المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌قوله: (ولكم صفة رزقا): - نواهد الأبكار وشوارد الأفكار = حاشية السيوطي على تفسير البيضاوي - جـ ٢

[الجلال السيوطي]

فهرس الكتاب

- ‌الآية (21)

- ‌قوله: (ولكم صفة رزقا):

- ‌قوله: (ولأن مخاطبة الجم الغفير)

- ‌قوله: (ونزل لازم الجزاء منزلته على سبيل الكناية)

- ‌قوله: (واللام في الأنهار للجنس)

- ‌قوله (فإن قيل: الأبدان مركبة)

- ‌قوله: (وبعوضة عطف بيان لمثلا)

- ‌قوله: (التغابي)

- ‌قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ}

- ‌قوله: (وثم) لعله لتفاوت هذين الخلقين)

- ‌قوله: (قلت: فيما ذكروه شكوك)

- ‌قوله: (والتاء لتأنيث الجمع)

- ‌قوله: والهمة:

- ‌قوله: (وإلا عطفه بما يقدر عاملا فيه)

- ‌قوله: (إذ العبرة بالخواتيم):

- ‌قوله: (إزاحة)

- ‌قوله: وقرأ ابن كثير بنصب آدم ورفع كلمات

- ‌قوله: (واقتضاه العقل):

- ‌قوله: (وإسرائيل لقب)

- ‌قوله: (المراد التعريض)

- ‌قوله: (أو نصب بإضمار أن على أن الواو للجمع)

- ‌قوله: (وتتركونها من الترك كالمنسيات)

- ‌قوله: (وإيراده منكراً مع تنكير النفس للتعميم

- ‌قوله: (وأصل آل: أهل، لأن تصغيره أهيل)

- ‌قوله: (واعدنا)

- ‌قوله: (يعني التوراة الجامع بين كونه كتابا وحجة)

- ‌قوله: (استعيرت للمعاينة)

- ‌قوله: (أو على أنه مفعول قولوا)

- ‌قوله: (أحيطت بهم إحاطة القبة بمن ضربت عليه أو ألصقت بهم من ضرب الطين على الحائط)

- ‌قوله: (اللام موطئة للقسم)

- ‌قوله: (والمروى عنه عليه السلام:

- ‌قوله: (أي تحقيقه وصف البقرة)

- ‌قوله: (ومن قال إنه واد في جهنم)

- ‌قوله: (أو مبهم) إلى آخره

- ‌قوله: (وتنكير حياة)

- ‌قوله: (نزل في ابن صوريا

- ‌قوله: (ومنه التناسخ)

- ‌قوله: (ألم تعلم

- ‌قوله: (إشارة إلى أن الأماني المذكورة)

- ‌قوله: (فعلتم التولية)

- ‌قوله: (أو المتجاهلون من أهل الكتاب)

- ‌قوله: (لما روى جابر)

- ‌قوله: (والحكمة ما تكمل به نفوسهم من المعارف والأحكام)

- ‌قوله: (مشهود له بالاستقامة)

- ‌قوله: (ويعقوب: عطف على إبراهيم)

- ‌قوله: (أم منقطعة)

- ‌قوله: (ويحتمل أن يكون اعتراضا)

- ‌قوله: (والأسباط: جمع سبط)

- ‌ قوله: (ونحن له مسلمون)

- ‌قوله: (أو منَّا لو كتمنا)

- ‌قوله: (بارتسام أمره):

- ‌قوله: (وهذه الشهادة)

- ‌قوله: (والعلم، إما بمعنى المعرفة)

- ‌قوله: (ترضاها، تحبها)

- ‌قوله: (تخصيص لمن عاند، واستثناء لمن آمن)

- ‌قوله: (أو أمر الأمة)

- ‌قوله: (قدمه باعتبار المقصد

- ‌قوله: (وكانوا أربعة عشر)

