الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السابع: عبادات النصيرية
يختلف النصيريون عن المسلمين في العبادات، بل وفي كل شيء، وهذا طبيعي؛ إذ إن تعاليم الإسلام لا يمكن أن تتفق مع التعاليم الوثنية مهما أظهروها بالمظهر الإسلامي، مثل استعمالهم الأسماء الإسلامية، كما قد يتسمون بالأسماء المسيحية أيضاً؛ لكنهم لا يسمحون لأحد منهم أن يتسمى بأفضل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كأبي بكر وعمر.
ولأن مذهبهم خليط من شتى الأفكار والديانات، فإن ما ورد في عقيدتهم وكتبهم من كلمات الصلاة والحج والزكاة والصيام لا يريدون بها المقصود منها في الشريعة الإسلامية، بل أولوها إلى معان أخرى باطنية.
ويذكر بعض العلماء أن النصيريين يفرقون في التزام التكاليف بين المشايخ وبين الجهال فيرون أن جبرية التكاليف تسري على المشايخ وتسقط عن الجهال.
ولعل في هذا الكلام نظراً فإن الشيوخ أو أصحاب العهد وهم يعرفون الباطن يكونون في حرية تسقط معها التكاليف كما هو المعروف عن المذهب الباطني عموماً، فهم يزعمون أن الشخص إذا عرف بواطن النصوص سقطت عنه ما تدل عليه ظواهرها من التكاليف، والحلال والحرام.
نعم قد يكلف الشخص الداخل في المذهب بالقيام بالتكاليف لحثه على طلب العلم الذي يسقط عنه في النهاية جميع ما حظر على غيره ممن لم يصل إلى درجته على حد ما صرح به الهفت الشريف، حيث ذكر وهو يعدد الدرجات أن الاصطفاء درجة فوق درجة النبيين، وفوق هذه أيضاً درجة أعلى منها وهي درجة الحجاب، ثم قال المفضل الجعفي:
(قلت يا مولاي هل علينا نحن معرفة هذه الدرجات) قال الصادق: نعم، من عرف هذا الباطن فقد سقط عنه عمل الظاهر، ومادام لا يعرف هذه الدرجات ولا يبلغها بمعرفته، فإذا بلغها وعرفها منزلة منزلة، ودرجة درجة فهو حينئذ حر قد سقطت عنه العبودية، وخرج من حد المملوكية إلى حد الحرية باشتهائه ومعرفته.
قلت: يا مولاي فهل ذلك في كتاب الله؟ قال: نعم، أما سمعت قوله تعالى: وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى [النجم: 42] فإذا عرف الرجل ربه فقد انتهى للمطلوب، ولا شيء أبلغ إلى الله من الوحدانية والمعرفة، وإنما وضعت الأصفاد والأغلال على المقصرين، وأما من قد بلغ وعرف هذه الدرجات التي قرأتها لك فقد أعتقته من الرق، ورفعت عنه الأغلال والأصفاد وإقامة الظاهر. ثم تلا قوله تعالى: لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُواْ إِذَا مَا اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّأَحْسَنُواْ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [المائدة: 93] وقرأ مولاي: لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَّكُمْ [النور: 29]، قلت: ما تعني هذه يا مولاي؟ قال: يعني رفعة في المعرفة وارتفاعاً في الدرجات (1)،.وذكر الدكتور مصطفى الشكعة (2)، أن النصيريين يصلون في خمس أوقات، إلا أنها تختلف في الأداء وفي عدد الركعات عن بقية المذاهب الإسلامية، وصلاتهم لا سجود فيها، وفيها بعض الركوع أحياناً.
ولا يصلون الجمعة ولا يعترفون بها كفرض، ولا يتطهرون قبل أداء صلواتهم، ولا يصلون في المساجد، بل يحاربون بناء المساجد ولا يرضون بإقامتها، بل يجتمعون في بيوت معلومة وأوقات معينة، ويسمون هذا الاجتماع عيداً يقوم الشيوخ بتلاوة بعض القصص والأخبار والمعجزات الخرافية لأئمتهم، ويختلط الحابل بالنابل في هذه الاجتماعات رجالاً ونساءً.
(1)((الهفت الشريف)) (ص42) وانظر (ص125).
(2)
((إسلام بلا مذاهب)) (312) نقلاً عن ((طائفة النصيرية)) (ص 57).
ثم يقومون بأداء بعض الطقوس والصلوات المشابهة لقداسات وطقوس المسيحيين، ومن قداساتهم الكثيرة قداس الطيب لكل أخ وحبيب، وقداس البخور في روح ما يدور في محل الفرح والسرور، وقداس الأذان وبالله المستعان، وكل قداس له ذكر خاص به وأدعية يتوسلون فيها بالإله علي والخمسة الأيتام وكبار مشايخهم - الذين جعلوهم أرباباً من دون الله؛ كالخصيبي وغيره- أن تحل في ديارهم البركة وأن ينصروا على أعدائهم.
ومن أمثلة هذه القداسات: قداس الأذان وهو: (الله أكبر الله أكبر الله أكبر كبيراً، الحمد لله كثيراً وجهت وجهي إلى محمد المحمود طالباً سره المقصود، المتقرب بتجلي الصفات وعيني الذات، وفاطر الفطر ذو الجلال، والحسن ذو الكمال، اتبعوا ملة أبيكم إبراهيم الخليل، هو الذي سماكم مسلمين حنيفاً مسلماً ولا أنا من المشركين (هكذا).
