الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الرابع: موقف أتباع الرفاعي من الاستغاثة بغير الله
هذا هو مذهب الرفاعي والجيلاني رحمهما الله من الاستغاثة، فما هو يا ترى مذهب الرفاعية؟ فلنستعرض هذا الكم من الأبيات الشعرية التي نسقها محمد أبو الهدى الصيادي الذي كتب في الطريقة ما يزيد على الخمسين مصنفا. فمن ذلك ادعاؤه عن الرفاعي أنه قال (1):
من لاذ فينا اكتفى عن غيرنا أبدا
…
وجاء في ركبنا بالأمن من ندم
فالجأ بأعتاب عزتي والتمس مددي
…
وطف ببابي وقف مستمطرا نعمي
ولازم الذل في شطحاء منزلنا
…
تنجو بهمتنا من حالة العدم
وليس يعقل أن يقول الرفاعي مثل هذا القول الشركي «من لاذ فينا اكتفى عن غيرنا» وهل يكتفى أويستغنى بالرفاعي عن الله تعالى الله؟.ثم إن هذا لا يتفق مع ما حكوا عن الرفاعي أنه كان كلما طلب أحدهم الدعاء منه يقول له: «من أنا حتى أدعو لك؟ ما مثلي إلا كمثل ناموسة على الحائط لا قدر لها وكيف تدعوه نفسه إلى ذلك من هو لا شيء» . (2)
قال الشيخ الآلوسي في غاية الأماني:
«وقد تكلمت يوما مع أحد غلاة الرفاعية إذ استغاث بالرفاعي:
فقلت له: هل يسمع الآن الرفاعي نداءك وهو في قبره في قرية «أم عبيدة» ويمدك بالمدد؟
فقال: نعم.
قلت: فإذا اتفق مثلك في بلاد كثيرة ومواضع متعددة ألوف مؤلفة في أقطار شاسعة، هل يسمعهم أحمد الرفاعي ويمدهم ويغيثهم؟
قال: نعم.
قلت له: أرأيت إن كان كثيرون مثلك في بلاد أخرى متعددة يستغيثونه في نفس الوقت الذي تستغيث أنت فيه، هل يسمع نداءهم جميعهم في آن واحد ويغيثهم؟ قال: نعم. (3)
فانظر كيف صار اعتقادهم في الرفاعي: أنه لا يشغله سمع عن سمع ولا يغفل عن أدعية الداعين واستغاثة المستغيثين ولو تعددوا واختلفت أمكنتهم في الوقت الواحد، فهذا بلا ريب إضافة صفات الخالق إلى المخلوقين!! وهذه مجموعة من أبيات الشعر التي قالها الصيادي، وقد تكون لغيره ونسبها إليه (4) وهي تحوي في ثناياها أصنافا من الشرك والاستغاثة بالرفاعي وارتجائه وطلب المدد منه. يقول الصيادي (5):
يا رفاعي وقعت في أعتابك
…
فتدارك عبدا يلوذ ببابك
يا رفاعي يا غوث كل البرايا
…
لا تضيع طفلا جميل الرجا بك
أنت غوث الوجود مفتاح كنز الـ
…
ـوجود والخير سحٌ من ميزابك
أنت حصن الملهوف والباذل الـ
…
ـمعروف والعاجزون من أحزابك
أنت باب الرسول من غير شك
…
وأتينا نرجو العطا من بابك
وأنا عبدك الذي باعتقاد
…
علقت راحتاه في أثوابك
فتحرك بهمة وأغثني
…
وتذكر تشرفي بانتسابك
رضي الله عنك أدرك فإني
…
يا رفاعي وقعت في أعتابك
ويقول (6):
لك يا غوثاه تصريف الزمان
…
حيث أنت المرتجى في كل آن
…
أنت في بابك محراب الأمان
…
فتداركني وأصلح سببي
…
وأغث إنني في تعب
…
...
…
ويقول (7):
كل الأنام عيال
…
عليك يا ابن الرفاعي
يا بحر كل المزايا
…
ويا مجيب الدواعي
ويقول (8):
يا ابن الرفاعي تدارك
…
لمن أتى واستجارك
شيخ العريجا أغثني
…
أصبحت في الحي جارك
لا تلو طرفك عني
…
إني أروم انتصارك
يا أحمد الأصفياء
…
يا وارث الأنبياء
يا شيخ كل الوجود
…
يا بحر فضل وجود
يا ابن الرسول أغثني
…
فقد تعاظم حزني
فان تغاضيت عني
…
يصبح عاري عارك
(1)((قلادة الجواهر)) (233 – 234).