- ‌قوله: (وجمعها للتنبيه على كثرتها)

- ‌قوله: (وما سواه: إما نعمة أو منعم عليه)

- ‌قوله: (واعلم أن دلالة هذه الآيات)

- ‌قوله: (وقيل: في طائفة من اليهود)

- ‌قوله: (أو استثناه الشرع)

- ‌قوله: (صدقتك على المسكين)

- ‌قوله: (قيل: كتب على اليهود القصاص وحده، وعلى النصارى، العفو مطلقا)

- ‌قوله: (من مرفوع بكتب)

- ‌قوله: (فعليه بالصوم)

- ‌قوله: (يطوقونه، بالإدغام)

- ‌قوله: (الفاء لوصف المبتدأ بما ضمن معنى الشرط)

- ‌قوله: (والاختيان أبلغ من الخيانة، لأن الزيادة في البناء تدل على الزيادة في المعنى)

- ‌قوله: (تلك حدود الله)

- ‌قوله: (يناصبونكم)

- ‌قوله: (قاتلهم المشركون عام الحديبية)

- ‌قوله: (ولا يجوز يوم النحر وأيام التشريق)

- ‌قوله: (ذلك إشارة إلى الحكم المذكور عندنا، والتمتع عند أبي حنيفة)

- ‌قوله: (وثم تفاوت ما بين الإفاضتين)

- ‌قوله: (اجعل إتياءنا ومنحتنا في الدنيا)

- ‌قوله: (وقيل: في المنافقين كلهم)

- ‌قوله: (للدلالة عليه)

- ‌قوله: (أي آيات الله)

- ‌قوله: (فإن الطبع يكرهه)

- ‌قوله: (إثم كبير)

- ‌قوله: (والواو للحال، ولو بمعنى إن)

- ‌قوله: (وتتعلق أن بالفعل)

- ‌قوله: (جمع قرء)

- ‌قوله: (أكره الكفر في الإسلام)

- ‌قوله: (كان المطلق يترك العدة)

- ‌قوله: (إلا أن تفرضوا)

- ‌قوله: (أفضل الصلاة: أحمزها)

- ‌قوله: (ألم تر تعجيب)

- ‌قوله: (استثناء من قوله: فمن شرب)

- ‌قوله: (كليم الله، بمعنى مكالمه)

- ‌قوله: (من علمه)

- ‌قوله: (تقديره: أو رأيت مثل الذي)

- ‌قوله: (قيل: طاووسا، وديكا وغرابا وحمامة)

- ‌قوله: (لعله لم يدخل الفاء)

- ‌قوله: (أي ومن يؤته الله)

- ‌قوله: (وإنما كتب بالواو كالصلاة للتفخيم)

- ‌قوله: (وقيل: المراد التصدق الإنظار)

- ‌قوله: (من يكتب بالسوية)

- ‌قوله: (بدل البعض من الكل أو الاشتمال)

- ‌قوله: (أي يقولون لا نفرق)

- ‌قوله: (أنزل الله آيتين):

- ‌سورة آل عمران

- ‌قوله: (إنما فتح الميم في المشهورة، وكان حقها أن يوقف عليها لإلقاء حركة الهمزة عليها

- ‌قوله: (نزل عليك الكتاب نجوما)

- ‌قوله: " وأصله يرد إليها غيرها

- ‌قوله: (والأغمار)

- ‌قوله: " والمسومة المعلمة

- ‌قوله: " وقرئ القائم بالقسط على البدل عن، هو

- ‌قوله: " فالملك الأول عام والآخران بعضان منه

- ‌قوله: " وإخراج الحي من الميت

- ‌قوله: " ولكن الحمل على الخبر أوقع

- ‌قوله: " وقيل: في أقوام

- ‌قوله: " ونصبه على الحال

- ‌قوله: " ما من مولود

- ‌قوله: " أو يسلمها

- ‌قوله: ومطرد الكعوب أي ليس في كعوبه اختلاف

- ‌قوله: " أو عطف على يبشرك أو وجيها

- ‌قوله: " من الحور

- ‌قوله: " أي متوفي أجلك

- ‌قوله: " خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم على طريق التهيج

