية

- ‌المطلب الرابع: الرفاعي وعقيدة ختم الولاية

- ‌المطلب الأول: غلو الرفاعية في شيخهم ومشايخهم

- ‌المطلب الثاني: قرية الرفاعي «أم عبيدة»

- ‌البيت الحرام

- ‌المبحث السادس: كرامات أم خرافات

- ‌المبحث السابع: تحذير الرفاعي أتباعه من الكذب عليه

- ‌المطلب الأول: تحذيره من كذب الصوفية على أئمتهم

- ‌المطلب الثاني: أدلة كذبهم على الشيخ الرفاعي وعلى غيره

- ‌المبحث الثامن: خوارق الرفاعية وموقف الرفاعي منها

- ‌المطلب الأول: موقف صلحاء أصحابه من خوارق الرفاعية:

- ‌المطلب الثاني: الصيادي يصرح بأن الخوارق تقع عند ذكر اسم الرفاعي

- ‌المطلب الثالث: كيفية حصول هذه الخوارق بالتفصيل:

- ‌المطلب الرابع: سعيد حوى والرفاعية

- ‌المبحث التاسع: حقيقة العلاقة بين الرفاعية والتتار عار لا كرامة

- ‌المبحث العاشر: الشعائر الخاصة للطريقة الرفاعية:

- ‌المبحث الحادي عشر: الرفاعية في طور جديد

- ‌المبحث الثاني عشر: بعض أورادهم

- ‌المبحث الثالث عشر: مناظرة شيخ الإسلام أحمد بن عبدالحليم بن تيمية للبطائحية الرفاعية

- ‌المبحث الرابع عشر: الطريقة الرفاعية والتشيع:

- ‌المطلب الأول: نسبة الطريقة

- ‌المطلب الثاني: تعاليمها

- ‌المطلب الثالث: أصولها

- ‌المطلب الأول: مبادئ الطريقة

- ‌المطلب الثاني: كيف ينال المرء مرتبة الصديقية

- ‌المطلب الثالث: السجود للكعبة التي تزور الأولياء في الله

- ‌المطلب الرابع: علاقات خاصة مع الكعبة

- ‌المطلب الخامس: اتخاذ الوسيلة على نمط الأديان الأخرى

- ‌المطلب السادس: من لا شيخ له فهو كافر وفاسق عندهم

- ‌المطلب السابع: الطريق إلى الله مسدودة إلا بالشيخ

- ‌المطلب الثامن: نموذج من الشرك في عقيدة الطريقة

- ‌المطلب التاسع: يصرحون بعدم الحاجة إلى الله

- ‌المطلب العاشر: عقيدة القبور

- ‌المطلب الأول: مصادر التلقي عند الطريقة

- ‌المطلب الثاني: القبر مصدر التلقي

- ‌المطلب الثالث: موقفهم من التعليم والتعلم

- ‌المطلب الرابع: طعنهم في العلم

- ‌المطلب الأول: شاه نقشبند يحيي ويميت

- ‌المطلب الثاني: هل يحب رسول الله علم الكلام

- ‌المطلب الثالث: من الحيوانات شيوخ الطريقة

- ‌المطلب الرابع: زعمهم أن الله يتشكل بأشكال الحيوانات

- ‌المطلب الخامس: أقوال صريحة في الكفر

- ‌المطلب السادس: الرب عندهم يصلي

- ‌المطلب السابع: مقام الجهل بالله

- ‌المطلب الثامن: كفر آخر

- ‌المطلب التاسع: مقام الخمر والسُكر

- ‌المطلب العاشر: البشر عند النقشبنديين ظلال أسماء الله وصفاته

- ‌المطلب الحادي عشر: تصريحهم بوحدة الوجود

- ‌المطلب الأول: الطريقة النقشبندية على ثلاث طرق

- ‌المطلب الثاني: هل تتسبب العبادة الصحيحة في التلفظ بالكفر

- ‌المطلب الثالث: الاتحاد بذات الله وصفاته وأفعاله

- ‌المطلب الرابع: بالفناء يخرجون عن طور البشرية إلى الألوهية

- ‌المطلب الخامس: هل العشق أعظم من المحبة

- ‌المطلب السادس: الحقيقة المحمدية

- ‌المطلب الأول: صفات الأولياء عند النقشبندية هي صفات الألوهية

- ‌المطلب الثاني: الأولياء خالقون عند صاحب (الرشحات)