(2)
((البرهان المؤيد)) (44).
(3)
((غاية الأماني في الرد على النبهاني)) (1/ 345 – 346) لمحمود شاكر الألوسي العراقي ط: دار أحياء السنة النبوية.
(4)
تجدر الإشارة إلى أن الشيخ عبد الحميد الرافعي قد نحل كثيرا من أشعاره إلى الصيادي انظر ((الأعلام)) للزركلي (3/ 287).
(5)
((الكنز المطلسم)) (61 – 62).
(6)
((العقود الجوهرية)) (ص24).
(7)
((قلادة الجواهر)) (427).
(8)
((قلادة الجواهر)) (382 – 383).
ويقول (1):
لذ بباب الجليل الرفاعي
…
ولك الأمن من ملم الدواعي
وتململ برحبه فحماه
…
حرم الوصل قاطع الانقطاع
فهو في العارفين كعبة بيت الـ
…
وصل محراب جامع الانتفاع
وملاذي وملجأي ونصيري
…
ومغيثي ومنقذي من ضياع
فعليه الرضا من الله ما صلى مصل
…
وطاف بالبيت ساعي
ويظهر من البيت الآتي مدى اعتقاد الرفاعية في شيخهم من الحماية والقدرة والضر والنفع حيث يرجون منه ما لا يرجون من الله تعالى. يقول الصيادي (2):
يلاذ به إن جار في الدهر حادث
…
ويحمى بعلياه إذا الزمن اعتدى
ويقول (3):
به أحتمي إن سامني غدر غادر
…
ودوما إليه في الصعاب التجائيه
ومن كل كرب أستغيث باسمه
…
فذا مأمني من كل عاد وعادية
وما لي سواه في الأنام وسيلة
…
ولا منجدا أيام تسطو أعاديه
وما لي له إذا جئت خائفا
…
وقمت أؤدي في القيام حسابيه
ويقول (4):
غوثاه بالمصطفى وبالمرسلين وفي
…
كل الصحابة أهل المجد والهمم
أسرع وقم واكفني شر الزمان وجد
…
عطفا بنظرة لطف تحي لي عدمي
وانهض بهمتك العليا وقل حصل الـ
…
ـمقصود صدقا وأسعف وارع لي هممي
غوثاه يا ابن رسول الله خذ بيدي
…
يا سيد الأوليا يا ثابت القدم
ما لي لباب رسول الله واسطة إلاّك
…
فاسمح وقل لا تخش من ندم
ويقول (5):
توسل يا أبا العلمين عن النبي
…
بنيل مأربي القصي
لأنك يا رفاعي القوم غوثي
…
وواسطتي لوالدك النبي
وأنت (ملاحظي) في كل حال
…
فداركني وشيد أركان حبي
ويلاحظ في مقاطع الأبيات الأخيرة أن أبا الهدى الصيادي يدعو إلى اتخاذ الرفاعي وسيلة ليس إلى الله كما هو دأب الصوفية، بل إلى النبي، متوسلين إلى المخلوق بالمخلوق، متقربين بالرفاعي إلى النبي زلفى. وهذا شر وأشنع من شرك أهل الجاهلية الأولى الذين كانوا يتقربون بالمخلوقين إلى الخالق زلفى. وينقل عن محمد نور أفندي قوله (6):
يا ابن الرفاعي الرفيع مقامه
…
يا سيد الأقطاب والسادات
شرفت قيعان العراق جميعها
…
فغدت بقبرك مهبط البركات
كم نظرة وجهتها لمضيع
…
فجمعت الأمر منه بعد شتات
ولكم صرفت القلب نحو عويجز
…
فرفعت رتبته إلى الغايات
يا من يؤمل يوم كل ملمة
…
يا من يؤم حماه للفضحات
يا صاحب العلمين يا بحر الندى
…
يا عمدتي أبدا وحصن نجاتي
أدعوك غوثا يا ابن بنت محمد
…
يا سيدي يا عالي الدرجات
لا تقطعن رحمي لذنب مسني
…
وأقل دائما بفضلك عثراتي
…
(1) ديوان ((الفيض المحمدي)) (120 – 121).
(2)
((تنوير الأبصار)) (ص10).
(3)
((الكنز المطلسم)) (84 – 85).
(4)
ديوان ((الفيض المحمدي)) (ص126).
(5)
ديوان ((الفيض المحمدي)) (ص127).
(6)
((الكنز المطلسم)) (80 – 81).