الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
بنو وطاس (دولة)
بنو وطاس» فخذ من قبيلة «بنى مرين» ، ولكنهم ليسوا من فرع
الأسرة المرينية الحاكمة، وقد قامت علاقة حذرة بين أسرتى
«بنى وطاس» و «بنى مرين» ، ثم تعدى «بنو وطاس» هذا الحذر،
واتخذوا موقفًا عدائيا من دولة «بنى مرين» منذ قيامها،
وساندوا الموحدين فى صراعهم معهم، ومن ثم عمد المرينيون-
بعد قيام دولتهم واستقرار الأوضاع لهم - إلى إحكام قبضتهم
على حصن «تازوطا» الذى كان مقر «بنى وطاس» فى ذلك
العهد، ولكن الوطاسيين قاموا بثورة فى سنة (691هـ= 1292م)
للاحتفاظ بنفوذهم فى هذا الحصن، وامتدت ثورتهم فشملت
منطقة الريف، ثم طردوا الوالى المرينى وحاشيته، وسيطروا
على الحصن، مما دفع السلطان «يوسف بن يعقوب المرينى»
إلى تجهيز جيش كبير، وجعل عليه «عمر بن المسعود بن
خرباش» أحد قادته المخلصين، وأمره بالتوجه إلى حصن
«تازوطا» ، ثم خرج السلطان بنفسه على رأس جيش آخر، وحاصر
الجيشان الحصن مدة عشرة أشهر، وتمكن «عمر» و «عامر» ابنا
«يحيى بن الوزير الوطاسى» زعيما الوطاسيين من الفرار
بأموالهما إلى «تلمسان» ، ودخل السلطان الحصن، وأنزل العقاب
بالوطاسيين ثم عاد إلى عاصمته «فاس» فى آخر جمادى الأولى
سنة (692هـ= أبريل1693م). وقد تآمر «زيان بن عمر الوطاسى»
مع الأمير «أبى عبدالرحمن المرينى» ضد والده السلطان «أبى
الحسن»، فى محاولة للاستيلاء على السلطة، ولكن محاولتهما
باءت بالفشل، وسُجن الأمير، وفر «الوطاسى» إلى «تونس» .
وعلى الرغم من كل ما سبق فإن الوطاسيين نالوا حظا وافرًا من
المراكز العامة بالدولة المرينية، وتغلغل نفوذهم داخل مراكز
الحكم المدنى، وكذا العسكرى، ووصل بعضهم إلى منصب
الوزارة، مثل:«رحو بن يعقوب الوطاسى» الذى ولى الوزارة
فى عهد السلطان «عامر بن عبدالله المرينى» ، واستمر إلى عهد
«سليمان بن عبدالله» ، وتولى «عمر بن على الوطاسى» الإمارة
فى مدينة «بجاية» فى عهد «أبى عنان المرينى» فى سنة
(759هـ= 1358م). دخل «محمد الشيخ الوطاسى» سلطان
الوطاسيين فى مواجهة مستمرة - منذ أسس دولته- مع الفتن
والقلاقل والثورات التى قامت بالدولة على أيدى العرب الذين
أغاروا على «فاس» و «مكناسة» ودمروهما، ثم واجه ثورة
«على بن راشد» فى «شفادن» وهى مدينة قريبة من «البحر
المتوسط» و «المحيط الأطلسى» ، و «مضيق جبل طارق» ، ثم حاول
«محمد بن أحمد المرينى» الاستقلال بمدينة «دبرو» التى تقع
شمال شرق «المغرب» ، ونجح فى ذلك، وبسط نفوذه على
المناطق الغربية منها، فأدرك «محمد الشيخ» خطورته، وخرج
لمواجهته مرتين، كانت الأولى فى سنة (895هـ= 1490م)، وهُزم
فيها الوطاسيون، وكانت الثانية فى سنة (904هـ= 1498م)،
وانتصر فيها «بنو وطاس» ، وعقد سلطانهم الصلح مع «محمد بن
أحمد المرينى»، وزوج السلطان ابنتيه لولدىّ الأمير «محمد» ،
فحل بينهما السلام. وقد واجهت هذه الدولة ثورة بالمنطقة
الجنوبية، قادها «عمرو بن سليمان الشيظمى» ، الشهير
بالسياف، فى سنة (870هـ= 1465م)، ولم تهدأ هذه الثورة إلا
بعد أن اُغتيل «الشيظمى» على يد زوجته فى سنة (890هـ=
1485م). والواقع أن «بنى وطاس» لم يتمكنوا من فرض سلطانهم
ونفوذهم على كل «المغرب الأقصى» ، بل يمكن القول بأن
نفوذهم لم يتجاوز العاصمة «فاس» ، واقتسمت القبائل والأشراف
والزعامات المحلية ومشايخ الصوفية باقى البلاد. فأدى هذا إلى
نشوب الاضطرابات والقلاقل بالبلاد، وتزايد الانقسامات بها،
واستغلال البرتغال والإسبان لهذه الأوضاع للتوسع وفرض النفوذ
ونشر المسيحية. ثم بدأت مرحلة أخرى من الصراع بين
الوطاسيين والسعديين الذين حشدوا الناس إلى جانبهم بحجة
الدفاع عن البلاد من خطر الإسبان والبرتغال، وكانوا فى حقيقة
