الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
الفاطمية (دولة)
أصل الشيعة الفاطمية: قامت الدولة الفاطمية على المذهب
الإسماعيلى الشيعى القائل بالنص والتعيين، ويقصرون خلافة
الرسول صلى الله عليه وسلم الروحية والزمنية على ذرية الإمام
«على» - رضى الله عنه - مستندين فى ذلك إلى حديث
«غديرخم» الشهير، وقد لجأت الإسماعيلية بعد وفاة إمامهم
«إسماعيل بن جعفر» إلى الاختفاء والعمل السرى، فقد افترق
أشياع «جعفر الصادق» بعد وفاته إلى فرقتين، ولت الأولى ابنه
«موسى الكاظم» إمامًا، وولت الثانية ابنه «إسماعيل» إمامًا،
فعُرِفَت الفرقة الأولى بالإمامية أو الاثنا عشرية؛ لأنها سلسلت
الإمامة حتى الإمام الثانى عشر «محمد» المُلقب بالمهدى المنتظر
ابن الحسن العسكرى ابن على الهادى ابن محمد الجواد بن على
الرضا بن موسى الكاظم، وعُرفت الفرقة الثانية بالإمامية
الإسماعيلية؛ لأنهم أبقوا الإمامة فى ذرية «إسماعيل بن جعفر» ،
ثم من بعده ابنه «محمد» ، فابنه «جعفر الصادق» ، فابنه «محمد
الحبيب»، فابنه «عبيدالله المهدى» مؤسس الدولة الفاطمية. قامت
«الدولة الفاطمية» ببلاد «المغرب» - وفق خطة مرسومة من قِبل
دعاة الشيعة - على أكتاف قبيلة «كتامة» ، التى تنتمى إلى
بربر «البرانس» ، وتميزت عن غيرها من القبائل بكثرة عددها،
ومنعة منطقة سكناها بجبال «الأوراس» بين مدينتى «بجاية»
و «قسطنطينة» ، فضلا عن عدم خضوعها لسلطة الولاة اعتزازًا
بمنعتها وقوة بأسها. وقد وقف زعماء الشيعة على ما اتصفت
به هذه القبيلة، واختار «ابن حوشب» رئيس مركز الدعوة الشيعية
باليمن «أبا عبدالله الحسين بن أحمد الشيعى» للاتصال بوفد
«كتامة» بموسم الحج، لنشر الدعوة الشيعية بالمغرب، وإقامة
الدولة المرتقبة هناك. وقد تم لقاء «أبى عبدالله» بوفد «كتامة»
بمكة، وجعله هذا الشيعى يبدو كأنه جاء مصادفة، وبدأ يتعرَّف
أحوالهم وميولهم المذهبية، ولم يفصح عما أضمره وما جاء من
أجله، ونجح فى استمالتهم والسيطرة على قلوبهم بمكره
ودهائه وعلمه وجدله، ثم تظاهر بعد انقضاء موسم الحج برغبته
فى السفر معهم إلى «مصر» ، للتدريس لأبنائها، فاصطحبوه
معهم، فلما وصلوها، ألحوا عليه بمصاحبتهم إلى بلادهم،
فوافقهم، وذهب معهم إلى المغرب فى سنة (289هـ= 902م)،
واتخذ من «إيكجان» مستقرا له، لأنها نقطة التقاء حجاج
«الأندلس» و «المغرب الأقصى» ، والمتوجهين لأداء فريضة الحج.
وبدأ «أبو عبدالله» فى تنفيذ خطته، وتظاهر بتعليم الصبية،
وإلقاء دروسه عليهم، فزاده ذلك مكانة ومنزلة بين أبناء
«كتامة» ، وذاع صيته بين القبائل، وقصده البربر من أماكن
متفرقة، لينهلوا من علمه، ويستفيدوا من نصائحه، ثم عمد «أبو
عبدالله» إلى مصارحة بعضهم - بعد أن اطمأن إليهم- بحقيقة
أمره، ورغبته فى إقامة دولة لآل البيت تقوم على أكتاف قبيلة
«كتامة» ، لأن الروايات - كما ادَّعى لهم - جاءت بذلك، وأخبرت
عما ينتظرهم من عز الدنيا وثواب الآخرة. وأخذ «أبو عبدالله»
على عاتقه تنظيم صفوف أبناء «كتامة» وبعض أبناء القبائل
الأخرى، وقسَّمهم إلى سبعة أقسام، وجعل على رأس كل قسم
منها داعية يطمئن إليه، فاستطاع بهذا الأسلوب العملى إقامة
مجتمع يدين بفكرة واحدة؛ هى إقامة الدولة المثالية التى
يحكمها إمام من آل البيت. وقد اتخذ «أبو عبدالله الشيعى» من
أبناء «كتامة» جندًا يدافعون عن الدعوة، ويهاجمون القوى
السياسية الموجودة بالمنطقة، وهى:«الأغالبة» بالمغرب
الأدنى، و «الرستميون» بالمغرب الأوسط، و «بنو مدرار»
بسجلماسة بجنوب «المغرب الأقصى» وبقايا «الأدارسة» بمدن
«المغرب الأقصى» ، وترتَّب على ذلك دخول «أبى عبدالله
الشيعى» فى عدة معارك مع هذه القوى، كانت أشهرها معركة
«كنيونة» ، التى انتصر فيها على «الأغالبة» فى سنة (293هـ=
906م)، ثم توالت انتصاراته بعد ذلك، ودخل مدينة «رقادة»
وقضى على نفوذ «الأغالبة» ، ثم دعا «المهدى الفاطمى» إلى
«المغرب» لتسلم مقاليد الأمور؛ فلبى الدعوة، وتخفَّى فى زى
