الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
تغلق شاه (بنو)
استمال «تغلق شاه» جنود شمالى غرب «الهند» إلى صفه، ثم
قادهم إلى «دهلى» ، وتمرد على السلطان «خسرو شاه ناصر
الدين» آخر حكام «الدولة الخلجية» ، فقد عدد كبير من جيش
«خسرو شاه» ، ثم التقى الفريقان فى «ديوبالبور» ، وخسر
الخلجيون المعركة، وفروا منها، تاركين خلفهم الأسلحة والخيول
والفيلة والأموال والمعدات، فدخل «تغلق» العاصمة «دهلى» دون
معارضة، ولبَّى الناس نداءه للدخول فى طاعته، بسبب كرههم
لخسرو شاه الذى آذاهم وأهان معتقداتهم، ثم دارت معركة
فاصلة بين الطرفين فى عام (720هـ = 1320م)، وانتهت بهزيمة
الخلجيين، ومقتل «خسرو شاه» ، وسقوط «دولة الخلجيين» ببلاد
الهند. قامت «دولة التغلقيين» على أنقاض «دولة الخلجيين» ببلاد
«الهند» ، وتولى «تغلق شاه الأول» الحكم فى عام (720هـ =
1320م)، واستمر فيه حتى سنة (725هـ = 1324م)، وعرف باسم
السلطان «غياث الدين تغلق» ، ويرجع أصله إلى الجغتائيين
الأتراك، وقد قدم فى مطلع شبابه إلى «بلاد السند» ؛ لخدمة
بعض التجار فى عهد السلطان «علاء الدين» ، ثم دخل فى خدمة
«أولوخان» أمير «السند» آنذاك، وتدرج فى الفروسية حتى
احتل وظيفة أمير الخيل، فلما ولى «قطب الدين» عهد بهذه
الإمارة إلى ابنه «محمد تغلق» ، فشغل هذا المنصب إلى عهد
«خسرو شاه» ، أعلن الثورة، ودخل «دهلى» ، ودارت بينه وبين
«خسرو شاه» عدة معارك، تمكن - فى نهايتها - من قتله،
والانتصار على جيشه، ثم دخل القصر الملكى وجلس على سرير
الملك. لم تستقر أمور هذه السلطنة فى عهد «بنى تغلق» ؛ حيث
ظهرت بها المؤامرات، واشتعلت الفتن لانتزاع كرسى الحكم،
وثار «محمد بن تغلق» على أبيه فى سنة (725هـ = 1325م)،
حين أعلن هذا الأب استياءه من تصرفات ابنه، ومن استكثاره
شراء المماليك، ومبالغته فى بذل العطايا، ومنح الهبات، فدبر
الابن حيلة تمكن بواسطتها من قتل أبيه. كان «محمد بن تغلق»
غريب الأطوار؛ حيث كان محبا للإنفاق والإغداق وبذل الهبات
والعطايا، وفى الوقت نفسه يعمل على إراقة الدماء، ويسعد
برؤيتها، فساءت الأحوال فى عهده، ونقل عاصمته إلى مدينة
«ديوكر» التى أطلق عليها اسم: «دولت آباد» لكى يأمن خطر
المغول، وأجبر سكان «دهلى» على الانتقال إلى العاصمة
الجديدة، فاشتدت الأمور سوءًا، وقامت الثورات فى وجهه،
ونشطت الحركات الاستقلالية فى عهده، فعدل عن الاستقرار
فى هذه العاصمة الجديدة، ولكن الخراب والدمار قد لحقا بدهلى
نتيجة هجرها، ولم يتمكن الناس من العودة إليها، فبنى لهم
مدينة جديدة بالقرب منها. لم يكن للسلطان «محمد بن تغلق»
وريث للحكم حين وفاته، فورثه ابن عمه «فيروز تغلق» فى عام
(752هـ = 1351م)، وحكم فى الناس بالعدل، وسار بينهم سيرة
حسنة، ثم خلفه حفيده «غياث الدين تغلق شاه الثانى» فى عام
(790هـ = 1388م)، ونشطت فى عهده الحركات الاستقلالية،
وظلت البلاد فى هذا الوضع المضطرب حتى وفاة آخر سلاطين
