الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث العاشر: الإستراتيجية السياسية والعسكرية لحركة الحشاشين في سوريا
إستراتيجية الحشاشين في سوريا لا تختلف عن إستراتيجيتهم في فارس، حيث تعتمد على نفس الوسائل من أجل تحقيق نفس النتائج.
واستغلالاً للوضع القائم الذي كان يتسم بالفوضى الاجتماعية التي أدى إليها دخول السلاجقة، ثم الصراع الذي كان قائماً بين حكام المناطق، حاول الحشاشون في خضم ذلك أن يستولوا على قلاع وحصون أو الحصول عليها لاستخدامها كقواعد خلفية لحملاتهم الإرهابية في مواجهة الخصوم.
وفي هذا الصدد قام الحشاشون بتجميع الناس الذي يقطنون المناطق الجبلية وإثارة الحمية والعاطفة الشيعية فيهم من أجل تجنيدهم في صفوف الحركة، كما عقدوا بعض التحالفات المحدودة، والمؤقتة التي كانت تبدو في صالحهم مع بعض الحكام المحليين.
لقد كانت مهمة الحشاشين صعبة للغاية على الأقل في بداية نشاطهم بسوريا، وربما كان بعض السبب في ذلك أن الدعوة إلى العقيدة الإسماعيلية في هذا البلد بدأت بدعاة غريبين عن الوسط الذي ينشطون فيه، فقد كان معظمهم من الفرس، لذلك كان تجاوب الجماهير مع الحركة سلبياً بالمقارنة إلى بلاد فارس لولا الظروف التي سهّلت المهمة حين حقق الحشاشون أول انتصار لهم بعد نصف قرن تقريباً من الجهد والعمل المتواصلين ومن ثمَّ حصلوا على مجموعة من المراكز القوية بوسط سوريا. كان الحكيم المنجم هو الداعي الكبير الذي يقود الحركة في سوريا ويوجه تحركات عناصرها وقد تمكن من التحالف مع حاكم حلب، كما استغل هذا الداعي توتر العلاقات بين حاكم حلب وبقية حكام سوريا وخاصة حاكمي دمشق وحمص، وقام بمناورة ذكية حيث أقنع حاكم حلب أن حاكمي دمشق وحمص يحشدان الجيوش استعداداً لغزو إمارته، فأظهر الحاكم العداء ضدهما وأبدى رغبته في التعاون مع الحشاشين، وكانت أول بادرة لذلك أن جعل جميع حاشيته منهم، وتمكّن الحشاشون على إثر ذلك من الخروج إلى النور، والنشاط علناً، فقد وجدوا تربة خصبة للعمل السياسي والدعوي معاً، خاصة وأن المدينة غالبية سكانها من الشيعة الإثني عشرية (1)، ولا شك أنهم أقرب إلى إسماعيلية ألموت من أية فرقة أخرى.
وأمام هذه العزلة السياسة التي فرضها حاكم حلب على إمارته، تعرض لانتقاد لاذع من صهره حاكم حمص، ودارت من جراء ذلك رحى الحرب بين الأميرين، انتهت بهزيمة حاكم حلب، الذي فر خارج حدود إمارته ودبر مؤامرة مع الداعية الحكيم المنجم لاغتيال حاكم حمص والانتقام منه، وتمكن بعض الفدائيين الذين كانوا يلبسون زي الصوفية من الهجوم عليه واغتياله وهو يؤدي صلاة الجمعة في المسجد.
وتكاد جميع المصادر تقتصر على هذه الأحداث دون غيرها التي دارت بين الحشاشين وخصومهم.
ولم يبق زعيم الحركة الحكيم المنجم على قيد الحياة طويلاً إذ توفي بعد فترة قصيرة من اغتيال حاكم حمص، وانتقلت زعامة الحركة إلى أحد الدعاة يدعى أبو طاهر الصايغ.
عهد أبي طاهر الصايغ:
كان فارسياً هو الآخر، عمل في بداية الأمر على توطيد علاقته بحاكم حلب أكثر فأكثر، والحفاظ على تحالف الحركة معه أطول مدة، وحصل من خلال ذلك على حرية الحركة في النشاط داخل حلب، ثم سعى للحصول على نقاط إستراتيجية في جبال المدينة وهضابها الواقعة إلى الجنوب.