التجار حتى لا يقع فى قبضة العباسيين، ودخل مدينة «رقادة»
فى سنة (297هـ= 909م)، ثم بويع بالإمامة. الخلفاء الفاطميون
بالمغرب: حكم أربعة خلفاء فاطميين بلاد «المغرب» فى الفترة
من سنة (297هـ=909م) إلى سنة (365هـ= 975م)، وكان «المعز
لدين الله الفاطمى» هو آخر هؤلاء الخلفاء، حيث انتقل بالخلافة
إلى «القاهرة» التى اتخذها عاصمة جديدة للفاطميين، بعد أن تم
له فتح «مصر» على يد قائده «جوهر الصقلى» فى سنة (358هـ=
969م)، والخلفاء الأربعة هم: 1 - المهدى: عبيد الله أبو محمد
[297 - 322هـ= 909 - 934م]. 2 - القائم: محمد أبو القاسم [322 -
334 هـ = 934 - 945م]. 3 - المنصور: إسماعيل أبو طاهر [334 -
341هـ= 945 - 952م]. 4 - المعز: معدّ أبو تميم [341 - 365 هـ =
952 -
975م]. دخول الفاطميين مصر: جانب التوفيق الحملات
الثلاث التى أُرسلت من قبل الفاطميين لفتح «مصر» فى عهد
أسلاف «المعز» ، ولكن الوضع العام فى المشرق كان ينبئ
بنجاح الحملة الرابعة، للضعف الذى حلّ بدار الخلافة فى
«بغداد» ، وكذلك ما وصلت إليه حال «مصر» من ضعف وبؤس
وشقاء فى أواخر عهد «كافور» ، كما كان لانخفاض النيل الذى
استمر تسع سنوات أثر كبير فى انتشار الوباء والقحط فيها،
فلم تستطع «مصر» مواجهة الغزاة، كما عجزت -بعد «كافور» -
عن صد هجوم ملك «النوبة» من الجنوب، وثار الجند لعدم دفع
رواتبهم، ونشط جواسيس «المعز» ، وتوغلوا فى البلاد لنشر
المذهب الشيعى، فمال الكثيرون إلى مذهبهم، وبعث «المعز»
رسله إلى «كافور» مُرهِّبة مرة ومُرغِّبة أخرى للتأثير عليه،
وكان استقرار بلاد المغرب ورسوخ أقدام الفاطميين فيه،
وتنظيمهم الدقيق للأمن والإدارة، وحسن إعدادهم للجيوش
والقادة سبب نجاح حملتهم الرابعة على «مصر» . سار «جوهر
الصقلِّى» قائد جيوش «المعز» إلى «مصر» فى ربيع الأول سنة
(358هـ)، بعد أن خرج «المعز» لوداعه، وأمر أهله بالترجل أمام
قائده وهو راكب، كما أمر واليه على «طرابلس» أن يسير فى
ركاب «جوهر» ويقبِّل يده، فكبر ذلك على والى «طرابلس» ،
وأراد أن يعفى نفسه من ذلك مقابل مائة ألف دينار ذهبًا يعطيها
لجوهر، ولكن «جوهر» رفض هذه الأموال ومضى بجيشه الذى
كان يضم مائة ألف جندى حاملا معه أموالا طائلة قيل إنها بلغت
ألفًا ومائتى صندوق حملها على ظهور الجمال، وحين خرج
«المعز» لوداع «جوهر» والجيش بمنطقة «رقادة» قال لمن كانوا
معه: «والله لو خرج جوهر وحده لفتح مصر» . فكان لهذه العبارة
أثرها الكبير فى نفس «جوهر» ، وكانت له حافزًا على تحقيق ما
خرج من أجله. وصل «جوهر» إلى «مصر» ، وحط رحاله
بالإسكندرية التى فتحت أبوابها من غير مقاومة، فعامل
«جوهر» أهلها بالحسنى ووسَّع لهم فى أرزاقهم، فكان لذلك
أثره الطيب فى نفوس الأهالى، كما كان للنظام الذى ظهر به
الجيش، وطاعته لقائده أثره الكبير فى نفوسهم، فرحبوا بالقائد
الجديد. سياسة جوهر فى مصر: عمل «جوهر» على نشر العدل
بين أهل «مصر» ، وأمَّنهم على ممتلكاتهم، وجلس للبت فى
المظالم بنفسه رغم شواغله، فرد الحقوق إلى أصحابها، وضرب
بيد من حديد على أيدى العابثين بالنظام حتى إذا كانوا من
خاصته؛ لدرجة أنه عاقب بعض المغاربة بالقتل على إثم كبير
اقترفوه، كما برهن «جوهر» على حسن سياسته حين لجأ إلى
الوسائل السلمية لنشر المذهب الفاطمى، ولم يفرضه كرهًا،
واتخذ من المساجد مدارس يتلقى فيها الناس أصول مذهبه
الشيعى، وذكر اسم الخليفة الفاطمى فى خطبة الجمعة وأسقط
اسم الخليفة العباسى، فكان ذلك إيذانًا بزوال النفوذ العباسى،
وزوال ملك الإخشيديين. حكم «جوهر» «مصر» أربع سنوات هى
من أصعب الفترات وأخطرها، حيث تم فيها إقامة معالم دولة
وتشييدها على أنقاض دولة أخرى؛ فإلى «جوهر» يرجع الفضل
فى تأسيس وبناء «القاهرة» المعزِّية، التى جعل لها أربعة
أبواب منها: «باب النصر» ، و «باب الفتوح» ، و «بابا زويلة» ، كما
بنى بها «الجامع الأزهر» لينشر من داخله المذهب الشيعى.
