الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
الأموية (دولة فى الأندلس
دولة أمويَّة نشأت فى (الأندلس (بعد سقوط خلافة بنى أمية
(132هـ= 749م) فى (الشام (، بعد مصرع آخر خلفائها (مَرْوان بن
محمد (فى (أبى صير (بصعيد مصر، واستيلاء العباسيين على
الخلافة، وتولِّى (أبى العبّاس (، الملقب بالسفاح، خلافة
المسلمين، والذى نقل عاصمة الدولة الإسلامية من (دمشق (إلى
(الكوفة (، وجعل همَّه الأول القضاء على أسرة بنى (أمية (،
وتعقُّبهم قتلا وتشريدًا فى أى مكان وقعت يداه، أو أيدى ولاته
عليهم. وكل ذلك لم يؤدِّ إلى اختفاء بنى أمية من صفحات
التاريخ، أو القضاء عليهم قضاءً مبرمًا؛ لأن كثيرًا منهم قد تمكَّن
من الاختفاء والهرب من أيدى بنى العباس، وقد تمكَّن الأمير (عبد
الرحمن بن معاوية (حفيد الخليفة الأموى (هشام بن عبدالملك بن
مروان (من الاختفاء عن أعين العباسيين، والهرب متنقلا من (الشام
(إلى (العراق (، ثم إلى (مصر (، فالمغرب، ومنها إلى (الأندلس (؛
حيث تمكَّن بمساعدة أنصاره، وموالى بنى أمية، والظروف
السائدة فى هذه المنطقة، من الوصول إلى سُدَّة الحكم فى
(قرطبة (، عاصمة (الأندلس (، وذلك سنة (138 هـ=755م)، معلنًا بذلك
قيام إمارة أموية فى (الأندلس (، تحولت - بعد ذلك - إلى دوله
قويَّة، تحكم (الأندلس (منذ ذلك التاريخ، إلى أن سقطت هذه الدولة
سنة (422هـ=1031م).وتعاقب فى حكم (الدولة الأموية
الأندلسية (عدد من الأمراء والخلفاء، نجمل تاريخهم فيما يلى:1 -
الأمير (عبد الرحمن بن معاوية ((138 - 172هـ=755 - 788م).وُلِد (عبد
الرحمن بن معاوية (بقرية تُعرَف بدير خنان، من أعمال (قنَّسْرين (،
فى بلاد الشام، سنة (113هـ= 731م)، وتُوفِّى والده شابًّا، فكفل
الأسرة الخليفة (هشام بن عبد الملك (، وحين سقطت الدولة
الأموية، فرَّ (عبد الرحمن (بأهله إلى ناحية الفرات، حتى اكتشف
مكانه جند العباسيين، وكادوا يُمسكون به، لولا أن ألقى بنفسه
فى نهر الفرات، وظل مختفيًا خلال عبوره أراضى بلاد الشام،
و (مصر (إلى أن ظهر فى (إفريقية (، وحاول حاكم (إفريقية ((عبد
الرحمن بن حبيب (الإمساك به، ولكن (عبد الرحمن (نجح فى
الهرب والفرار إلى (المغرب الأقصى (؛ حيث أخواله من
البربر. وقد أفاد (عبد الرحمن (من الصراعات القبلية القائمة بين
العرب فى (الأندلس (، واستمال إليه الجند اليمنية، والعرب
الناقمين على الوالى (يوسف الفهرى (، وعبر إلى بلاد الأندلس،
وتجمع حوله الأنصار، وسار زاحفًا إلى مدينة قرطبة؛ حيث التقى
مع قوات (يوسف الفهرى (فى معركة (المصارة (، سنة
(138هـ=755م)، التى انتهت بانتصار (عبد الرحمن (ومن معه،
وهروب كل من (الصميل بن حاتم (،و (يوسف الفهرى (، زعيمى
الأندلس فى ذلك الوقت، ودخل (عبد الرحمن ((قرطبة (،وعُرِف منذ
ذلك الحين بعبد الرحمن الداخل. حكم (عبد الرحمن ((الأندلس ((34)
عامًا. واجه خلالها كثيرًا من المصاعب، كان أوَّلها: القضاء على
