الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
الدولة الإيلخانية
تعود تسمية الدولة الإيلخانية بهذا الاسم إلى هولاكو خان الذى
لُقِّب بإيلخان، وهى كلمة مكونة من مقطعين «إيل» بمعنى تابع،
و «خان» بمعنى ملك أو حاكم، والمقصود أن حاكم الدولة
الإيلخانية تابع للخان الحاكم فى قراقورم. ويعد «هولاكو»
المؤسس الأول لسلسلة سلاطين المغول فى «إيران» و «العراق»
الذين ظلوا يحكمون هذه البلاد من سنة (654هـ) حتى سنة
(756هـ)، وقد تُوفى «هولاكو» سنة (663هـ)، وخلفه ابنه «آباقا
خان» فى حكم البلاد، التى امتدت من «نهر جيحون» حتى
«العراق العربى» غربًا، ومن جنوبى روسيا شمالا حتى «البحر
العربى» جنوبًا. وقد جنحت الدولة الإيلخانية منذ إنشائها إلى
الاستقلال عن العاصمة المغولية، فى أمور السياسة والحكم - منذ
عهد «آباقا خان» - وكأن حكامها مستقلون تمامًا عن العاصمة
قراقورم. كان «آباقا خان» يريد أن يخلفه عن العرش ابنه
«أرغون» لكنه لم يستطع لأن هذا الإجراء كان يعد مخالفة كبيرة
لأحكام الدستور المغولى الذى وضعه جنكيز الذى يسمى
«الياسا» ، فقد كان يتعين إذا مات الخان أن يخلفه على العرش
أكبر الأمراء الأحياء، ولقد كان أكبرهم هو «تكودار» وليس
«أرغون» ، ولذلك أجمع الأمراء المغول الذين اجتمعوا فى
المجلس العام الذى يسمى «قوريلتاى» وقرروا انتخاب «تكودار»
إيلخانًا فى سنة (681هـ (. اعتنق تكودار المسيحية فى صغره،
لكنه مال إلى الإسلام شيئًا فشيئًا؛ لكثرة اتصاله بالمسلمين،
وتوطيد علاقته بعظماء المسلمين وكبار أئمتهم، فأعلن إسلامه،
وسُمى بالسلطان «أحمد تكودار» ، فكان أول مَن اعتنق الإسلام
من الإيلخانيين. بعد مقتل السلطان «أحمد» اجتمع الأمراء المغول
ونصبوا الأمير «أرغون ابن آباقا» إيلخانًا عليهم فى جمادى
الآخرة سنة (683هـ)، فنصب ابنه «غازان» حاكمًا على
«خراسان» وعين الأمير «نوروز» نائبًا له عليها، وأنعم على
الأمير «بوقا» بلقب «أمير الأمراء» ، وأطلق يده فى تسيير شئون
الدولة، وقتل الوزير «شمس الدين الجوينى» وجميع أفراد أسرته
تقريبًا فى شعبان سنة (683هـ)، وذلك لموقفهم مع السلطان
«أحمد تكودار» ومساندتهم له فى المعركة التى دارت بينه وبين
أفراد المغول بقيادة الأمير «أرغون» ؛ والتى انتهت بمقتل
السلطان وتنصيب الأمير سلطانًا. حاول «أرغون» أن يحد من
نفوذ «مصر» فى المشرق الإسلامى، فأقام علاقات سياسية
وطيدة مع قادة الدول المسيحية مثل: «البابا» و «إدوارد الأول»
ملك «إنجلترا» ، و «فيليب لوبل» ملك «فرنسا» ، تمهيدًا لتكوين
حلف للقضاء على النفوذ المصرى فى «آسيا الصغرى» ،
و «العراق» و «الشام» ، و «فلسطين» . وشجعت هذه العلاقات
(المغولية - الأوربية) عددًا من الرحالة الأوربيين على زيارة بلاد
المغول، وسافر الرحالة الشهير «ماركو بولو» إلى العاصمة
المغولية، وأقام فى بلاط الامبراطور المغولى «قوبيلاى» نحو
عشرين عامًا، عمل فيها مستشارًا له ووزيرًا، ولم تقع حروب
تذكر بين الجانبين - المصرى والمغولى - فى عهد «أرغون»
لانشغال كل منهما بمشكلاته الداخلية. بعث الأمراء المغول عقب
وفاة «أرغون» إلى أخيه «كيخاتو خان» يخبرونه بوفاته، فقدم
على الفور من بلاد الروم التى كان يحكمها، وتولى عرش
الإيلخانية فى رجب سنة (690هـ)، ثم عين «صدر الدين أحمد
الزنجانى» وزيرًا له، ولقبه بلقب «صدر جهان» وأوكل إليه
التصرف فى شئون الدولة كافة دون تدخل من أحد، وعين أخاه
«قطب الدين الزنجانى» قاضيًا للقضاة، وأطلق عليه لقب «قطب
جهان»، ولما كان «كيخاتو» مغرمًا بشرب الخمر، سيئ الخلق
فاسقًا، كرهه الأمراء وثاروا عليه، وبخاصة بعد أن أغلظ القول -
ذات ليلة - لابن عمه «بايدو» أحد كبار الأمراء، فحقد عليه، وتآمر
مع الأمراء الآخرين على قتله، وعلم «كيخاتو» بالمؤامرة، فآثر
الفرار، ولكن الأمراء تتبعوه، وتمكنوا من قتله فى سنة (694هـ).
