المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌53 - باب تفسير قوله صلى الله عليه وسلم: ((كل مولود يولد على الفطرة)) - ناسخ الحديث ومنسوخه للأثرم

[أبو بكر الأثرم]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الأول من كتاب ناسخ الحديث ومنسوخه

- ‌1 - باب فيمن نسي صلاة أو نام عنها فاستيقظ في وقت لا يصلى فيه

- ‌2 - باب تأخير الصلاة عن وقتها في الحرب

- ‌3 - باب الفتح على الإمام

- ‌4 - باب الرجل يسلم عليه وهو في الصلاة

- ‌5 - باب النوم في المسجد

- ‌6 - باب في الثلاثة يصلون جماعة كيف يقومون

- ‌7 - باب الإيماء في الماء والطين

- ‌8 - باب في الركعتين إذا جاء الإمام يخطب

- ‌9 - باب الصلاة بعد الجمعة

- ‌10 - باب الصلاة يوم الجمعة بنصف النهار

- ‌11 - باب ما يقرأ به في صلاة الجمعة

- ‌12 - باب في الساعة التي ترجى يوم الجمعة

- ‌13 - باب التكبير في العيدين

- ‌14 - باب ما يقرأ به في العيدين

- ‌15 - باب في الصلاة خلف الصف

- ‌16 - باب طول القراءة في ركعتين بعد المغرب

- ‌17 - باب في الرجل يؤم في بيت غيره

- ‌18 - باب القراءة في ركعتي الفجر

- ‌19 - باب الركعتين بعد المغرب أين تصليان

- ‌20 - باب الاضطجاع بعد ركعتي الفجر

- ‌21 - باب في الرجل يصلي الجماعة ثم يدرك أخرى

- ‌22 - باب في السمر بعد صلاة العشاء

- ‌23 - باب الوتر قبل النوم وبعده

- ‌24 - باب الوتر بعد طلوع الفجر

- ‌25 - باب الوتر بركعة وأكثر من ذلك

- ‌26 - باب الوتر، أواجبٌ هو

- ‌27 - باب ما يقرأ به في الوتر

- ‌28 - باب القنوت في الفجر

- ‌29 - باب القنوت قبل الركوع أو بعده

- ‌30 - باب القنوت في غير صلاة الفجر

- ‌31 - باب الصلاة بعد العصر

- ‌32 - باب الركعتين قبل المغرب

- ‌33 - باب في الأمير يؤخر الصلاة عن الوقت

- ‌34 - باب الصلاة في ثياب النساء

- ‌35 - باب خروج النساء إلى المساجد

- ‌36 - باب ما يجوز أن يصلى فيه من المواضع

- ‌37 - باب صلاة الضحى

- ‌الجزء الثاني من كتاب ناسخ الحديث ومنسوخه

- ‌38 - باب كم ركعة تصلى الضحى

- ‌39 - باب في مسح الحصى في الصلاة

- ‌40 - باب في النعلين: أين يضعهما المصلي

- ‌41 - باب الجهر بالتأمين

- ‌42 - باب اختيار قصر الصلاة في السفر

- ‌43 - باب متى يتم المسافر الصلاة إذا قدم غير بلده

- ‌44 - باب الجمع بين الصلاتين في السفر

- ‌45 - باب صلاة الاستسقاء والخطبة

- ‌46 - باب فضل الصلاة في الجماعة

- ‌47 - باب رفع اليدين في الدعاء

- ‌48 - باب صلاة الليل كم هي ركعة

- ‌49 - باب التطوع على الراحلة في السفر

- ‌50 - باب القرآن في كم يختم

- ‌51 - باب الصلاة الوسطى

- ‌52 - باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كيف هي

- ‌53 - باب تفسير قوله صلى الله عليه وسلم: ((كل مولود يولد على الفطرة))