الزعامات المحليَّة القديمة التى دخلت معه فى حروب كثيرة،
انتهت جميعها لصالحه. ومن أخطر المشاكل التى واجهت (الداخل (:
محاولات (العباسيين (-بقيادة الخليفة (أبى جعفر المنصور
(-القضاء عليه، واسترداد (الأندلس (إلى حوزة الخلافة الإسلامية
التى غدت (بغداد (عاصمتها فى ذلك الحين. وتمثلت أولى
محاولات العباسيين للقضاء عليه فى الدعوة التى تزعمها (العلاء
بن مغيث اليحصبى (، الذى دعا لأبى جعفر المنصور، وحقَّق
نجاحًا كبيرًا، ولكن (عبد الرحمن (تمكن من هزيمته، وقتله،
وإرسال رءوس كبار جنده ليُلقى بها فى طريق أبى جعفر
المنصور وهو يؤدِّى فريضة الحج، وبعد ذلك لقَّبه (المنصور (بصقر
قريش (.وتمثَّلت الثورة الخطيرة الثانية فى التحالف الذى جمع بين
(سليمان الأعرابى (،والى (برشلونة (،و (العباسيين (، و (شارلمان (،
ملك الفرنجة، فى محاولة لخلع (عبدالرحمن الداخل (، الذى نجح
فى الانفراد بأعدائه، والقضاء عليهم واحدًا تلو الأخر، أما
(شارلمان (فقد تعرض جيشه للفشل أمام أسوار (سرقسطة (،
ولإبادة مؤخرته عند عودته إلى (فرنسا (مارًّا بجبال البرنيه. ومن
الأعمال المهمة لعبد الرحمن الداخل: بناؤه مسجد (قرطبة (الجامع،
الذى غدا بعد ذلك أكبر وأشهر مسجد فى غربىِّ العالم
الإسلامى، وكان ذلك فى عام (176هـ=792م)، بلإضافة إلى
تجميل (قرطبة (، وبناء (الرصافة (. وهكذا تمكَّن (عبد الرحمن (من
تأسيس إمارة قويَّة وراثيَّة، تدين بالولاء له ولأولاده من بعده.2 -
(هشام الأول ((الرضا ((172 - 180 هـ = 788 - 796م).خَلَفَ الأمير
(هشام بن عبد الرحمن الداخل (والده فى حكم إمارة مستقلة
مستقرة،، ولم يواجه من المشاكل إلا ثورة أخويه (سليمان
(،و (عبد الله (، اللذين رأيا أنَّهما أحقُّ من (هشام (بالإمارة، وتغلَّب
عليهما (هشام (، وتفرَّغ - بعد ذلك - لمحاربة نصارى شمالىِّ
الأندلس، الذين قوى ساعدهم؛ نتيجة فترة الفتنة والضعف التى
أصابت (الأندلس (فى عصر الولاة، فأرسل حملة قوية بقيادة
(عبيد الله بن عثمان (تمكنت من هزيمة (الجلالقة (، وأخرى بقيادة
(يوسف بن بُخت (، حققت الكثير من الانتصارات. وفى سنة
(176هـ=792م) تأهب لغزو الفرنجة، ووقف هجماتهم على
(شمالى الأندلس (، فأرسل جيشًا كثيفًا بقيادة حاجبه (عبد الملك
بن عبد الواحد بن مغيث (، لغزو مناطق خلف جبال البرتات،
وتمكن من تحقيق عدد من الانتصارات. وعُرِف الأمير
(هشام (بالتقوى، والورع، ومحبَّة الفقهاء، وحضور مجالس العلم،
وأنشأ الكثير من المساجد، وعلى أيّامه بدأ المذهب المالكى
فى الانتشار على أيدى عدد من العلماء، منهم: (زياد بن عبد
الرحمن (،و (عيسى بن دينار (،و (يحيى بن يحيى الليثى (وكانت (
الأندلس (- قبل ذلك - على مذهب الأوزاعى، كما أنَّه جدَّد بناء
القنطرة الرومانية على نهر الوادى الكبير، ولم يطل العمر بالأمير
(هشام (؛ حيث وافته منيته بعد أقل من ثمانية أعوام، وذلك فى
عام (180هـ=796م).3 - (الحكم الأول ((الربضى) (180 - 206هـ=
796 -
