المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الثالث: الحدود الخمسة - موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام - جـ ٩

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المبحث الأول: الرد على عقيدة وحدة الوجود

- ‌المبحث الثاني: الرد على عقيدة تصور المشايخ:

- ‌المبحث الثالث: الرد على ما ابتدعوه من أوراد وأشغال صوفية

- ‌المبحث الرابع: الرد على ما جاء في دلائل الخيرات والبردة والهمزية

- ‌المبحث الخامس: الرد على اعتقادهم جواز الاستغاثة بغير الله

- ‌المبحث السادس: الرد على تبركاتهم البدعية والشركية

- ‌المبحث السابع: الرد على اعتقادهم تمثل أرواح أئمتهم والصالحين بالأجساد

- ‌المبحث الثامن: الرد على اعتقاد تصرف أئمتهم في الكون

- ‌المبحث التاسع: الرد على التزامهم المراقبة عند القبور

- ‌المبحث العاشر: الرد على اعتقاد علم أئمتهم بما في الأرحام

- ‌المبحث الحادي عشر: الرد على اعتقاد علم النبي والأولياء للغيب

- ‌المبحث الثاني عشر: الرد على اعتقاد أن النبي مخلوق من نور وأنه أول خلق الله

- ‌المبحث الثالث عشر: الرد على اعتقادهم حياة النبي في قبره حياة دنيوية

- ‌المبحث الرابع عشر: الرد على اعتقاد جواز شد الرحال إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم وأنه من أعظم القربات

- ‌المبحث الخامس عشر: الرد على اعتقاد جواز التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث السادس عشر: الرد على قولهم بجواز رؤية النبي يقظة

- ‌المبحث السابع عشر: الرد على تأويلهم صفة العلو

- ‌المبحث الثامن عشر: الرد على إيجابهم اتباع أبي حنيفة

- ‌مراجع للتوسع:

- ‌المبحث الأول: تعريف الباطنية

- ‌المبحث الثاني: سبب التسمية

- ‌المبحث الثالث: بداية الحركة الباطنية

- ‌المبحث الرابع: فرق الباطنية

- ‌المبحث الأول: الحركات الباطنية وأثرها في تدمير الأمة

- ‌المبحث الثاني: أثرها في الناحية الفكرية

- ‌المبحث الثالث: أثرها في الناحية الاجتماعية

- ‌المبحث الرابع: أثرها في الناحية السياسية

- ‌المطلب الأول: التعريف

- ‌المطلب الثاني: فرق الإسماعيلية

- ‌المبحث الثاني: أئمة الإسماعيلية

- ‌المبحث الثالث: مراتب الأئمة

- ‌المبحث الرابع: درجات دعاتهم ومراتبهم

- ‌المبحث الخامس: أبرز دعاة الإسماعيلية

- ‌المبحث السادس: أصول الإسماعيلية

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: أهمية التأويل الباطني عند الإسماعيلية

- ‌المطلب الثاني: نماذج من تأويل الإسماعيلية للآيات القرآنية

- ‌المطلب الثالث: تأويل الإسماعيلية للتكاليف الشرعية

- ‌المطلب الرابع: أقوال علماء الفرق في التأويل الباطني عند الإسماعيلية

- ‌المطلب الخامس: إبطال أصل التأويل الباطني عند الإسماعيلية

- ‌المبحث الثامن: ضلالات الإسماعيلية

- ‌المبحث التاسع: معتقد الإسماعيلية في الإلهيات

- ‌المطلب الأول: تعريف النبوة عندهم

- ‌المطلب الثاني: المنطلقات الأساسية لمعتقد الإسماعيلية عن النبوة والأنبياء فهم

- ‌المطلب الثالث: استمرار النبوة والرسالة عندهم

- ‌المطلب الرابع: أقوال علماء الفرق في معتقد الإسماعيلية عن النبوة والأنبياء

- ‌المطلب الأول: تأويل القيامة وما بعدها

- ‌المطلب الثاني: البعث والمعاد

- ‌المطلب الثالث: معاد أهل دعوتهم

- ‌المطلب الرابع: أقوال علماء الفرق عن معتقد الإسماعيلية في الأخرويات

- ‌المطلب الأول: التكاليف الشرعية صورة عملية تطبيقية لعقيدة المسلم

- ‌المطلب الثاني: معتقدهم في التكاليف الشرعية

- ‌المطلب الثالث: أقوال علماء الفرق عن معتقد الإسماعيلية في التكاليف الشرعية

- ‌المطلب الرابع: هدف الإسماعيلية من تأويل التكاليف ونقدهم

- ‌المبحث الثالث عشر: حكم الإسلام في طائفة الإسماعيلية

- ‌الفصل الرابع: الإسماعيلية المعاصرة

- ‌المطلب الأول: تعريف بطائفة البهرة (الإسماعيلية) ونشأتها

- ‌أولا: التعريف

- ‌ثانيا: نشأة البهرة

- ‌المطلب الثاني: عقيدتهم

- ‌المطلب الثالث: كتبهم

- ‌المطلب الرابع: زعماؤهم

- ‌أولا: الدعوة الإسماعيلية في الهند

- ‌ثانيا: انتقال مركز الدعوة من اليمن إلى الهند

- ‌1 - الطائفة الجعفرية

- ‌2 - الفرقة السليمانية

- ‌3 - الفرقة العلوية والفرقة النغوشية

- ‌4 - الفرقة الهجومية

- ‌5 - الفرقة الهبتية

- ‌6 - طائفة أصحاب البستان المهدي

- ‌أولا: أحوالهم الاقتصادية والتعليمية

- ‌ثانيا: لغتهم وطقوسهم

- ‌ثالثا: مصادر دخل داعي البهرة

- ‌المطلب السابع: في أحوالهم الاجتماعية

- ‌المطلب الثامن: النظام الحالي للدعوة الطيبية

- ‌المطلب التاسع: البهرة وتعاونهم مع الاستعمار

- ‌المطلب العاشر: فتاوى العلماء عن فرقة البهرة

- ‌فتوى اللجنة الدائمة

- ‌المبحث الثاني: طائفة الأغاخانية (الإسماعيلية)

