الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
التيمورية (دولة)
ينتسب التيموريون إلى قبيلة «برلاس» المغولية، ويرجعون فى
أصلهم إلى «تيمور بن ترغاى بن أبغاى» ، الذى أحاط
المؤرخون نسبه بهالة من الرفعة وعلو الشأن، ليبرروا استيلاءه
على «بلاد ما وراء النهر» ، فقد كان أبوه «أمير مائة» عند
السلطان المغولى، وكان المغول يستخدمون الأتراك فى
دواوينهم، وأكثروا منهم، حتى صارت اللغة التركية هى لغة
البلاط والمجتمع فى «بلاد ما وراء النهر» ، فلما دخلت «الدولة
المغولية» مرحلة الاضمحلال والضعف؛ قامت «الدولة الجغتائية»
بمساعدة قبيلة «برلاس» ، فحفظ الجغتائيون هذا الجميل، وولوا
«تيمور لنك» ، ولاية «كش» ، حين التجأ إليهم أثناء الاضطرابات
التى عصفت ببلاد «ما وراء النهر» ثم لم يلبث أن أخرج
الجغتائيين من بلاد «ما وراء النهر» ، وطارد قبائل «الجتة»
البدوية؛ التى اتسمت بالعنف والوحشية، وتمكن من طردهم من
«بلاد ما وراء النهر» ، ثم أعلن نفسه سلطانًا فى بلخ» على هذه
المنطقة، واتخذ «سمرقند» عاصمة لملكه، وأعلن ذلك رسميا فى
عام (800هـ = 1397م)، ثم مضى فى تنظيم حكومته الجديدة،
واتبع قانون «جنكيزخان» (الياسا المغولية)، بما لا يتعارض مع
القرآن الكريم والسنة النبوية. كان «تيمور لنك» ميالا إلى الفتح
والتوسع، وغزا «خوارزم» فى عام (773هـ)، ثم دخلها وسيطر
عليها فى عام (781هـ)، فأضحت «آسيا الوسطى» كلها تحت
سلطانه. بدأ حكم «تيمور كورخان» (تيمورلنك) منذ دخل
«سمرقند» فى عام (771هـ = 1329م)، فكوَّن مجلس شورى من
كبار الأمراء والعلماء، وعلى الرغم من أنه كان الحاكم الفعلى
للبلاد، فإنه عمد إلى اختيار الأمير الجغتائى «سيورغتمش بن
دانشمندجة»، وجعله رمزًا للحكم ولقبه بلقب السلطان فى الفترة
من سنة (771هـ = 1329م) إلى سنة (790 هـ = 1387م)، ثم اتخذ
من بعده «محمود بن سيورغتمش» من عام (790هـ = 1387م) إلى
عام (800هـ = 1397م). وقد اتسمت سياسة «تيمور لنك»
بالتوسع، فزحف إلى «إيران» فى سنة (782هـ = 1380م)،
وتمكن من الاستيلاء على «خراسان» و «جرجان» ، و «مازندران» ،
و «سيستان» ، و «أفغانستان» ، و «فارس» ، و «أذربيجان» ،
و «كردستان» ، ثم دخل «جورجيا» وغرب «إيران» فى عام
(786هـ = 1384م)، وتمكن من فتح «العراق» و «سورية» (حلب
ودمشق)، وهزم المماليك فى الشام، وحقق انتصارات عظيمة فى
«الهند» عقب وفاة «فيروزشاه» سلطان «دلهى» فى عام
(799هـ = 1397م)؛ حيث استولت جيوشه على حصن «أوكا» ،
وأسقطت «الملتان» ، وفتحت «آباد» ، ودخلت «هراة» بالأمان،
ولاقى «تيمورلنك» مقاومة شديدة وصعوبة فى دخول «دهلى»
على يد سلطانها «محمود تغلق» ، ولكن هذه المقاومة لم تستمر
طويلا، ودخل «تيمور» هذه المدينة، فقدم إليه أعيانها وعلماؤها
فروض الولاء والطاعة، وخُطب له فيها، وعلى الجانب الآخر حقق
«تيمورلنك» انتصارات كثيرة على الأتراك العثمانيين، وأسر
حاكمهم «بايزيد خان» . وتُوفى «تيمورلنك» فى «أترار» عن
عمر يناهز السبعين عامًا فى سنة (807هـ = 1405م) بعد أن
دانت له البلاد من «دهلى» إلى «دمشق» ، ومن «بحيرة آرال»
إلى «الخليج العربى» ، فلما علمت بوفاته الأسر الحاكمة من «آل
