الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
الدولة الجلائرية
كان «آل جلائر» من القبائل المغولية، ويعد «تاج الدين شيخ
حسن بزرَك بن حسين» أول حكام «آل جلائر» ومؤسس دولتهم
«الجلائرية» ، وثالث مَن تولى الحكم فى «الدولة الإيلخانية» ،
وقد امتد سلطانه إلى «العراق» ، واتخذ «بغداد» عاصمة له،
وأعلن نفسه ملكًا عليها، فظهرت بذلك الدولة «الجلائرية» إلى
حيز الوجود. شهدت اللبنات الأولى لقيام «الدولة الجلائرية» عدة
حروب بين الأمراء المغول بهدف الوصول إلى الحكم، إلا أن
«حسن الجلائرى» تمكن من الاستقلال بالعراق واستطاع أن
يوحد الصفوف لتأسيس دولته الوليدة، ومع ذلك لم تتوقف
الصراعات والحروب مع بقايا الإيلخانيين، إلى أن تمكن «الشيخ
حسن الجلائرى» من طردهم إلى خارج حدود دولته - «العراق» -
فى عام (748هـ= 1347م). كان «الشيخ حسن الجلائرى» سياسيا
حكيمًا، وأراد أن يضمن لدولته قوتها ووحدتها، فلم يعلن نفسه
خانًا أو سلطانًا؛ بل أعلن ولاءه للسلطان المملوكى فى «مصر»
ليكون سنده الذى يحتمى به إذا ما فكر المغول فى غزوه،
خاصة وأن دولته قريبة ومتاخمة للإمارات والممالك المغولية
فساعده هذا التصرف على استقرار بلاده، وشجعه على
الاستيلاء على «لورستان» ، و «الموصل» ، و «تستر» ، وبسط
نفوذه على غيرها، فاتسعت رقعة بلاده، وامتد نفوذ حكمه، ثم
مات فى عام (757هـ = 1356م)، وخلفه ابنه «الشيخ أويس بن
حسن الجلائرى»، فبلغت الدولة فى عهده أقصى اتساع لها، إذ
ضم إليها «أذربيجان» ، و «آران» ، و «موقان» ، واتخذ من «تبريز»
عاصمة لبلاده، وانتقل نشاط الدولة السياسى ومركزها من
«العراق» إلى «أذربيجان» ، فأدى ذلك إلى قيام حركات التمرد
فى «بغداد» على الجلائريين، وكانت حركة «مرجان» نائب
«الشيخ أويس» على «بغداد» من أشهر هذه الحركات، وكان
«مرجان» طواشيا للشيخ أويس. لقد أخطأ «الشيخ أويس» فى
حساباته عندما ابتعد عن «العراق» واتخذ له عاصمة فى
«إيران» ، فضلا عن تقريبه الفرس دون العرب، فكانت النتيجة
انضمام العرب بمختلف طوائفهم إلى «مرجان» وحركته، وحُذف
اسم «الشيخ أويس» من الخطبة؛ رمز السيادة فى الدولة، وخُطب
للسلطان المملوكى فى «مصر» . خرج «الشيخ أويس» من
«تبريز» إلى «بغداد» فى سنة (765هـ = 1363م)، واستطاع
وزيره أن يستميل أعوان «الخواجة مرجان» إلى صفه، فانفضوا
من حول «مرجان» وفشلت حركته، ودخل «الشيخ أويس»
«بغداد» ثم جعل «شاه خازن» نائبًا له عليها، ولكن «مرجان» لم
ييأس من المحاولة، وعاد مرة ثانية إلى حكم «بغداد» عقب وفاة
«شاه خازن» ، مما يؤكد حب أهل «العراق» لمرجان ومكانته
عندهم، فاضطر «الشيخ أويس» إلى الصفح عنه، ثم أرسل ابنه
«الشيخ علىّ» ليحكم «العراق» . تُوفى «الشيخ أويس» عام
(776هـ = 1373م)، وخلفه فى الحكم ابنه «جلال الدين حسين بن
أويس» (776 - 784هـ = 1373 - 1382م)، فضاعت هيبة الدولة فى
عهده، وبدأت فى التدهور والانهيار؛ حيث اهتم بملذاته ومصالحه
الشخصية على حساب أمور الدولة والرعية، وزادت الأمور