821م).تولَّى (الحكم بن هشام (، بعد وفاة والده، وكان
حازمًا محبا للسلطة والمظهر، شديدًا على أعدائه، حارب أعمامه
وانتصر عليهم، ولم تكن علاقته بالفقهاء حسنة؛ مما دفعهم إلى
عدم الرِّضا عنه، والإساءة إليه عند العامَّة، وتسببوا فى عدد من
الثورات ضدَّه، أهمها: ثورة (الربض الغربى (، التى قضى عليها
الحكم، حتى عرف بها، وسُمِّىَ بالربضى، نسبة إلى قسوته فى
القضاء على ثورة هذا الربض الحزين. أرسل الحكم قواته لغزو
ممالك النصارى فى شمالى الأندلس، وقام حاجبه عبد الكريم بن
عبد الواحد بن مغيث بغزو مناطق ألبة والقلاع (قشتالة القديمة)،
كما استولى على قلهرة، وأنْحن فى بلاد البشكنس، وعاد
محمَّلا بالغنائم. واجه الحكم مجموعةكبيرة من الثورات الداخلية
التى حاول الفرنجة استغلالها فى التدخل فى شئون الأندلس،
ونجح فى التغلب عليها جميعًا وأجبر الفرنجة على عقد الصلح،
وصَرْفِ النظر عن التدخُّل المباشر فى شئون الأندلس. وقد تمكن
الحكم من توطيد الحكم لبنى أمية، وترك الأمور لأبنائه هادئة
إلى حدٍّ كبير، كما يُذكر له بعض الجوانب الأدبية، والإبداعات
الشعرية التى تكشف عن الجانب الآخر من شخصيته، وتُوفِّىَ
الحكم سنة (206هـ = 821م) مخلِّفًا إمارة الأندلس لعبد الرحمن،
أكبر أولاده.4 - عبد الرحمن بن الحكم (206 - 238هـ = 821 -
852م).ويُعرَف هذا الأمير بعبد الرحمن الأوسط، أو عبدالرحمن
الثانى. وُلِد فى طُلَيْطِلة سنة (176هـ= 792م)، وقد عُنى والده
(الحكم) بتربيته، فنمَّى لديه الأدب والحكمة؛ فكان ذا كفاءة
عالية وخلال حميدة، وافر الخبرة بشئون الحرب والإدارة،
واجهته فى مطلع ولايته بعض الفتن الصغيرة، التى أتاحت له
فرصة إرسال الصوائف إلى ممالك الشمال، وكان جده عبد الله
البلنسى هو قائد حملته علىمنطقة الثغر الأعلى؛ حيث تمكَّن من
هزيمة الفرنجة، واجتياح ولاية قطلونيه ( Cata Luna)، وذلك سنة
(212هـ= 827م).وما لبثت حركات التمرد أن ظهرت فى الأندلس،
فثار محمود بن عبد الجبار فى ماردة، وكلَّف الأمير عبد الرحمن
جهودًا كبيرة، حتى تمكَّن من القضاء على ثورته، وإجباره على
اللجوء إلى ملك أشتوريس (ألفونسو الثانى)،وطلب حمايته، لكنه
قُتِل هناك بيد حماته النصارى، وثار (هاشم الضرَّاب) فى طليطلة،
وكان شوكة كبيرة فى جنب عبد الرحمن الأوسط؛ وبالرغم من
نجاح الأمير فى قتل هاشم سنة (216هـ= 831م)، فإن (طليطلة)
ظلَّت معقلا للثائرين والمتمرِّدين، واضطر الأمير إلى حصارها،
واقتحامها، وإيقاع العقاب بأهلها، وذلك سنة (222هـ=
837م).وبعد القضاء على تلك الثورات استأنف الأمير الجهاد
فىشمالى الأندلس، وسيَّر الصوائف سنويا إلى هذه الجهات،
ولكن لم تكن لهذه الغزوات نتائج كبرى، ولم يكن من ثمارها إلا
منع النصارى من التوغُّل داخل بلاد المسلمين، وحملهم على
التزام السكينة، وعدم إيقاع الأذى بالمسلمين. ويتميز عصر عبد
الرحمن الأوسط بعدد من الأحداث الخطيرة، منها: - غارات