المظفر»، و «آل جلائر» و «ملوك كرت» ، وكذا الأسر التركية
والتركمانية أخذت جميعها تطالب باستقلالها عن خلفاء
«تيمور» ، وعودتها إلى الحكم ثانية، فأثارت الفتن والقلاقل،
وكثرت الاضطرابات والمشاكل فى طول البلاد وعرضها،
وتعرضت «الدولة التيمورية» إلى نكسة حقيقية عقب وفاة
عاهلها ومؤسسها «تيمور» ، وتمكنت بعض الأسر الحاكمة - من
قبل - من العودة إلى الحكم، وإعادة ما سلب من أملاكها
وممتلكاتها، فصارت هناك عدة أسر حاكمة تنافس خلفاء «آل
تيمور» ثم خلف «تيمورلنك» ابنه «شاهرخ» على العرش سنة
(807هـ = 1405م) واستمر فى الحكم إلى سنة (850هـ = 1447م)
فعاشت البلاد فى عهده أفضل فترات الحكم؛ إذ كان محبا للعلم
والعلماء، وحفيا بالثقافة، كما كان عادلا وتقيا وورعًا، فاشتهر
بسلوكه الحسن وسيرته الطيبة بين الرعية. ولى «شاهرخ»
أملاك «الدولة التيمورية» فيما عدا «سوريا» و «العراق العربى» ،
فقام بإصلاحات كثيرة فى البلاد، وشيد المبانى، وبنى المدارس
الكثيرة فى «بخارى» و «سمرقند» ، وأنشأ مرصده الشهير، ثم
خلفه ابنه «أولوغ بك» على العرش، وقتله ابنه «عبداللطيف بن
أولوغ» فى سنة (853هـ = 1449م)، ثم قُتل هو الآخر من بعده،
ولم يستفد، من قتل أبيه، وتمكن «أبو سعيد ميرزا» من
الاستيلاء على الحكم بسمرقند فى سنة (854هـ = 1450م)، ثم
تولى من بعده «أحمد» فى سنة (872هـ = 1467م)، ثم من بعده
«محمود» فى سنة (899هـ = 1493م)، ولم يلبث بالحكم سوى
عام واحد فقط، ثم حدثت الاضطرابات فى سنة (906هـ =
1500م)، وقضى «الشيبانيون» على «الأسرة التيمورية» فيما
عدا «ظهير الدين بابر» الذى فر إلى «الهند» ، وتمكن بعد ذلك
من تأسيس دولة عظيمة بها. لم يشهد العهد التيمورى ازدهارًا
فى مناحى الحياة كافة مثلما حدث فى عصر «شاهرخ» ؛ الذى
يعد من أكثر حكام «إيران» ثقافة وذكاءً ومعرفة، فقد جعل من
«هراة» مركزًا ثقافيا لأواسط آسيا، وتبوأ المهندسون
والمعماريون والرسامون والشعراء والعلماء مكانة بارزة فى
بلاده، وأغدق عليهم بالعطايا، وتولى رعايتهم بنفسه، فشهدت
البلاد فى عصره نهضة حضارية فى كل الفنون ومختلف
التخصصات، ويعد مسجد «جوهر شاد» (12) من أبرز إنجازات هذا
العصر، وظل العمل فى بنائه اثنى عشر عامًا فى الفترة (808 -
820هـ = 1405 - 1417م)، وقد أقيم تكريمًا لزوجته - التى حمل
المسجد اسمها - بمدينة «مشهد» . وكذلك بنى المعمارى «قوام
الدين الشيرازى» مدرسة كبيرة - بتكليف من شاهرخ- بمنطقة
«خركرد» التى تقع إلى الغرب من «هراة» ، وتقع حاليا فى
شرقى «إيران» ، ثم خلف «ألوغ بيك» أباه على العرش، فكانت
فترة حكمه قصيرة، ومع ذلك فقد حرص خلالها على رعاية
الفنون والآداب الفارسية. يعد «شمس الدين محمد حافظ
الشيرازى» ألمع شخصية أدبية عرفها العصر التيمورى، ويمثل
شعره ازدهارًا للحركة الثقافية فى هذا العصر، وقد توفى فى
سنة (792هـ = 1389م)، وكذلك يُعد «الجامى» المتوفى فى سنة
(898هـ= 1492م)، من أبرز العلماء والشعراء فى هذا العصر؛ إذ
ألف ستة وأربعين كتابًا فى مختلف فروع العلم، ثم يأتى «نظام
الدين الشامى»، صاحب كتاب «ظفرنامة» ، الذى يعد سجلا
لفتوحات «تيمورلنك» .