الأمر يسعون لإسقاط «دولة الوطاسيين» ، ونجحوا فى السيطرة
على بعض المدن المغربية، ثم دخلوا «مراكش» ، وفشل «بنو
وطاس» فى صدهم، وتدخل العلماء للصلح بينهما، ونجحت
محاولتهم، واتفق الفريقان على اقتسام «بلاد المغرب الأقصى» ،
ولكنهما دخلا فى صراع ثانية، وتوسع السعديون على حساب
أملاك الوطاسيين، ثم دخلوا مدينة «فاس» ، وقتلوا السلطان
الوطاسى «أبا حسون على بن محمد بن أبى ذكرى» فى يوم
السبت (24 من شوال سنة 961هـ=22 من سبتمبر 1554م)، وبدأ
السعديون بقيادة «محمد الشيخ السعدى» فى فرض نفوذهم
على بقية المناطق التابعة للوطاسيين، وهكذا سقطت دولة بنى
وطاس تعددت العلاقات الخارجية بين «بنى وطاس» و «دول
المغرب»، فضلا عن الإسبان والبرتغال، وحاولوا كسب ود
الحفصيين بتونس، وبايعوهم، ولكن هذا الود لم يدم، لأن
الحفصيين ساندوا ثورة «الشيظمى» التى استمرت نحو عشرين
عامًا، وكذلك حاول «بنو وطاس» مسالمة الإسبان والبرتغال،
وعقد «محمد الشيخ الوطاسى» مؤسس الدولة معاهدة سلام مع
البرتغال فى سنة (876هـ= 1471م)، ولكن البرتغاليين نقضوا هذه
المعاهدة، ثم توالت الاتفاقات بين الطرفين. وقد تطورت العلاقات
بين «بنى وطاس» و «الإسبان» ، أثناء الصراع الذى دار بين «ابن
حسون الوطاسى» والسعديين؛ حيث التمس «ابن حسون» العون
من الإسبان، وأعلن ولاءه لامبراطورهم، واستعداده لتسليمهم
«بادس» فى مقابل مساعدته فى استرداد عرش «فاس» ،
وساعده الاسبان بالسفن والأموال، ولكنه فشل فى استعادة
عرشه، فلجأ إلى البرتغال، وساندوه بالجنود والأموال وعدة
الحرب، ولكن هذه المساعدات لم تحقق أغراضها؛ إذ حاصرتها
قوات الدولة العثمانية واستولت عليها، مما جعل «ابن حسون»
يلجأ إليهم طلبًا للعون فى مقابل الاعتراف بسلطة الخليفة
العثمانى، فمكَّنه العثمانيون من العودة إلى عاصمته «فاس»
ثانية فى سنة (961هـ= 1554م)، ثم مالبث الأتراك أن سيطروا
على مقاليد الأمور بفاس، وضاق الناس بذلك، فاضطر «ابن
حسون» إلى تعويض الأتراك بمبالغ مالية كبيرة للرحيل عن
العاصمة، ففعلوا، وواصل «ابن حسون» نشاطه ضد السعديين،
حتى سقط قتيلا، ومن ثم سقطت «دولة بنى وطاس» . كان الحكم
وراثيا فى «بنى وطاس» ، وكان السلطان يعين كبار مستشاريه
من كبار الشخصيات، وكان للسلطان أمين سر مهمته الإشراف
على أموال السلطان، كما كان السلطان يُعيِّن حكامًا على كل
مدينة، وجعل لهم الحق فى التصرف فى مواردها، وتزويد جيش
السلطان بالجنود من مدنهم، وتعيين وكلاء من طرفهم على
القبائل التى تسكن الجبال، وجباية الأموال، وأخضع السلطان
كل ذلك لسلطته، وأحكم قبضته على مقاليد الأمور، كما أخضع
كل موارد الدولة لخدمة الأغراض العسكرية. واتخذوا الوزراء من
أقاربهم، واستوزر «محمد الشيخ الوطاسى» أخويه «محمد
الحلو» و «الناصر أبا زكريا» ، وعين مسعود بن الناصر خلفًا لأبيه
على الوزارة، وقد تنوعت اختصاصات الوزراء بين المهام
السياسية والحربية إلى جانب أعمالهم الإدارية. وتنوعت الوظائف
الإدارية وشملت: الباشا، والقائد، والقاضى، والمحتسب،
ويساعدهم مجموعة من الموظفين، منهم: الأمين والناظر، وأمين
المواريث. وقد نشطت حركات الاستقلال أثناء ضعف الحكومة
المركزية بفاس، وغياب سلطتها عن مناطق الأطراف، والمناطق
النائية. نجحت الزراعة نجاحًا عظيمًا، كعادتها ببلاد «المغرب» ،
وكثرت المحاصيل وزادت أنواع الفواكه، وساعدت هجرة
الأندلسيين إلى «بلاد المغرب» على إدخال النظم الزراعية
الحديثة، واستحداث أنواع كثيرة من المحاصيل بالبلاد. وقد ترتب
على ازدهار الزراعة قيام صناعات كثيرة، إلى جانب الصناعات
التى كانت موجودة من قبل، واشتهرت «فاس» بصناعات الأحذية
والأوانى النحاسية والخيوط والمنسوجات. وكذلك صناعة الحلى.