و «الأزهر» هو أول مسجد شُيِّدَ فى «القاهرة» المعزية، وأقيمت
فيه الصلاة لأول مرة فى (17 من رمضان سنة 360هـ)، وقد
اختلف المؤرخون فى سبب تسميته بالأزهر، فقال فريق سُمِّى
بهذا الاسم نسبة وتكريمًا للسيدة فاطمة الزهراء. وقال فريق
آخر: تفاؤلا بما سيكون عليه أمر هذا المسجد من شأن عظيم.
وقال فريق ثالث: سُمى بذلك لأنه كان محاطًا بالقصور الزاهرة
التى بنيت عند إنشاء «القاهرة» . وأيا كانت نسبة هذه التسمية
إلى الجامع الأزهر؛ فهو يُعد -الآن- أعظم جامعة إسلامية تُدَّرَسُ
فيها العلوم الدينية والعلوم العقلية، ويقصده آلاف الطلاب من
مختلف أرجاء العالم الإسلامى، وقد أدى خدمات عظيمة للعلم
فى مختلف العصور، ونشره فى شتى بقاع العالم. إبراز
المظاهر الشيعية فى مصر: لما رأى «جوهر» أن دعائم ملك
الفاطميين قد توطدت فى «مصر» ، عمل على تحقيق ما جاء من
أجله، فزاد فى الأذان عبارة:«حى على خير العمل» ، وجهر
بالبسملة فى قراءة القرآن فى الصلاة، وزاد فى خطبة الجمعة
ما يلى: «اللهم صلِّ على محمد المصطفى، وعلى علىّ المرتضَى،
وفاطمةَ البتول، وعلى الحسن والحسين سبطى الرسول؛ الذين
أذهبت عنهم الرجس، وطهرتهم تطهيرًا. الله صلِّ على الأئمة
الراشدين آباء أمير المؤمنين الهادين المهتدين»، ونقش على
جدران «مسجد الفسطاط» شعار العلويين باللون الأخضر، كما
أضاف فى أول خطبة بالجامع الأزهر عبارة: «السلام على الأئمة
آباء أمير المؤمنين المعز لدين الله»، وضرب العملة باسم الخليفة
«المعز» ، وألغى السواد شعار العباسيين، وعمم الملابس
الخضراء شعار العلويين، ثم أرسل إلى «المعز» يستدعيه إلى
«مصر» ، فوافقه «المعز» ، وخرج من «المنصورية» بالمغرب فى
شوَّال سنة (361هـ)، ووصل إلى «القاهرة» فى رمضان سنة
(362هـ)، واستقبله أهل «مصر» بالفوانيس، فأصبحت عادة فى
استقبال شهر رمضان حتى الآن، وأعلن «المعز» «القاهرة»
عاصمة للخلافة الفاطمية، فأصبحت «مصر» دار خلافة بعد أن
كانت دار إمارة. النفوذ الفاطمى يمتد إلى بلاد الشام: حينما
استقرت الأمور لجوهر الصقلى فى «مصر» ، اتجه ببصره تجاه
بلاد الشام، وبذل جهودًا مضنية من أجل مد نفوذ سيده إلى هذه
البلاد، وجهز حملة كبيرة جعل قيادتها للقائد الكبير «جعفر ابن
فلاح»، الذى عُرِف بعقليته العسكرية الفريدة، فخرجت الحملة
قاصدة «دمشق» ، واستولت فى طريقها على «الرملة»
و «طبرية» ، فلما علم أهل «دمشق» بذلك خرجوا عن بكرة أبيهم
حاملين السلاح مشاة وفرسانًا لمواجهة هذه الحملة، والتقى
الطرفان، وبذل أهالى «دمشق» كل ما فى وسعهم، إلا أنهم
هُزِموا فى النهاية، ودخل «جعفر» وجنوده المدينة، فاعتبرها
الجنود غنيمة ونهبوها، ولم يكبح «جعفر» - بطبيعته الحربية -
جماحهم، فقامت الثورة فى «دمشق» ، وتمكن «جعفر» من
السيطرة عليها، وقبض على زعمائها، فهدأت الأحوال، وأُقيمت
الخطبة للمعز الفاطمى فى المحرم سنة (359هـ)، وزال سلطان
العباسيين فى الشام. وقد توالى على حكم الدولة الفاطمية عدد
من الخلفاء هم: 1 - عبيد الله المهدى. 2 - القائم. 3 - المنصور. 4 -
المعز. 5 - العزيز. 6 - الحاكم. 7 - الظاهر. 8 - المستنصر. 9 -
المستعلى. 10 - الآمر. 11 - الحافظ. 12 - الظافر. 13 - الفائز. 14 -
العاضد. انهيار الدولة الفاطمية: حين علا «صلاح الدين الأيوبى»
كرسى الوزارة فى الدولة الفاطمية، حدث الصدام المتوقع بين
المذهبين الشيعى والسنى، فسلب الوزير السنى من الخليفة
«العاضد» الشيعى كل سلطانه، وبات الخليفة كالمحجور عليه،
وصار حبيس قصره، فاستاء أتباع الخليفة وجنوده من هذا
الوضع وقاموا بثورة عارمة، نجح الوزير «صلاح الدين» فى
تشتيتها، فاضطر مشعلوها إلى الهرب نحو صعيد «مصر» ، فعمل
«صلاح الدين» على تثبيت قدميه، وتوطيد علاقته بالناس،
وحارب الصليبيين، وحقق انتصارات عظيمة عليهم، وعزل القضاة
الشيعة، وجعل السنيين بدلا منهم، ثم أرسل إلى «نور الدين»
يطلب منه أن يُلحق به أسرته فوافق، وألحقهم به، فقويت
شوكته، وأحبه الناس لسلوكه وسيرته بينهم، فلما اطمأن «نور
الدين» إلى استقرار الأوضاع أرسل إلى «صلاح الدين» يطلب منه
