الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السادس: العوامل التي ساعدت على نجاح القرامطة
لقد نجح القرامطة في حركتهم التي قاموا فيها ضد الدولة العباسية بعض الزمن واستطاعوا السيطرة على مناطق واسعة امتدت إلى كل بادية الشام والعراق كما شملت الجزيرة العربية كلها عدا منطقة عسير كما خضعت مناطق أخرى لبعض فئاتهم وإن حملوا أسماء ثانية ولقد كان لهذا النجاح عوامل عدة.
1ـ ضعف الدولة العباسية: قامت حركات في أنحاء متعددة من مناطق الدولة قبل ثورة القرامطة استدعت قوة نفوذ الجند ثم سيطرتهم الكاملة على الدولة وبالتالي على الخليقة هذا إلى جانب الحروب الطويلة التي خاضها العباسيون ضد الروم والدويلات التي انفصلت عن جسم الدولة فكان الجند بعد امتداد نفوذهم وسيطرتهم يتصرفون تصرفات تسيء إلى سمعة الحكم وهيبته ولا يستطيع الخليفة أن يقوم بعمل ضدهم ولو فكر بذلك كان مصيره القتل أو الخلع الأمر الذي جعل الخليفة ألعوبة بأيدهم ويصف أحد الشعراء الخليفة بين قواده بقوله:
خليفة في قفصٍ بين وصيف وبغا
…
يقول ما قالا له كما تقول الببغا
هذا بالإضافة إلى أن هؤلاء القادة كثيرا ما كان ينازع بعضهم بعضا والقادة من الجند لا يجيدون التخطيط ولا يحسنون إدارة الشؤون وعلى هذا تبقى الدولة ضعيفة وأمورها متخبطة ومما زاد في ضعف الدولة كثرة الحركات التي سبقت ثورة القرامطة والتي كانت تضرب على الوتر نفسه وكان أهمها ثورة الزنج التي أزعجت الدولة عدة سنوات وثورات الطالبين المتكررة.
2ـ الحقد على العباسيين: إن تنكيل العباسين بالطالبين قد جعل الحقد عليهم شديدا من قبل الشيعة على اختلاف فرقها وينتظرون الفرصة المواتية للانتقام منهم وبخاصة أن منطقة السواد يكثر فيها الطالبيون وأنصارهم وبشكل خاص يزيدون في سواد الكوفة قاعدة الشيعة الأولى وبسبب قربها من فارس مركز المجوسية التي أظهر الكثير من أتباعها الإسلام وبقوا في الحقيقة على عقيدتهم الأولى يتعصبون لها ويتخذون من العصبية الفارسية أيضا دعما لهم فكانت بلاد فارس تمد الدعوات المعادية للعباسيين بأعداد كبيرة كلما احتاجت إلى الرجال حقدا على الإسلام وأهله واتجهت أعداد من أتباع المجوسية نحو الكوفة مظهرة الإسلام ومتخذة من التشيع ردء لها ونلاحظ حتى الآن أن كثيرا من الحركات المنحرفة سواء اتخذت مظهر التصوف أم مظهر دعوة جديدة إنما يرتبط بعض أتباعها وقادتها بأصول فارسية ويدعون الارتباط الشيعي أو الانتساب إلى آل البيت.
كانت الفرصة الأولى للشيعة – كي يقوموا بثورتهم - هي نهاية القرن الثاني الهجري إذ حدث خلاف بين الأمين والمأمون ولدي هارون الرشيد ووليي عهده فقامت ثورة في الكوفة عام 119هـ، بزعامة محمد بن إبراهيم الملقب بـ (ابن طباطبا) وقد استطاع أحد قادته وهو (أبو السرايا) الاستيلاء على الكوفة وواسط والأهواز وضرب النقود باسم الإمام وبعد موت ابن طباطبا اختار الطالبيون فتى دعي باسم (محمد بن محمد) وأوجدوا له نسبا طالبيا هو محمد بن محمد بن زيد بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي أبي طالب إلا أن هذه الأنساب لا يوثق بها أبدا إذ كثرت الادعاءات وكلها تنتمي إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه ولكن أبا السرايا هو الذي كان يقوم بالأمر كله باسم (محمد بن محمد) ثم هزم أبو السرايا وقتل عام 200هـ ودخل العباسيون الكوفة وأرسل (محمد بن محمد) إلى الخليفة المأمون وهو بخراسان.
خفت حدة الحركة الطالبية بعد أن التابعين المأمون (علي الرضا) وليا لعهده وذلك عام 201هـ وهو الإمام الثامن عند الفرقة الاثني عشرية من الشيعة ولكن لم يلبث علي الرضا أن توفي عام 203هـ أيام المأمون.