اضطرابًا فى عهد أخيه «أحمد بن أويس» الذى خلفه فى الحكم
(784 - 813هـ = 1382 - 1410م)، إذ تمكن «تيمورلنك» من إسقاطه
عن عرشه عدة مرات، ثم دخل «بغداد» فى عام (795هـ =
1393م)، ففر «أحمد بن أويس» إلى «مصر» مستنجدًا بالسلطان
المملوكى «برقوق» ، وتمكن «الشيخ أحمد» -أخيرًا - من العودة
إلى «بغداد» فى عام (804 هـ = 1401م)، وتمكن من استعادتها
فى عام (807هـ= 1404م)، بعد أن خرجت عدة مرات من حكم «آل
جلائر» إلى حكم التيموريين، ثم استعاد «تبريز» فى عام
(809هـ= 1406م)، ولم يلبث أن فقدها ثانية فى العام نفسه على
يد حفيد «تيمورلنك» . وفى عام (813هـ = 1410م)، اختلف «أحمد
بن أويس» مع زعيم قبيلة «قراقيونلو» ، وحدث صدام بينهما،
فقُتل «الشيخ أحمد» ، وتمكن زعيم «قراقيونلو» من انتزاع
«تبريز» وما والاها من الجلائريين، ثم أسس دولة له
فى «أذربيجان» . تولى الحكم بعد «أحمد بن أويس» عدد من
السلاطين، وصلت الدولة فى عهدهم إلى أقصى مراحل الضعف
حتى انتهت بموت «حسين بن علاء الدولة» آخر السلاطين
الجلائريين سنة (835هـ)، وسلاطين هذه الفترة هم: - شاه ولد
(813 - 814هـ). - محمود بن شاه ولد (814 - 818هـ). - أويس بن
شاه ولد (818 - 824هـ). - محمد بن شاه ولد (824 - 827هـ (. حسين
بن علاء الدولة (827 - 835هـ). تمتعت «الدولة الجلائرية»
باستقلالها فى عهد «الشيخ حسن الجلائرى» الذى أدت سياسة
حكمه إلى انتعاش اقتصاد البلاد، وبناء حضارة زاهرة، وتشييد
المدارس والمكتبات وأماكن العلاج، فتردد طلاب العلم على
«بغداد» من كل مكان؛ طلبًا للعلم والمعرفة، فأعاد لبغداد
عهدها القديم المشرق، واعتمد على العرب والترك فى الجيش،
فقل تأثير الفرس على المجتمع العراقى، وبات «آل فضل» العرب
ذوى مكانة خاصة فى هذه الدولة، ولكن ذلك لم يدم طويلا؛ إذ
تولى «الشيخ أويس بن حسن» عرش «الدولة الجلائرية» واعتمد
فيها على العنصر الفارسى، وأساء إلى العرب، فتقلص نفوذ
العرب ونشاطهم فى الدولة، وازداد الأمر سوءًا حينما اتخذ
«الشيخ أويس» «تبريز» عاصمة لبلاده بدلا من «بغداد» ، وجعل
اللغة الفارسية لغة بلاده الرسمية؛ فازداد نفوذ الفرس، واشتعلت
الثورات فى «العراق» ، وطمع المظفريون فى فارس، فأحدقت
الأخطار بالدولة الجلائرية من كل جانب فغزاها التيموريون،
فأفقدها ذلك القدرة على مواصلة الإصلاح الاقتصادى، وأهملت
المنشآت الخاصة بالزراعة والرى، وأصبح شغل الحكام
الجلائريين الشاغل هو الحفاظ على وجودهم فى الحكم، ونشبت
بينهم الصراعات الكثيرة التى أطاحت بهم جميعًا فى النهاية.
كما ساعدت الفيضانات والأوبئة التى تعرضت لها هذه الدولة
على انهيار اقتصادها، وتدهور الأحوال فيها، واضطر الحكام
إلى فرض الضرائب لملاحقة المجهود العسكرى، فضجر الناس من
ذلك، وانتكست تجارتهم بسبب الضرائب، وأصيبت الصناعة
بالخمول والكساد أيضًا، ولم تبقَ إلا بعض الصناعات القليلة مثل:
صناعة الحرير، وصناعة الأسلحة، وبات هَمُّ الحكام الحفاظ على
العرش، وضحوا فى سبيل تحقيق ذلك بكل غالٍ ونفيس.