الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث التاسع: معتقد الإسماعيلية في الإلهيات
إن الإسماعيلية يعتقدون بأن الله لا يوصف ولا يسمى باسم، مخالفين صريح القرآن والسنة ومؤولين بتأويلات فاسدة باردة كاسدة بعيدة كل البعد عن منطوقها ومفهومها سالكين مسلك الثنويين والوثنيين والمجوس وجاعلين الإله الواحد آلهة متعددة والرب الواحد أربابا متفرقين متعددين قائلين بالواحد الممتنع وجوده مكابرين مجادلين آيات القرآن الناطق بأسماء الله وصفاته وأحاديث الرسول المعصوم المدعم بالوحي
المصدر:
الإسماعيلية لإحسان إلهي ظهير – ص 273
يقول العلامة ابن تيمية رحمه الله بعد أن ذكر منهج السلف في الإيمان بالله وأسمائه وصفاته: وأما من زاغ وحاد عن سبيلهم من الكفار والمشركين والذين أوتوا الكتاب ومن دخل في هؤلاء من الصابئة والمتفلسفة والجهمية والقرامطة والباطنية ونحوهم فإنهم على ضد ذلك يصفونه بالصفات السلبية على وجه التفصيل ولا يثبتون إلا وجودا مطلقا لا حقيقة له عند التحصيل وإنما يرجع إلى وجود في الأذهان يمتنع تحققه في الأعيان فقولهم يستلزم غاية التعطيل وغاية التمثيل فإنهم يمثلونه بالممتنعات والمعدومات والجمادات ويعطلون الأسماء والصفات تعطيلا يستلزم نفي الذات فغلاتهم يسلبون عنه النقيضين فيقولون: لا موجود ولا معدوم ولا حي ولا ميت ولا عالم ولا جاهل لأنهم يزعمون أنهم إذا وصفوه بالإثبات شبهوه بالموجودات وإذا وصفوه بالنفي شبهوه بالمعدومات فسلبوا النقيضين وهذا ممتنع في بداهة العقول وحرفوا ما أنزل الله من الكتاب وما جاء به الرسول فوقعوا في شر مما فروا منه فإنهم شبهوه بالممتنعات إذ سلب النقيضين كجمع النقيضين كلاهما من الممتنعات (1).وفي موضوع آخر يقول: وإنما ينكر أن تكون هذه الأسماء حقيقة النفاة من القرامطة الإسماعيلية الباطنية ونحوهم من المتفلسفة الذين ينفون عن الله الأسماء الحسنى ويقولون: ليس بحي ولا ميت ولا عالم ولا جاهل ولا قادر ولا عاجز ولا موجود ولا معدوم فهؤلاء ومن ضاهاهم ينفون أن تكون له حقيقة ثم يقول بعضهم: إن هذه الأسماء لبعض المخلوقات وأنها ليست له حقيقة ولا مجازا وهؤلاء الذين يسميهم المسلمون الملاحدة لأنهم ألحدوا في أسماء الله وآياته وكانوا عند المسلمين أكفر من اليهود والنصارى (2).
ويقول أيضا: إن الإسماعيلية وضعوا لأنفسهم اصطلاحات روجوها على المسلمين ومقصودهم بها مقصود الفلاسفة الصابئون والمجوس الثنوية كقولهم السابق والتالي ويعنون به العقل والنفس ويقولون هو اللوح والقلم وأصل دينهم مأخوذ من دين المجوس والصابئين. ويضيف ابن تيمية إلى أن هذه المعتقدات مما وجدها في كتبهم وذكرها أيضا الكاشفون لأسرارهم والهاتكون لأستارهم كالقاضي أبي بكر بن الطيب والقاضي أبي يعلى (3).
ونقل الشهرستاني صورة شاملة لمعتقدهم في الإلهيات ومما قال عنهم أنهم قالوا في الباري عز وجل: إنا لا نقول عنه موجود ولا لا موجود ولا عالم ولا جاهل ولا قادر ولا عاجز. وكذلك في جميع الصفات فإن الإثبات الحقيقي يقتضي شركة بينه وبين سائر الموجودات في الجهة التي أطلقنا عليها وذلك تشبيه فلم يكن الحكم بالإثبات المطلق والنفي المطلق بل هو إله المتقابلين وخالق المتخاصمين والحاكم بين المتضادين ونقلوا في هذا نصا عن محمد الباقر أنه قال (لما وهب العلم للعالمين قيل هو عالم ولما وهب القدرة للقادرين قيل هو قادر فهو عالم قادر بمعنى أنه وهب العلم والقدرة ولا بمعنى أنه قام به العلم والقدرة أو وصف بالعلم والقدرة)
(1)((مجموع الفتاوى)) (3/ 7 – 8).
(2)
انظر ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (5/ 197).
(3)
((مخطوطة بغية المرتاد)) لابن تيمية (ص: 6).
فقيل فيه أنهم نفاة الصفات حقيقة معطلة الذات عن جميع الصفات قالوا: وكذلك نقول في القدم. إنه ليس بقديم ولا محدث بل القديم أمره وكلمته والمحدث خلقه وفطرته.
أبدع بالأمر العقل الأول الذي هو تام بالفعل ثم بتوسطه أبدع النفس التالي الذي هو غير تام ونسبة النفس إلى العقل أما نسبة النطفة إلى تمام الخلقة والبيض إلى الطير وأما نسبة الولد إلى الوالد والنتيجة إلى المنتج وأما نسبة الأنثى إلى الذكر والزوج إلى الزوج.