إزالة الخلافة الفاطمية، والدعاء للخليفة العباسى، فرفض «صلاح
الدين» أول الأمر خوفًا من عواقب هذا الصنيع، ثم عمد إلى
التجربة -بعد أن شاور خلصاءه- فقرر أن يصعد واحد من الناس
المنبر قبل الخطيب، ويدعو للخليفة العباسى «المستضىء» ليرى
ماذا سيفعل الناس، فلما تم له ما أراد، ولم يثر أحد أسقط الدعاء
للعاضد وجعله للمستضىء، فكانت نهاية الدولة الفاطمية التى
حكم ملوكها الأوائل رقعة شاسعة من العالم امتدت من «المحيط
الأطلسى» غربًا إلى «الخليج العربى» شرقًا، ودُعى لأحد
خلفائها على منابر «بغداد» -عاصمة الخلافة العباسية - عامًا
بأكمله. وكان «العاضد» مريضًا حين سقطت دولته فآثر أهله عدم
إخباره حتى لا يفجع ويزداد مرضه، ولكنه لم يلبث طويلا وتُوفِّى
سنة (567هـ). الحضارة والنظم فى العصر الفاطمى نظام الحكم:
قام نظام الحكم على نظرية الإمامة التى اعتبرها الشيعة حقا
لهم. إرثًا عن النبى صلى الله عليه وسلم ويختلفون فى ذلك عن
أهل السنة القائلين بحق الأمة فى اختيار إمامها، كما يختلفون
مع الإمامية الإثنا عشرية الذين ساقوا الإمامة فى اثنى عشر
رجلا من آل البيت، كان آخرهم «محمد بن الحسن العسكرى» ،
بينما وقف بها الإسماعيلية بعد «جعفر الصادق» عند ابنه
«إسماعيل» الذى نُسِبَت الدولة إليه، وركزت كلتا الطائفتين على
حق آل البيت فى الإمامة، وأن مهمة الإمامة هى الحفاظ على
تراث النبوة. الوزارة: هى أرفع المناصب بعد الخلافة، وكانت
تنقسم إلى: 1 - وزارة قلم. 2 - وزارة سيف. وكان يُطلَق عليها
رتبة الوساطة أو السفارة فى أول عهد الدولة، ولم تظهر كلمة
وزير إلا فى عهد «العزيز» ثانى الخلفاء الفاطمىىن فى
«مصر» ، وكان يتم اختيار الوزير -غالبًا - من بين أرباب الأقلام،
وتحول هذا المنصب إلى سلطة استبدادية أثناء الشدة
المستنصرية؛ فكان «بدر الجمالى» وزير سيف، وبه بدأ عهد
استبداد الوزراء، وتحولت الوزارة إلى وزارة تفويض، وأصبح
الوزير متحكمًا فى جميع أمور الدولة؛ بل أصبح الوزراء يتدخلون
فى تولية الإمام وولى عهده، فعظم أمرهم وقويت شوكتهم.
كان وزير التنفيذ يُلقَّب بالأجَلِّ، أما وزراء التفويض فكانت
ألقابهم تدل على السلطة الواسعة التى تمتعوا بها، مثل: أمير
الجيوش، وكافل قضاة المسلمين، وهادى دعاة المؤمنين، وتلقَّب
الوزير «طلائع بن رزيك» بالملك المنصور، وتلقَّب ابنه «رزيك بن
طلائع» بالملك العادل، وكذلك تلقب «صلاح الدين الأيوبى» آخر
وزراء الفاطميين وأول سلاطين الدولة الأيوبية بالملك الناصر،
كما وُصِف بعض هؤلاء الوزراء بالسلطان. كانت للوزير فى العصر
الفاطمى علامات تميزه عن غيره من موظفى الدولة، وانفرد بلبس
زى خاص، وبلغ راتبه خمسة آلاف دينار شهريا، وكان له حق
الجلوس بجوار الخليفة، وكان مجلسه بدار الوزارة الكبرى - التى
بُنى لها قصر كبير بجوار باب النصر - لا يقل فى الأبهة والعظمة
عن مجلس الخليفة نفسه. واشتُرط فيمن يتولى منصب الوزارة أن
يكون مخلصًا لعقيدة الدولة، وأن تكون لديه المهارة فى تدبير
الأموال، ولذلك تولى وزارات التنفيذ وزراء من أهل الذمة ظلوا
على عقيدتهم. نظام الإدارة: ورث الفاطميون نظام العباسيين
فى الإدارة، فعملوا على تركيز السلطة فى أيديهم، وأصبح
نظامهم الإدارى شديد المركزية تُدار شئونه من داخل القصر،
باستثناء بعض الظروف النادرة التى نُقل فيها ديوان الوزارة إلى
دور الوزراء، وسرعان ما يعود إلى القصر ثانية. انقسمت الشئون
الإدارية فى عهد الفاطميين إلى: 1 - ديوان الإنشاء الذى يقوم
بتنفيذ أوامر السلطة العليا. 2 - ديوان المالية، ويقوم بجباية
الأموال وإنفاقها. 3 - ديوان الإدارة المحلية التى تحكم الولايات.
وتفرع عن كل ديوان من هذه الدواوين أقسام عديدة، كان لكل
منها عمل معين، وعلى الرغم من محاولة «جوهر الصقلى» إحلال
المغاربة محل المصريين فى الوظائف الإدارية، فإنه فشل فى
ذلك، لجهل البربر بدقائق الإدارة، فبقى المصريون من المسلمين
وأهل الذمة فى مناصبهم الإدارية، وتشير المصادر التاريخية إلى
استخدام القبط واليهود - بكثرة - فى مختلف دواوين الدولة.