- ‌المطلب الأول: تعريف بالأغاخانية (الإسماعيلية) ونشأتها

- ‌أولا: التعريف

- ‌ثانيا: نشأة الأغاخانية الإسماعيلية

- ‌المطلب الثاني: من أبرز شخصياتهم

- ‌المطلب الثالث: عقيدتهم

- ‌أولا: من أهم عقائدهم

- ‌ثانيا: من أقوال الأب الروحي للإسماعيلية

- ‌المطلب الرابع: أعيادهم واحتفالاتهم الدينية

- ‌أولا: مزاراتهم

- ‌ثانيا: أعيادهم

- ‌المطلب الخامس: أحوالهم المادية

- ‌المطلب السادس: الضرائب عند الأغاخانية

- ‌أولا: عاداتهم

- ‌ثانيا: مطالبتهم بما يسمى تحرير المرأة

- ‌أولا: تنظيماتهم الدعوية

- ‌ثانيا: نشاطهم الدعوي

- ‌المطلب التاسع: أماكن انتشارهم

- ‌المطلب العاشر: الأغاخانية وتعاونهم مع الاستعمار

- ‌المطلب الحادي عشر: فتاوى العلماء في الأغاخانية (الإسماعيلية)

- ‌المطلب الأول: التعريف

- ‌المطلب الثاني: نشأتهم

- ‌المطلب الثالث: عقائدهم

- ‌المطلب الرابع: السليمانية في منطقة المزاحن

- ‌ثالثا: الجانب التعليمي

- ‌رابعا: الجانب السياسي والاجتماعي

- ‌المطلب الخامس: واقعها المعاصر

- ‌المطلب السابع: أبرز شخصياتهم

- ‌المطلب الثامن: أماكن انتشارهم

- ‌المبحث الأول: التعريف بهم

- ‌المبحث الثاني: التأسيس وأبرز الشخصيات

- ‌المبحث الثالث: نشأة الطائفة الإسماعيلية النزارية (الحشاشون)

