الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
شوا (سلطنة)
أسست هذه السلطنة على يد أسرة عربية تسمى «بنى مخزوم»
سنة (283هـ = 896م)، وليس ثمة شك فى أن هؤلاء كانوا عربًا
هاجروا إلى هذه الجهات فى ذلك الوقت المبكر، وليس بعيدًا أن
يكونوا قد نزلوا أول الأمر فى ضيافة إمارة محلية، ثم اختلطوا
بالأمراء عن طريق المصاهرة حتى آل إليهم الملك آخر الأمر. وأيا
كان الأسلوب الذى انتقل به الحكم فى «شوا» إلى هذه الأسرة
العربية المخزومية، فقد أدى ذلك إلى قيام «سلطنة شوا
الإسلامية»، التى استمرت أربعة قرون من الزمان فى الفترة
(283 - 684هـ = 896 - 1285م) تمتعت فى معظمها بالأمن
والاستقرار وازدهار العمران، وكثرة المدن والقرى والنواحى،
حتى إن وثيقة «تشيروللى» ذكرت أكثر من خمسين اسمًا
لمواقع كانت موجودة، ووقعت على أرضها أحداث مهمة. ومن
أمثلة هذه المدن أو النواحى مدينة «ولِلَّه» العاصمة، ومدن هكلة
(هجلة) وجداية، ودجن، وأبتا، ومورة، وحدية (لعلها مملكة هدية
الإسلامية) والزناتير، والمحررة، وعَدَل التى أصبحت عاصمة
لمملكة إسلامية فى القرن الخامس عشر الميلادى، مما يدل على
أن هذه السلطنة اتسمت بسعة المكان وازدهار العمران وكثرة
المدن والبلدان. وهذا الازدهار العمرانى الحضارى الذى تمتعت به
سلطنة شوا الإسلامية كان نتيجة لما تملكه من أرض غاية فى
الخصوبة استغلها السكان وزرعوا فيها ما يكفى حاجتهم ويسد
مطالبهم، خاصة أنه قد استمر توافد الجماعات الإسلامية
المهاجرة فى أعداد يسيرة، واستطاعت أن تتجمع وتدعم كيان
هذه السلطنة الإسلامية بزعامة هذه الأسرة العربية التى اتخذت
من «وللِّه» عاصمة لها، والتى يصعب تحديد موضعها الآن نتيجة
لكثرة التغيرات التى تعرضت لها المنطقة. ونتيجة لهذا الإزدهار لم
تكن الدولة المخزومية فى «شوا» إمارة أو مملكة صغيرة، بل
كانت سلطنة كبيرة، توالى على حكمها كثير من الحكام الذين
اتخذوا لقب سلطان كما أشارت إلى ذلك وثيقة «تشيروللى» . هذا
وقد ظهر فى هذه السلطنة الوظائف السياسية والدينية المعروفة
وقتذاك فى بقية الدول الإسلامية مثل الوزراء والقضاة، يتضح
ذلك من الوثيقة المذكورة التى عنى المؤرخ فيها بتسجيل وفاة
الفقيه «إبراهيم بن الحسن» قاضى قضاة شوا فى رمضان
(653هـ = أكتوبر 1255م)، مما يدل على وجود حياة علمية
ودينية زاخرة، شأنها فى ذلك شأن السلطنات الإسلامية
الأخرى؛ مما يجعلنا نقول إن هذه السلطنة عاشت عصرًا زاهرًا
كبيرًا، وأنها عاشت مستقلة عن جيرانها سواء كانوا مسلمين أم
مسيحيين. والسبب الذى أتاح لهذه السلطنة ذلك الاستقلال وهذا
الهدوء مع دولة الحبشة هو ظروف الحبشة نفسها، فقد كانت
تعيش حياة مليئة بالاضطراب السياسى وعدم الاستقرار، فقد
كانت مملكة «أكسوم» الحبشية القديمة فى أواخر أيامها عندما
نشأت سلطنة شوا الإسلامية، ولذلك لم تتمكن «أكسوم» من
التصدى لتلك الدولة أو تمنع قيامها فى جزء من الهضبة الحبشية
ذاتها لبعد «أكسوم» التى كانت تقع فى أقصى الشمال، بينما
كانت دولة «شوا» فى أقصى الجنوب، ولذلك لم يحدث بينهما
أى نوع من أنواع العلاقات، سواء أكانت ودية أم عدائية. ومن
الأسباب التى أتاحت الهدوء لهذه السلطنة ما حظيت به من موقع
حصين فقد كان يحيط بها جبال وعرة تحف بمجرى نهر تكازى
الأعلى من ناحية اليمين، والنيل الأعلى من جهة اليسار، وهذه
الجبال جعلت من «شوا» حصنًا آمنًا يوفر الحماية لمن يسكنه.