النظام الدينى: أطلِق لقب: «أصحاب الوظائف الدينية» على علماء
الدين فى العصر الفاطمى، وكانت هذه الوظائف تضم: 1 -
القضاء: ويعتمد على التشريع الإسماعيلى. 2 - الدعوة: وتعتمد
على العقيدة الشيعية للدولة. ويتفق التشريع الشيعى مع
التشريع السنى فى أن كلا منهما يعتمد على القرآن الكريم
والسنة النبوية كأساس للتشريع، مع اختلاف جوهرى هو أن
الفاطميين وضعوا تأويلا باطنيا لنصوص القرآن والسنة؛ فالصلاة
- مثلا - هى الفرائض الخمس المعروفة، ولكن معناها الباطنى هو
الإخلاص للإمام الباطنى، ولذلك لا يقبلون من الأحاديث إلا ما رواه
آل البيت ونُقل عنهم، حتى وإن كانت هناك أحاديث مشتركة بين
الطرفين اختلف رواتها. لم يمنع المذهب الشيعى الاجتهاد، ولكنه
اشترط أن يكون هذا الاجتهاد قائمًا على الأصول التى وضعها
الفاطميون، ولذا أصبح اجتهاد الشيعة مقيدًا. تولى أصحاب
الوظائف الدينية الإشراف على القضاء فى أرجاء الخلافة، فكان
منهم: قاضى القضاة، وصاحب المظالم، والمحتسب، وصاحب
الشرطة. وقامت الدعوة على أسس العقيدة الشيعية؛ لأن الدولة
الفاطمية دولة قامت على أسس مذهبية، وكانت دعوتها تُسمَّى
رسميا: الدعوة الهادية، أو الدعوة العلوية، وكان الهدف من
هذه الدعوة تأييد حكم الفاطميين ليترسخ فى النفوس حق
الفاطميين فى حكم العالم الإسلامى، فأيدت حق الإمام المطلق
فى ولاية أمر المسلمين، ولجأت إلى تأويل القرآن بما يتفق مع
تأييد وجهة نظرها، بزعم أن أبناء «فاطمة» بنت رسول الله
وذريتها هم وحدهم القادرون على هذا التأويل، ولديهم معنى
واضح وآخر باطن لكل كلمة قرآنية. بمجىء الفاطميين إلى
«مصر» أصبحت «القاهرة» مقر داعى الدعاة؛ الذى له حق
الإشراف على الدعوة فى «مصر» والعالم الإسلامى، وعليه
إرسال الدعاة فى أنحاء العالم أجمع للتبشير بمذهب الفاطميين،
ولهذا كان يجب عليه أن يكون عالمًا بالمذهب الإسماعيلى،
عارفًا بأسرار العقيدة، بليغًا، ذكيا، عالمًا بقواعد الدين. كانت
مجالس الدعوة تُعقد بصفة منتظمة ودورية، فخصص يوم الأحد
للرجال، ويوم الثلاثاء للأشراف والشخصيات المرموقة، ويوم
الأربعاء للنساء، وكانت المحاضرات المقروءة فى هذه المجالس
تُسمَّى: مجالس الحكمة، أو مجالس الدعوة، فإذا فرغ الداعى من
إلقاء محاضرته تزاحم عليه الناس فى طقوس غريبة، فيمسح على
رءوسهم برقعة وضع عليها الخليفة توقيعه. كان الداعى يلى
قاضى القضاة فى الرتبة والمكانة، وكان راتبه الشهرى مائة
دينار مثل راتب القاضى، وتلقَّب بألقاب فخمة مثل: «الشيخ
الأجلّ»، وكانت له سلطة روحية غير محدودة على جميع الشئون
السياسية والدينية فى الدولة. النظام الحربى: كان الجيش
الفاطمى من أقوى الجيوش فى عصره، وكانت له دواوين خاصة
قامت على تنظيمه وإعداده، كديوان الجيش الذى أشرف على
إعداد الجنود وأعدادهم، وديوان الرواتب الذى اختص بتسجيل
العطاءات، وديوان الإقطاع الذى اختص بالنظر فى الإقطاعات
التى تمنحها الدولة لبعض العسكريين مقابل قيامهم بواجبات
معينة، وقد أتت مكانة قائد الجيش بعد صاحب الباب الذى كان
يلى الوزير مباشرة، وتميز قادة الجيش عن بعضهم بعلامات
يحملونها، وسكن الجنود فى معسكرات خاصة بهم حتى لا
يضايقوا الأهالى فضلا عن تواجدهم فى مراكز الحدود. روى
«المقريزى» : «أن خزائن المال وأمتعة الجيش حملها عشرون ألف
جمل، حين خرج جيش العزيز قاصدًا الشام، وعمل الفاطميون