- ‌المبحث الرابع: الأحداث التاريخية والسياسية التي واكبت ظهور الحشاشين

- ‌المبحث الخامس: حركة الحشاشين أو الدعوة الجديدة

- ‌المبحث السادس: الأفكار والمعتقدات والجذور الفكرية

- ‌المبحث السابع: المبادئ العامة لحركة الحشاشين وأساليبها في الدعوة

- ‌المطلب الأول: مراتب الدعاةّ

- ‌المطلب الثاني: المرحلية في الدعوة

- ‌المبحث الثامن: النشاط العسكري لحركة الحشاشين

- ‌المطلب الأول: القلاع والحصون

- ‌المطلب الثاني: الفدائيون

- ‌المطلب الثالث: الاغتيال السياسي

- ‌المبحث التاسع: الرموز السرية

- ‌المبحث العاشر: الإستراتيجية السياسية والعسكرية لحركة الحشاشين في سوريا

- ‌المبحث الحادي عشر: الانتشار ومواقع النفوذ

- ‌المبحث الثاني عشر: تعامل الباطنية النزارية (الحشاشين) مع الصليبيين

- ‌جدول بأسماء القادة والعلماء الذين اغتالهم الباطنيون

- ‌المطلب الأول: التعريف بهم

- ‌المطلب الثاني: ألقابهم

- ‌المطلب الثالث: بدايات دعوتهم

- ‌المطلب الرابع: أهدافهم

- ‌المطلب الأول: الحالة السياسية

- ‌المطلب الثاني: الحالة الاجتماعية والاقتصادية

- ‌المطلب الأول: معتقدهم في الإلهيات

- ‌المطلب الثاني: معتقدهم في النبوات

- ‌المطلب الثالث: معتقدهم في الإمامة

- ‌المطلب الرابع: معتقدهم في القيامة والمعاد

- ‌المطلب الخامس: اعتقادهم في التكاليف الشرعية

- ‌المبحث الرابع: خيانات القرامطة

- ‌المبحث الخامس: أساليب القرامطة في الدعوة

- ‌المبحث السادس: العوامل التي ساعدت على نجاح القرامطة

- ‌المبحث السابع: المظهر السياسي للقرامطة

- ‌المبحث الثامن: الانتشار ومواقع النفوذ

- ‌المطلب الأول: على الصعيد السياسي

- ‌المطلب الثاني: على الصعيد الاجتماعي

- ‌المطلب الثالث: على الصعيد الديني

- ‌المبحث العاشر: أتباعهم

- ‌المبحث الحادي عشر: أقوال العلماء في كفر القرامطة

- ‌المبحث الأول: التعريف بطائفة النصيرية

- ‌المبحث الثاني: زعيمهم وسبب انفصاله عن الشيعة وموقفهم منه

- ‌المبحث الثالث: أبرز الشخصيات بعد مؤسس النصيرية

- ‌المطلب الأول: نشأة النصيرية

- ‌المطلب الثاني: أسماء هذه الطائفة والسبب في إطلاقها عليهم

- ‌المطلب الثالث: فرق النصيرية

- ‌المبحث الخامس: مراسيم وطقوس الدخول في عقيدة النصيرية

- ‌المبحث السادس: أهم عقائد النصيرية

- ‌المبحث السابع: عبادات النصيرية

- ‌المبحث الثامن: موقف النصيرية من الصحابة

- ‌المبحث التاسع: تعظيمهم لسلمان الفارسي والأيتام الخمسة

- ‌المبحث العاشر: أعياد النصيرية

- ‌المبحث الحادي عشر: تكتم النصيرية على عقائدهم

- ‌المبحث الثاني عشر: نظرتهم تجاه المرأة

- ‌المبحث الثالث عشر: تعظيمهم للخمر

- ‌المبحث الرابع عشر: المراتب والدرجات عند النصيرية

- ‌المبحث الخامس عشر: أماكن انتشار النصيرية

- ‌المبحث السادس عشر: بيان خطر النصيرية

- ‌المبحث السابع عشر: من خيانات النصيريين

- ‌المبحث الثامن عشر: مقارنة بين عقائد الإسماعيليين والدروز والنصيرية

- ‌المبحث التاسع عشر: حكم الإسلام في النصيرية

- ‌مراجع للتوسع

- ‌المبحث الأول: التعريف بهم

- ‌المبحث الثاني: الحاكم بأمر الله وعلاقته بعقيدة الدروز

- ‌المبحث الثالث: تطور المذهب الدرزي بعد الحاكم

- ‌المبحث الرابع: أشهر دعاة الدروز وآراؤهم

- ‌المبحث الخامس: أسماء الدروز

- ‌المبحث السادس: كيف انتشرت العقيدة الدرزية

- ‌المبحث السابع: معاملة الدروز لمن يكشف شيئاً من عقائدهم

- ‌المبحث الثامن: طريقة الدروز في تعليم ديانتهم

- ‌المطلب الأول: ألوهية الحاكم عند الدروز

- ‌المطلب الثاني: التناسخ والتقمص والحلول

- ‌المطلب الثالث: الحدود الخمسة

- ‌المطلب الرابع: عقيدتهم في اليوم الآخر والثواب والعقاب

- ‌المطلب الخامس: عقيدتهم في الأنبياء

- ‌المطلب السادس: عقيدتهم في التستر والكتمان

- ‌المطلب السابع: رسائل الدروز وكتبهم المقدسة

- ‌المطلب الأول: إبطال مفهومهم للألوهية، وحلول اللاهوت في الناسوت

- ‌المطلب الثاني: إبطال قولهم بالتناسخ والرجعة

- ‌المطلب الأول: نقضهم أركان الإِسلام، وفرضهم بدلها سبع دعائم تكليفية

- ‌المطلب الثاني: الزواج والطلاق والوصية عندهم

- ‌المطلب الثالث: تقسيم المجتمع الدرزي إلى عقال وجهال ونظام الخلوات عندهم

- ‌المطلب الأول: موقفهم من اليهود

- ‌المطلب الثاني: موقفهم من النصارى

- ‌المطلب الثالث: موقفهم من النصيرية

- ‌المطلب الرابع: الفرق بين النصيرية والدروز

- ‌المبحث الثالث عشر: الدروز في العصر الحاضر

- ‌المبحث الرابع عشر: خيانات الدروز

- ‌المبحث الخامس عشر: الانتشار ومواقع النفوذ

- ‌المبحث السادس عشر: حكم الإسلام فيهم وفي معاملاتهم

- ‌مراجع للتوسع

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: التعريف

- ‌تمهيد

- ‌أولا: الشيخية أو الرشتية

- ‌ثانيا: البابية

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: نشأته

- ‌المطلب الثاني: ثقافته

- ‌المطلب الثالث: عمالته هو وأسرته لأعداء الإسلام والمسلمين

- ‌المطلب الرابع: نبوءات البهاء

- ‌المطلب الخامس: وفاته

- ‌المطلب الأول: انقسام البهائية وأهم زعمائها

- ‌المطلب الثاني: أسباب انتشار البهائية

- ‌المطلب الثالث: مواطن انتشار البهائية

- ‌أولا: عقيدة البابية:

- ‌ثانيا: شريعة البابية

- ‌ثالثا: الكتاب المقدس للبابية

- ‌أولا: عقيدتهم في الله

- ‌ثانيا: عقيدتهم في الأنبياء

- ‌ثالثا: عقيدتهم في اليوم الآخر

- ‌رابعا: موقفهم من القرآن والسنة وكتابهم المقدس عندهم

- ‌خامسا: البهائية والإباحية

- ‌سادسا: موقفهم من المسلمين وغير المسلمين

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: وحدة الأديان

- ‌المطلب الثاني: وحدة الأوطان

- ‌المطلب الثالث: وحدة اللغة

- ‌المطلب الرابع: السلام العالمي

- ‌المطلب الخامس: المساواة بين الرجال والنساء

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: أركان الإسلام

الفصل: ‌المطلب الثالث: الحدود الخمسة

‌المطلب الثالث: الحدود الخمسة

في العقيدة الإِسماعيلية مبدأ أساسي في التوحيد والإِيمان، (هو أن توحيد الله لا يكمل إلا بمعرفة مراتب الحدود الروحانية، والحدود الجسمانية، والإِيمان بهم وطاعتهم طاعة تامة، وهذه الحدود هي: (العقل، والنفس، والجد، والفتح، والخيال). وهذه الحدود العلوية ممثولات لحدود الدين الجسمانية الذين هم النطقاء، والأوصياء والأئمة والحجج والدعاة) (1).

وذهب الفاطميون كذلك إلى أن الله تعالى أبدع العقل الكلي وبوساطته وجدت النفس الكلية، وبوساطتها وجدت المخلوقات كلها. فالعقل الكلي عند الإِسماعيلية هو الخالق الحقيقي، ومن هنا قالوا أن أسماء الله الحسنى الواردة في القرآن الكريم هي أسماء للعقل الكلي، واعتبروا أن الإِمام الفاطمي ممثل للعقل الكلي، وأن جميع مناقب العقل الكلي وصفاته تطلق أيضًا على الإِمام) (2).

وجاء دعاة الدروز وأخذوا آراء الفاطميين في الحدود، وحوروها حتى تتفق مع مبادئهم وآرائهم، فخالفوا بذلك آراء الفاطميين مخالفة جوهرية. من ذلك:(أن الحدود الروحانية هم نفسهم الحدود الجسمانية، فلا يوجد عندهم مثل وممثول، أي أن الحدود الجسمانية هم أنفسهم الحدود العلوية، فذهبوا إلى أن المعبود أبدع من نوره العقل الكلي، وهو الإِرادة، وهو علة العلل، وهو القلم، وهو القضاء، وهو ألف الابتداء وألف الانتهاء، وهو قائم الزمان حمزة بن علي)(3).