وقد استغل بنو مخزوم هذا الهدوء وهذا السلام اللذين تمتعوا
بهما حوالى ثلاثة قرون ونصف قرن من الزمان فى تنمية قدرات
السلطنة الاقتصادية والسياسية والدينية، فصار لها نفوذها فى
المناطق المجاورة وخاصة المناطق الإسلامية التى تقع إلى
الشرق منها وهى سبع ممالك صغيرة قامت فى القرن الثالث
عشر الميلادى. كما كان لها دورها الدينى أيضًا، من ذلك أن
أحد سلاطينها ويسمى (حربعر) بذل جهودًا كبيرة لنشر الإسلام
صوب الداخل وخاصة فى «جبلة» فى سنة (502هـ = 1108م)،
وفى بلاد «أرجبة» ، وأن هذه البلاد بعد إسلام أهلها أضيفت
إلى أملاك سلطنة «شوا» المخزومية، أى أن هذه السلطنة كانت
من المراكز التى ساعدت على نشر الإسلام وثقافته فى هذه
المنطقة. وقد حافظ الأهالى من الأحباش على إسلامهم، سواء
أكانوا من أحباش شوا أم من أحباش المناطق المجاورة لها،
وذلك رغم الاضطهاد الشديد والمستمر الذى تعرض له المسلمون
فى القرن الإفريقى على يد ملوك الحبشة (إثيوبيا) منذ عام
(669هـ= 1270م). ولكن سيطرة «شوا» على جيرانها المسلمين لم
تستمر طويلا أمام اضطراب أحوالها وكثرة الفتن الداخلية التى
جعلتها تسير فى طريق الضعف وخاصة فى الخمسين عامًا
الأخيرة من عمرها، ولذلك انتهز حكام «أوفات» الإسلامية
الفرصة وأغاروا عليها وأسقطوها وضموها إلى دولتهم.
وطبيعى أن لسقوط سلطنة «شوا» الإسلامية أسبابًا، وعوامل
أدت إليه، أهمها: العوامل الاقتصادية: وتتمثل فى ظروف طبيعية
جغرافية حدثت فى الثلاثين عامًا الأخيرة من عمر الدولة، وأدت
إلى نقص مياه الأمطار بدرجة نتج عنها حدوث مجاعات،
وطواعين فتكت بالناس فتكًا ذريعًا، وأضعفت الدولة وسكانها
أمام أى هزات داخلية أو خارجية. سوء الأحوال السياسية:
ويتمثل فى الصراع الداخلى بين أمراء الأسرة المخزومية على
الحكم، وكثرة المتمردين والمغتصبين لعرش السلطنة، وكثرة
الحروب الأهلية، وما كان ينتج عنها من إحراق المدن وتدميرها
ونهبها وقتل كثير من سكانها. ولم يظهر الصراع الداخلى بين
أمراء هذه السلطنة إلا فى المائة عام الأخيرة من عمرها وخاصة
منذ عهد السلطان «حسين» (575هـ = 1179م)، ثم تولى بعده
السلطان «عبدالله» سنة (590هـ = 1194م)، وكان مغتصبًا
للعرش، استطاع أن يزيحه ابن السلطان «حسين» فى (632هـ =
1232م) واستمر فى الحكم 14 عامًا، ثم أعقبه عدد من
المغتصبين، ثم عاد العرش إلى صاحبه الشرعى وهو السلطان
«دلمارة بن والزرة» سنة (668هـ = 1269م) الذى صاهر «عمر
ولشمع» سلطان «أوفات» الإسلامية كى يشد أزره بهذه
المصاهرة، لكن الطامعين فى العرش ازدادوا شراسة حتى انتهى
الأمر بمقتل السلطان «دلمارة» فى سنة (682هـ = 1283م) وقد
أدت هذه الظروف السيئة إلى تدخل سلطان «أوفات» (عمر
ولشمع) فدخل «شوا» وانتقم من قتلة صهره السلطان «دلمارة»
واستطاع أن يعيد الأمن والوحدة إلى «شوا» من جديد، وبهذا
حافظ (عمر ولشمع) على سلطنة «شوا» من أن تقع فى يد
الأحباش وذلك بعد أن ضمها لدولته.