ونشطت التجارة - خاصة فى أوقات السلم- وتوافرت الطرق
الداخلية التى تربط بين المدن، كما توافرت الطرق الرئيسية التى
تسير فيها القوافل من المدن المغربية وإليها، مثل:«سوسة»
و «درعة» اللتين حظيتا بنشاط تجارى كبير. وتنوعت صادرات
«المغرب» من الأوانى النحاسية، والمصنوعات الجلدية
والزجاجية، والقطنية والحريرية، وكذلك التمور بأنواعها والتين
والحلى، أما وارداتهم فكانت الذهب وبعض التوابل. لم تختلف
طبقات المجتمع كثيرًا فى العهد الوطاسى عما سبقه من عهود،
واحتل الجيش مكانًا بارزًا، نظرًا لكثرة الحروب التى خاضها
الوطاسيون، وقد انقسم هذا الجيش إلى قسمين هما: الجيش
النظامى، وأفراده من البربر، ويضم: الفرسان والرماة وراشقى
السهام، والمشاة، والقسم الثانى: من المتطوعة من العرب
وغيرهم، وقد عرف جيش الوطاسيين نظام الحصون والحاميات.
وتوقف نشاط الوطاسيين العمرانى على مدينة «فاس» ، ويرجع
ذلك إلى الأوضاع السياسية المضطربة التى سادت تلك الفترة،
وانصراف «بنى وطاس» إلى المعارك والحروب، وصرف
إمكاناتهم المادية فى التسليح والإنفاق على الجيش. وقد أدى
كل ذلك إلى توقف النشاط العمرانى، وتناقص عدد الفنادق
والمستشفيات، وقلة الاهتمام بالمرضى. شهدت العلوم الدينية
نشاطًا ملحوظًا، وبرز عدد كبير من العلماء فى المجالات كافة،
منهم: «أبو عبدالله بن أبى جمعة الهبطى» ، صاحب كتاب:
«الوقف فى القرآن الكريم» ، والمتوفى عام (930هـ= 1524م)،
والفقيه «محمد بن عبدالله بن عبدالواحد الفاسى» المتوفى عام
(894هـ= 1489م)، وألف «الوتشريشى» عدة كتب منها: «المعيار
المعزب، والجامع المعرب عن علماء إفريقية والأندلس والمغرب»،
وهو فى اثنى عشر جزءًا. وفى علم التاريخ برز القاضى «أبو
عبدالله محمد الكراسى الأندلسى»، الذى ألف منظومة عن «بنى
وطاس»، أسماها: «عروسة المسائل فيما لبنى وطاس من
فضائل». وتقع هذه المنظومة فى نحو ثلاثمائة بيت، وهى
المصدر الوحيد الذى يعتمد عليه المؤرخون فى التأريخ لهذه
الفترة، حيث لم يصل إليهم غيره. ويعد كتاب «وصف إفريقيا»
للجغرافى «حسن الزان» من أهم الكتب وأشهرها فى هذا
المجال، وقد تناول فيه جغرافية «إفريقية» عمومًا، و «المغرب
الأقصى»، و «مملكة فاس» ، و «مملكة مراكش» ، كما تناول
العادات والتقاليد والحياة الاقتصادية والفكرية والدينية، والنظم
الإدارية. وتنافس الشعراء والوعاظ - فى هذه الفترة- فى تأليف
الخطب والقصائد الحماسية؛ لحث الناس على جهاد الأسبان
والبرتغال، ومن أبرز هؤلاء المؤلفين «أبو عبدالله محمد بن عبد
الرحيم التازى» المتوفى عام (920هـ= 1514م)، وله مؤلف عنوانه:
«تنبيه الهمم العالية، والانتصار للملكة الذاكية، وقمع الشرذمة
الطاغية، عجل الله دمارها، ومحا ببواتر المسلمين آثارها».
ووجدت علوم اللغة اهتمامًا بالغًا، وألف «عبدالعزيز بن
عبدالواحد اللمطى الميمونى» ألفية فى النحو تضاهى ألفية
«ابن مالك» ، و «ابن عبدالواحد» ، وهو من أهل «فاس» وقد
توفى عام (880هـ= 1475م)، وكذلك قام العالم «أبو العباس أحمد
بن محمد» المتوفى عام (995هـ= 1587م) بتدريس الفلك والحساب
بجامع القرويين بفاس.