ويناقش حمزة رأي الفاطميين في حدود الدين في (رسالة كشف الحقائق) فيقول:

(اعلموا معاشر الموحدين رحمكم البار العزيز الجبار، بأن جميع المؤمنين والشيوخ المتقدمين تحيروا في أمر السابق وضده التالي ونده، فبعضهم قالوا: بأن السابق هو الغاية والنهاية، والعبادة له وحده دون غيره في كل عصر وزمان، وهذا نفس الكفر. وقالت طائفة منهم: إن السابق نور الباري، لكنه نور لا تدركه الأوهام والخواطر، وهذا نفس الشرك بأن يكون الباري سبحانه لا يدرك، وعبده لا يدرك، فأين الفرق بين العبد والمعبود، وهذا محال ونفس الشرك والضلال)(4).

وهكذا أظهر حمزة الحدود في صور تختلف عما عهده أصحاب العقيدة الفاطمية، فحمزة بن علي هو نفسه العقل الكلي، وهو الإِرادة، وهو علة العلل، وهو القلم، وهو القضاء إلى غير ذلك من الألقاب التي منحها لنفسه، وهذا العقل الكلي ليس هو السابق، إنما السابق مرتبته أقل بكثير من مرتبة العقل الكلي، فإنه في المرتبة الرابعة من مراتب الحدود عند حمزة. كذلك عن التالي، وهو النفس الكلية عند الفاطميين، فقد جعل حمزة مرتبة التالي في المرتبة الخامسة، وجعل الفاطميون – الكلمة – مكونة من السابق والتالي، بينما جعل حمزة – الكلمة – هي المرتبة الثالثة من مراتب الحدود) (5). (وجميع هؤلاء الحدود مشخصون ليس في زمن الحاكم وحسب، بل في جميع العصور)(6). فقد زاروا العالم بظروف وأدوار مختلفة. إذ هم ليسوا مولودين بل موجودين، لا يمسهم الموت، إذ هم الروح الحقيقي الذي لا يخلوا منه عصر، وهم رسل الحاكم في كل دور وإن أخذوا أسماء مختلفة وأقمصة متعددة.

(1) محمد كامل حسين: ((طائفة الدروز)(ص 110).

(2)

أحمد الفوزان: ((أضواء على العقيدة الدرزية)(ص 35).

(3)

محمد كامل حسين: ((طائفة الدروز)(ص 110).

(4)

رسالة ((كشف الحقائق)).

(5)

محمد كامل حسين: ((طائفة الدروز)(ص 112).

(6)

عبد الله النجار: ((مذاهب الدروز والتوحيد)(ص 138).

ص: 366

ويوضح إسماعيل التميمي في (الرسالة الموسومة بالشمعة) مراتب الحدود وأسمائهم فيقول: الحمد لمن أبان توحيده بإقامة حدوده، وكشف عن مجيده بمراتب آياته، وضرب بذلك الأمثال ليعبدوه ذوي الألباب (1)، فقال:(وما يتذكر أولوا الألباب)(2).

والشمعة أقيمت كاملة بجميع آلاتها على التوحيد المحض، فشمعة: خمسة أحرف دليل على الخمس جواهر المكنونة وهم: الإِرادة، والمشيئة، والكلمة، والسابق، والتالي، فهؤلاء شمعة التوحيد.

وعلى بعض الوجوه، إن الشمع لا يقد إلا بالقطن، والقطن لا تقد إلا بالشمع، ولم يقع عليها اسم شمعة كاملة يستضاء بنورها إلا بتعلق النار فيها، والنار الذي يتعلق فيها فهو لطيف وكثيف، فاللطيف فيه لسان العالي الأحمر الذي تعتريه زرقة يختفي مرة ويظهر مرة، فذلك دليل على قائم الزمان حمزة بن علي بن أحمد، والنار الذي يوقد الشمع دليل على حجته: إسماعيل بن محمد بن حامد، والشمع دليل على الكلمة محمد بن وهب، والقطن دليل على السابق سلامة بن عبد الوهاب، والطست الذي هو الحسكة دليل على التالي علي بن أحمد السموقي فهذه الخمسة حدود. كذلك من عدم معرفة هذه الخمسة حدود لم يعرف التوحيد في وقتنا هذا، وكان توحيده دعوى، فليعلموا الموحدون ذلك ويعتقدون ولا يعبدون المولى بلا معرفة، فقد قال:(حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ)(3).

ويصف (كتاب النقط والدوائر) الحدود بما يلي: فالأصلان القديمان: هما العقل الكلي والنفس الكلية، والكلمة البسيطة هو مولاي الكلمة سلام الله عليه، والنور البسيط هو مولاي أبو الخير، والحكمة اللطيفة هو مولاي بهاء الدين سلام الله عليهما. فصارت أربعة جوانب، أي الحدود الأربعة جوانب حول العقل الكلي، لأنهم له بمحل الأجنحة، كما قال:(أولي الأجنحة مثنى وثلاث ورباع)(4).

وعلى ضوء ما ورد في رسالة (ذكر معرفة الإِمام وأسماء الحدود العلوية روحانية وجسمانية) نستطيع أن نرتب حدود الدروز الخمسة على الشكل التالي:

أولا: النفس، وهو ذو معة، علة العلل، والآمر قائم الزمان، وهو الإِرادة، وهو الإِمام الأعظم حمزة بن علي بن أحمد هادي المستجيبين.

ثانيا: النفس، وهو ذو مصة، وهو المشيئة، إدريس زمانه، وأحنوخ أوانه، هرمس الهرامسة، الحجة الصفية الرضية، الشيخ المجتبى، أبو إبراهيم إسماعيل بن محمد بن حامد التميمي، صهر حمزة بن علي.

ثالثًا: الكلمة، وهو سفير القدرة، ذو مصة فخر الموحدين، وبشير المؤمنين، وعماد المستجيبين، الشيخ الرضى، أبو عبد الله محمد بن وهب القرشي.

(1) كذا في الأصل.

(2)

ولكن الصحيح إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ *الزمر:9*.

(3)

الرسالة الموسومة بالشمعة، وهنا يشير إلى الآية الكريمة في سورة الطلاق: آية1

(4)

كتاب النقط والدوائر. وهنا يشير إلى الآية الكريمة الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاء إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * فاطر: 1*.