- ‌قوله: " أي أنتم هؤلاء الحمقى

- ‌قوله: " يفتلونها بقراءته فيميلونها عن المنزل إلى المحرف

- ‌قوله: " وتكون (لا) مزيدة

- ‌قوله: " وتحتمل الخبرية

- ‌قوله: " فحذف إحدى الميمات

- ‌قوله: " واستدل به على أن الإيمان هو الإسلام

- ‌قوله: " ريب المنون

- ‌قوله: " أي لن تبلغوا حقيق البر

- ‌قوله: " كل الطعام أي كل المطعومات

- ‌قوله: " أو فيه آيات بينات مقام إبراهيم وأمن من دخله

- ‌قوله: " فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم الاستطاعة بالزاد والراحلة

- ‌قوله: " طالبين لها اعوجاجا

- ‌قوله: " فقد اهتدى لا محالة

- ‌قوله: " أي ولا تكونن على حال

- ‌قوله: " بمعنى: وكنوا أمة تأمرون

- ‌قوله: " وأهل الكتاب كفروا برسول الله

- ‌قوله: " ففي رحمة الله يعني الجنة

- ‌قوله: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ}

- ‌قوله: " استثناء من أعم عام الأحوال

الفصل: ‌قوله: (ولكم صفة رزقا):

هذا والحق أن جمع التصحيح إنما يكون للقلة إذا لم يعرف باللام. وقال أبو حيان: لا حاجة تدعو إلى ما ذكره الزمخشري، لأن جمع السلامة المحلي بأل التي للعموم يقع للكثرة فلا فرق إذا في الثمرات والثمار. وقال ابن عقيل: هذا الذي قاله الزمخشري، إن قصد به أن الثمرات للقلة ففيه نظر، لأن اللام تفيد الاستغراق، ولا فرق حينئذ بين جمع التصحيح وغيره، وإن قصد أنه عدل إلى التعبير بجمع قلة محلي بأل عن التعبير بذلك: ففيه نظر أيضاً لاستواء الجمعين في استغراق الأفراد من جهة أل.

‌قوله: (ولكم صفة رزقا):

إن أريد به المرزوق، ومفعوله، إن أريد به المصدر.

قال أبو حيان: إن أريد بالرزق المصدر كانت الكاف، في لكن، مفعولا به واللام منوية لتعدي المصدر إليه، نحو: ضربت إبني تأديباً له أي: تأديبه، وإن أريد به المرزوق كن في موضع الصفة فتتعلق اللام بمحذوف، أي: كأننا لكم، وقال ابن عقيل: لا يمتنع عكس ذلك.

قوله: (أو بلعل على أن نصب تجعلوا نصب فأطلع)، قال أبو حيان: هذا لا يجوز على مذهب البصريين بل على مذهب الكوفيين. لأنهم أجروا نعل مجرى هل في نصب الفعل جوابا له.

قوله: (والمعنى أن تتقو لا تجعلوا لله أنداداً) قال الطيبي: هذا الوجه ذكره القاضي على غير ما في الكشاف لأنه لم يجعل لعل على تأويل الشرط، بل جعلها يمعنى كي على تشبيه الحالة بالحالة، في قوله: {

ص: 87

لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ}.

