الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
الحفصية (دولة)
ينتسب الحفصيون إلى «أبى حفص عمر بن يحيى» الذى ينتمى
إلى «قبيلة هنتاتة» ، وهى من قبائل المصامدة التى عاشت
بالمغرب الأقصى، واتخذت المعاقل والحصون، وشيدت المبانى
والقصور، وامتهنوا الفلاحة وزراعة الأرض. وقد طمع الحفصيون
فى الاستقلال بإفريقية بعد هزيمة الموحدين فى معركة
«العقاب» بالأندلس فى سنة (609هـ= 1212م)، وعملوا على
تحقيق ذلك حتى سنة (625هـ= 1228م)، فوصل «أبو زكريا بن
عبدالواحد الحفصى» إلى مقعد الإمارة بتونس، ومهد لقيام «دولة
الحفصيين» حتى سنة (627هـ= 1230م) فبايعه الحفصيون
واستقل عن طاعة الموحدين وضم إليه «الجزائر» و «تلمسان» .
وقد واجهت الدولة الحفصية عدة ثورات، إلا أنها تمكنت من
القضاء عليها فى عهد قوتها، فلما حل الضعف بخلفاء الأمير
«أبى زكريا الحفصى» ، زادت الخلافات بين أفراد الأسرة
الحاكمة، وقامت الثورات فى أماكن كثيرة، ولم يتمكن أمراء
الحفصيين من مواجهة هذه الاضطرابات، فحل الضعف بدولتهم
حتى سقطت على أيدى العثمانيين سنة (893هـ=1488م). تنوعت
علاقات «الدولة الحفصية» ، وشملت «الأندلس» ، و «أوربا» ،
ودول: «بنى مرين» والوطاسيين والزيانيين. واتسمت علاقتهم
بالأندلسيين بالهدوء تارة وبالتوتر والمنافسة تارة أخرى،
وكذلك تمثلت علاقتهم بالأوربيين فى عدة حملات عسكرية،
عُرفت باسم الحروب الصليبية، وسعى الصليبيون إلى تحويل
مسلمى «المغرب الأدنى» إلى المسيحية، غير أن وباءً تفشى
بالمعسكر الصليبى، وتوفى لويس متأثرًا بهذا الوباء، فلجأ
الصليبيون إلى التفاوض والصلح مع الحفصيين، ثم الانسحاب فى
سنة (669هـ= 1270م) ولكن الصليبيين عاودوا الهجوم على مدينة
«طرابلس» فى سنة (755هـ= 1354م)، واستولوا عليها
واستباحوها، ولم يخرجوا منها إلا بعد الحصول على قدر كبير
من المال، ثم توالت حملاتهم الصليبية بعد ذلك على بلاد «المغرب
الأوسط» ومدنه. وقد مرت العلاقات الحفصية المرينية بعدة مراحل
ارتبطت بالأحوال والظروف السياسية التى كانت تمر بها كل من
الدولتين، واتسمت هذه العلاقات بالصراع بين الطرفين، ودخول
بنى حفص فى تبعية «بنى مرين» فى أحايين كثيرة، ولكن ذلك
لم يمنع من قيام بعض العلاقات الطيبة فى فترة حكم «عثمان ابن
أحمد المرينى» (801 - 823هـ = 1398 - 1420م)، و «عبدالحق بن
سعيد المرينى» (863 - 869هـ = 1459 - 1465م). عرفت «دولة
بنى حفص» نظام الخلافة، وكان الحكم بها وراثياًّ، ويعاون
الخليفة هيئة استشارية، يُطلق عليها اسم أشياخ البساط،
وجميعهم من قبيلة «هنتاتة» التى تنتمى إليها الأسرة الحاكمة،
وكذلك عرفت هذه الدولة نظام الحجابة، وتطور هذا النظام لدرجة
أن الحاجب كان يفصل فى الأمور دون الرجوع إلى الخليفة،
وجاء منصب الوزارة فى مرتبة تلى منصب الحجابة، ويأتى إلى
جانبهما منصب القضاء الذى أولاه الحفصيون عنايتهم لأهميته.
تنوعت مصادر الدخل فى «دولة بنى حفص» ، وشملت: الضرائب
والزكاة، والجزية، والمصادرات، والخراج، وانتعشت الزراعة
وكثرت المحاصيل، ونشطت الصناعات مثل: المنسوجات
بأنواعها، والصناعات الجلدية والزجاجية، وصناعة الأسلحة
والسفن، واستخدم «بنو حفص» عملة خاصة بهم ليؤكدوا
استقلالهم. تشكل المجتمع الحفصى من عدة عناصر، وكانت
قبيلة هنتاتة البربرية فى مقدمة هذه العناصر، كما كان العرب
المقيمون، والعرب الهلالية ممن شكلوا هذا المجتمع، تضاف إليهم
مجموعات الروم والأتراك. وشهدت «الدولة الحفصية» حركة
واسعة فى البناء والتعمير، وأقام الحفصيون المؤسسات
التعليمية مثل: الكتاتيب، والزوايا والمساجد، فقامت بدورها فى
دعم العلوم المختلفة وتدريسها، ثم أنشأ الحفصيون المدارس
بالعاصمة «تونس» ، وكانت أول مدرسة هى «المدرسة
الشماعية» التى أنشأها «أبو زكريا يحيى الأول» فى سنة
(633هـ= 1235م)، وتلتها «التوفيقية» فى سنة (650هـ= 1252م).
وأخذت «الدولة الحفصية» بالمذهب المالكى، واهتمت بالعلوم
الدينية مثل تفسير القرآن، وعلم الحديث، والفقه، وكذلك اهتم
الحفصيون بالعلوم العقلية مثل: المنطق والكيمياء والفلك
وغيرها. وساهمت المكتبات - التى زُوِّدت بالكتب فى شتى
فروع المعرفة- فى تنشيط الحركة الثقافية بالبلاد، وكذا ساهمت
المجالس العلمية، التى شجعها بعض الحكام الحفصيين فى إثراء
النشاط العلمى ودعمه. وقد أثمرت هذه الحركة الثقافية
المزدهرة مجموعة من العلماء البارزين فى شتى فروع العلم
والمعرفة، فكان من الفقهاء «أبو عبدالله محمد بن عرفة»
المتوفى عام (802هـ= 1399م)، ومن المحدثين: «أبو بكر بن سيد
الناس» المتوفى عام (659هـ= 1261م)، ومن النحويين: «أبو
الحسن على بن موسى» المعروف «بابن عصفور» المتوفى عام
(969هـ= 1561م)، ومن الشعراء:«حازم القرطاجنى» المتوفى
عام (684هـ= 1285م)، و «ابن الأبار» المتوفى عام (662هـ=
1264م). وقد أسهم هؤلاء وغيرهم فى دعم المعرفة، وتنشيط
الثقافة، ومؤازرة الحركة الفكرية فى دولة «بنى حفص» .