الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قوله: " وما بينهما " اعتراض. قال الطيبي: هذا إنما يصح على قراءة وضعت على الغيبة، لأنه كلام الله وأما على التكلم فلا، لأنه حينئذ من كلام أم مريم.
وقال الشيخ سعد الدين: فإن قيل: فعلى قراءة الغيبة، أو الخطاب يكون المعترضتان من كلام الله من غير حكاية، وما فيه الاعتراض أعني " إني وضعتها "" وإني سميتها " من كلام امرأة عمران، فكيف ذلك؟ قلنا: هما أيضا من كلام الله، لكن حكاية عن امرأة عمران ولا بعد في الاعتراض بكلام غير محكي بين كلامين محكيين، والحق أن هذا اعتراض في أثناء كلام واحد من متكلم واحد، وهو قوله:" قالت رب " إلى آخره. كما تقول: ضرب زيد عمراً ونعم ما فعل وبكرا وخالدا. فليتأمل.
قوله: " ما من مولود
". الحديث. أخرجه الشيخان من حديث أبي هريرة.
قال الطيبي: قوله: إلا والشيطان يسمه، كقوله:{وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ} .
في أن الواو داخلة بين الصفة والموصوف لتأكيد اللصوق فتفيد
الحصر على التأكيد.
قوله: " ومعناه أن الشيطان يطمع " إلى آخره. تبع الزمخشري في تأويل الحديث، وأخرجه عن ظاهره والزمخشري ماش في ذلك على منهج المعتزلة، فإنهم أنكروا الحديث، وقدحوا في صحته. قال الإمام: طعن القاضي عبد الجبار في هذا الخبر، وقال: إنه خبر واحد على خلاف الدليل.
وذلك إن الشيطان إنما يدعوا إلى الشر من له تمييز، ولأنه لو تمكن من هذا لجاز أن يهلك الصالحين، وأيضا لما خص عيسى وأمه دون سائر الأنبياء، ولأنه لو وجد النخس " لدام أثره ".
قال الإمام: وبمثل هذه الوجوه لا يجوز دفع الخبر الصحيح.
وقال صاحب الانتصاف: الحديث مدون في الصحيح فلا يعطله الميل إلى ترهات الفلاسفة.
وقال الطيبي: لا يبعد اختصاص عيسى وأمه بهذه الفضيلة من دون الأنبياء، ويمكنه الله من المس مع عصمتهم من الإغواء.
وقال الشيخ سعد الدين: طعن الزمخشري في صحة الحديث بمجرد أنه لم يوافق هواه، وإلا فأي امتناع في أن يمس الشيطان المولود حين يولد بحيث يصرخ كما يرى ويسمع وليست تلك المسة للإغواء ليدفع بأنه لا يتصور في حق المولود حين يولد.
قال: ثم أوله الزمخشري على تقدير الصحة بالمراد بالمس الطمع في إغوائه، واستثناء مريم وابنها لعصمتهما. ولما لم يخص هذا المعنى بهما عم الاستثناء لكل من يكون على صفتهما. وهذا إما تكذيب للحديث بعد تسليم صحته، وإما قول بتعليل الاستثناء والقياس عليه.
قال: وليت شعري من أين ثبت تحقق طمع الشيطان ورجاءه وصدقه في أن هذا المولود محل إغوائه: ليلزمنا إخراج كل من لا سبيل له إلى إغوائه، فلعله يطمع في إغواء من سوى مريم وأمها، ولا يتمكن منه.
قلت: والعجب من البيضاوي أشد فإنه تبع الزمخشري في تأويله، وقال: معناه أن الشيطان يطمع في إغواء كل مولود بحيث يتأثر منه إلا مريم وابنها، فإن الله عصمهما. ووجه الأشدية أن الزمخشري ألحق بمريم وابنها سائر المعصومين، لأن الضرورة داعية على هذا التأويل إلى ذلك، والبيضاوي اقتصر على استثنائهما فأدى كلامه إلى أن كل من سواهما يتأثر في إغوائه، ومنهم بقية المعصومين، وهو باطل قطعا.
والصواب أن الحديث على ظاهره. وفي بعض طرقه أنه ضرب بينه وبينهما حجاب، وأن الشيطان أراد أن يطعن بإصبعه فوقعت الطعنة في الحجاب، وفي بعض الطرق عن ابن عباس:" ما ولد مولود إلا وقد استهل غير المسيح " أخرجه ابن جرير.
نعم، قال الشيخ سعد الدين: قد يشكل على ظاهر الحديث أن إعادة أم مريم كانت بعد الوضع، فلا يصح حملها على الإعاذة من المس الذي يكون حين الولادة. قال والجواب أن المس ليس إلا بعد الانفصال وهو الوضع ومعه الإعاذة، غايته أنه عبر عنه بالمضارع لقصد الاستمرار بخلاف الوضع