على تزويد الجيش بأحدث أنواع الأسلحة. ولذا يمكن القول بأن
الجيش الفاطمى كان جيد الإعداد مثل غيره من جيوش الدول
الكبرى آنذاك». قام الأسطول الفاطمى بعدة حملات بحرية فى
البحر المتوسط أثبت خلالها شدة بأسه، وكانت له غزوات مظفرة
على «بيزنطة» و «إيطاليا» و «فرنسا» و «إسبانيا» ، ويروى
«القلقشندى» أن وحدات الأسطول الفاطمى كانت مرتبة
ومتواجدة بجميع الشواطىء الساحلية، ماعدا سواحل الشام
التى فقدوا سيطرتهم عليها فى القرن الأخير من حكمهم، فقد
غلبهم عليها الصليبيون. خصصت الدولة الفاطمية جزءًا كبيرًا من
ميزانيتها للإنفاق على إعداد الجيش وتجهيز رجاله بما يحتاجون
إليه من أدوات الحرب وغيرها، وكان للجيش ديوان خاص يُدعى
«ديوان الجهاد» ، وأُنشئت الموانئ لبناء السفن التى كان بعضها
يتسع لحمل ألف وخمسمائة شخص، وأصبح الأسطول الفاطمى
من أكبر الأساطيل، وبقى نموذجًا احتذى به الأيوبيون
والمماليك. مُنْشآت الفاطميين: تميز العصر الفاطمى بمنشآته
العديدة، وكان على رأسها تأسيس «القاهرة» ، وإنشاء
«الجامع الأزهر» ، وتشييد «القصر الشرقى» ، و «القصر الغربى» ،
و «قصر البحر» ، و «قصور عين شمس» ، و «جامع الحاكم» ،
و «جامع الأولياء» . تأسست مدينة «القاهرة» سنة (358هـ) لسبعة
عشر يومًا خلت من شهر شعبان، واختطت قبائل البربر مساكنها
حول قصر «المعز» بها. وأصبحت منذ ذلك اليوم مقرا للحكم،
ومركزًا لنشر الدعوة الشيعية، وحصنًا يصد هجمات الأعداء،
وأطلق عليها اسم «المنصورية» نسبة إلى «المنصور» والد
«المعز» ، وقد اختلف المؤرخون فى سبب تسميتها بالقاهرة؛
فذكر «ابن دقماق» : أن أساسها حُفِر أثناء طلوع كوكب يُقال له
«القاهر» فسميت به. وقيل إن «المعز» قال لجوهر الصقلى:
«لتدخلن فى خرابات ابن طولون، وتبنى مدينة تقهر الدنيا» ،
فلما حدث ذلك سماها «جوهر» «القاهرة» ، وهناك من ذكر أنها
سُميِّت بذلك لأنها تقهر من يشذ عنها. أحاط «جوهر» «القاهرة»
بسور كبير من الطوب اللَّبِن، وإلى الجنوب الشرقى منها كانت
مدينة «الفسطاط» ، وإلى الغرب منها وقع ميناء «المقس» ، ثم
وضع «جوهر» أساس القصر الذى شيده من أجل مولاه «المعز» ،
ذلك القصر الذى قيل عنه إنه احتوى على أربعة آلاف حجرة،
وتأثَّث بفاخر الرياش، وبأفخر ما يحتاج إليه خاصة الناس لاسيما
الملوك والخلفاء. كانت «القاهرة» مدينة الخاصة، فلم يكن أحد
يسكنها إلا الخليفة ورجاله، وقد بنى «العزيز بن المعز» فيها
قصرًا عُرِف بالقصر الغربى، فعرفت المنطقة الواقعة بين قصرى
«المعز» و «العزيز» - الشرقى والغربى- باسم: «بين القصرين» ،
وكان «الأزهر» أول مسجد شُيد فى «القاهرة» المعزية، وقد
شرع «جوهر» فى بنائه يوم السبت الموافق (4 من رمضان سنة
359هـ)، وأقيمت الصلاة به لأول مرة فى (7 من رمضان سنة
360هـ)، وصار منذ ذلك الوقت إلى الآن أشهر جامع فى العالم
الإسلامى، وكان «على ابن النعمان» أول مَنْ مارس التدريس
فيه، حيث أملى على الطلاب مختصر أبيه «القاضى النعمان» فى
الفقه على المذهب الشيعى، كما كان «العزيز بالله» أول مَنْ
حَوَّل «الأزهر» من مسجد تُقام فيه الصلاة إلى جامعة تُدرس فيها
العلوم، وهو أول مَن أجرى الأرزاق على طلاب العلم فيه، وتبعه
فى ذلك الخلفاء والأمراء والوزراء؛ فبنوا الأروقة لتكون منازل
مُعَدَّة لسكنى الطلاب، وجعلوا لكل بلد رواقًا خاصا بطلابه، فكان
هناك رواق الصعايدة، ورواق المغاربة، ورواق الأكراد .. الخ.