- ‌المطلب الثالث: مشائخهم فعالون لما يريدون

- ‌المطلب الرابع: يعلمون الغيب وما في الصدور

- ‌المطلب الخامس: لا يبالون بالجنة ولا بالنار

- ‌المطلب السادس: يقولون للشيء: كن فيكون

- ‌المطلب السابع: من تصرفات الأولياء

- ‌المطلب الثامن: من كرامات مشايخ الطريقة

- ‌المطلب التاسع: لهم الثواب والعقاب

- ‌المطلب الأول: الغلو وتقديس المشايخ

- ‌المطلب الثاني: مقام الكفر من أعلى مقامات العبادة

- ‌المطلب الثالث: الرابطة بالشيخ أفضل من ذكر الله

- ‌المبحث الثامن: النهج الباطني عند النقشبندية والصوفية

- ‌المبحث التاسع: آداب المريد مع شيخه

- ‌المطلب الأول: مبدأ الرابطة عند النقشبنديين

- ‌المطلب الثاني: آداب الرابطة

- ‌المطلب الثالث: الصورة صنم والصنم صورة

- ‌المطلب الثاني: رابطة المرشد

- ‌المطلب الثالث: أصول الذكر عندهم وطريقته وغايته ونهايته

- ‌المطلب الأول: مرتبة الطعن في النبوة

- ‌المطلب الثاني: زعمهم أنهم يرون الله في الدنيا

- ‌المطلب الثالث: ختم الخواجكان

- ‌المطلب الأول: الخلوة وشروطها

- ‌المطلب الثاني: طقوس أخرى

- ‌المبحث الرابع عشر: أهم رجالاتها المعاصرين

- ‌المبحث الخامس عشر: كلام العلماء في الطريقة النقشبندية

- ‌مراجع للتوسع

- ‌المبحث الأول: التعريف

- ‌المبحث الثاني: سيرة الشاذلي

- ‌المبحث الثالث: أنواع الكرامات المنسوبة إلى أبي الحسن الشاذلي

- ‌المبحث الرابع: من أبرز مشايخ الطريقة الشاذلية

- ‌المبحث الخامس: الأفكار والمعتقدات

- ‌المبحث السادس: أوراد الشاذلية

- ‌المبحث السابع: الطريقة الشاذلية ودلائل الخيرات

- ‌المبحث الثامن: الجذور الفكرية والعقائدية

- ‌المبحث التاسع: أماكن الانتشار

- ‌المبحث العاشر: كلام العلماء في الطريقة الشاذلية

- ‌مراجع للتوسع:

- ‌المبحث الأول: التعريف

- ‌المبحث الثاني: التأسيس والجذور التاريخية

- ‌المطلب الأول: نشأة الطائفة الختمية

- ‌المطلب الثاني: أبرز شخصيات الطائفة الختمية

- ‌المبحث الثالث: الأفكار والمعتقدات

- ‌المطلب الأول: عقيدتهم في الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثاني: الفناء في ذات الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثالث: الاستمداد من الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الرابع: دعاوى مشايخ الختمية وادعاء أتباعهم فيهم

- ‌المطلب الأول: مقدمات الذكر

- ‌المطلب الثاني: ما في أوراد الختمية وأذكارهم من بدع

- ‌المطلب الثالث: صلاة الجواهر المستظهرة

- ‌المبحث السادس: البيعة وأخذ الطريق

- ‌المبحث السابع: الخلوة عند الختمية

- ‌المبحث الثامن: الختمية والتشيع

- ‌المطلب الأول: مشايخ الختمية وأئمة الشيعة الاثني عشرية

- ‌المطلب الثاني: الختمية امتداد لتاريخ الشيعة

- ‌المطلب الثالث: الختمية وحركة البعث الشيعية المعاصرة

- ‌المبحث التاسع: بعض من مخالفات الطريقة الختمية والرد عليها

- ‌المبحث العاشر: الجذور الفكرية والعقائدية

- ‌المبحث الحادي عشر: الانتشار ومواقع النفوذ

- ‌مراجع للتوسع:

- ‌المبحث الأول: التعريف

- ‌المبحث الثاني: التعريف بالشيخ عبد القادر الجيلاني

- ‌المبحث الثالث: الطوام التي نسبت إلى الشيخ عبد القادر الجيلاني

- ‌المبحث الرابع: الأدلة على اعتقاد الصوفية لهذه العقائد الباطلة

- ‌المبحث الخامس: مصدر هذه الطوام وغيرها

- ‌المطلب الأول: المآخذ التي أخذت على عبد القادر الجيلاني

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم عن الشيخ عبد القادر وما نسب إليه

- ‌المبحث السابع: مصادر التلقي عندهم

- ‌المطلب الأول: اعتقاد القادرية بعقيدة وحدة الوجود

- ‌المطلب الثاني: اعتقاد القادرية بعقيدة الحلول والحقيقة المحمدية

- ‌المطلب الثالث: إلغاء مسألة الثواب والعقاب عند القادرية والصوفية عامّة وأنه لا فرق بين الجنة والنار ولا بين الطائع والعاصي

- ‌المطلب الرابع: اعتقادهم أن الولي يقول للشيء كن فيكون

- ‌المطلب الخامس: دعوة القادرية الناسَ إلى عبادة شيخهم وطلب الحاجات منه والاستغاثة به من دون الله

- ‌المبحث التاسع: الخلوة المرحلة النهائية للوصول

- ‌المبحث العاشر: تحريفهم لمعاني النصوص

- ‌المبحث الحادي عشر: زعم شيخ الطريقة القادرية باليمن أن النبي صلى الله عليه وسلم يوزع "القات