قوله: (أو بالذي جعل، إن استأنفت به على أنه نهي وقع خبراً)، عبارة أبي حيان: ويجوز أن يكون متعلقاً بالذي، إذا جعلته خبر مبتدأ محذوف، أي: هو الذي جعل لكم هذه الآيات العظيمة فلا تجعلوا له أنداداً، قال: والظاهر في هذا القول هو ما ذكرنا أولا من تعلقه بقوله: {اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} قوله: (الند: المثل) الراغب: ند الشيء مشاركه في الجوهر، وذلك ضرب من المماثلة فإن المثل يقال في أي مشاركة كانت، وكل ند: مثل: ولا ينعكس قوله: (المناوئ): العادي. قاله: (قال جرير:

أتيما تجعلون إلي ندا .... وا تيم لذي حسب نديد)

قال الطيبي: ضمن تجعلون معنى تضمون، أي أتضمون إلي تيما وتجعلونه لي ندا؟ ويجوز أن يكون تيما مفعولا لفعل محذوف، أي أتضمون وتنسبون إلي تيماً تجعلونه ندا لي؟ وأن يكون إلى مع متعلقه المحذوف حالاً من تدا.

وقال الشيخ سعد الدين: جعل هنا من دواخل المبتدأ والخبر،

ص: 88

والمعنى: أتجعلون تيما ندا إلى وهو لا يصلح ندا لمن هو دونه. وقوله: إلي: حال من ندا بمعنى مضموماً إلى ومنتسباً، والنديد الند. وقال الشريف: الجعل هنا بمعنى التصيير القولي والاعتقادي، من قبيل {وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا} ومعنى إلي: منسوباً إلي نداً فهو حال من (تيما)، وقيل: من (ندا) وفيه: أن ندا في حكم خبر المبتدأ فلا يكون ذا حال.

والنديم المثل - أي لا يصلح مثلا لذي حسب فكيف بمثلي المشهور في الأحساب؟

قوله: (شابهت حالهم حال من يعتقد) إلى آخره. وقال الطيبي. حاصله، أنها استعارة مصرحة تحقيقية أصلية واقعة على سبيل التهكم.

وقال التفتاواني: هي استعارة تمثيلية تهكمية، وقال الشريف: هي، استعارة تمثيلية وليست تهكمية اصطلاحية، إذ ليس فيها استعارة أحد الضدين للآخر، بل أحد المتشابهين لصاحبه، لكن المقصود منها

ص: 89

التهكم بهم بتنزيلهم منزلة الأنداد حتى أشبهت حالهم حاله.

قوله: (بأن جعلوا أنداداً): قال الشريف: متعلق بشنع، أي شنع عليهم واستفظع شأنهم بذكر أنهم جعلوا.

قوله: (قال موحد الجاهلية، زيد بن عمرو بن نفيل: أربا واحدا) إلى آخره. أخرج ابن عساكر في تاريخه من طريق هشام بن عروة، عن أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، قالت: قال زيد بن عمرو بن نفيل:

أرباً واحداً أم ألف ربّ .... أدبن إذا تقسمت الأمور

تركت اللات والعزى جميعاً .... كذلك يفعل الرجل البصير

ألم تعلم بأن الله أفنى، رجالاً كان شأنهم الفجور وأبقى آخرين ببر قوم، فيربو منهم الطفل الصغير وبينا المرء يعثر ثاب يوماً، كما يتروح الغصن النضير.

قال الشريف: أدين، أي: أطيع. من دان له: إنقاد، وقل الطيبي: إذا تقسمت الأمور أي: تفرقت الأحوال.

قوله (أي: وحالكم أنكم من أهل العلم) إلى آخره.

ص: 90

قال الطيبي: يريد أن موقع (وأنتم تعلمون) موقع الحال المقررة لجهة الإشكال المتضمنة بمعنى التعجب، أي: لا تجعلوا لله أندادا والحال أنكم من صحة التمييز والمعرفة بمنزلة يعني جعلكم لله أنداداً مع هذا الصارف القوي مظنة تعجب وتعجيب.

قوله: (من المقلة والمظلة) أي: الأرض والسماء.