عهد سنان
…
شيخ الجبل:
يمثل هذا العهد العصر الذهبي لحركة الحشاشين في سوريا، كما أن سنان كان أعظم زعيم تشهده الحركة، يشبه في إدارته للحركة وقدراته في مواجهة الخصوم زعيم الحركة الأول الحسن الصباح.
(1) هذا قديماً أما الآن فإن الحال تغير، فالغالبية من أهل السنة متمسكون بعقيدتهم.
كان مولد سنان بالبصرة سنة 528هـ، وقد درس مختلف العلوم الفلسفية والعقدية المنتشرة في عصره، حتى صار أحد دعاة الإسماعيلية النزارية، التابعة لدولة ألموت الجديدة.
وبعد ثلاثين سنة قضاها سنان شيخ الجبل في قيادة حركة الحشاشين بالشام وافته المنية سنة 588هـ، بعد أن أعاد بناء الحركة بمهارة عالية تذكرنا بالحسن بن الصباح المؤسس الأول للحركة.
وبموت سنان شيخ الجبل دخلت الحركة مرحلة الضعف، وهذا بالرغم من أن خلفاءه ظلوا أوفياء لخطه، يمارسون نفس السياسة، ويجعلون من الاغتيال الوسيلة الوحيدة لإثبات الوجود ومقاومة الخصوم، وتمكنوا تحت التهديد والوعيد من الحصول على الجزية خاصة من الأمراء الصليبيين.
وعندما دخل التتار الشام عملوا على القضاء على الحشاشين، إذ شنوا هجوماً واسع النطاق على مختلف قلاعهم، وتمكنوا على إثر ذلك من السيطرة على بعض القلاع الهامة في المنطقة، ولكن سرعان ما ردّت الحركة بقوة واسترجعت بعض ما ضاع منها من قلاع.
وفي هذه الفترة كان السلطان المملوكي الظاهر بيبرس يقود حرباً ضد الصليبيين والمغول الوثنيين، وكان هدفه تحرير الشرق الإسلامي من هذا التهديد المزدوج، كما أنه لا يمكن أن يُتوقع منه التسامح إزاء استمراء وجود جيب مستقل خطر من الملحدين والقتلة في قلب سوريا، وشدد قبضته على الحشاشين فأقروا له بالخضوع والطاعة وأمر بيبرس بجمع الضرائب والرسوم التي تُدفع إلى الحشاشين، ولم يكن باستطاعة الحشاشين الذين أضعفوا في سوريا وأثبطت همتهم نتيجة مصير إخوانهم الفارسيين أن يبدوا مقاومة، فقبلوا جميع إجراءات بيبرس، حتى أصبح –أي بيبرس-، بدلاً من سيد ألموت هو الذي يعين رؤساء الحشاشين ويخلعهم كما يريد، كما أصبح رجال الحركة وأتباعها تحت تصرفه المباشر.
ومنذ ذلك الوقت صار الحشاشون مجرد مجموعات صغيرة تمركزت في مناطق معينة، ولم يعد لها أية أهمية سياسية أو تأثيراً على مجرى الحوادث، ولم يعودوا يظهرون في صفحات التاريخ حتى أوائل القرن التاسع عشر عندما عُرف أنهم في نزاع دائم بينهم، ويبلغ عددهم في الوقت الحاضر بضعة آلاف شخص، يدين البعض منهم بالولاء لآغاخان كإمام لهم.
وهكذا توقفت الإسماعيلية مرة أخرى إلى الأبد عن أن تكون بديلاً جاداً للفكر السني الذي يسيطر على الحياة الفكرية في مختلف البلاد الإسلامية، وإنها لصفحة من أغرب صفحات الثورة على الإسلام، بل وعلى العقل والمنطق، وأشدها غلواً وإغراقاً.
المصدر:
أسرار فرقة الحشاشين لمحمد هادي نزار- ص 160