بعد مقتل «كيخاتو» وقع اختيار الأمراء على «بايدوخان بن
طرغاى بن تولوى بن جنكيزخان» ليكون إيلخانًا، فاعتلى
العرش فى جمادى الأولى سنة (694هـ)، ثم تخلص من أتباع
«كيخاتو» ، وقرر إعادة الحقوق والوظائف إلى أصحابها،
وأعفى الأوقاف الإسلامية من الضرائب، وعهد بأمور الجيش
ورئاسة الوزراء إلى الأمير «طغاجار» ، وسلك مسلك «آباقا
خان» حيث جعل الإدارة لا مركزية، وجعل أميرًا من الأمراء على
كل ولاية من الولايات، ونصب «جمال الدين الاستكردانى» وزيرًا
له. لم يكد «بايدو» يتولى أمور الحكم حتى بلغ «غازان خان» ما
حدث لعمه «كيخاتو» ، فأقبل بجنوده ومعه الأمير «نوروز» ،
وأرسل رسله إلى «بايدو» ينكر عليه قتل كيخاتو، ويطالبه
بإجراء تحقيق ليلقى القتلة جزاءهم، فلما لم يلقَ جوابًا دارت
رحى الحرب بين الفريقين، وفى هذه الأثناء عرض الأمير
«نوروز» الإسلام على «غازان» ، وحَسَّن له اعتناق هذا الدين
بتشريعاته السمحة ونظمه الدقيقة، وما ينادى به من عدل ورحمة
ومساواة، فاعتنق «غازان» الدين الإسلامى، ومال إليه أكثر
الأمراء، وانتصر على «بايدو» فى الحرب، فهرب «بايدو» ولحق
به الأمير «نوروز» ، وألقى القبض عليه، وأرسله إلى «غازان» ،
فأمر بقتله فى شهر ذى الحجة عام (694هـ). تولى «غازان»
عرش المغول عقب مقتل «بايدو» فى ذى الحجة سنة (694هـ)،
وبعد أن اعتنق الإسلام تبعه جميع الأمراء والجنود المغول،
وأسلم بإسلامه أكثر من مائة ألف شخص منهم فى فترة وجيزة،
ولقب «غازان» نفسه باسم السلطان «محمود غازان» ، وأعلن
الإسلام دينًا رسميا للدولة، وأمر المغول بأن يغيروا ملابسهم
التقليدية، ويلبسوا العمامة للتدليل على خضوعهم للإسلام، وأمر
بهدم الكنائس والمعابد اليهودية والمزدكية والهياكل البوذية،
وتحويلها إلى مساجد، وبارتداء اليهود والنصارى ثيابًا تميزهم
عن غيرهم من المسلمين، كرد فعل لما لقيه المسلمون من ضروب
المهانة والذلة فى عهد كل من: «هولاكو» و «آباقا»
و «أرغون» . قام «غازان» بإصلاحات كثيرة ومهمة فى كثير من
الميادين، وكانت أبرزها إصلاحاته العمرانية، حيث أقام شمالى
غرب «تبريز» محلة عُرفت باسم «شام غازان» ، وتفصلها عن
مدينة «تبريز» حدائق ومتنزهات كثيرة، وأمر كبار مهندسيه
بإقامة بناء عالٍ فى ذلك المكان؛ تعلوه قبة كبيرة، ليكون
مدفنًا له، وقد استمرت عمارة القبة وتوابعها نحو خمس سنوات،
واشتملت على مسجد وخانقاه ومدرستين (إحداهما للشافعية
والأخرى للحنفية)، ومستشفى، ومكتبة، ومرصد، ومدرسة لتعليم
العلوم الطبية، وبيت لحفظ كتب القوانين التى أصدرها الإيلخان
عرف باسم «بيت القانون» ، كما أنشأ مسكنًا للأطفال وآخر
للأشراف، وضمت هذه الأبنية بعض الحمامات العامة، وملجأ
واسعًا لليتامى؛ به مكتب لتعليم القرآن الكريم وتحفيظه، وملجأ
