الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تابع سورة البقرة
الآية (21)
من سورة البقرة
قوله: (فالناس يعم الموجودين وقت النزول لفظاً ومن سيوجد) إلى آخره.
أما العموم في الحكم: فمجمع عليه. وهل هو بالصيغة؟ أو بدليل آخر من قياس أو غيره؟. خلاف محكي في الأصول. والأصح: الثاني وهو: لفظي.
قال الإمام: والأقرب: إنه لا يتناول من سيوجد لأن (يا أيها
الناس) خطاب مشافهة، وخطاب المشافهة مع المعدوم لا يجوز.
وتناوله: له: لدليل منفصل. وهو: ما تواتر من دينه عليه السلام أن أحكامه ثابتة في حق من سيوجد إلى قيام الساعة.؟.
قوله: (وما روى عن علقمة، والحسن: أن كل شيء نزل فيه، (يا أيها الناس): فمكي. و (يا أيها الذين آمنوا): فمدني)، إلى آخره.
فيه: أمور. أحدها: قول علقمة، أخرجه أبو عبيد.
في فضائل القرآن، وأخرجه أيضاً عن ميمون ابن مهران. ولم أقف على قول الحسن مسنداً. الثاني: قوله: (إن صح رفعه)، صوابه: إن صح، بدون (رفعه) لأن المرفوع: قول النبي (أو قول الصحابي فيما يتعلق بالنزول. وعلقمة والحسن ليسا من الصحابة.
(فقد يقال: إن قولهما في ذلك: في حكم المرفوع المرسل).
الثالث: هذا توقف من المصنف في صحته، وكذا قال الطيبي:(هذا مذكور في معالم التنزيل والبسيط والكواشي، ولم أجده في كتب الحديث) وقد تقدم تخريجه. وصح عن ابن مسعود أيضاً.
أخرجه البزار في مسنده، والحاكم في المستدرك
والبيهقي في دلائل النبوة.
الرابع: لم يستدل أحد بهذا الأثر على اختصاص الآية بالكفار حتى يحتاج المصنف إلى رفعه، وغاية ما استدل به، على أن الآية مكية، أي نزلت بمكة مع قصد العموم للمؤمنين والكفار.
وأن: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} : مدني أي نزل بالمدينة.
الخامس، في الحاشية المشار إليها: هذا وإن كان مشهوراً ومنقولاً عن ابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهما: فهو مشكل، لأن سورة البقرة مدنية. وقد قال هنا:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} وفيها: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا} .
وكذلك سورة النساء: مدنية، وأولها:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ} وفي أثنائها: {إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ} و {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ} و {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ} وكذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} قد جاء في سورة الحج وهي مكية بالاتفاق. وفيها: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا
وَاسْجُدُوا} فإن أرادوا به أن الأغلب كذا فهو صحيح لا سيما في نداء الذين آمنوا.
وإن أرادوا به الحصر: فهو منقوض بما ذكرنا. انتهى.
قلت: وقد أجيب عنه بأوجه ذكرتها في أول الاتقان.
قوله: (وقرئ من قبلكم على إقحام الموصول الثاني بين الأول وصلته)، توكيداً، قال أبو حيان: هذا الذي قاله: مذهب لبعضهم، إنك إذا أتيت بعد الموصول بموصول آخر في معناه مؤكداً لم يحتج الموصول الثاني إلى صلة.
وهذا باطل. لأن القياس: إذا أكد الموصول (بمثله) أن تكرره مع صلته.
لأنها من كماله، وإذا كانوا إذا أكدوا حرف الجر أعادوه مع ما يدخل عليه لافتقاره إليه ولا يعيدونه وحده إلا في ضرورة، فالأحرى أن يفعل مثل ذلك بالموصول الذي الصلة بمزلة جزء منه. وخرج أصحابنا هذه القراءة أن يكون قبلكم صلة من، ومن خبر مبتدأ محذوف، وذلك
المبتدأ وخبره صلة للموصول الأول، وهو اللذين.
التقدير: والذين هم من قبلكم. وذكر السفاقسي مثل ما قاله أبو حيان. وحكى الحلبي هذا التخريج الذي قاله أبو حيان، ثم قال: ولا يخفى ما فيه من التعسف.
وقال الشيخ سعد الدين: لم يعهد التأكيد اللفظي إلا بإعادة اللفظ الأول، ومع ذلك فقد صرحوا بامتناعه قبل الصلة وإن أريد التأكيد من جهة المعنى: عاد المحذور، واحتيج إلى بيان وجه اجتماع الموصولين. ألا ترى إنهم لم يذهبوا في مثل قول الشاعر: فصيروا مثل كعصف مأكول.
إلى أن الكاف تأكيد؟ بل مزيدة - فالأولى أن يقال ههنا: إن كلمة (من) مزيدة، على ما هو مذهب الكسائي، أو موصوفة أو موصولة،
واقعة موقع خبر مبتدأ محذوف.