النورمانديين: فقد تعرَّضت سواحل الأندلس لخطر شديد، لم تستعد
له؛ حيث غزاها كثير من النورمانديين، الذين عرفتهم المصادر
الإسلامية باسم (المجوس)، ولم يكونوا إلا جماعات من الفيكنج،
القادمين من أقصى الشمال الغربى لأوربا، البارعين فى ركوب
البحر، واستخدام السفن الخفيفة، وأمكنهم إيقاع الأذى الشديد
بالشواطئ الغربية للأندلس، وذلك فى سنة (230هـ= 844م)،
وتمكن المسلمون من التصدى لهم بصعوبة كبيرة.- وثورة
المستعربين: وهم النصارى، المقيمون فى قرطبة، وكانوا
يتمتعون بدرجة عالية جدا من تسامح المسلمين، حتى إنهم
اندمجوا فى المجتمع القرطبى؛ يتحدثون لغته، ويرتدون ثيابه،
لكن الدعايات المتعصبة من بعضهم تمكنت من إثارة نزعة
الكراهية ضد المسلمين، وحاول بعضهم إيذاء المسلمين، والجهر
بسب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتدخلت السلطة الأندلسية وأعدمت بعضهم،
لكن الحركة تزايدت، وغذَّتها عوامل داخلية وخارجية، حتى
انتهت بعد موت الأمير (عبد الرحمن الأوسط (. وشهد عصر الأمير
عبد الرحمن الأوسط عددًا من الشخصيات العلمية البارزة، من
أهمِّها: (عبد الملك بن حبيب (، المعروف بعالم الأندلس، و (يحيى بن
يحيى الليثى (، الذى لقَّبه الإمام (مالك بن أنس (بعاقل الأندلس،
و (عبّاس ابن فرناس (، أوَّل من حاول الطيران، و (أبو الحسن على
بن نافع (، الملقَّب بزرياب، وهو أشهر المغنِّين فى
(الأندلس (.وعُنى (عبد الرحمن الأوسط (بالمنشآت العامَّة، فوسَّع
فى مسجد قرطبة، وأنشأ مسجد إشبيلية، وبنى سورها، ووصلت
(الأندلس (على أيَّامه إلى درجةٍ عالية من التقدُّم والازدهار،
وأصبحت العاصمة (قرطبة (مدينة عامرة، لا ترقى إلى مكانتها
أية مدينة أوربية أخرى، بل غدت تضارع العواصم الإسلامية
الأخرى فى جمالها، وحسن تنسيقها، وعمران أسواقها. كما
شهد عصر الأمير (عبد الرحمن الأوسط (نشاطًا دبلوماسيًّا رائعًا؛
فقد استقبل فى (قرطبة (سفراء (القسطنطينية (من قِبَل (القيصر
تيوفوليس (، وذلك فى سنة (225هـ= 840م)،كما أوفد الأمير
القرطبى سفيره (الحكم الغزال (إلىالعاصمة البيزنطية. وهناك
سفارة أُخرى تشير إليها المصادر التاريخية، وهى قيام (الحكم
الغزال (بردِّ الزيارة التى قام بها رسل ملك النورمانديين، وظل
هناك حوالى (20) شهرًا، ثم عاد إلى (قرطبة (فى حدود سنة
(232هـ= 846م). وبموت الأمير (عبد الرحمن الأوسط (تنتهى الفترة
الزاهرة من عصر الإمارة، وتبدأ فترة جديدة. 5 - الأمير (محمد بن
عبد الرحمن الأوسط (: (238 - 273هـ= 852 - 886م). تولَّى
الأمير (محمد (العرش فى (قرطبة (وسط مؤامرات كانت تسعى لنقل
الإمارة إلى أخيه الأمير (عبد الله (، وبعهده تبدأ (الأندلس (فترة من
الضعف والانحلال جعلت بعض المؤرِّخين يُطْلِقون عليها اسم عصر
الطوائف الأول. وُلِد الأمير (محمد (سنة (207هـ= 822م) وكان له
نشاط جمٌّ على أيام والده؛ مما رشَّحه للإمارة من بعده، ولقد
واجهته مع بداية حكمه ثورة مدينة طُلَيْطِلة، التى اضطرته إلى أن