قوله: (فإن لكل آية ظهراً وبطناً ولكل حد مطلعا)، هذا لفظ حديث أخرجه الفريابي في تفسيره عن الحسن مرفوعاً مرسلاً، وفيه: ولكل حرف حد ولكل حد مطلع، وله شواهد مرفوعة وموقوفة عن ابن مسعود وغيره، وقد اختلف في معناه على أقوال أوضحتها في أواخر الإتفان، والذي جنح إليه المصنف في معنى الظهر والبطن أن الظهر ما ظهر من معانيها لأهل العلم بالظاهر، والبطن ما تضمنه من الأسرار التي أطلع الله عليها أرباب الحقائق. وقال أبو عبيد: الأشبه بالصواب: أن القصص التي قصها الله تعالى عن الأمم الماضية وما عاقبهم به ظاهرها الأخبار بهلاك الأولين، وباطنها وعظ

ص: 91

الآخرين وتحذيرهم أن يفعلوا كفعلهم فيحل بهم ما حل بهم، وقال بعضهم: الظهر التلاوة والبطن الفهم والحد أحكام الحلال والحرام. والمطلع الإشراف على الوعد، والوعيد، ولكل حرف حد أي منتهى فيما أراد الله من معناه، وقيل: لكل حكم مقدار من الثواب/ والعقاب، ولكل حد مطلع، أي: لكل غامض من المعاني مطلع يتوصل به إلى معرفته، ويوقف على المراد به.

وقيل: كل ما يستحقه من الثواب والعقاب يطلع عليه في الآخرة عند المجازاة.

قوله: بدت، بالذال المعجمة (المشددة: أي سيئت).

قوله: (منطيق) هو البليغ، كما في الصحاح.

قوله: (وتهالكهم)، أي: تساقطهم والمعارة: بالراء المشددة.

قوله: (وإنما قال مما نزلنا لأن نزوله نجما فنجما)، إلى آخره. قال الحلبي قال بعضهم: هذا الذي ذهب إليه في تضعيف الكلمة هنا: هو الذي يعبر عنه بالتكثير أي: يفعل مرة بعد مرة فيدل على ذلك بالتضعيف قال: وذهب على أن شروطه غالباً أن يكون في فعل متعد قبل التضعيف، نحو خرجب زيداً، وقد قيل في للازم نحو موت المال، وأيضاً فالتضعيف الدال على الكثرة لا يجعل القاصر متعدياً كما تقدم في موت المال. ونزل: كان قاصراً فصار بالتضعيف متعديا فدل على أن تضعيفه للنقل لا للتكثير، وأيضا فكان يحتاج قوله: {لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً

ص: 92

وَاحِدَةً} إلى تأويل. وأيضاً فقد جاء التضعيف حيث لا يمكن فيه التكثر نحو قوله تعالى: {وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ} ، {لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا} إلا بتأويل ضعيف جداً إذ ليس المعنى على أنهم اقترحوا تكرير نزول آية ولا على أنه على تكرير نزول ملك رسول، على تقدير كون ملائكة في الأرض.

قوله: (والسورة الطائفة من القرءان المترجمة التي أقلها ثلاث آيات)، قال الشيخ سعد الدين، يريد تفسير سورة القرءان، وإلا فالسورة أعم بدليل ما سبق من أن من سور الإنجيل سورة الأمثال وما سيجيء أن سائر كتب الله سورة. ومعنى المترجمة: المسماة باسم خاص، كسورة الفاتحة وسورة البقرة وبه يقع الاحتراز عن عدة آيات من سورة، كاعشر والحزب، ولا يرد مثل آية الكرسي لأنه مجرد إضافة لا تسمية وتلقيب. قال: وقوله: التي أقلها ثلاث آيات تنبيه على أن أقل ما تتألف منه السورة ثلاث آيات لا قيد في التعريف، إذ لا يصدق على شيء من السورة إنها طائفة مترجمة أقلها ثلاث آيات، وكذا قال الشريف، أراد بقوله: أقلها ثلاث آيات، إن تلك الطائفة المسماة، بالسورة تتفاوت قلة وكثرة في أفرادها.