- ‌54 - باب الصوم في السفر

- ‌55 - باب صوم ثلاثة أيام من كل شهر

- ‌56 - باب صيام العشر

- ‌57 - باب صوم يوم الجمعة

- ‌58 - باب في صوم يوم بعينه

- ‌59 - باب صوم يوم عاشورء

- ‌60 - باب في القبلة للصائم

- ‌61 - باب المباشرة للصائم

- ‌62 - باب الوصال في الصيام

- ‌الجزء الثالثمن كتاب ناسخ الحديث ومنسوخه

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم

- ‌63 - باب الهلال يُرى ما يقول

- ‌64 - باب صوم يوم السبت

- ‌65 - باب في المسكر

- ‌66 - باب في الخليطين

- ‌67 - باب الشرب في الظروف

- ‌68 - باب في الشرب قائماً

- ‌69 - باب الشرب من في السقاء

- ‌70 - باب التنفس في الشراب

- ‌71 - باب الكراع في الشرب

- ‌72 - باب دعاء المشركين قبل القتال

- ‌73 - باب أي وقت يقاتل العدو

- ‌74 - باب التحريق في أرض العدو

- ‌75 - باب سهم الفارس في العدو

- ‌76 - باب قبول هدية المشركين

- ‌77 - باب في الضيافة

- ‌78 - باب من يجب عليه الحد

- ‌79 - باب طاعة الأئمة

- ‌80 - باب كف الأيدي عن قتال الأئمة

- ‌81 - باب الانتفاع بالغنائم

- ‌82 - باب في آنية المشركين

- ‌83 - باب في الركاز يوجد

- ‌84 - باب المرتد ما يصنع به

- ‌85 - باب في البداوة

- ‌86 - باب الكفارة قبل الحنث

الفصل: ‌53 - باب تفسير قوله صلى الله عليه وسلم: ((كل مولود يولد على الفطرة))

‌53 - باب تفسير قوله صلى الله عليه وسلم: ((كل مولود يولد على الفطرة))

روى أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((كل مولود يولد على الفطرة، حتى يكون أبواه يهودانه وينصرانه)).

وروى همام عن قتادة عن يزيد بن عبد الله بن مطرف عن عياض بن حمار عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((قال الله عز وجل: إني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإن الشياطين أتتهم فاجتالتهم عن دينهم)).

وروى قتادة عن أبي حسان عن ناجية بن كعب عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن العبد يولد مؤمناً، ويعيش مؤمناً، ويموت مؤمناً، والعبد يولد كافراً، ويعيش كافراً، ويموت كافراً)).

وروى معتمر عن أبيه عن رقبة عن أبي إسحاق عن

ص: 162

سعيد بن جبير عن ابن عباس عن أبي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الغلام الذي قتله الخضر طبع كافراً، ولو أدرك لأرهق أبويه طغياناً وكفراً)).

فاختلفت هذه الأحاديث في ظاهرها وليست كذلك لأن لها وجوهاً عند من فهمها، وليست هذه من الأحاديث التي تختلف؛ لأنها إنما هي أخبار مؤداة، وإنما تختلف الأحاديث في التحليل والتحريم للأمر يكون بعد الأمر، والرخصة بعد الشدة، فأما الأخبار المؤداة عن الله عز وجل فهي غير مختلفة، وإنما يؤتى بعض الناس فيها من قلة المعرفة بوجهها، إلا أنه ربما جاء الحديث الضعيف فذاك مما لا يعتد به.

فأما قوله: ((كل مولود يولد على الفطرة)) فإن بيان وجه هذا الكلام في كتاب الله عز وجل، وفي الأحاديث بعد، وذلك قول الله عز وجل:{وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا} .

ثم جاءت الأحاديث بتفسير ذلك: أن الله عز وجل أخذهم في صلب آدم كهيئة الذر، فأخذ عليهم جميعاً العهد والميثاق بأنه ربهم، فأقروا له بذلك أجمعون، ثم

ص: 163

[ردهم] في صلب آدم.

وقال في آية أخرى: {فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله} ، فكان بدو ما ابتدأ الله به فطرة الخلق أجمعين قبل أن يخلقهم على الإقرار به، وإنما معنى الفطرة ها هنا: ابتداء الخلق، ولا يعني بذلك فطرة الإسلام، ألا تراه يقول:{لا تبديل لخلق الله} مما يبين قوله: {الحمد لله فاطر السموات والأرض} .

يعني أنه بدأ خلقها، ومما يبين ذلك حديث ابن عباس أنه اختصم إليه أعرابيان في بئر، فقال أحدهما: أنا فطرتها، يعني ابتدأتها.

وقال: {قل الذي فطركم أول مرةٍ} يعني ابتدأ خلقهم،

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((اللبن: الفطرة)) أي أنه ابتداء ما يغذى به الصبي، وقد قال:((اعتبروا الرؤيا بأسمائها))، فلما

ص: 164

كان اللبن يبتدأ به الصبي، تأوله في فطرة الإسلام.

وذلك أن الكلمة الواحدة من كلام العرب تستعمل في مواضع كثيرة، قال الله عز وجل:{وكذلك جعلناكم أمةً} فهذا له معنى، وقال:{إن إبراهيم كان أمةً} ، فجعل في تلك الآية أهل الإسلام أجمعين أمة، وجعل في الآية الأخرى إبراهيم وحده أمة، فهذا له معنى آخر، وقال:{واذكر بعد أمةٍ} فهذا له معنى ثالث، يعني به بعد نسيان، وقال:{أخرنا عنهم العذاب إلى أمةٍ} ، فهذا له معنى رابع [يعني] إلى أجل، ومما يبين ذلك أنه لم يعن بقوله: كل مولود يولد على الفطرة، كل مولود يولد على الإسلام: ما اجتمعت عليه الأمة على تأويل الكتاب والسنة أنه لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم، ثم أجمعوا على أن اليهودي والنصراني والمجوسي إن مات وله ولد رضيع أو صغير، أنه يرثه، وأنه إن مات ولده الصغير أو أخوه ورثه الكافر الكبير؛ لأنه على دينه، فلو كان المولود على الفطرة معناه أنه ولد على الإسلام ما ورثه إلا المسلمون، ولما دفن إلا معهم، فهذا وجه قوله:((كل مولود يولد على الفطرة)

