الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
كرت (دولة)
استقل ملوك «كرت» ببلادهم استقلالا محدودًا تحت لواء
الإيلخانات فى «إيران» ، وإن استمروا فى الحكم فترة بعد
سقوط «الدولة الإيلخانية» ، وقد استقر ملوك «آل كرت» فى
«هراة» ، و «بلخ» ، و «غزنة» ، و «سرخس» ، و «نيسابور» ، ولم
يصلوا إلى ما وصلت إليه الأسر المغولية الأخرى من أهمية فى
تاريخ المشرق الإسلامى؛ إذ حكموا الجزء الشرقى لإيران من
منتصف القرن السابع الهجرى إلى نهاية القرن الثامن الهجرى،
وأزال ملكهم الأمير «تيمور كوركان» مثلما أزال ملك الأسر
المغولية الأخرى. كان «شمس الدين الأول محمد» ، أول ملوك
«آل كرت» ، وهو ابن ابنة «ركن الدين بن تاج» الذى تزوج ابنة
السلطان «غياث الدين محمود الغورى» ، الذى عينه حاكمًا على
قلعة «خنسيار» (تقع بين هراة والغور) والتى آل أمرها -فيما
بعد - إلى الملك «شمس الدين» . وعندما زحف المغول على العالم
الإسلامى رأى الجد «ركن الدين بن تاج» الدخول تحت لوائهم،
ليضمن سلامة ملكه، فتركه المغول، وبعث بحفيده «شمس الدين
كرت» إليهم ليكون فى خدمتهم، تعبيرًا عن الطاعة والولاء. حكم
«شمس الدين كرت» مناطق كثيرة، منها:«هراة» ، و «بلخ» ،
و «غزنة» ، و «سرخس» ، و «نيسابور» ،ووصل بملكه إلى ضفاف
«سيحون» ، و «سيستان» ، و «كابل» حتى «نهر السند» ، وتمكن
من الاستقلال بالحكم فى سنة (648هـ)، ومن المؤكد أن «شمس
الدين» لعب دورًا كبيرًا فى حملة «هولاكو خان» على بلاد طائفة
«الإسماعيلية» ، إذ كان أول المشاركين فيها إظهارًا لولائه
وطاعته للمغول، وكان له الفضل فى تسليم «ناصر الدين
محتشم» «قلعة قهستان» إلى المغول. لم تسر سياسة «شمس
الدين» على نهج واحد فى علاقته بالمغول، إذ انحاز إلى «براق
خان» الجغتائى فى هجومه على «آباقا خان بن هولاكو»
للاستيلاء على «خراسان» التابعة للدولة الإيلخانية، وذلك بعد
وفاة «هولاكو» ، وتولى ابنه «آباقا خان» الحكم خلفًا له،
فغضب «آباقا خان» على «شمس الدين» لموقفه، وخشى «شمس
الدين» على حياته من غضب «آباقا خان» وانتقامه. شعر «براق
خان» بقرب نهاية دولته (الدولة الجغتائية)، فعرض على «شمس
الدين كرت» أن يعرف له أسماء الأغنياء فى «خراسان» -طمعًا
فى مالهم- مقابل أن يحصل «شمس الدين» على تفويضه فى
أملاك «الدولة الإيلخانية» ، فأحس «شمس الدين» بذكائه قرب
زوال ملك الجغتائيين، خاصة أن جيشهم بدت عليه أمارات
القسوة والتجبر، فعاد إلى «هراة» ، واعتصم بقلعة «خنسيار» ،
وانتظر ما ستسفر عنه الأحداث، ولكنه لم يلبث طويلا وتمكن من
النجاة بشفاعة «شمس الدين الجوينى» صاحب الديوان (7) له عند
«آباقا خان» الذى عفا عنه، ومات «شمس الدين كرت» فى
«تبريز» مسمومًا فى عام (676هـ = 1277م)، فولَّى «آباقا خان»