وغاية قلتها: ثلاث آيات، وبهذا ينكشف المقصود زيادة إنكشاف، فلا يرد أن هذا القيد يوجب أن لا يصدق التفسير على شيء من السور قوله:(على حيالها) أي: انفرادها. قوله:

ص: 93

ولرهط حراب وقد سوره

في المجد ليس غرابها بمطار

هو للنابغة وبعده.

قوم إذا كثر الصياح رأيتهم

وفرا غداة الروع والإنفار

حراب بالحاء المهملة والراء المشددة، و (قد) بفتح القاف وتشديد الذال المعجمة، كذا ضبطه الطيبي، والشيخ أكمل الدين، هو ابن مالك الأسدي كان جوادا لا يبقي شيئاً. وقوله: ليس غرابها بمطار قال الطيبي كناية عن كثرة الرهطين ودوام المجدلهما، فإن النبات والشجر إذا كثر في موضع، قيل: لا يطير غرابه لأن الغراب، إذا وقع في الموضع الخصيب أصاب مالا يحتاج معه إلى أن ينتقل منه إلى مكان آخر. قال: والوجه (أن يراد) أنه لا يرام هذه المرتبة لكونها منيعة، وقال الشيخ سعد الدين:(حراب وقد) بالراء والدال المهملتين. وقد بالدال المهملة. وقد يظن بالمعجمة، وليس غرابها بمطار: أي هي مجد كامل ثابت لا يزول. يقال: أرض لا يطير غرابها أي مخصبة كثيرة الثمار، وقيل: كناية عن رفعة الشأن أي لا يصل إليها الغراب حتى يطار، أي لا غراب هناك ولا إطارة أو لا تصل الإشارة إلى غرابها حتى يطار مع أنه يطير بأدنى ريبة قال الشيخ أكمل الدين تخصيص الغراب لأنه ينفر بأدنى ريبة أو لأن أصل المثل فيه.

ص: 94

قوله: (وإن جعلت مبدلة من الهمزة)، قال الشريف: فيه ضعف من حيث اللفظ إذ لم يستعمل في المشهورة ولا في الشاذة المنقولة في كتاب مشهور. ومن حيث المعنى كأنها اسم ينبئ عن قلة وحقارة. وأيضاً استعماله فيما فضل بعد ذهاب الأكثر، ولا ذهاب ههنا.

قوله: (متى حذقها): في الصحاح: حذق الصبي القرآن إذا مهر فيه. وفي الأساس حذق القرآن أتم قراءته وقطعها، من حذق السكين الشيء قطعه.

قوله: (والضمير لما أنزلنا) هذا هو الصحيح، كما قال ابن جرير، وهو: قول قتادة ومجاهد لقوله في آية أخرى: {فَأْتُوا

ص: 95

بِسُورَةٍ مِثْلِهِ} وليس السورة مثل النبي. قال الإمام فخر الدين، في تفسيره: عود الضمير إلى ما نزلنا مروي عن الصحابة. ويدل على الترجيح وجوه، أحدها: أن ذلك مطابق لسائر الآيات الواردة في باب التحدي لا سيما ما ذكره في سورة يونس {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ} .

وثانياً: أن البحث إنما وقع في المنزل، لأنه قال:{وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا} فوجب صرف الضمير إليه، ألا ترى أن المعنى: وإن ارتبتم في أن القرآن. منزل من عند الله فهاتوا أنتم شيئاً مما يماثله، وقضية الترتيب: لو كان الضمير مردودا إلى الرسول. أن يقال: وإن ارتبتم في أن محمداً منزل عليه فهاتوا قرآنا من مثله.

وثالثها: أن الضمير إذا كان عائداً إلى القرآن يقتضي كونهم عاجزين عن الإتيان بمثله سواء اجتمعوا أو انفردوا. وسواء كانوا أميين أو كانوا عالمين.