وبنى «العزيز بالله» قصورًا عديدة فى «عين شمس» ، وأسس
«قاعة الذهب» ، وبدأ بناء مسجد أتمه ابنه «الحاكم» وفرشه
بستة وثلاثين ألف متر من الحصر، وأضاءه بالقناديل، وعلَّق
على أبوابه الستور الحريرية، وحبس عليه أملاكًا كثيرة لرعايته
والإنفاق عليه، وفى سنة (395هـ) أنشأ «الحاكم» «دار الحكمة»
وألحق بها مكتبة كبرى أطلق عليها اسم «دار العلم» ، وأنشأ
«الظاهر» «قصر اللؤلؤ» ؛ الذى يُعدُّ من أجمل قصور العصر
الفاطمى، وظل مكانًا يلجأ إليه الخلفاء من بعده وقت فيضان
النيل. ولنا أن نشير إلى اهتمام خلفاء الدولة الفاطمية ووزرائها
بإقامة المنشآت على النيل؛ لتوزيع المياه بطريقة تكفل زراعة
أكبر مساحة من الأراضى. الحالة الاقتصادية: وجَّه الفاطميون
اهتمامهم إلى الزراعة والصناعة والتجارة، وفرضوا الضرائب
على بعض المنتجات، فقد قاست «مصر» الأمرَّين فى أواخر
الدولة الإخشيدية؛ حيث انخفض ماء النيل، وعم القحط وانتشر
الوباء لدرجة أن الناس عجزوا عن تكفين موتاهم، فلما فتح
«جوهر» «مصر» ، منع احتكار الحبوب، وعهد إلى المحتسب
برقابتها فى الأسواق، ثم عاد الخير إلى «مصر» ثانية بعودة
مياه النيل إلى الزيادة، فبلغت الأرض المنزرعة فى عهد «المعز»
(285 ألف فدان)، وارتقت البلاد زراعيا بفضل إنشاء القناطر
وإقامة السدود، وتنظيف الترع والمصارف، ثم حدثت المجاعة
التى عُرفَت بالشدة العظمى فى عهد «المستنصر» . بزغ نجم
«مصر» عاليًا فى مجال الصناعة فى عهد الفاطميين، وبرع
المصريون فى صناعة المنسوجات، وزادت ثروتهم من صادرات
هذه الصناعة لاسيما منتجات «دمياط» و «تنيس» و «الأشمونيين» ،
التى نالت منسوجاتها شهرة عالمية. كذلك ارتقت صناعات الفرش
والسجاد والسيرج والذهب والفضة، ورُصِّع عرش الخلافة الفاطمية
بمائة وسبعةَ عشر ألف مثقال من الذهب، ووُضع ستار قبالة هذا
العرش رُصِّع بألف وخمسمائة وستين قطعة من الجواهر المختلفة
الألوان، وحُلى بثلاثمائة ألف مثقال من الذهب الخالص، وكان
لدى المستنصر طاووس من الذهب مرصع بالأحجار الكريمة،
وعيناه من الياقوت، وريشه من الزجاج المموه بالذهب، كما وجد
بدار الوزير «الأفضل» ثمانية تماثيل لثمانى جوارٍ متقابلات، أربع
منهن بيضاوات والأربع الأخر لونهن أسود، مرتديات أفخر
الثياب، متزينات بأثمن الجواهر، إذا دخل «الأفضل» من باب
المجلس نكسن رءوسهن إجلالا له. كذلك برع المصريون فى
صناعة الأطباق والصحاف والزجاج، لدرجة أنهم استطاعوا إنتاج
نوع شفاف من الزجاج يشبه «الزمرد» لنقائه الشديد فكان يباع
بالوزن. وقد نشطت التجارة بين «مصر» والعالم نشاطًا ملحوظًا،
وكانت حركة السفن التجارية لا تتوقف غدوا ورواحًا بميناءى
«عيذاب» ، و «القلزم» (السويس)، وكانت نسبة الضرائب تزيد
وتنقص تبعًا لزيادة المحصول وقلته نتيجة الزيادة أو النقصان
فى ماء النيل، وبلغت ضريبة الفدان فى عهد «المعز» سبعة
دنانير، وبلغت ضريبة الرءوس دينارًا وربع الدينار عن كل فرد،
ثم كانت الجزية التى تُحصَّل من قادرى اليهود والنصارى دون
ظلم أو إجحاف مقابل رعايتهم وإعفائهم من الخدمة العسكرية،
ولم تكن الجزية مبلغًا كبيرًا لقلة عدد اليهود والنصارى بعد تحول
معظم المصريين إلى الإسلام. وفرضت الضرائب على الصناع
والحرفيين، وروعى فيها العدل -غالبًا- أثناء قوة الخلافة
الفاطمية وخلفائها، فلما حَلَّ الضعف بها وتسلط الوزراء على
الخلفاء والبلاد؛ أُهملَت النواحى الاقتصادية، ولم يراعِ هؤلاء
الوزراء حالة المواطنين، فكان ذلك سببًا فى فتح أبواب البلاد
أمام الطامعين. طوائف الشعب: كان سواد الشعب المصرى من
أهل السنة حين دخلها الفاطميون، فحاولوا نشر مذهبهم الشيعى
بالترغيب مرة وبالترهيب أخرى، ومنحوا العطايا والهبات، فكان
لذلك أثره الكبير فى اعتناق الكثيرين للمذهب الشيعى، فضلا
عن رغبة البعض فى الإبقاء على وظائفهم؛ إذ تحتم على من
يرغب فى الإبقاء على وظيفته اعتناق المذهب الشيعى. وكان
المغاربة وعلى رأسهم الكتاميون الذين قدموا مع الجيش
الفاطمى، وقامت دولة الفاطميين بسواعدهم - ضمن طوائف
الشعب بعد أن استقر لهم الأمر، وطاب لهم العيش بمصر، وكذلك
كان هناك أهل الذمة من اليهود والنصارى؛ الذين تقلدوا مناصب
رفيعة. وشغلوا معظم الوظائف المالية، تُضاف إليهم طائفة
الأتراك الذين كثر عددهم منذ عهد الطولونيين، وظلوا بمصر، فدار
بينهم وبين المغاربة تطاحن وتنابذ فى عهد الحاكم، أما
السودانيون فقد كثر عددهم منذ «كافور الإخشيدى» ، وقويت
شوكتهم فى عهد «الحاكم» ، فاستعان عليهم بالأتراك، ثم زاد
خطرهم ثانية وقويت شوكتهم حين تزوج «الظاهر» واحدة منهم.