«آل تغلق» فى عام (815هـ = 1412م)، فاجتمع أعيان «دهلى» ،
ونصبوا «دولت خان» حاكمة على البلاد، ثم تعرضت «دهلى»
للغزو التيمورى الذى قضى على مظاهر الحضارة فيها، وأهلك
الحرث والنسل، ولكن هذه الحضارة عادت مظاهرها ثانية إلى
هذه السلطنة فى عهد «ظهير الدين محمد بابر» فاتح
«الهندوستان» ، الذى ينتهى نسبه إلى «تيمورلنك» من ناحية
أبيه، وإلى «جنكيزخان» من ناحية أمه. شجع «تغلق شاه»
رعيته على تعمير الأرض والاهتمام بالزراعة، فشق الترع
والقنوات، وأصلح طرق الرى، وخفض الضريبة على الأراضى
الزراعية. وكان «محمد بن تغلق» من المشتغلين بالعلوم والفنون
والآداب، وله منثورات ومنظومات رفيعة المستوى باللغتين
العربية والفارسية، وكذلك كان يجيد الفلسفة والحكمة والمنطق،
كما برع فى الطب، وعالج الناس بنفسه، وأشرف على ملاجئ
العجزة التى أقامها لهم، وأنشأ مدينة «دولت آباد» لكى تكون
عاصمة لبلاده، إلا أنه عدل عن هذه الفكرة، ووفد عليه
الكثيرون من المشتغلين بالعلوم والفنون والآداب، وعمل على
رعايتهم، ونهج حكام أسرة «آل تغلق» سياسة فى استقطاب
الأدباء والعلماء. ظلت الحياة الثقافية فى «الهند» مزدهرة فى
عهد «بنى تغلق» ، ووفد على السلطان «محمد بن تغلق» الكثير
من العلماء والأدباء والفلاسفة، فقد كان هذا السلطان أديبًا
وشاعرًا، كما كان فيلسوفًا وطبيبًا بارعًا. ولم يكن «فيروز
شاه» أقل منه اهتمامًا بالعلم وأهله، إذ أسس ثلاثين مدرسة
لعلوم الدين واللغة والتاريخ والحكمة والرياضيات والفلك والطب،
وجلب العلماء المسلمين إلى السلطنة للتدريس بهذه المدارس،
وعنى بدراسات «الهند» وعلومها القديمة للاستفادة منها. وقد
لاحظ «ابن بطوطة» فى رحلاته ببلاد «الهند» كثرة المدارس،
وذكر أنه كانت هناك مدارس للصبية وأخرى للفتيات، وأوضح
أن النساء بالهند كن يقبلن على التعليم باهتمام بالغ وخصوصًا
العلوم الدينية، وقد وفد «ابن بطوطة» على بلاد «الهند» فى عام
(734هـ = 1333م)، واتصل بالسلطان «محمد بن تغلق» ، وتولى
منصب القضاء فى دولته، وأقام بها مدة ثمانى سنوات، ووصف
بلاد «الهند» ونظمها وسياسة حكامها، وطرق إدارتها، وأحوال
المعيشة، ومعايش الناس فيها. وأنشأ «فيروز شاه» المدرسة
«الفيروزشاهية» ، وعنى بعمارتها، وأحاطها بالحدائق الغناء،
وجعلها مقصد العلماء وطلاب العلم من كل مكان، فكان من
أساتذتها «جلال الدين الرومى» الذى قام بتدريس علوم التفسير
والحديث والفقه بها، ومارس الوعظ والتدريس، وبرع فى نظم
الشعر، فأقبل عليه التلاميذ من كل مكان، وكانت آخر وصاياه
لتلاميذه وصيته التى قال فيها: «أوصيكم بتقوى الله فى السر
والعلانية، وقلة النوم والطعام والكلام، وهجران المعاصى
والآثام، ومواظبة الصيام، ودوام القيام، وترك الشهوات على
الدوام، واحتمال الجفاء من جميع الأنام، وترك مجالسة السفهاء
والعوام، ومصاحبة الصالحين والكرام. فإن خير الناس مَن ينفع
الناس، وخير الكلام ما قل ودل».