ص: 367

رابعا: السابق، وهو الجناح الأيمن، نظام المستجيبين وعز الموحدين، أبو الخير سلامة بن عبد الوهاب السامري. خامسًا: التالي، وهو الجناح الأيسر، لسان المؤمنين وسند الموحدين، ومعدن العلوم، الذي يقوم بالأفعال الصحيحة المعلومة، والناصح لكافة الخلق أجمعين، الشيخ المقتني بهاء الدين أبو الحسن علي بن أحمد السموقي المعروف بـ (الضيف)(1).والحدود الأربعة الذين يلون العقل الكلي، هم الأربعة الحرم، وهؤلاء الحدود يظهرون في كل عصر في صور مختلفة وأسماء متباينة، فمثلاً عندما ظهر المعبود في صورة أبي زكريا، ظهر حمزة في صورة قارون، وظهر إسماعيل التميمي النفس الكلية في صورة أبي سعيد الملطي) (2).وعندما ظهر حمزة في صورة سلمان الفارسي في زمن محمد صلى الله عليه وسلم، ظهرت الحدود الأربعة الأخرى بصورة أربعة من الصحابة وهم: المقداد، وأبو ذر، وعمار بن ياسر، والنجاشي) (3).

ومما يذكر أن التالي – أي بهاء الدين – له ثلاثة حدود هم:

الجد: وهو أيوب بن علي.

الفتح: وهو رفاعة بن عبد الوارث.

الخيال: وهو محسن بن علي. وهؤلاء الثلاثة يتلقون أوامرهم من بهاء الدين، وليس لهم المكانة التي للحدود الحرم) (4).وسمي الحدود الأربعة حرما، لأن حمزة مقامه منهم مقام الرجال، وهم نساؤه، ولأنهم عنده بمنزلة النساء في طاعتهم له) (5).

وحتى يكون التوحيد شاملاً، جعلوا لمرتبة العقل سبعين حجة، وعن هؤلاء الحجج السبعين تفرعت الحدود جميعا بين دعاة ومأذونين ومكاسرين.

وجميع الحدود الحرم وغير الحرم كلهم من قبل العقل، يسقط من يريد ويرفع درجة من يشاء، والحدود السبعون هم الذين أتى على ذكرهم القرآن الكريم بقوله تعالى: ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ [الحاقة: 32]، يعني حدود دعوة التوحيد سلسلة بعضها في بعض وهم سبعون رجلاً موزعين ومنظمين حسب الشكل التالي:

أولاً: النفس الكلية، ولها اثنا عشر حجة في الجزائر، وسبعة دعاة للأقاليم.

ثانيا: الكلمة، ولها اثنا عشر حجة وسبعة دعاة.

ثالثًا: السابق، وله اثنا عشر حجة فقط.

رابعًا: التالي، وله اثنا عشر حجة فقط. خامسًا: الداعي المطلق، وله مأذون واحد ومكالبان – أو مكاسران -) (6).

(1)((رسالة ذكر معرفة الإمام وأسماء الحدود العلوية روحانية وجسمانية)).

(2)

محمد كامل حسين: ((طائفة الدروز)(ص 114).

(3)

كريم ثابت: ((الدروز والثورة السورية)(ص 36)، واعتبار النجاشي صحابيًا لا يصلح بالتعريف المعتمد لأنه لم يشاهد النبي صلى الله عليه وسلم.

(4)

محمد كامل حسين: ((طائفة الدروز)(ص 114).

(5)

مخطوط، ذكر ما يجب أن يعرفه الموحد ويعتقد به: مكتبة القديس بولس في الجامعة الأمريكية ببيروت (رقم 206)، ويوجد شريط عنه في الجامعة الأردنية (رقم 715).

(6)

مصطفى غالب: ((الحركات الباطنية في الإسلام)(ص 262 – 263).

ص: 368

وقد أوضحت (الرسالة الموسومة بكشف الحقائق) هذه الحدود بقولها: (فهؤلاء الحدود السبعون التي ذكرناهم، هم أذرع السلسلة الذي قال في القرآن: خُذُوهُ فَغُلُّوهُ [الحاقة:30]، أي ضد الإِمام إذا بلغ غايته وتمت نظرته، خذوه بالحجج العقلية وغلوه بالعهد وهو الذبح الذي قالوا بأن القائم يذبح إِبليس الأبالسة، ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ [الحاقة: 31]، أي غوامض علوم قائم الزمان الذي يتحتم العلماء والفهماء عند علمه، أي يصمتوا ويتخيروا، ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ [الحاقة:32] أي ميثاق قائم الزمان الذي هو سلسلة بعضها في بعض، وهم سبعون رجلاً في دعوة التوحيد. فهذه السلسلة الحقيقية، ومعانيها كما ذكره الجهال الحشوية (1)، ولو كان كما قالوا الظاهر لم يكن قولهم حكمة لأن من كان في غل جهنم وعليه متوكلو الزبانية لا يحتاج إلى سلسلة، لأنه لا يستطيع الخروج من النار، ولو كان نسيا، فكيف وقد غلوه؟ فإن قالوا: بأن الله أراد بالسلسلة تهديد أهل النار والتعظيم عليهم، فقد بطلت حجتهم هاهنا لأنه قال سبعون ذراعًا، ولو كان بسبب التعظيم لكان يجب أن يكون ألف ذراع، فلما لم يذكر غير سبعين ذراعًا، أعلمنا أنه أراد بذلك أشخاصًا معروفة دينية توحيدية لا يجوز لأحد أن يتجاوز حدهم ولا يزيد ولا ينقص) (2).وقالوا في تأويل (بسم الله الرحمن الرحيم) أنها:(تسعة عشر حرف إشارة إلى حدود حمزة تسعة عشر رجلاً، فلذلك عندما يكتبون (بسم الله الرحمن الرحيم) يلحقونها بقولهم: حدود عبده الإِمام) (3).فعندهم (بسم الله) سبعة أحرف دليل على سبعة دعاة أصحاب الأقاليم السبعة، و (الرحمن الرحيم) اثنا عشر حرفا دليل على اثني عشر دعاة الجزائر) (4).وقد ورد هذا التأويل في (الرسالة الموسومة بسبب الأسباب) التي كتبها حمزة حيث يقول:(وفي السطر الرابع صفات العلة (بسم الله الرحمن الرحيم) وهم صفات هذه العلة المذكورة الذي هو الإِمام، لأن (بسم الله) سبعة أحرف دليل على سبعة دعاة أصحاب الأقاليم السبعة، و (الرحمن الرحيم) اثنا عشر حرفا دليل على اثنا عشر داعيًا، أصحاب الاثنا عشر (5) جزيرة، وأيضًا دليل على سبعة أفلاك، واثنا عشر برجًا، وهم كلهم موجودون في عصر مولانا جل ذكره مستخدمون تحت أمر هذا الإِمام) (6).ولهذا نجد في مقدمة كثير من رسائل الدروز ذكر (بسم الله الرحمن الرحيم) على أنها حدود عبده الإِمام، من ذلك (الموسومة برسالة النساء الكبيرة) حيث يقول:(توكلت على مولانا البار العلام العلي الأعلى على جميع الأنام، جل ذكره عن وصف الواصفين وإدراك الأنام حروف (بسم الله الرحمن الرحيم) عبده الإِمام) (7). (واحترام الحدود عندهم، معتقد أكيد، لأنهم وسائط الله تعالى وأبوابه وسفراؤه، ومنهم الوصول إليه، ولا مطمع لأحد من الخلق في الوصول إلى الخالق أبدا إلا بهم ومنهم وعلى يدهم وبتعليمهم وإرشادهم)(8).فهم أشرف خلق الله تعالى بعد سيدهم الإمام الأعظم، وهم معصومون عن الزواج والخطايا) (9)