آخر يتسع لنحو خمسمائة أرملة من النساء اللائى فقدن عائلهن،
فضلا عن ذلك أنشأ «غازان» الأجران الواسعة المملوءة
بالحبوب، والمزودة بأحواض المياه لكى تتزود منها الطيور
المهاجرة من الشمال إلى الجنوب فى الفصول الباردة من السنة
خلال رحلتها عبر الهضبة الإيرانية التى تغطيها الثلوج فى هذا
الوقت من السنة، خاصة أن أعدادًا كثيرة من هذه الطيور كانت
تلقى حتفها، لتعذر حصولها على الغذاء، فأقام لها «غازان»
هذه الأجران رحمة بها، وأصبحت هذه المؤسسات والمنشآت
التى أقامها «غازان» مفخرة العالم الإسلامى والحضارة
الإسلامية، حيث حول الإسلام القبائل الهمجية البربرية إلى أناس
مهذبى الطباع، منظمين محبين للحضارة والعمران، وامتلأت
قلوبهم رحمة وعطفًا حتى على الطيور والحيوانات. قدم السلطان
«أولجايتو» من «خراسان» التى كان حاكمًا عليها، وتولى
العرش خلفًا لأخيه «غازان» فى سنة (703هـ)، وجعل الوزارة
مشاركة بين «رشيد الدين فضل الله الهمدانى» وسعد الدين
الساوجى. بدأ إنشاء مدينة السلطانية فى عهد السلطان
«غازان» ، وهى تقع على بعد خمسة فراسخ من «زنجان» ، فعمد
«أولجايتو» إلى استكمال تشييدها وأمر بالتوسعة فى
منشآتها العمرانية، فساهم الأمراء والوزراء فى بناء بعض
أحيائها، وأنشأ الوزير «رشيد الدين فضل الله» محلة بها على
نفقته الخاصة؛ اشتملت على ألف منزل، ومسجد كبير. وأمر
السلطان ببناء قبة كبيرة فوق مقبرته، ومازالت هذه القبة قائمة
حتى اليوم دليلا على عظمة العمارة فى هذا العصر. تمكن
«أولجايتو» فى سنة (706هـ) من بسط سيطرته على إقليم
«جيلان» ، وهو الإقليم الذى لم يتمكن المغول من السيطرة عليه
حتى هذه السنة لكثرة غاباته، ووعورة مسالكه، وأعاد بناء
مرصد «مراغة» الذى بناه «هولاكو» من قبل، وحين بلغ
«أولجايتو» الثالثة والثلاثين من عمره اشتد عليه المرض واعتلَّت
صحته، وتوفِّى فى رمضان سنة (716هـ). تولى «أبو سعيد»
حكم البلاد بعد وفاة السلطان «أولجايتو» ، وكان لايزال فى
الثالثة عشرة من عمره، فاضطربت أحوال البلاد وتعددت ثورات
الأمراء المغول فى مناطق متفرقة ضده، غير أن «أبا سعيد»
استعان عليهم بقائد جيشه الأمير «جوبان» ، فقضى عليهم،
وأعاد إلى البلاد استقرارها وهدوءها. تعرضت «الدولة
الإيلخانية» -عقب وفاة السلطان «أبى سعيد بهادر» - للضعف
والزوال، حيث كان السلاطين الذين اعتلوا عرش هذه الدولة بعد
«أبى سعيد» ضعاف الشخصية، كما كانوا ألعوبة فى أيدى
الأمراء المغول وكبار رجال الدولة، وظل هذا حال هذه الدولة
حتى وفاة «أنوشيروان» آخر السلاطين الإيلخانيين فى سنة
(756هـ)، فتقاسم خمسة من كبار الأمراء المغول أملاك هذه
الدولة، وكون كل منهم دولة صغيرة مستقلة، وهذه الدول هى:
دولة آل جلائر (الجلائريون) - دولة الجوبانيين. - دولة آل المظفر. -
دولة السربداريون. - دولة آل كرت.