أما لو كان عائداً إلى محمد فذلك لا يقتضي إلا كون أحادهم من الأميين عاجزين عنه، لأنه لا يكون مثل محمد إلا الشخص الواحد الأمي وأما لو اجتمعوا وكانوا قارئين لم يكونوا مثل محمد، لأن الجماعة لا تمثل الواحد، والقارئ لا يكون مثل الأمي، ولا شك أن الإعجاز على الوجه الأول أقوى.

رابعها: إنا لو صرفنا الضمير إلى القرآن فكونه معجزاً إنما يحصل لكمال حاله في الفصاحة، وأما لو صرفناه إلى محمد فكونه معجزاً إنما يكمل بتقرير كمال حاله في كونه أمياً بعيداً عن العلم، وهذا وإن كان معجزاً إلا أنه لما كان لا يتم إلا بتقدير نوع من النقصان في حق محمد كان الأول أولى.

ص: 96

خامسها: أنا لو صرفنا الضمير إلى محمد. لكان ذلك يوهم أن صدور مثل القرآن ممن لم يكن مثل محمد في كونه أمياً ممكن، ولو صرفنا إلى القرآن لدل على أن صدور مثله من الأمي وغير الأمي، ممتنع، فكان هذا أولى.

قوله: (أوصلة فأتوا والضمير للعد)، قال القطب، والطيبي: لا يجوز على هذا عوده لما نزلنا، لأنه يستدعي كون من للبيان، والبيان يستدعي تقديم مبهم، ولا مبهم، فتعين أن تكون للابتداء أي: أنشئوا واستخرجوا من مثل العبد بسورة لأن مدار الاستخراج هو العبد لا غير، فلذلك تعين على هذا الوجه عود الضمير إلى العبد. قال القطب: وبهذا يضمحل وهم من لم يفرق بين فأتور بسورة من مثل ما نزلنا وبين فأتوا بسورة.

وقال الطيبي: قد تصدى للسؤال بعض فضلاء العصر، وقال: قد استبهم قول صاحب الكشاف حيث جوز في الوجه الأول كون الضمير لما نزلنا تصريحاً، وحظره في الثاني تلويحاً، فليت شعري ما الفرق بين فأتوا بسورة كائنة من مثل ما نزلنا وفأتوا من مثل ما نزلنا بسورة؟ وأجيب بأن من إذا تعلق بالفعل يكون إما ظرفاً لغوا ومن للابتداء، أو مفعولاً به، ومن للتبعيض، إذ لا يستقيم أن يكون بياناً لا قتضائه أن يكون مستقراً والمقدر خلافه، وعلى تقدير أن يكون تبعيضاً، فمعناه: فأتوا ببعض مثل المنزل بسورة وهو ظاهر البطلان، وعلى أن يكون ابتداء لا يكون المطلوب بالتحدي الإتيان بالسورة فقط، بل يشترط أن يكون بعضا من كلام مثل القرآن وهذا على تقدير استقامته بمعزل عن المقصود واقتضاء المقام، لأن المقام يقتضي التحدي على سبيل المبالغة وأن القرآن بلغ في الاعجاز بحيث لا يوجد لأقله نظير فكيف للكل؟ فالتحدي إذا بالسورة الموصوفة بكونها من مثله في الإعجاز. وهذا إنما

ص: 97

يتأتى إذا جعل الضمير لما نزلنا، ومن مثله صفة لسورة، ومن بيانية فلا يكون المأتي به مشروطاً بذلك الشرط، لأن البيان والمبين كشيء واحد. انتهى.