والجملة: صلة الذين، أي الذين هم من قبلكم.
وذكر الشريف مثله، وزاد في تقدير كونها موصوفة. إنها موصولة بالظرف، وخبر لمبتدأ محذوف، أي الذين هم أشخاص كائنون قبلكم، ثم قالا: ونقل عن صاحب الكشاف هنا سؤال، وهو: أن الموصول بدون الصلة غير مفيد، فكيف يؤكد بمن؟ وأجاب بأنه يفيد مبهماً، كاسم الإشارة، ولهذا صح عود الضمير إليه في مثل الذي قام، مع أن الضمير إنما يرجع إلى المفيد. فقيل عليه: إن التأكيد اللفظي لما لم يستبعد في الحرف ففي الموصول أولى. وأجيب بأن وجه الاستبعاد هو أن الموصول لا يتم جزءا إلا بصلة وعائد، فهو وحده بمنزلة جزء من الاسم، كالزاي من زيد.
ولا كذلك الحرف وإن توقف على ذكر شيء فلا يصير معه بمنزلة
كلمة واحدة.
قال الشريف: وأنت خبير بأن جعل الموصولات في الإفادة الاستقلالية دون الحرف خروج عن الإنصاف.
قوله: (كما أقحم جرير في قوله: يأتَيَّمُ تَيْمَ عدي لا أبالكم. تَيْماً الثاني بين الأول وما أضيف إليه).
قال الشيخ سعد الدين والشريف: الإقحام إدخال شيء على شيء بشدة وعنف، يعني أن تَيْماً الأول مضاف إلى عدى المذكور، وتَيْمَ الثاني: مقحم بين المضاف والمضاف إليه، كما أقحم اللام في لا أبا لك بين المضاف والمضاف إليه تأكيداً للام الإضافة المقدرة فإن قلت: كيف جاز الفصل بغير الظرف؟ وما وجه حذف التنوين من تيم الثاني؟ قلت: لما تكرر المضاف بلفظه وحركته صار كان الثاني هو الأول من غير فصل، كما في قولك: إن أن زيداً قائم مع امتناع الفصل بين أن واسمها بغير الظرف والتأكيد اللفظي في الأغلب حكمه حكم الأول، وحركته حركته، إعرابية كانت أو بنائية. فكما حذف التنوين من الأول حذف من الثاني، لأنه كأنه باشره حرف النداء. انتهى.
وما ذكره المصنف من أن الثاني مقحم وأن الأول مضاف إلى ما
بعد الثاني هو مذهب سيبويه. وذهب المبرد إلى أن الثاني مضاف لما يليه وأن الأول حذف منه المضاف إليه، لدلالة الثاني عليه، والمراد ياتيم عدى. والبيت: من قصيدة هجا بها جرير عمر بن بـ82 لجأ التيمي وتمامه:
لا يوقعنكم في سوءة عمر وأول القصيدة:
هاج الهوى وضمير الحاجة الدكر
…
واستعجم اليوم من سلومة الخبر
قوله: (أو مبتدأ خبره: فلا تجعلوا). قال أبو حيان: هذا ضعيف لوجهين، أحدهما أن صلة الذي وما عطف عليها قد مضيا فلا يناسب دخول الفاء في الخبر.
الثاني: أن ذلك لا يتمشى إلا على مذهب أبي الحسن لأن من الروابط عنده تكرار المبتدأ بمعناه. فالذي، مبتدأ وفلا تجعلوا لله أندادا، جملة خبرية، والرابط لفظ (الله) من (لله)، كأنه قيل: فلا تجعلوا له أنداداً، وهذا من تكرار المبتدأ بمعناه، ولا يعرف إجازة ذلك إل عن أبي الحسن،
فإنه أجاز أن يقال: زيد قام أبو عمرو إذا كان أبو عمرو كنية لزيد. ونص سيبويه على منع ذلك.
قوله: بمعنى صار وطفق فلا يتعدى. كقوله:
فقد جعلت قلوص بني سهيل
…
من الأكوار مرتعها قريب
قال التبريزي في شرح الحماسة: جعلت يمعنى طفقت، ولذلك لا يتعدى (ومرتعها قريب): في موضع الحال أي: أقبلت قلوص هذين الرجلين قريبة المرتع من رحالهم لما بها من الإعياء، وقال غيره: ليست جعلت هنا بمعنى المقاربة وإنما هي بمعنى صيرت، وفيها ضمير يعود على المذكورة.
وقلوص: بالنصب، مفعول أول، ومرتعها قريب: جملة في موضع المفعول الثاني - وقيل: فيها ضمير الشأن. وقيل: هو، على إلغاء جعلت مع تقدمها، لأن الرواية الشهيرة: برفع قلوص.