- ‌المبحث الثاني عشر: من أوراد الطريقة القادرية

- ‌المبحث الثالث عشر: مخالفات الطريقة القادرية للشريعة الإسلامية

- ‌المبحث الرابع عشر: الانتشار ومواقع النفوذ

- ‌المبحث الخامس عشر: فتاوى اللجنة الدائمة في الطريقة القادرية

- ‌المبحث الأول: التعريف بالبريلوية

- ‌المبحث الثاني: التأسيس والجذور التاريخية

- ‌المطلب الأول: سيرة البريلوي

- ‌المطلب الثاني: أسرته

- ‌المطلب الثالث: وفاته

- ‌المطلب الرابع: مبالغات البريلويين وغلوهم فيه

- ‌المطلب الخامس: مؤلفاته

- ‌المطلب السادس: مخالفته الجهاد والمجاهدين، ومناصرته الاستعمار والمستعمرين

- ‌المبحث الثالث: أبرز زعماء البريلوية

- ‌المبحث الرابع: معتقدات البريلوية

- ‌المطلب الأول: الاستغاثة والاستعانة بغير الله

- ‌المطلب الثاني: قدرة الأنبياء والأولياء واختياراتهم

- ‌المطلب الثالث: سماع الموتى

- ‌المطلب الرابع: مسألة علم الغيب

- ‌المطلب الخامس: مسألة بشرية الرسول

- ‌المطلب السادس: مسألة الحاضر والناظر

- ‌المبحث الخامس: تعاليم البريلوية

- ‌المبحث السادس: البريلوية وتكفير المسلمين

- ‌المبحث السابع: خرافات البريلوية

- ‌المبحث الثامن: الانتشار ومواقع النفوذ

- ‌المبحث التاسع: فتاوى اللجنة الدائمة في الطريقة البريلوية

- ‌الفصل العاشر: كشف بطائفة من الطرق الصوفية غير ما ذكر

- ‌المبحث الأول التعريف بالديوبندية:

- ‌المطلب الأول: النشأة

- ‌المطلب الثاني: ملخص أفكار ومبادئ المدرسة الديوبندية

- ‌المطلب الثالث: مواقع النفوذ والانتشار

- ‌المبحث الثالث أهم زعمائها:

- ‌المبحث الرابع: فرق الديوبندية

- ‌المبحث الأول: القول بوحدة الوجود

- ‌المبحث الثاني التأويل لصفات الله

- ‌المطلب الأول: الاستغاثة بأرواح الأحياء والأموات

- ‌المطلب الثاني: المراقبة عند القبور

- ‌المطلب الثالث: التبركات البدعية والشركية:

- ‌المطلب الرابع: المغالاة في الرسول وأئمتهم والصالحين

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: تصور الشيخ

- ‌المبحث الثاني: أشغال الصوفية والفيوضات الباطنية

- ‌المبحث الثالث: الاشتغال بقراءة البردة ودلائل الخيرات وغيرهما

- ‌المبحث الرابع: اعتقاد رؤية الرسول في اليقظة

- ‌الفصل الرابع: موقفهم من أهل السنة

- ‌المبحث الأول: وجوب التقليد

- ‌المبحث الثاني: تحريف نصوص الكتاب والسنة لنصرة مذهبهم

الفصل: ‌المطلب الخامس: إفساد المنطلقات

‌المطلب الخامس: إفساد المنطلقات

القرآن:-

لم يستطع المتصوفة تحريف القرآن؛ لأن الله، له الحمد، حفظه باعتناء المسلمين بحفظه ودرسه وتدريسه والتعبد بقراءته في الصلاة وفي التلاوة آناء الليل وأطراف النهار، فعمدوا إلى تحريف معانيه، وهذا مثل من تفسيرهم، منقول عن (تفسير القرآن الكريم للشيخ الأكبر العارف بالله العلامة محيي الدين بن عربي): الَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِلّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَآ أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَاتَّقَواْ أَجْرٌ عَظِيمٌ [آل عمران:172]: يقول الشيخ الأكبر مفسراً هذه الآية: الَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِلّهِ [آل عمران:172]، بالفناء في الوحدة الذاتية. وَالرَّسُولِ [آل عمران:172]، بالمقام بحق الاستقامة. مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ [آل عمران:172]، أي: كسر النفس. لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ [آل عمران:172]، أي: ثبتوا في مقام المشاهدة. (وَاتَّقَوْا)[آل عمران:172]: بقاياهم. أَجْرٌ عَظِيمٌ [آل عمران:172]، وراء الإيمان، هو روح المشاهدة (1).