(1) يقصد المسلمين.

(2)

((الرسالة الموسومة بكشف الحقائق)).

(3)

مخطوط في تقسم جبل لبنان: الجامعة الأمريكية في بيروت (رقم 31)، ويوجد شريط عنه في الجامعة الأردنية (رقم 699).

(4)

محمد كامل حسين: ((طائفة الدروز)(ص 115).

(5)

كذا في الأصل.

(6)

((الرسالة الموسومة بسبب الأسباب)).

(7)

((الموسومة برسالة النساء الكبيرة.

(8)

((شرح الميثاق)): محمد حسين، مخطوط في جامعة شيكاغو (رقم 3737)، ويوجد شريط عنه في الجامعة الأردنية رقم 29.

(9)

ذكر ما يجب أن يعرفه الموحد ويعتقد به: مخطوط في الجامعة الأمريكية، مكتبة القديس بولس (رقم 206)، ويوجد شريط عنه في الجامعة الأردنية (رقم 715) ..

ص: 369

والحدود الخمسة – عندهم – بالإضافة إلى الجد والفتح والخيال، هم الثمانية الذين يحملون العرش) (1).ولذلك يقول حمزة في (رسالة التحذير والتنبيه):(واعرفوا الحدود بأسمائهم وصفاتهم، ونزَّلوهم في رتبهم، ومنازلهم، فإنه أبواب الحكمة، ومفاتيح الرحمة)(2).

وبعد هذا التعريف العام عن الحدود ومكانتهم عند الدروز، نتحدث عن كل واحد منهم على انفراد:

العقل: هو أول الحدود، وإمامهم، ظهر في جميع الأدوار بأسماء مختلفة:

في دور آدم كان اسمه شطنيل.

في دور نوح كان اسمه فيثاغورس.

في دور إبراهيم كان اسمه داود.

في دور موسى كان اسمه شعيب.

في دور عيسى كان اسمه المسيح يسوع، وهو المسيح الحقيقي صاحب الإنجيل.

في دور محمد صلى الله عليه وسلم كان اسمه سلمان الفارسي. في دور الحاكم، كان اسمه حمزة (3).وقد خص حمزة نفسه بعدة ألقاب وصفات، لم يسبغها نبي من الأنبياء على نفسه، فهو الآية الكبرى، والعقل الكلي، والإِرادة، وعلة العلل، وذو معة. ووصف نفسه في (رسالة التحذير والتنبيه): بأنه أصل المبدعات، وأنه سراط المولى المعبود، والعارف بأمره، وأنه الطور والكتاب المسطور والبيت المعمور، وأنه صاحب البعث والنشور والنافخ في الصور، وأنه ناسخ الشرائع ومهلك العالمين، والنار الموقدة التي تطلع على الأفئدة، وأنه هو الذي أملى القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم إلى غير ذلك من النعوت التي أسبغها على نفسه وزخرت رسائله بها) (4).

(1) محمد كامل حسين: ((طائفة الدروز)(ص 115).

(2)

رسالة التحذير والتنبيه.

(3)

عبد الله النجار: ((مذهب الدروز والتوحيد)(ص 123) – وذكر ما يجب أن يعرفه الموحد ويعتقد به مخطوط في الجامعة الأمريكية ببيروت – مكتبة القديس بولس (رقم 206)، ويوجد شريط عنه في الجامعة الأردنية (رقم 715).

(4)

محمد كامل حسين: ((طائفة الدروز)(ص 115).