يخرج بنفسه على رأس قواته لتأديب المدينة وإلزامها بالطاعة
والسكون، ولكن (طليطلة (لم تهدأ ولم تخمد، وأضحت موئلا
للثائرين والمتمردين، وساعد على ذلك وجود جالية كبيرة من
النصارى المستعربين، والقساوسة المتعصبين، كما أن المدينة
كانت تتلقى المساعدات والتحريض من الممالك المسيحية شمالى
الأندلس، وكان لثوراتها صدى لدى المستعربين فى (قرطبة (
والمدن الإسلامية الأخرى، وبذل الأمير جهدًا كبيرًا فى إخماد هذه
الثورات. كما حاول الأمير (محمد (أن يقارع ممالك النصارى
الشمالية؛ فخرج بنفسه على رأس قواته، سنة (241هـ= 855م)
إلى (ألبة (، و (القلاع (، وافتتح عددًا من الحصون، كما أرسل فى
العام التالى حملة إلى أحواز برشلونة. ولقد عاود النورمانديون
غزو بلاد الأندلس، والإغارة على شواطئها، وذلك فى سنة
(245هـ= 859م)، ولم تتمكن الجيوش الإسلامية من التصدى لهم
تمامًا؛ مما مكَّنهم من العبث بالشواطئ الغربية للأندلس، بل
وصلوا إلى عدوة المغرب، ثم نزلوا بالشاطئ الجنوبى للأندلس.
وقامت ثورة خطيرة ضد الأمير فى شمال الأندلس تزعَّمها (موسى
بن موسى (، وأبناؤه من بعده، وشغلت هذه الثورة الأمير
(محمدًا (سنوات طويلة. وقامت ثورة أخرى فى (ماردة (،
و (بطليوس (، تزعَّمها (عبد الرحمن بن مَرْوان (، المعروف
(بالجليقى (، استمرت سنوات طويلة، وأيدها (ألفونسو الثالث (،
ملك ليون، وشغلت هذه الثورة الأمير سنوات طوالا، بل أحرزت
عددًا من الانتصارات على قواته، وأسر فيها (هشام بن عبد
العزيز (، وزير الأمير (محمد (. وخلال هذه الفترة العصيبة اندلعت
ثورة أخرى فى جنوبى الأندلس تزعَّمها (عمر بن حفصون (، الذى
شغلت ثورته باقى عصر الإمارة كله، ولم يُقْضَ عليها إلا على
عهد الأمير (عبد الرحمن الناصر (، أول خلفاء الأندلس. 6 - الأمير
(المنذر بن محمد بن عبد الرحمن ((273 - 275هـ= 886 - 888م). وُلد
الأمير (المنذر (فى (قرطبة (، سنة (229هـ= 843م)، وكان أثيرًا لدي
والده من بين إخوته يختاره لجلائل الأمور، ويندبه لقيادة الجيش
كلما ألمَّ بالإمارة خَطْبٌ. وقد أبلى المنذر بلاء حسنًا فى مقاتلة
الثوار والخوارج، وحينما تولى العرش كانت الفتنة قد تفاقمت،
وعمت الثورة أنحاء البلاد، فشمَّر عن ساعديه للقضاء عليها،
وإعادة الأمن والنظام إلى الإمارة المضطربة، وحماية عرش الدولة
من كيد الكائدين. سيَّر (المنذر (حملاته إلى (طليطلة (فى محاولة
لإخضاعها، كما ركَّز جهوده فى القضاء على (عمر بن حفصون (،
الذى استشرى أمره، وأصبح خطرًا حقيقيًّا على الإمارة
الأندلسية، ولقد تمكن الأمير (المنذر (من ضرب حصار شديد على
قلعة (ابن حفصون (، حتى كادت تسقط فى يده، وفىتلك
اللحظات مات الأمير المنذر فجأة أمام أسوار القلعة وتجمع معظم
الروايات التاريخية على موته مسمومًا. وكان الأمير (المنذر (ذا همَّة
عظيمة، وجاء موته ضربة شديدة لقرطبة، التى اضطرت إلى رفع
الحصار عن (ببشتر (وعودة الجيش إلى (قرطبة (، وازدياد الفتنة