ومثل آخر: وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ [التوبة:100]: وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ [التوبة:100]، أي: الذين سبقوا إلى الوحدة من أهل الصف الأول. مِنَ الْمُهَاجِرِينَ [التوبة:100]، الذين هجروا مواطن النفس. وَالأَنصَارِ [التوبة:100]، الذين نصروا القلب بالعلوم الحقيقية على النفس، وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ [التوبة:100]، في الاتصاف بصفات الحق. (بِإِحْسَانٍ) التوبة:100، أي: بمشاهدة من مشاهدات الجمال والجلال (2)

وقد مر في الفصول السابقة أمثلة أخرى على تحريفهم لمعاني القرآن، وهي بعض من كل، ومن يريد الاستزادة يستطيع الرجوع إلى كتابهم المقدس (إحياء علوم الدين) ليرى من التزوير في التفسير ما تقشعر له أبدان الذين يؤمنون بالله ورسله وكتبه ويرجون اليوم الآخر، وكذلك بقية كتبهم على تفاوت بينهم في العبارة وفي عدد ما يفسرونه من آيات. وقد رأينا نثرات من تفاسيرهم للقرآن تفاسير سحرية، وكتبهم ملأى باستعمالات القرآن في اتجاهات سحرية.

الإفساد في الحديث:-

كان اعتناء المسلمين بالحديث الشريف، وما زال، أقل من اعتنائهم بالقرآن الكريم، لأسباب معروفة، مما ترك مجالاً للدس والتقول على الرسول صلى الله عليه وسلم، فأخذ المتصوفة حريتهم بوضع ما يملي عليهم الكشف من أحاديث، وتضعيف ما يضعفه الكشف، وتصحيح ما يصححه، حتى كانوا هم وراء قسم كبير من ركام الأحاديث الموضوعة المعروفة، وتلك التي لم تزل مدرجة في قسم الأحاديث الضعيفة، والتي تشكل نسبة عالية فيها.

وأوضح دليل على هذا هو كتاب (إحياء علوم الدين) لحجة الإسلام، الإمام، ففيه مئيات من الأحاديث الموضوعة التي يقول عنها الحافظ العراقي: لم أجده، أو لم أجد له أصلاً، وهذا يعني، بدهياً، أن الواضع لها هو الغزالي أو كشفه، ونقول للذين يقولون خلاف هذا: هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين، وأرونا المصدر الذي أخذ منه الغزالي هذه الأحاديث.

(1)((تفسير ابن عربي)): (1/ 235).

(2)

((تفسير ابن عربي)): (1/ 505).

ص: 57

ومظاهر التقوى والورع التي يتحلى بها كثير من الصوفية جعلت، وتجعل، الناس يثقون بهم ويأخذون عنهم، مع العلم أن التقوى والورع والزهد ولواحقها لا تدل على صحة العقيدة! فكل المؤمنين المخلصين لدينهم، في كل الأديان، يكونون أتقياء ورعين زاهدين

ونعرف أن متصوفة المسلمين يدينون بالطريقة البرهانية التي مزجت الإشراق بالإسلام، فهم يؤمنون بها، والمخلص منهم ينتهج الإسلام والإشراق معاً.

ولا بأس هنا من عرضٍ يعرض على علماء الحديث، لا أظنهم ناجين من السؤال عنه أمام التاريخ على الأقل، بعد إذ تبين لهم الحق.

هذا العرض هو مراجعة كتب الرجال، والبحث في الرواة عن الشيوخ الكمل الذين تمكنوا من مقام الفرق الثاني، فلم يظهر في سلوكهم وأقوالهم ما يدل على ما في قلوبهم، أي: وصلوا إلى تطبيق القاعدة: اجعل الفرق في لسانك موجوداً، والجمع في جنانك مشهوداً. والتي عبر عنها الجنيد بعبارة: مشاهدة الفرق بين ما يأمر الله به وما ينهي عنه تطبيقاً تاماً.

وأعتقد أن بحثاً جاداً في هذا المجال، إن كان مخلصاً، لا يبتغي إلا رضا الله سبحانه، والوصول إلى الحق، سوف يخلص كتب الرجال من إشكالات واردة فيها، وهذه الإشكالات رغم قلتها، لكنها هامة، من ذلك مثلاً، نرى بعض الرجال موثقاً عند عالم ثقة، ومضعفاً عند مثله، وقد وضع علماء الحديث قواعد دقيقة لحل مثل هذه المشكلة، وهذه قاعدة تضاف إليها قد يكون لها القول الفصل في كثير من الأحيان أو في بعضها.

ومن ذلك مثلاً أن قسماً من الأحاديث الضعيفة، يمكن أن يدرج بعد هذه الدراسة تحت عنوان (المكذوبات).

ومن ذلك مثلاً ما يبدو بعض الأحيان من تناقض ظاهري بين حديثين صحيحين، وقد وضع علماء الحديث عشرات القواعد الدقيقة لحل مثل هذه المشكلة، وهذه قاعدة تضاف إليها، قد يكون لها القول الفصل في كثير من الأحيان أو في بعضها.

ولست أدري، هل أكون مصيباً أو مخطئاً إذا قلت بوجوب إعادة النظر بمثل أبي نعيم الأصفهاني و (حليته)، وذلك بدراسة دقيقة من قبل أكثر من عالم حديث، شريطة أن يكونوا كلهم، على معرفة كاملة واضحة بالكشف والرؤى الكشفية، وكيف يمكن أن يذهب المكاشف إلى مسجد (مثلاً)، فيرى فيه شيخاً معيناً وتلاميذ يطلبون العلم عليه، فيجلس معهم، ويكتب ما يمليه الشيخ، ثم يعود إلى بيته، وفي كراسته علوم جديدة، بينما كان ذلك المسجد، في حقيقة الأمر، خالياً إلا من هذا المكاشف الذي رأي الشيخ وتلامذته بوهم كشفه، وسيقسم هذا المكاشف اليمين تلو اليمين أن ما كتبه كان سماعاً من الشيخ المعين بحضور تلاميذه أو بدون حضورهم (حسب الكشف).