ص: 370

وفي رسالة (السيرة المستقيمة) حديث عن النطقاء والأسس، وعن تأويل قصص الأنبياء، ويتساءل الدكتور محمد كامل حسين عن مصدر ما أتى به حمزة في هذه القصص ويقول: (هل هناك علاقة بين اسم شطنيل – الذي يأتي به حمزة – واسم شانطي الذي يطلقه الصينيون على القديسين المسيحين؟ ويقول: ربما سمع حمزة بهذه الكلمة من أحد الصينيين، أو أحد الذين سافروا، فاستغلها بعد أن حرفها إلى شطنيل

وبعد أن يذكر – الدكتور محمود كامل حسين – بعض الأمثلة للأكاذيب التاريخية التي يطلقها حمزة، يضيف قائلاً: كل هذه مسائل كان حمزة هو الوحيد بين الكتاب في ذكرها على هذا النحو، ولاشك أنه أدرى بكل شيء لأنه علة العلل؟!) (1).وعن شطنيل هذا يقول حمزة في (رسالة السيرة المستقيمة) أنه (وجد في ابتداء دورنا الحالي ثلاثة رجال، كل واحد منهم اسمه آدم، كانوا يعيشون في وقت واحد في بلد واحد، وهم آدم الصفا، وآدم العاصي، وآدم الناسي، وجميعهم ولدوا من ذكر وأنثى، أما آدم الصفا، فهو آدم الصفا الكلي ذو معة – أي حمزة بن علي – وكان أحد حدود دعوة التوحيد في الدور الذي كان قبل دورنا هذا، وقد ولد آدم الصفا الكلي في بلدة آرمينية ببلاد الهند، وكان اسم شطنيل واسم أبيه دانيل)(2).ولحمزة – كما سبق ذكره – أعظم ذكر وأجله بعد الحاكم حتى اليوم عند الدروز، باعتباره العقل الكلي والإِمام وقائم الزمان، يقول الدكتور سامي مكارم عن هذا الإِجلال ما يلي:(إن العقل الأرفع أو الكلي، حسب عقيدة التوحيد، هو مصدر انبثاق جميع الكائنات، وهو عين بقائها في هذا الوجود الظاهر، ومنه ابتدعت، فهي لا تنفصل عنه ولا ينفصل عنها من حيث العلة والمعلول، فالعقل الأرفع هو واسطة الكشف والمعرفة، أداة المشاهدة في كل نفس مؤمنة)(3).

وفي رسالة (من دون قائم الزمان) يستدل على إمامة قائم الزمان بأنه: دعا إلى عبادة موجود ظاهر وإله في جميع الأمور قادر ويقول:

(وأول دليل على إمامة القائم أنه أتى بضد العالم، لأن جميع النطقاء والأسس وأصحاب الأدوار والأكوار أشاروا إلى عدم موهوم، وأبعدوه عن حواس العالم، وأن قائم الزمان والهادي إلى طاعة الرحمن عليه من المولى السلام دعا إلى موجود ظاهر وإله في جميع الأمور قادر، وكل من دعا إلى الحاكم المعبود الإِله الموجود فقد أنصف من نفسه. ووجه آخر أنه أظهر أغراضه في دفعة واحدة، وقد علم أهل الشرق والغرب أنه دعا إلى توحيد مولانا جل ذكره، ثم بعد ذلك خيروا العالم ومكنوا من أديانهم وإظهارها فصح أن ذلك لأهل التوحيد

وأيضًا فإن عمارة الكنائس، وإزالة حمل الصلبان، وعزهم على المسلمين في كل مكان أدل دلالة على أن الإِسلام قد اضمحل وبطل وأنه الحق قد أنار واشتعل، والحق هو توحيد مولانا جل ذكره الحاكم بذاته المنفرد عن مبدعاته) (4). (ومن أدلة إمامته – أيضًا -: أنه صاحب القيامة والجزاء، لأنه الملك المظفر المسعود، ديان القيامة أي القهار والقاضي والحاكم والسايس والمحاسب والمجازي) (5).

(1) محمد كامل حسين: ((طائفة الدروز)(ص 116 – 117).

(2)

محمد كامل حسين: ((طائفة الدروز)(ص 116).

(3)

د. سامي مكارم: ((أضواء على مسلك التوحيد)(ص 123 – 124).

(4)

رسالة من دون قائم الزمان والهادي إلى طاعة الرحمن.

(5)

((شرح الميثاق)): محمد حسين، مخطوط في جامعة شيكاغو (رقم 3737) – ويوجد شريط عنه في الجامعة الأردنية (رقم 29).

ص: 371

أما الحد الثاني من الحدود الخمسة فهو: النفس: وهو أبو إبراهيم، إسماعيل بن محمد التميمي، ثاني الحدود، (باعتبار أن النفس فيض من العقل، وجزء متمم له انبثقت عنه، فنسبت إلى العقل كنسبة العقل إلى الخالق)(1).وقد وجه إليه حمزة مرسوم تقليد أسماه (سجل المجتبى) جاء فيه: (إلى أخيه وتاليه، وذي مصة علمه، وثانيه آدم الجزوي، الذي اجتباه بعلمه وهداه بحلمه، وغداه بسلمه أحنوخ الأوان، وإدريس الزمان هرمس الهرامسة أخي وصهري أبو إبراهيم إسماعيل بن محمد التميمي

إلى أن يقول: إني نظرت إليك بنور مولانا جل ذكره، وبما أيدني به مولانا علينا سلامه ورحمته

فجعلتك خليفتي على سائر الدعاة والمأذونين والنقباء والمكاسرين

وأسميتك بصفوة المستجيبين وكهف الموحدين وذي مصة علم الأولين والآخرين، وجعلت لك الأمر والنهي على سائر الحدود، فتولى من شئت وتعزل من شئت) (2).

وللتميمي عدة رسائل من رسائل الدروز، منها:(رسالة في تقسيم العلوم)، و (رسالة الزناد) و (رسالة الشمعة)، و (رسالة الرشد والهداية). ومع أن – للتميمي – هذه القيمة عند الدروز، إلا أنه بعد اختفاء حمزة، إثر مقتل الحاكم سنة 411 هـ، لم تذكره لنا رسائل الدروز مطلقًا، ولم يقم بأي نشاط، غير أن الأستاذ عبد الله النجار يفترض أنه بقى حيًا حتى سنة 427 هـ (3)، وهذا يعنى أنه اختفى مع حمزة وباقي الدعاة حتى مات في هذه السنة.

أما الحد الثالث فهو:

الكلمة: وهو أبو عبد الله محمد بن وهب القرشي، ثالث الحدود، وأول الثلاثة الذين أضيفوا إلى العقل والنفس. (ومعلوماتنا عنه نجدها في تقليده الذي قلده إياه حمزة واسمه:(تقليد الرضى سفير القدرة)، وذلك حين رفعت درجته، وعين خلفا لسلفه (المرتضى) المتوفى) (4).إذ أن التقليد يقول:(هي المنزلة التي كانت للشيخ المرتضى قدس الله سره، وأنت تسلمت علومه وحده، وقد سلمت إليك جميع كتبه التوحيدية، وجعلتك مقدمًا على جميع الدعاة والمأذونين والنقباء والمكاسرين والمستجيبين الموحدين، لا فوقك أحد أعلى منك غير صفوة المستجيبين وكهف الموحدين، (5).