ديني سلسل طاعة إلى القديم الأزل، أقر كما أقر السيد سلمان حين أذن المؤذن في أذنه وهو يقول: شهدت أن لا إله إلا هو العلي المعبود، ولا حجاب إلا السيد محمد المحمود، ولا باب إلا السيد سلمان الفارسي، ولا ملائكة إلا الملائكة الخمسة الأيتام الكرام.
ولا رب إلا ربي شيخنا وهو شيخنا وسيدنا الحسين حمدان الخصيبي، سفينة النجاة وعين الحياة، حي على الصلاة حي على الفلاح تفلحوا يا مؤمنون، حي على خير العمل بعينه الأجل الله أكبر والله أكبر، قد قامت الصلاة على أربابها وثبتت الحجة على أصحابها.
الله مولاي يا علي أسألك أن تقيمها وتديمها ما دامت السموات والأرض، وتجعل السيد محمد خاتمها، والسيد سلمان زكاتها، والمقداد يمينها، وأبا ذر شمالها، نحمد الله بحمد الحامدين، ونشكر الله بشكر الشاكرين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين. أسألك اللهم مولاي بحق هذا قداس الأذان، وبحق متَّى وسمعان، والتواريخ والأعوام، بحق يوسف بن من كان، بحق الأحد عشر كوكباً الذين رآهم يوسف بالمنام تحل في دياركم البركة بالتمام، يا مولاي يا علي يا عظيم) (1)،.
وهناك قداسات كثيرة كل قداس فيه مثل هذا الكلام السخيف. ويقول في الهفت الشريف في بيان معنى الصلاة والزكاة: إن جعفر الصادق قال للمفضل: (أتدري ما معنى قوله تعالى: وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ [مريم: 55] قلت: يعني أهله المؤمنين من شيعته الذين يخفون إيمانهم وهي الدرجة العالية والمعرفة والإقرار بالتوحيد وأنه العلي الأعلى، فأما معنى قوله تعالى: وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ [مريم: 55] فالصلاة أمير المؤمنين، والزكاة معرفته، وأما إقامة الصلاة فهي معرفتنا وإقامتنا)(2)،.
والصيام عند النصيرية ليس هو عن الأكل والشرب وجميع المفطرات في نهار رمضان؛ بل هو الامتناع عن معاشرة النساء طوال شهر رمضان. والحج إلى بيت الله الحرام يعتبرونه كفراً وعبادة للأصنام (3)،.
وقد ذكر الدكتور عبد الرحمن بدوي أنه توجد خلاصة وافية لتعاليم النصيرية وعقائدها في كتيب صغير بعنوان (كتاب تعليم ديانة النصيرية)، وهو مخطوط في المكتبة الأهلية بباريس برقم 6182، وهو على طريقة السؤال والجواب، ويتألف من (101) سؤال وجواب، نذكر منها على سبيل المثال ما يأتي:
س: من الذي خلقنا؟
ج: علي بن أبي طالب أمير المؤمنين.
س: من أين نعلم أن علياً إله؟
ج: مما قاله هو عن نفسه في خطبة البيان وهو واقف على المنبر إذ قال: (أنا سر الأسرار أنا شجرة الأنوار
…
أنا الأول والآخر، أنا الباطن والظاهر) .. إلى آخر كذبهم عليه.
س: ما أسماء مولانا أمير المؤمنين في مختلف اللغات؟
(1)((العلويون)) (ص109).
(2)
((الهفت الشريف)) (ص40).
(3)
((طائفة النصيرية)) (ص66).
ج: سماه العرب باسم علي، وهو سمى نفسه أرسطوطاليس، وفي الإنجيل اسمه إيليا (إلياس)، ومعناه علي، والهنود يسمونه ابن كنكرة
…
إلى آخر ما ذكره.
س: لماذا نسمي مولانا باسم أمير النحل؟
ج: لأن المؤمنين الصادقين هم مثل النحل الذين يشتارون من أحسن الأزهار، ولهذا سمي أمير النحل.
س: ما أسماء النجباء في العالم الصغير الأرض؟
ج: يورد 25 اسماً أولها أبو أيوب، وآخرها عبد الله بن سبأ.
س: ما القرآن؟
ج: هو المبشر بظهور مولانا في صورة بشرية.
س: ما علامة إخواننا المؤمنين الصادقين؟
ج: ع. م. س.
س: ما دعاء النيروز؟
ج: تقديس الخمر في الكأس.
س: ما اسم الخمر المقدس الذي يشربه المؤمنون؟
ج: عبد النور.
س: لماذا؟
ج: لأن الله ظهر فيها.
س: لماذا يولي المؤمن وجهه في الصلاة قبل الشمس؟
ج: اعلم أن الشمس نور الأنوار. إلى آخر 101 سؤال وجواب، ذكرها كلها عبد الحسين العسكري في كتابه (العلويون)(1)، تشتمل في مجملها على تأليه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، واعتقاد التناسخ والحلول، وتعظيم الخمر التي سموها عبد النور؛ لأن الله حل فيها، وتعظيم الأعياد النصرانية والمجوسية، وتقديس النجوم والاعتماد عليها، وعبادة الشمس، وفيها كذلك الحث على التزام السرية والكتمان لتعاليمهم الوثنية المجوسية.
المصدر:
فرق معاصرة تنتسب إلى الإسلام لغالب عواجي -2/ 573
(1)((العلويون)) (ص82 - 96)، نقلاً عن ((مذاهب الإسلاميين)) (2/ 474 - 487). د/بدوي.