وذلك لأن المكاشف كثيراً ما يختلط عليه الأمر، فلا يفرق بين الرؤى الكشفية والواقعية، وقد رأينا في فصل سابق مئات الأمثلة على ذلك، إضافة إلى عشرات الأمثلة المتفرقة بين الفصول.

ومن إفسادهم في الحديث تزوير معانيه بالتفسير الإشاري، وقد رأينا في ثنايا الكتاب أمثلة منها، ومن يريد الزيادة فأمامه كتبهم، وعلى رأسها (إحياء علوم الدين).

واقع الحياة والوجود:-

إن واقع الحياة والوجود قائم كما أراده الله، متحرك بسننه تعالى في خلقه التي لا تبديل لها ولا تحويل، والتي يسمونها في لغة العصر الحديث (القوانين الطبيعية)، فلا يستطيع مخلوق إفساد شيء منه إلا في إطار الحدود التي قدر الله سبحانه أن يكون هذا المخلوق القدرة على التصرف فيها، وهي لا تزيد عن عمليات نقل للأشياء أو لأجزاء منها من مكان ووضعها في مكان ملائم، أو غير ملائم، وكل ما صنعه الإنسان، وما يصنعه، لا يخرج عن هذا قيد شعرة، وكان إفساد الصوفية في هذا المجال بإفساد فهم الواقع وتفسيره، وبإفساد أساليب التعامل معه، وفي وضع الأمور في غير مكانها الصحيح.

ص: 58

ففي مجال تفسير الواقع، زورت الصوفية الفكر لدى أتباعها الذين كان ينظر إليهم في أوقات كثيرة على أنهم نخبة المجتمع، زورت التفكير عندهم، حتى أصبحوا، هم والأمة من ورائهم، لا يرون الأمور إلا رؤىً ضبابيةً، ولا يفسرونها إلا تفاسير مبنية على الكرامات وتصرفات الجن وتهاويل الخوارق، ويرسمون للكون صوراً في أذهانهم مأخوذة من كشوف المكاشفين الهلوسية، ومن علومهم اللدنية، وتفصيل هذه وحدها يحتاج إلى كتاب مستقل؛ لأنها تشمل كل نواحي الحياة، وقد مر بعضها في فصول سابقة.

وفي مجال التعامل مع الواقع، صارت الأوراد والأقسام والطلاسم والحجب هي الأساليب التي يتعامل بها الفرد والمجتمع مع واقع متوهم، وصار العلماء إلا من رحم الله، يمزجون فقههم بكتابة الحجب والأوفاق والدوائر لتسهيل الأمور في شتى نواحي الحياة، وأظن أن أكثر العلماء الآن (في السنين الأولى من القرن الخامس عشر الهجري)، إن لم يكونوا كلهم، قد عانوا من طلبات كثير من الناس، حتى من بعض المثقفين، أن يفكوا لهم سحراً، أو يخلصوهم من أمور لا تزيد عن كونها أوهاماً من أوهام الصوفية. ورقصات الزار في مصر والسودان والحبشة والحضرات الصوفية في كل البلاد الإسلامية، والسيارة والعدة لزيارة القبور جماعياً وضرب العدة حولها (وقد تقلص هذا كثيراً بسبب انتشار الثقافة، والزيارات الإفرادية التي تجر إلى الاستغاثة بالأموات، وطلب النصرة حسب الأوهام

كل هذا من نتاج التصوف، وإن ظهر بعضه في جماعات تدعي أنها غير متصوفة؛ لأن القناعات الفكرية إذا عمت جرفت أمامها كل من لم يعصمه الله سبحانه.

وكان من نتائج هذا الفهم السحري، المرتبط بالكرامات كلياً أو قريباً من الكلي، وهذا التعامل المبني على الفهم السحري، ما نراه من ضياع وتخبط ووضع للأمور في غير أماكنها الصحيحة، بل وعدم القدرة على ذلك فكرياً وعملياً.

والأمثلة على ذلك أكثر من أن تحصى، يحتاج تفصيلها إلى مئات الصفحات، ونورد منها أمثلة عابرة، جرت وتجري حالياً.

حادثة:-

كانت فئة من المجاهدين تعاني في قطاعها فقراً شديداً بالمال والسلاح والطعام، حتى عرف أفرادها الجوع، ورأى أحد الأثرياء المخلصين المتصلين بهذه الفئة في المنام من يقول له: إنه إذا وزع أربعين ألفاً على العميان والفقراء المجاورين عند المقام الفلاني فسينتصرون.

ووزع المبلغ على العميان والفقراء المجاورين، وأخذ ينتظر النصر.