فى كل أنحاء الأندلس. 7 - الأمير (عبد الله بن محمد بن عبد
الرحمن ((275 - 300هـ= 888 - 912م). ولد الأمير (عبد الله (فى
(قرطبة (عام (229هـ= 843م)، وهو نفس عام ميلاد أخيه (المنذر (،
وكان معه فى حصاره لببشتر، وتتهمه بعض الروايات التاريخية
بتدبير مؤامرة قتل أخيه (المنذر (؛ لكى يصل إلى عرش الإمارة
فى (الأندلس (. بويع بالإمارة بعد أخيه، ورفع الحصار عن
(ببشتر (، وعاد بالجيش إلى (قرطبة، وبدأ حكمه الطويل فى
ظروف سيئة جدًّا؛ فالخلاف يمزِّق (الأندلس (، وعرش بنى أمية
على وشك الانهيار، وامتدت الثورة إلى الحواضر الأندلسية
الكبرى، حتى لم يعد لأمير الأندلس من سلطان إلا على مدينة
قرطبة وحدها. واجه الأمير (عبد الله (هذه الخطوب جميعًا، وعمل
على إخماد الفتن بما وسعه من جهد؛ فلم يهدأ ولم يتوانَ فى
العمل، وظلَّ طيلة فترة إمارته يرسل الجيوش، ويجرِّد الحملات،
ويخرج بنفسه تارة، ويرسل قواده أخرى، حتى أنهك الثائرين،
وأنهك إمارته؛ مما أعطى الفرصة للممالك المسيحية فى التوسُّع
على حساب الدولة الإسلامية. ومن أسوأ ما يُذكَر للأمير (عبد
الله (غدره بولديه الأمير (محمد (أولا، ومن بعده الأمير (المطرف (،
كما أنه قتل أخوين له، قتل أحدهما بالسيف والآخر بالسّمِّ.
وبالرغم من كلِّ ما يقال عن الأمير (عبد الله (فإن الرواية
التاريخية لا تحرمه من جانب مشرق، يتمثَّل فى محبته للعلم
والعلماء، حتى كان مجلسه من أجلِّ ما عرفت (الأندلس (حتى
عصره. 8 - الأمير (عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله (، المعروف
بالناصر لدين الله (300 - 350هـ= 912 - 961م). ومما يُذكَر من
حسنات الأمير (عبد الله (أنَّه أومأ بالإمارة -من بعده- إلى حفيده
(عبد الرحمن بن محمد (، وربما كان ذلك تكفيرًا عما ارتكبه فى
حق والده الأمير (محمد (، فلقد أثبت هذا الفتى الشابُّ أنه الجدير
بالإمارة، والكفء لمواجهة ما كان يعترضها من عقبات. وُلِد (عبد
الرحمن الناصر (، سنة (277هـ= 890م)، قبل مقتل والده بأيام،
وكَفَله جدُّه الأمير (عبد الله (، وأحسن تربيته، وهيّأه لتولى
الإمارة من بعده. نهض (عبد الرحمن الناصر (بالمهمة خير نهوض؛
فعمد إلى الثوار يستنزلهم بالقوة، أو بالمسالمة، حتى تمكَّن
خلال سنوات قليلة من القضاء على جميع الثورات، وإعادة
(الأندلس (إلى وحدتها؛ حيث بدأت البلاد معه فترة من أحسن
فترات تاريخها. وجَّه (الناصر (جهوده وحملاته إلى مواجهة
عنفوان الممالك المسيحية فى شمالى الأندلس وتبادل معها النَّصر
والهزيمة لكنه أكَّد تفوُّقه عليها عسكريًّا وسياسيًّا، حتى صار
حَكَمًا يُرْجَع إليه فى المنازعات الداخلية فى هذه الممالك. اهتم
الناصر بالعمران اهتمامًا كبيرًا، وأسس مدينة (الزهراء (، وأنشأ
بعض القواعد الأندلسية، وغدت البلاد على أيامه أقوى قوة
سياسية فى العالم الإسلامى، حتى هادنته ملوك شمالى الأندلس
وملوك ألمانيا وإيطاليا وبيزنطة، وغَصَّ بلاطه بسفراء تلك الدول.