قوله: (ويتعدى إلى مفعولين، كقوله:{جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ} يجوز كونها هنا متعدية إلى مفعول واحد، وفراشاً: حال.
قوله: (بيتا كان) هو من الطين واللبن والشعر وغير ذلك.
قوله: (أوقبة)، هي مثل الخيمة.
قوله: (أو خباء)، هو البيت من وبر أو صوف كما أن
الطراف بيت من أدم، والخيمة بيت من شعر.
قوله: (مدرجاً) قال الشيخ سعد الدين: حال من فاعل إنشائها.
قوله: (فإن المطر يبتدئ من السماء إلى السحاب ومنه إلى الأرض، على ما دلت عليه الظواهر) أي: ظواهر الآيات والآثار، كقوله تعالى:
{أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ} ، {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً} ، {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ} ، {وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ} ، {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ} وأخرج أبو الشيخ ابن حبان في العظمة.
عن الحسن، أنه سنل: المطر من السماء، أم من السحاب؟
قال: من السماء إنما السحاب علم ينزل عليه الماء من السماء.
وأخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن خالد بن معدان، قال: المطر ما يخرج من تحت العرش، فينزل من سماء إلى سماء، حتى يجتمع في السماء الدنيا، فيجتمع في موضع يقال له الإبرام فتجيء السحاب السود (فتدخله) فتشربه مثل شرب الإسفنجة فيسوقها الله حيث يشاء، وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ، عن عكرمة قال: ينزل الماء من السماء السابعة فتقع القطرة منه على السحاب مثل البعير، وأخرج ابن أبي حاتم، عن خالد بن يزيد، قال المطر: منه، من السحاب، ومنه ما يسقيه الغيم من البحر فيعذبه الرعد والبرق.
فأما ما كان من البحر فلا يكون له نبات، وأما النبات: فمما كان من ماء السماء.
قوله: و (من) الثانية للتبعيض قال الشيخ سعد الدين: أما أولاً: فلموافقة الآيات الواردة في هذا المعنى، كقوله تعالى:{فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ} إذ لا وجه للبيان، لأنه لا ذكر لشيء مبهم يحتاج إلى البيان، وكقوله تعالى:{فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ} فإن التنكير لا سيما في جمع القلة يفيد البعضية على ما هو الظاهر. وأما ثانيا: فلدلالة السياق أعني ماء ورزقا فإن المخرج ببعض الماء لأجل بعض الرزق ولا يكون إلا لبعض الثمرات.
وأما ثالثا: فلمطابقة المعنى في الواقع، فإن المنزل من السماء بعض الماء لأكله، والمخرج بماء السماء بعض الثمرات، وحقيقته شيئاً من الثمرات؛ لأن من حرف فلا اسم وكان رزقاً مستعملاً.
في معناه المصدري واقعاً موقع المفعول له، ولكن مفعول رزقا، أي أخرج بعض الثمرات لأجل أن يرزقكم.
قوله: (أو للتبيين)، قال الحلبي: فيه نظر، إذ لم يتقدم ما يبين هذا وكأنه يعني أنه بيان لرزقا من حيث المعنى.
وقال التفتازاني، والشريف: إن كانت مبينة، فالأمر المبهم المحتاج للبيان، هو رزقا على أنه بمعنى المرزوق مفعولا به لأخرج،
ولكم صفة له، ومن الثمرات بيان له تقدم عليه فصار حالا منه، أي: أخرج مرزوقا لكم هو الثمرات.
قوله: (كقوله: أنفقت من الدراهم ألفا)، في الحاشية المشار إليها ليس مراده أن يكون عنده أكثر من ألف وأنفق الألف منه لأن ذلك معنى التبعيض، بل المراد أن نفقته من هذا الجنس المعروف المسمى بالدراهم مقدارها ألف.
قوله: (وإنما ساغ الثمرات، والموضع موضع الكثرة، لأنه أراد بالثمرات جمعة الثمرة) إلى آخره.
قال القطب، والطيبي: يريد ن مفرد الثمرات الثمرة التي يراد بها الثمار، لأن الثمار إذا تلاحقت واجتمعت يطلق عليها الثمرة، كما يقال: كلمة الحويدرة: لقصيدة لأن القصيدة كلها مجتمعة متلاحق بعضها ببعض فصارت كأنها كلمة واحدة، فالكثرة المستفادة من الثمرات أكثر من الكثرة المستفادة من الثمار. وقال الشيخ سعد الدين: حاصل الجواب أن الثمرات جمع الثمرة التي في معنى الكثرة، لا الواحدة: وهي واقعة موقع جمع الكثرة، كما في قوله تعالى:{كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} لأن كم للتكثير، كما يقع جمع الكثرة موقع جمع القلة مثل ثلاثة قروء، فإن مميز الثلاثة لا يكون إلا جمع قلة.