ولم يطل الانتظار، فقد هوجمت هذه الفئة دون أن تستطيع مقاومةً ولا دفاعاً وسحقت؛ لأنها كانت مفتقرة إلى السلاح، وكان الجوع ينهكها.

حادثة ثانية:-

أربعة شباب باعوا أنفسهم لله، وانضموا إلى فئة من المجاهدين، لكنهم رأوا أفراد هذه الفئة يعكفون على قبر يطلبون عنده الثواب، ويستنزلون النصر! فنصحوهم وجاءوهم بالبينات من نصوص القرآن والسنة التي تثبت أن هذا العمل من الشرك العظيم.

عقد أفراد الفئة المجاهدة مؤتمراً فيما بينهم وشكلوا محكمة برئاسة عالمهم، حاكمت الشبان الأربعة محاكمة (عادلة)! فقد استمعت إلى أقوالهم وأدلتهم من القرآن والسنة برحابة صدر، ثم أصدرت حكمها عليهم بالإعدام، ونفذ الإعدام.

واعظ:-

رجل يقول بلسان حاله: إنه عالم، يناقش حالة المسلمين، ويلقي مواعظه، ومن هذه المواعظ ما معناه:

إن السبب في انهيار المسلمين هو عدم الإخلاص، فلو كنا مخلصين لكفانا أن نحمل البندقية، ونوجهها باتجاه العدو كيفما كان، وستخرج الرصاصة لتصيب منه مقتلاً

وواعظ آخر:-

يقول ما معناه:

إن العلة في المسلمين هي عدم الخشوع في الصلاة، وعلينا أن ندعو للخشوع، ونحث عليه، وعندما يتحقق ذلك يتحقق النصر.

وتعليقاً على هذه المواعظ نقول:

ص: 59

الإخلاص مطلب أساسي، لكن نسأل: الإخلاص لماذا؟ هل نخلص لما نتوهمه أنه الحق؟ إن هذا النوع من الإخلاص ليس إسلامنا؛ لأن الإسلام يأمرنا أن نعرف الحق أولاً بالأسلوب العلمي الصحيح، ثم نخلص في أقوالنا وأعمالنا وكل سلوكنا لهذا الحق. والخشوع أيضاً مطلوب، لكن كيف يكون؟ وفيم؟ إن كانت العقيدة فاسدة فالخشوع ضغث على إبالة، وإن كانت العبادة غير صحيحة، فالخشوع فيها رزء فوق رزء، وإن كان العمل الدنيوي في اتجاه معكوس أو منحرف فالخشوع يزيد الطين بلة، إن الوثني التقي يخشع أمام وثنه وفي عبادته، فهل ينفعه خشوعه؟ والماركسية الزاحفة يعجبها كثيراً أن نعمل على إيقافها بالخشوع، وبقراءة البخاري جماعة في المساجد.

وزيادة في التوكيد، نضيف كلمة أخرى لأبي الحسن الندوي عن حالة المسلمين التي كانوا عليها في القرون الأخيرة، يقول:

لا بد أن نشير إلى أن ذلك الوسط والعهد (القرنين العاشر والحادي عشر الهجريين)

كان التصوف فيهما قد تغلغل في أحشاء المجتمع الإسلامي، وامتزج بلحمه ودمه، حتى أصبح التصوف له طبيعةً وذوقاً، وسمةً وشعاراً

بل كانت العامة لا تعبأ بعالم أو مرب أو مصلح، ولا تقيم له وزناً، ولا تعتقد فيه الخير والصلاح، ولا تنتفع بمواعظه وكتاباته، ما لم يكن له إلمام بالتصوف والسلوك، ويكون قد صحب بعض المشايخ المعروفين، وانخرط في سلك بعض الطرق السائدة المقبولة في الناس (1).

ويقرر في كتاب آخر ناقلاً:

في القرن الثامن عشر (الميلادي)، كان العالم الإسلامي قد بلغ من التضعضع أعظم مبلغ، ومن التدني والانحطاط أعمق دركه، فارْبَدَّ جَوُّهُ، وطبقت الظلمة كل صقع من أصقاعه ورجاء من أرجائه، وانتشر فيه فساد الأخلاق والآداب وتلاشى ما كان باقياً من آثار التهذيب العربي.

واستغرقت الأمم الإسلامية في اتباع الأهواء والشهوات، وماتت الفضيلة في الناس، وساد الجهل، وانطفأت قبسات العلم الضئيلة، وانقلبت الحكومات الإسلامية إلى مطايا استبداد وفوضى واغتيال