ص: 165

وإنما أراد أنهم كلهم يولدون على تلك البداية التي كانت في صلب آدم، فمنهم من جحدها بعد إقراره بها من الزنادقة الذين لا يعرفون الله عز وجل ولا يقرون به وغيرهم ممن لم يبلغه الإسلام في أقطار الأرض الذين لا يدينون ديناً، وسائر الناس بعد من أهل الملل مقرون بتلك الفطرة التي بدئ عليها خلقهم، فلست تلقى أحداً من أهل الملل وإن كان كافراً إلا وهو يقر بأن الله ربه، وهو في ذلك بالله كافرٌ حين خالف شريعة الإسلام.

وأما حديث عياض بن حمار عن النبي صلى الله عليه وسلم الذي ذكر فيه أن الله قال: ((خلقت عبادي حنفاء)) فإنما هو شبيه بقوله: ((كل مولود يولد على الفطرة)) وهذا أيضاً يوضح لك أن الفطرة في ذلك الحديث إنما أراد بها الخلق، ألا تراه يقول:((خلقت عبادي حنفاء)) وذلك أنه لم يدعهم يوم أخذهم في صلب آدم إلا إلى حرف واحد، فأجابوه، فلزمهم في ذلك الموقف اسم الطاعة والاستجابة؛ لأنه قال:{ألست بربكم قالوا بلى} وهذا يشبه تأويل قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من قال لا إله إلا الله دخل الجنة)) فقال العلماء: إن هذا كان قبل نزول الفرائض، يقول: لأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا الناس في أول الأمر إلى

ص: 166

ترك الأوثان [] الأنداد، ورفض الأصنام، وأن يقروا بأنه لا إله إلا الله، ووعدهم على ذلك الجنة [فأ] جابه من أجابه، ثم فرض عليهم الصلاة، ولم يكونوا ملومين في ترك الصلاة [قبل أن تفرض] عليهم، فلما فرضت عليهم وجب عليهم الأخذ بها، وكانوا بتركها كفاراً.

ثم كذلك شرائع الإسلام التي أمروا بها، فخلق الله عباده يوم أخذهم في صلب آدم كهيئة الذر على الإقرار به وعلى الطاعة فيما أمرهم به.

وأما قوله: ((فإن الشياطين أتتهم فاجتالتهم عن دينهم)) فإن الشياطين أتتهم بتسليط الله عز وجل وإذنه، ولولا ذلك لم يطيعوهم؛ لأنه قال:{أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزاً} وقال لإبليس لعنه الله: {واستفزز من استعطت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم} ، ثم قال:{وما يعدهم الشيطان إلا غروراً} فهو الذي أمره أن يعدهم ثم نسب ذلك إليه، فكذلك نسب الفعل إلى الشياطين.

ص: 167

ولولا إرادة فعلهم لم يكن؛ لأنه لا فعل في ملكه ولا يكون شيء في السموات ولا في الأرضين وما بينهن جميعاً إلا بمشيئته، فمن شك في ذلك طرفة عين من دهره فقد كفر بالله ووحيه.

وأما قوله: ((إن العبد يولد مؤمناً .. .. والعبد يولد كافراً)). وهذا حديث ابن مسعود، فقد فسر هذا حديث ابن مسعود الآخر الذي [هو أصح]، إسناداً من حديث أبي حسان عن ناجية بن كعب عن عبد الله، وهو حديث سلمة بن كهيل والأعمش عن يزيد بن وهب عن عبد الله قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق: ((إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوماً ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله عز وجل إليه الملك فيقال: اكتب أجله وعمله ورزقه وشقيٌّ أو سعيد، ثم ينفخ فيه الروح)) فهذا هو الذي يكون بعد ما يكون في بطن أمه أربعة أشهر مما يثبت الله عز وجل عند ذلك من الشقوة أو السعادة، ومن الكفر أو الإيمان، وذلك الذي كان فطره عليه في صلب آدم شيءٌ فقد مضى عليه أول الخلق.

ص: 168

وأما حديث أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((أن الغلام الذي قتله الخضر طبع كافراً)) فإن معناه شبيه بمعنى حديث أبي حسان؛ لأن الطبع عين الفطرة، فالطبع هو الذي يكون في بطن أمه من تمام خلقه وإحكام صورته ونفخ الروح فيه على ما قدر الله له من الهدى والضلالة.

فهذه الأحاديث كلها يرجع معناها إلى أمرٍ واحدٍ على تأول أهل السنة والعلم.

ص: 169