«ركن الدين بن شمس الدين» حكم «هراة» (677 - 682هـ = 1278 -
1283م). واتخذ هذا الابن لقب أبيه وعرف باسم «ركن الدين بن
شمس الدين الأصغر». فلما تُوفِّى الإيلخان «آباقا خان» خشى
ركن الدين على حياته، واعتصم بقلعة «خنسيار» الحصينة حتى
وفاته سنة (705هـ = 1305م)، ثم تولى ابنه «فخر الدين» مكانه
من قِبَل «غازان خان» سنة (695هـ= 1295م)، وشغل عهده
بالخلاف مع «غازان» ، حتى تُوفِّى سنة (706هـ = 1306م)، فعين
«أولجايتو» مكانه أخاه «غياث الدين» ، وظل فى الحكم حتى
سنة (729هـ = 1328م)، فخلفه بالتتابع ولداه «شمس الدين
الثانى» الذى مات سنة (730هـ = 1329م)، و «الملك حافظ» الذى
قتل سنة (732هـ = 1331م)، ثم جاء من بعدهما الأخ الثالث «معز
الدين حسين»، وكان من أبرز حكام «بنى كرت» ، فقد قرأت
الخطبة باسمه، وأهداه «سعد الدين التفتازانى» كتابه المشهور
فى البلاغة باسم «المطول» وقد توفى «معز الدين حسين» سنة
(771هـ = 1370م)، وحل مكانه ابنه «غياث الدين بير على» الذى
دعاه «تيمورلنك» للاجتماع به، فلما لم يلبِّ دعوته، قاد بنفسه
جيشًا تمكن من الاستيلاء على هراة سنة (783 هـ = 1381م)،
وأسر «غياث الدين» وابنه «بير محمد» وأخاه الملك «محمد»
والى «سرخس» وأركان حكومته، وساقهم إلى «سمرقند» ، ثم
أعدمهم فى أواخر سنة (784هـ) وبذلك انقرضت أسرة ملوك
كرت. كانت إمارة «آل كرت» إمارة ثرية؛ إذ ضمت إلى حكمها
مناطق عدة اشتهرت بثرواتها وخيراتها ومزروعاتها، وسعة
أرضها، وعذوبة مائها، وخصوبة تربتها، فاشتهرت «هراة»
ببساتينها الكثيرة، و «غزنة» بسعة أرضها وخصوبة تربتها
ووفرة مائها العذب، وكانت تقع فى أطراف «خراسان» وتربطها
بالهند، أما «سرخس» فتقع بين «مرو» و «نيسابور» وبها خيرات
كثيرة، واشتهرت «نيسابور» (إحدى مدن خراسان) بالفواكه
والثمار، والمعادن الكثيرة وبخاصة الفيروز، كما كانت تزخر
بالعلماء الفضلاء، وتعد هذه المدينة عتبة الشرق. والواقع أن
تلك البقاع التى شملتها أقاليم «آل كرت» كانت تفيض بالخير
والثراء، فلم يجد الحكام صعوبة فى توفير احتياجات البلاد،
وكذلك لم يكن لهم طموح فى توسيع حدودهم، أو إدخال دولة
ما تحت تبعيتهم؛ إذ كانوا أنفسهم تابعين للحكم الإيلخانى
المغولى، وحرص الإيلخانيون على ولائهم وكسب ودهم، وبقاء
تبعية «آل كرت» لهم. وقد أدى استقرار الأوضاع الاقتصادية فى
دولة «آل كرت» إلى استقرار الأوضاع السياسية، فشجع
«الحكام» العلماءَ والأدباء، وعمدوا إلى مساعدتهم، فبرز منهم
عدد كبير، ومنهم «ابن يمين» (المتوفى عام 769هـ)، وقد مدح
بأشعاره «آل كرت» والسربداريين، وتضمن شعره الحكم
والمواعظ، ومما يجدر ذكره أن العالم الجليل والقطب الكبير
«جلال الدين الرومى» ، قد وُلد وعاش فى «بلخ» فى الفترة من
(604هـ إلى 672هـ)، وهو من أكبر شعراء الصوفية الفرس،
وصاحب كتاب «مثنوى» .