وقام كثير من الولاة والأمراء يخرجون على الدولة التي هم في حكمها، وينشئون حكومات مستقلة، ولكن مستبدة كحكومة الدولة التي خرجوا عليها، فكان هؤلاء الخوارج لا يستطيعون إخضاع من في حكمهم من الزعماء هنا وهناك، فكثر السلب والنهب، وفقد الأمن، وصارت السماء تمطر ظلماً وجوراً، وجاء فوق جميع ذلك رجال الدين المستبدون يزيدون الرعايا إرهاقاً فوق إرهاق، فغلّت الأيدي، وقعد عن طلب الرزق، وكاد العزم يتلاشى في نفوس المسلمين، وبارت التجارة بواراً شديداً، وأهملت الزراعة أيما إهمال. وأما الدين فقد غشيته غاشية سوداء، فألبست الوحدانية التي علمها صاحب الرسالة الناس سجفاً من الخرافات وقشور الصوفية، وخلت المساجد من أرباب الصلوات، وكثر عدد الأدعياء الجهلاء، وطوائف الفقراء والمساكين يخرجون من مكان إلى مكان يحملون في أعناقهم التمائم والتعاويذ والسبحات ويوهمون الناس بالباطل والشبهات، ويرغبونهم في الحج إلى قبور الأولياء، ويزينون للناس التماس الشفاعة من دفناء القبور، وغابت عن الناس فضائل القرآن، فصار يشرب الخمر والأفيون (والحشيشة)، في كل مكان، وانتشرت الرذائل وهتكت ستر الحرمات من غير خشية ولا استحياء (2). اهـ.

يقول أبو الحسن الندوي عند إيراده (مقرراً) هذا النص: إنه لا يتحمل مسؤولية صحته مائة في المائة.

ونجيبه: تأكد يا أستاذنا أنه صحيح مائة في المائة، وأن الإسلام يعيش غربته منذ قرون طويلة.

وثنية الأمير:-

(1)((الإمام السرهندي حياته وأعماله))، (ص:124).

(2)

ا00 لإمام الدهلوي))، (ص:34).

ص: 60

رأينا من أقوالهم في الفصول السابقة مدى تقديسهم للشيخ، وما يعتقدونه في الشيوخ من القدرة الإلهية والتصرف في الكون، بل وكل الصفات الحسنى.

وعملياً، كان هذا التقديس وهذا الاعتقاد عندهم ركنين أساسيين من أركان الإسلام والإيمان، أو كانا الركنين اللذين يقوم عليهما ما يسمونه (الإحسان).

وبما أن الصوفية كانت مسيطرة على المجتمعات الإسلامية، ومتغلغلة في نفوس كل المسلمين، إلا من رحم الله، لذلك كانت نظرة الجميع إلى الشيخ هي هذه النظرة التقديسية.

وبطبيعة الحال، انزلق هذا التسليم للشيخ والاعتقاد بقدرته الإلهية، إلى التسليم لأي رئيس والاعتقاد بقدرته الإلهية، فصاروا ينتظرون من الأمير أن يصلح ما يفسدون وأن يقول للشيء: كن فيكون.

وهذه العقيدة بالذات هي التي أضاعت بلاد المسلمين، فلقد كان الفساد الذي رأينا صوره، مستشرياً هناك بسبب الصوفية، وكان الدعاة والوعاظ كلهم، حتى من كان على نهج الإسلام الصحيح، ينتظرون الأمير الذي يغير ذلك الحال ويصلح الأحوال، ناسين قوله سبحانه: إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ [الرعد:11].

وطبعاً، لا يملك الأمير القدرة الإلهية، ولم تكن لديه تلك العصا السحرية التي يحركها فتغدو الخيانة أمانة والكذب صدقاً والقناعات الفكرية المزورة حقاً ووعياً.

وبما أن القناعات المسيطرة على الناس والمتغلغلة في أعماق نفوسهم هي قدرة الأمير، لذلك كانوا يتهمونه بالجبن أو بالخيانة أو بالظلم أو ما شابهها. فيثور عليه ثائر يزيحه ويجلس مكانه، وهو يظن أنه شجاع وأمين، لكنه لا يستطيع أن يفعل شيءاً، فيتهمه الناس بدورهم بما اتهموا سلفه، فيضطر للبطش بهذا أو ذاك دفاعاً عن نفسه، ويستشري التناحر بين أنصاره وأعدائه، حتى يثور عليه ثائر آخر، فإما أن يزيحه أو ينفصل عنه

وهكذا.

وهكذا بقيت الأمة تعيش في فتن مستمرة، ونهاية الفتن معروفة، إنها دمار الأمة. وهكذا ذهبت بلاد المسلمين، كما أنها الآن في طريقها للضياع بلداً بعد آخر بيد الماركسية، على يد دعاة ينبثقون من روح وثنية الحاكم، مثيرين الفتن ضد أعداء الماركسية وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، وهؤلاء، وإن كان بعضهم غير صوفي، لكن نظرتهم هذه انبثقت في أساسها من الصوفية التي حرثت، وجاء الخبثاء؟ فزرعوا وحصدوا.

النظرة الطفولية للأمور:-

إن تقديس الشيخ الذي انزلق إلى النظرة التأليهية للحاكم، ومرور قرون على المسلمين وهم يتحركون في هذا الإطار، جعل النظرة الطفولية للأمور من الخواص المسيطرة على التفكير والمسيرة له، إلا من رحم الله.