ومن أبرز ما قام به (عبد الرحمن الناصر (، اتخاذه لقب (أمير
المؤمنين (، سنة (317هـ= 929م)، محوِّلا الإمارة الأندلسية إلى
خلافة يهابها الأعداء، ويعتز بها الأصدقاء، وفَرْض سيطرة بلاده
على عدوة المغرب، وتقليل نفوذ الفاطميين هناك، حتى غدا
رجل العالم الإسلامى بلا منازع. أما من الناحية العِلْمية، فقد غدت
(قرطبة (موئِلا للعلم والعلماء يؤمُّها طلاب العلم من كل أنحاء
الدنيا، ولا تبالغ المصادر فى اعتبار عصر الخلافة فى
(الأندلس (هو العصر الذَّهبى للمسلمين فيها. حكم (عبد الرحمن
الناصر (الأندلس خمسين عامًا، وترك البلاد من بعده مستقرة آمنة،
وأوصى بالخلافة من بعده لولى عهده (الحكم المستنصر بالله (. 9
- الخليفة (الحكم المستنصر بالله ((350 - 366هـ= 961 - 976م). وُلد
(الحكم بن عبد الرحمن (بمدينة (قرطبة (سنة (302هـ= 914م)،
واعتنى والده بتربيته عناية فائقة، وقام بتدريبه على أعباء
الحكم والقيادة، وأخذ له العهد بخلافته، وهو فى سِنٍّ مبكرة،
وبويع له غداة وفاة (النَّاصر (، سنة (350هـ= 961م)، وكانت سنُّه
-حينذاك- (48) سنة؛ ولذلك كان مكتمل الخبرة، جديرًا بالقيادة
فى (الأندلس (. كان عهد (الحكم (عهد سلام واطمئنان، فقد ترك له
والده الأمور موطَّدة، فصرف همَّه إلى العناية بالعلم والعلماء،
وبلغ فى ذلك الغاية، وأربى على النهاية، كما اهتم بالكتب،
حتى بلغ عددها فىمكتبته (400) ألف مجلَّد، وتذكر المصادر أنه
أرسل ألف دينارذهبًا إلى (أبى الفرج الأصفهانى (فى (بغداد (؛
لكى يرسل نسخة من كتابه (الأغانى (إلى (قرطبة (قبل ظهوره
فى (بغداد (. واهتمَّ (الحكم (بالمسجد الجامع فى (قرطبة (، وقام
بتجميله وتوسعته، ومازالت أعمال (الحكم (بالمسجد بارزة
وعظيمة إلى يومنا هذا، كما استكمل بناء مدينة (الزهراء (، حتى
غدت أعجوبة زمانها. ولقد كانت ميول (الحكم (العلمية سببًا فى
تحرُّك ممالك الشمال الإسبانية ضد دولة الخلافة، معتقدين خطأً
أنه ليس للخليفة العالم شأن بالحرب، لكن (الحكم (أثبت جدارته
فى ميدان الحرب ولقَّن هذه الممالك دروسًا كبيرة أعادتها إلى
الطاعة، والإذعان لهيبة الخلافة فى (الأندلس (. أما ما يُؤخَذ على
(الحكم المستنصر (، فهو مبايعته لابنه (هشام (، وهو دون
العاشرة؛ ليكون ولىَّ عهده من بعده، وأخذ له البيعة بذلك، ثم
تُوفِّىَ (الحكم (سنة (366هـ= 976م). 10 - الخليفة (هشام الثانى (
(المؤيد بالله ((366هـ- 000= 976م- 000). تولَّى (هشام (الخلافة،
وهو دون العاشرة؛ مما أعطى الفرصة للحاجب (محمد بن أبى
عامر (ليسيطر على مقاليد الأمور فى (الأندلس (، ويتلقَّب
بالمنصور، وقام الحاجب بالحجر -تقريبًا- على الخليفة الصغير،
واستبدَّ بالأمور تمامًا، حتى أصبح عصره يُعرف -عند المؤرِّخين-
بالدولة العامرية، إلى درجة أن (المنصور (قد ورَّث منصبه
وسلطانه لولديه من بعده، وهما (عبد الملك المظفر (، و (عبد
الرحمن شنجول (. 11 - الأمويون فى عصر الفتنة (399هـ= 422هـ -
1008م= 1031م).