قالوا: ولما اشتاقت النفس إلى كمال العقل احتاجت إلى حركة من النقص إلى الكمال واحتاجت الحركة إلى آلة الحركة فحدثت الأفلاك السماوية وتحركت حركة دورية بتدبير النفس وحدث الطبائع البسيطة بعدها وتحركت حركة استقامة بتدبير النفس أيضا فتركبت المركبات من المعادن والنبات والحيوان والإنسان واتصلت النفوس الجزئية بالأبدان وكان نوع الإنسان متميزا عن سائر الموجودات بالاستعداد الخاص لفيض تلك الأنوار وكان عالمه في مقابلة العالم كله وفي العالم العلوي عقل ونفس كلي فوجب أن يكون في هذا العالم عقل مشخص هو كل وحكمه حكم الشخص الكامل البالغ ويسمونه الناطق وهو النبي ونفس مشخصة وهو كل أيضا وحكمه حكم الطفل لناقص المتوجه إلى الكمال أو حكم النطفة المتوجة إلى التمام أو حكم الأنثى المزدوجة بالذكر ويسمونه الأساس وهو الوصي. قالوا: وكما تحركت الأفلاك والبائع بتحريك النفس والعقل كذلك تحركت النفوس والأشخاص بالشرائع بتحريك النبي والوصي في كل زمان دائرا على سبعة سبعة حتى ينتهي إلى الدور الأخير ويدخل زمان القيامة وترتفع التكاليف وتضمحل السنن والشرائع وإنما هذه الحركات الفلكية والسنن الشرعية لتبلغ النفس إلى حال كمالها وكمالها بلوغها إلى درجة العقل واتحادها به ووصولها إلى مرتبته فعلا وذلك هو القيامة الكبرى (1).
ويقارن البغدادي بين معتقد الإسماعيلية في الإلهيات ومعتقد المجوس المثنوية القائلين بالنور والظلمة وأنهما صانعان قديما وهما الأصلان في تدبير العالم ويصل بعد ذلك إلى أن هذا المعتقد هو أساس دين الباطنية ومنه استمدوا معتقدهم في الله عز وجل ونقل بعد ذلك عن زعماء الباطنية هذه الخلاصة الموجزة عن معتقدهم في الإلهيات بقوله: وذكر زعماء الباطنية في كتبهم أن الإله خلق النفس فالإله هو الأول والنفس هو الثاني وهما مدبرا هذا العالم وسموها الأول والثاني وربما سموها العقل والنفس ثم قالوا إنهما يدبران هذا العالم بتدبير الكواكب السبعة والطبائع الأولى.
ثم يضيف البغدادي إلى أن قولهم أن الأول والثاني يدبران العالم هو بعينه قول المجوس بإضافة الحوادث لصانعين أحدهما قديم والآخر محدث إلا أن الباطنية عبرت عن الصانعين بالأول والثاني وعبر المجوس عنهما بيزدان وأهرمن.
ويستدل أيضاً بأن هذا المعتقد هو بعينه معتقد المجوس أن داعيهم النسفي قال في كتابه المعروف بـ (المحصول): أن المبدع الأول أبدع النفس ثم أن الأول والثاني مدبر العالم بتدبير الكواكب السبعة والطبائع الأربع وهذا في التحقيق معنى قول المجوس أن اليزدان خلق أهرمن وأنه مع أهرمن من مدبران للعالم. ويخلص البغدادي بعد ذلك إلى أن معتقد الإسماعيلية هذا نتيجة جحد الصانع والاعتقاد بقدم العالم وأنهم دهرية زنادقة ويستدل على ذلك بما قرأه واطلع عليه في كتابهم المترجم بالسياسة والبلاغ الأكيد والناموس الأعظم وفيه قولهم ونحن مجمعون مع الفلاسفة على القول بقدم العالم لو ما يخالفنا فيه بعضهم من أن للعالم مدبرا لا يعرفونه (2).
(1)((الملل والنحل)) للشهرستاني (1/ 193 - 194).
(2)
((الفرق بين الفرق)) للبغدادي (ص269 - 270، 277 - 278).
ويفصل الغزالي الحديث عن معتقد الإسماعيلية في الإلهيات –وكأني به وقد اطلع على جل كتبهم في هذا الباب- بصورة أكثر تفصيلاً وبصيغة الإجماع كذلك يقول عنهم: وقد اتفقت أقاويل نقلة المقالات من غير تردد أنهم قائلون بإلهين قديمين لا أول لوجودهما من حيث الزمان إلا أن أحدهما علة لوجود الثاني واسم العلة السابق واسم المعلول التالي وأن السابق خلق العالم بواسطة التالي لا بنفسه وقد يسمى الأول عقلاً والثاني نفساً ويزعمون أن الأول هو التام بالفعل والثاني بالإضافة إليه ناقص لأنه معلوله وربما لبسوا على العوام مستدلين بآيات من القرآن عليه كقوله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9]، نَحْنُ قَسَمْنَا [الزخرف:32] وزعموا أن هذه إشارة إلى جمع لا يصدر عن واحد ولذلك قال: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى [الأعلى:1]، إشارة إلى السابق من الإلهين فإنه الأعلى ولولا أن معه إلهاً آخر له العلو أيضاً لما انتظم إطلاق الأعلى وربما قالوا: الشرع سماهما باسم القلم واللوح والأول هو القلم فإن القلم مفيد واللوح مستفيد متأثر والمفيد فوق المستفيد. وربما قالوا اسم التالي القدر في لسان الشرع وهو الذي خلق الله به العالم حيث قال: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ [القمر:49].
المصدر:
أصول الإسماعيلية لسليمان بن عبد الله السلومي – ص 535