عاد الشيعة إلى ثورتهم فتحركوا عام 219هـ أيام المعتصم كانت حركتهم بزعامة (محمد بن القاسم) إلا أن هذه الثورة قد فشلت أيضا.
ضعف أمر الخلفاء العباسيين بعد المتوكل فانتهز الشيعة هذا الأمر وقاموا بعدة حركات كان أولها ثورة (يحيى بن عمر) بالكوفة عام 250هـ ولكنها فشلت وكانت الحركة الثانية بقيادة (الحسين بن حمزة) بالكوفة نفسها عام 251هـ إلا أن مصيرها كان مصير ما سبقها من ثورات الطالبيين وإثر كل ثورة تقتل أعداد كبيرة من الطالبيين وينكل بهم كما نقلت جموع منهم من بغداد إلى سامراء عام 252هـ.
انتقل مركز الشيعة إلى البصرة والتف أتباع هذه الفرقة حول صاحب الزنج الذي زعم أنه من نسل علي بن أبي طالب وأنه علي بن محمد بن أحمد بن علي بن عيسى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب واجتمع مع الشيعة الزنج الذين يعملون في السباخ جنوبي العراق وقد دخل الزنج (الأبلة) عام 256هـ و (عبادان) و (الأهواز) ثم استطاعوا عام 257هـ أن يدخلوا البصرة و (واسط) عام 264هـ واستمرت هذه الحركة حتى قتل هذا الدعي صاحب الزنج عام 270هـ وفي هذا الوقت بدأت الدعوة الإسماعيلية نشاطها والقرامطة جزء منها فوجدت الظروف مهيأة من حيث الحقد على العباسيين في ذلك المحيط فنشط أمرها.
3ـ الجهل لقد كان الجهل يسود أبتاع القرامطة وقد حرصوا هم عليه ورغبوا في بقائه حتى يتسنى لهم إظهار ما ليس فيهم وتصديق جماعتهم لهم فقد ادعى (يحيى بن زكرويه) أن ناقته مأمورة وصدق أتباعه ذلك وأعلن لهم أن يده إذا وجهها إلى أية جهة هزم أعداؤه من تلك الجهة وآمن جماعته بذلك وأظهر لهم عضدا ناقصة وقال لهم إنها معجزة ....
كما قال لأتباعه قبل مقتله في المعركة التي خاضها وقد أيقن بالهلاك: إنه غدا سيصعد إلى السماء ويقيم بها أربعين يوما وعليهم أن يتبعوا أخاه الحسين، كل هذا وأتباعه مصدقون به مؤمنون بأقواله وخرافاته لجهلهم، وكذلك صدق القرامطة خروج (الحسين الأهوازي) بمعجزة من سجن ابن الهيصم وكانت قد أخرجته جارية ابن الهيصم شفقة عليه وأعادت مفتاح السجن إلى مكانه تحت وسادة سيدها دون علمه ولم تخبر أحدا خوفا على نفسها فادعى الأهوازي أنه خرج معجزة.
4ـ الجرائم: إن الطريقة التي اتبعها القرامطة في سفك الدماء وقتل الأبرياء والاعتداء على الحرمات قد أخاف الناس وجعلهم يخشون على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم وأملاكهم من تحديات القرامطة فأظهروا لهم تأييدهم وأنهم على مذهبهم حماية لهم ودفعوا جزء مما يترتب عليهم وساندوهم في حروبهم كما ساعدهم آخرون في سبيل الحصول على المغانم.
5ـ غياب أئمة الشيعة: تعد الشيعة الاثني عشرية أكثر فئات الطالبيين وقد اختفى إمامهم الثاني عشر محمد المهدي في سرداب في سامراء وهم ينتظرون ظهوره ليملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا وكذلك كتم الإسماعيليون أئمتهم خوفا من طغيان العباسيين فكل طامح يدعو بهذه الدعوة ليحقق ما يريد فإذا وصل ادعى نسبا طالبيا يختاره وعد نفسه الإمام أو الداعية له وكانت هذه سياسة القرامطة.
6ـ الفساد وقد أصبح الفساد يزداد يوما بعد يوم ويتسع انفراج زاوية الانحراف باستمرار الأمر الذي جعل المسلمين يتضايقون من هذا الفساد ويتمنون تغيير الوضع بما هو أفضل ولا يجعلون من أنفسهم سندا للحكم ضد المارقين والمنحرفين لما في الحكام من السوء وإن كان يقل عن أعمال الباطنية بكثير بل لا يقارن معه إذ يقارن الإيمان بالكفر.
وفي مثل هذا الوضع يصدق كل داع للإصلاح وكل مناد بتطبيق شريعة الإسلام وهذا ما كان يرفع رأيته أصحاب كل حركة مهما كانت ضالة ليتبعه الناس.
المصدر:
القرامطة لمحمود شاكر – ص: 21