فالطفل في أشهره الأولى لا يرى إلا البارز من الأشياء، فعندما يحمله أبوه، يمد يده إلى أنفه، أو إلى يده إن كانت قريبة منه، ولو وضعت أمامه على الأرض أشياء مختلفة الأحجام، فإنما يمد يده إلى البارز منها سواء لكبر حجمه أو لوجوده على مكان بارز. فهكذا المسلمون الآن لا يرون في المجتمعات إلا البارز، والحاكم أبرزهم، لذلك فهو المطالَب بإقامة حكم الله، وهو المطالب بالنصر، وعليه تبعة انهيار الأخلاق وتبعة الهزائم

إلخ. والعجب العجاب المثير للارتياب أنهم لا يلقون هذه التبعات إلا على الذين يحاربون الماركسية.

ومما نسمعه، مثلاً، من أدعية يدعو بها من يسمونهم (علماء): اللهم هيئ لهذه الأمة قائداً صالحاً يقيم فيها حكم الله ويقودها إلى النصر

إلخ.

ص: 61

وكأن القائد معه عصاً سحرية، أو له قوة إلهية، وكأن الإسلام نزوة حاكم، وكأنهم نسوا قول الله سبحانه: إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ [الرعد:11]. ومن الأمثلة على النظرة الطفولية للأمور، سؤال كثيراً ما سمعناه، وهو: هل نحن الآن في عهد مكي، أو في عهد مدني؛ وكثيراً ما دارت النقاشات حول هذا التساؤل! وكأن التاريخ عبارة عن كليشة يكرر طبعها في كل مكان وزمان، وعلينا أن نعرف موضعنا من هذه الكليشة. ورغم أن هذا السؤال قد يصدر عن غير متصوفة، لكن ما كان يمكن قبوله لولا النظرة الطفولية التي انبثقت من التسليم للشيخ، وعدم القيام بأي عمل، بل وعدم التفكير بالقيام به أو التفكير بكيفية هذا القيام، وإنما يعرض الأمر على الشيخ، ويطبق ما يقوله حرفياً دون مناقشته أو حتى الاستفهام منه عن غريبه (من قال لشيخه: لِمَ؟ لا يفلح أبداً). وكان التقي الورع الذي يرجو الفلاح والذي كان يَنْظُر إليه على أنه نخبة الأمة، كان لا يفكر في أي أمر، وإنما يعرضه على الشيخ، ويطلب توجيهه المقدس، ويدعو الناس في وعظه وخطبه إلى مثل هذا.

ومن أخطر مظاهر هذه النظرة الطفولية الواضحة، إن لم يكن أشدها خطراً، هو مناقشة الأمور دون إدراك للعلاقة بين الأسباب والنتائج.

ومن المفاسد القاتلة التي انبثقت عن الصوفية قبول المتناقضات على أنها كلها صحيحة؛ لأن احترام الشيوخ وتقديسهم وتقديس أقوالهم كان طيلة قرون طويلة هو طريق النجاة والفلاح، وبطبيعة الحال، كانت أقوالهم متناقضة وساقطة بسبب جهلهم من جهة، ولأنهم كانوا يأخذون علومهم من الكشف والعلم اللدني من جهة ثانية، وبسبب الغرور الذي يسببه تقديس الناس لهم، والذي يجعلهم يعتقدون أن كل ما يجري على ألسنتهم من هذيانات هو من باب (حدثني قلبي عن ربي)؛ وكان الناس كلهم إلا من رحم الله، يعتقدون في الشيوخ هذا الاعتقاد ويطبقونه؟ لذلك كانوا يقبلون المتناقضات على أنها من عند الله، ولا تعترض فتنطرد، وكانت هذه الحالة من الأسباب الرئيسية في تشتت أفكار الأمة وتخبطها.

ومن مظاهر الفساد المدمر التي انبثقت عن الصوفية (الطبطبة) على المفاسد ومحاولة تبريرها، بل والإصرار على عدم وجودها ومهاجمة من يحاربها بأساليب شتى.

وطبعاً، انبثقت هذه الظاهرة من قاعدة: سلم تسلم، أو لا تعترض فتطرد.

ومن الفساد الذي سيطر على الأمة قروناً طويلة الازدواجية في العقيدة وفي التفكير التي كان يعيشها وعاظ الأمة وموجهوها ودعاتها، إلا من رحم الله، حيث كانوا يبطنون خلاف ما يظهرون، يبطنون وحدة الوجود وما يتفرع عنها، ويظهرون الشريعة الإسلامية التي يحاولون توجيهها لتتفق مع ما يبطنون.

وفي واقع الأمر كان هناك صراع خفي يتفاعل في ضمير كثير من العلماء الذين قبلوا الصوفية حيث كان يظهر هذا الصراع في كتابات بعضهم وفي أقوالهم وبعض أفعالهم، مثل ما نراه عند أحمد الفاروقي السرهندي وأمثاله الذين كانوا يتشددون في وجوب كتمان السر إلا عن مستحقيه، ويهاجمون من يصرح بالوحدة.

هذا موجز لدور الصوفية في تمزيق الأمة الإسلامية.

‌المصدر:

الكشف عن حقيقة الصوفية لمحمود عبد الرؤوف القاسم - ص828 - 838

ص: 62