مكانة المرأة: كان للنساء شأن كبير فى الدولة الفاطمية، لدرجة
أنهن كن يتدخلن فى توجيه سياسة الدولة، وحققت الكثيرات
منهن ثروات طائلة، مثل:«رشيدة ابنة المعز لدين الله» ، التى
بلغت ثروتها مليونًا وسبعمائة ألف دينار، وكان لأختها «عبدة»
خزائن عديدة ملأى بالحلى، وصناديق كثيرة يحوى كل منها
خمسة أكياس من «الزمرد» وثلاثمائة قطعة فضية وثلاثين ألف
ثوب صقلى وغير ذلك، وامتلكت الملكة «تغريد» زوج «المعز»
أموالا طائلة، وشيَّدت مسجدًا بالقرافة. تزوج «العزيز» امرأة
نصرانية من الروم، وعين أخويها بطريركين بالإسكندرية و «بيت
المقدس»، وولدت «للعزيز» ابنه «الحاكم» وابنته «ست الملك» ،
فكان لها نفوذ كبير، ثم كان لابنتها «ست الملك» من النفوذ
والدهاء ما مكنها من تأجيل انهيار الدولة الفاطمية فترة طويلة
بعد أن أزاحت «الحاكم» عن العرش، كما سبق ذكره، وتركت
«ست الملك» ثروة ضخمة كان منها ثمانمائة جارية وعدد كبير
من الأحجار الكريمة، وبلغت مخصصاتها السنوية خمسين ألف
دينار، وكانت زوجة «الظاهر» وهى أم «المستنصر» من النساء
اللاتى حظين بنفوذ كبير فى الدولة الفاطمية، فأكثرت من بنى
جلدتها السودانيين حتى وصل عددهم إلى خمسين ألفًا. لم يكن
لنساء العامة أى أثر فى الحياة السياسية، ولم تذكر المصادر
أى نشاط لهن فى الدولة الفاطمية، فقد كان ذلك مقصورًا على
نساء الطبقة الحاكمة. المواسم والأعياد: كان للمصريين أعيادهم
المختلفة ومواسمهم المعينة قبل الفتح الإسلامى، علاوة على ما
استجد من الأعياد الدينية بعد الفتح الإسلامى، وبما أن الدولة
الفاطمية دولة دينية مذهبية، فقد كانت الحفلات بالنسبة إلى
خلفائها مناسبة لتأكيد عقيدتهم، وعملوا على صبغها بالصبغة
المذهبية، فمن الأعياد التى كانت موجودة قبل الفتح الإسلامى
وظلت باقية بعده «عيد وفاء النيل» الذى ظل تقليدًا بعد الفتح
مع إدخال بعض التعديلات على الاحتفال به لتتناسب مع الدين
الإسلامى، وكان هناك «عيد الغطاس» الذى يحتفل فيه النصارى
بذكرى المسيح فى ليلة (11 من طوبة = 9من يناير)، وذكر
«المقريزى» أنها أحسن ليلة تكون بمصر وأشملها سرورًا ولا
تغلق فيها الدروب»، وعيد «النوروز» الذى يقول عنه
«المقريزى» : «إنه أول السنة القبطية بمصر، وهو أول يوم من
توت، و «عيد الميلاد» فى (29 من كيهك)، و «خميس العهد» . أما
الأعياد والمواسم الدينية التى عرفها المصريون بعد الفتح
الإسلامى؛ فلم تأخذ شكلها الفخم ومظهرها الرائع إلا بعد مجىء
الفاطميين، ومن أشهر هذه الأعياد:«عيد رأس السنة الهجرية» ،
الذى كانوا يعدون العدة للاحتفال به ابتداء من العشر الأواخر من
شهر ذى الحجة، فكان الاحتفال به مثالا للروعة والبهاء، كما
كان لهم كبير اعتناء بليلة أول المحرم من كل عام، وبأعياد
ليالى الوقود الأربعة وهى: الأول من رجب ونصفه، والأول من
شعبان ونصفه، وكذلك بعيدى «الفطر» و «الأضحى» ، وفيهما
تُقَام الولائم وتُعدُّ الموائد للشعب، وفى الثانى عشر من شهر
ربيع الأول من كل عام يقام الاحتفال بالمولد النبوى الشريف
بمراسم خاصة فخمة تليق بالمكانة العظيمة للنبى - صلى الله عليه
وسلم - فى نفوس المسلمين. ذلك بالإضافة إلى أعياد الشيعة
المذهبية كعيد «غديرخم» نسبة إلى الغدير الموجود بهذا الاسم
بين «مكة» و «المدينة» ، ويذكر الشيعة أن النبى - صلى الله عليه
وسلم - نزل بموضع «الغدير» ، وآخى «علىَّ بن أبى طالب» فى
عودته من «مكة» إلى «المدينة» بعد حجة الوداع سنة (10هـ)، ثم
قال صلى الله عليه وسلم: «علىٌّ منى كهارون من موسى،
اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصر مَنْ نصره، واخذل مَنْ
خذله»، فاعتبر الشيعة هذه المقولة بمثابة وصية من الرسول
لعلىّ، وأنه أحق بالخلافة من غيره. ومن احتفالات الفاطميين
احتفال بذكرى مقتل «الحسين بن علىّ» -رضى الله عنهما - وهو
عندهم يوم حزن يُمدُّ فيه سماط يُسمَّى «سماط الحزن» ، ذلك
إضافة إلى أعياد أخرى مثل الاحتفال بإرسال الكسوة بصحبة
قافلة الحج، والاحتفال بشهر رمضان، والاحتفال بذكرى مولد
الكثير من الأئمة، ومولد الخليفة القائم بالأمر. ولا يعرف التاريخ
دولة إسلامية استطاعت طبع «مصر» بطابع قوى وجديد مثلما
فعلت الدولة الفاطمية، التى مرت عبر صفحات التاريخ شأنها
شأن أىة دولة تباينت قوة وضعفًا، واعتورها الصواب والخطأ،
بيد أنها سطرت صفحة ناصعة من ألمع الصفحات فى التاريخ
الإسلامى تمثلت فى «الجامع الأزهر» ومدينة «القاهرة» .