وكما أن التميمي ليس له ذكر بعد الحاكم، كذلك ابن وهب لم يصلنا عنه أي خبر بعد هذا التقليد.

والحد الرابع هو:

السابق: وهو أبو الخير سلامة بن عبد الوهاب السامري، رابع الحدود، ولم نجد في رسائل الدروز الموجودة الآن، تقليد خاص للسابق أسوة بسواه ممن قُلِّدوا مِن قِبَلِ حمزة. ويقول الأستاذ عبد الله النجار:(ولكن لا شك أن السابق قلد السلطة بمرسوم لم ينقل إلينا، دليلنا في (تقليد المقتنى) عبارة: تالي السابق بن عبد الوهاب السامري، وقوله: إذ كان الأيمن قد تقدمك، وهو سلامة بن عبد الوهاب المصطفى) (6).

والسابق هو الجناح الأيمن في الحدود، وهو والتالي يعتبران الينبوع الذي يجري بالمعرفة الإِنسانية.

أما الحد الأخير والخامس فهو:

التالي: هو أبو الحسن علي بن أحمد السموقي، خامس الحدود، اشتهر باسم بهاء الدين، بالإِضافة إلى الأسماء والنعوت التي أطلقت عليه مثل:(لسان المؤمنين)، (وسند الموحدين)، (والعبد المقتني)، وغير ذلك من الألقاب التي أطلقها عليه حمزة.

ويعتبر بهاء الدين، من أخطر دعاة الدروز بعد حمزة، إذ قام بأعظم قسط في نشر المذهب الدرزي بعد اختفاء حمزة، فلولا جهوده لما بقي لهذا المذهب أثر يذكر.

(1) أمين طليع: ((أصل الموحدين الدروز)(ص 94).

(2)

سجل المجتبى.

(3)

عبد الله النجار: ((مذهب الدروز والتوحيد)(ص 140).

(4)

عبد الله النجار: ((مذهب الدروز والتوحيد)(ص 140).

(5)

تقليد الرضى سفير القدرة.

(6)

عبد الله النجار: ((مذهب الدروز والتوحيد)(ص 141).

ص: 372

ومما يذكر أن الكثير من رسائل الدروز هي من تأليف بهاء الدين هذا، ومن هذه الرسائل:(التنبيه والتأنيب)، (ومثل ضربه بعض حكماء الديانة)، (والإِيقاظ والبشارة)، (ورسالة اليمن). (ورسالة الهند) وغير ذلك من الرسائل.

وقد جاء في نسخة تقليده ما يلي: (فاخدم ببركة المولى في الحد الجليل الذي أهلت له، واستعد لك كأخيك الجناح الأيمن ثلاثين حدا دعاة مأذونين ونقباء ومكاسرين، واعلم أن أول السبعة المفترضات: سدق اللسان، والسدق هو المولى وضده الكذب، والسدق والكذب يتشابهان في التخطيط، كذلك الصدق يتشبه بالمولى، لأن المولى جل اسمه لا ضد له.

وكذب ثلاثة أحرف، وسدق ثلاثة أحرف، فإذا أحسبناها في حساب الجمل افترقا، لأنك تقول:(ك) عشرون، (ذ) أربعة، (ب) اثنتان، الجميع ستة وعشرون حرفًا

والسدق: (س) ستون، (د) أربعة، (ق) مائة، فذلك مائة وأربعة وستون حرفا دليل على مائة وأربعة وستين حدًا، يكون للإِمام منها تسعة وتسعون حدًا، كما قال (1):(إن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة)(2)، أي لإِمام التوحيد تسعة وتسعين داعيًا من عرفهم دخل حقيقة دعوته) (3).

ويبدو أن بهاء الدين، كان على اتصال مع حمزة، أثناء غيابه بعد مقتل الحاكم، وكان أيضًا على معرفة بمقره السري الذي يختبئ به، وكان يتلقى منه الأوامر والتوجيهات، وقد قام بهاء الدين بجهود كبيرة لإِبعاد من حاولوا أن يغيروا شيئًا من المذهب من أمثال سكين وغيره، من الذين انقلبوا على أراء حمزة، لذلك نجد بهاء الدين يبعث إليهم برسائل التنبيه والتأنيب والتوبيخ، على ما حاولوا تغييره في المذهب.

وهو لهذا أعلن غيبته سنة 434 هـ في منشور الغيبة، والذي أعلن فيه إقفال باب الاجتهاد في المذهب، وذلك ليحافظ على آراء حمزة، وآراء الحدود والدعاة الآخرين مثل حمزة والتميمي. ومما يذكر في هذا المقام أن لكل حد من الحدود الخمسة لون مخصص له، فاللون الأخضر مخصص لحمزة، والأحمر مخصص للتميمي، والأصفر مخصص للقرشي، والأزرق لسلامة بن عبد الوهاب السامري، أما الأبيض فهو لبهاء الدين، ولهذا عندما أعلن الاستعمار الفرنسي قيام (إمارة جبل الدروز المستقلة) ارتفع علم ذو ألوان خمسة مكون من الأخضر والأحمر والأصفر والأزرق والأبيض على المراكز الرسمية في الجبل، ولا يزال هذا العلم يرتفع على بيت الطائفة الدرزية في بيروت (4).

‌المصدر:

عقيدة الدروز عرض ونقض لمحمد أحمد الخطيب – ص 149

(1) يقصد النبي صلى الله عليه وسلم.

(2)

رواه البخاري (2736) ومسلم (2677)

(3)

تقليد المقتنى.

(4)

انظر بتفصيل مذكرة (أيها الدرزي عودة إلى عرينك)، (ص 112).

ص: 373