والفاضل الذي أشار إليه: هو، العلامة العضد، ونص سؤاله، قوله: يا أدلاء الهدى، ومصابيح الدجا حياكم الله وبياكم. وألهمنا الحق بتحقيقه وإياكم ها أنا من نوركم مقتبس وبضوء ناركم (للهدى) ملتبس ممتحن بالقصور لا ممتحن ذو غرور، ينشد بأنطق لسان وأرق جنان:

ألا قل لسكان وادي الحما

هنيئا لكم في جنان الخلود

أفيضوا علينا من الماء فيضا

فنحن عطاش وأنتم ورود

قد استبهم قول صاحب الكشاف - أفيضت عليه سجال الألطاف -:

من مثله، متعلق بسورة أي بسورة كائنة من مثله، والضمير لما نزلنا، أو لعبدنا، ويجوز أن يتعلق بقوله: فأتوا، والضمير للعبد. حيث جوز في الوجه الأول كون الضمير لما نزلنا تصريحاً وحظره في الوجه الثاني تلويحاً، فليت شعري ما الفرق بين فأتوا بسورة كائنة من مثل ما نزلنا وفأتوا من مثل ما نزلنا بسورة، وهل ثم حكمة خفية، أو نكتة معنوية؟ أو هو تحكم بحت؟، بل هذا مستبعد من مثله، فإن رأيتم كشف الريبة وإماطة الشبهة

ص: 98

والإنعام بالجواب أثبتم جزيل الاجر والثواب، وقد دار هذا السؤال بين العضد، والفخر الجار بردي، فكتب الجار بردي على هذا السؤال كتابة تتضمن الغض منه فكتب العضد عليها بما هو أبلغ في الغض من الجار بردي وتصدى إبراهيم. ولد الجار بردي لنصرة والده في رسالة سماها: السيف الصارم في قطع العضد الظالم. وقد سقت الجميع في الجزء الخامس من تذكرتنا المسماة بالفلك المشحون ونذكر هنا أجوبة المحققين من هذا السؤال.

قال العلامة، أمين الدين التبريزي: إن قيل: ما وجه تخصيص الضمير بالعبد على تقدير تعلق من مثله بفأتوا مع تجويز كونه له وللمنزل على تقدير تعلقه بالسورة؟ قلنا: الجواب يقتضي تقديم مقدمتين: الأول: أن (مثله) يحتمل وجهين:

الأول: أن يكون المراد من مثل الكلام المنزل، والعبد المذكور

ص: 99

نفس ذلك العبد، فيكون معنى المثل ملغي، كما في قول الشاعر:

حاشا لمثلك أن تكون بخيلة

ولمثل وجهك أن يكون عبوساً

وحينئذ يجب تقدير المثل في السورة ليستقيم المعنى وإلا لزم أن يكون التحدي بإتيان سورة كائنة، من القرآن أو صادرة من النبي وهو محال.

الثاني: أن يكون معنى المثل بحاله ويكون المراد منه كلاماً آخر مثل القرآن أو شخصا آخر مثل النبي وهو ظاهر.

الثانية: أن الأقسام على ما ذكره صاحب الكشاف أربعة، لأن من مثله إما متعلق بسورة أو بالإتيان.

وعلى التقديرين فالضمير إما للعبد أو للمنزل فهذه أربعة وإذا تقرر ذلك: فنقول: القسم الأول صحيح على الوجهين لأن التقدير حينئذ فأتوا بسورة صادرة من النبي أو بسورة صادرة من مثل النبي وهما: مستقيمان، والثاني صحيح على الأول دون الثاني، وإلا لم يكن التحدي بإتيان السورة فقط، بل يشترط أن يكون بعضاً من كلام مثل القرآن، وهو باطل، والثالث صحيح على الثاني دون الأول، لأن تقديره حينئذ فأتوا من مثل هذا العبد بمثل سورة، وهو لغو، فيكون القسم الرابع فاسداً على الوجهين انتهى.

وقال الإمام قوام الدين الشيرازي: ولقائل أن يقول: إذا جعل

ص: 100

مثل القرآن يحسب الفرض والتقدير فالمثل مفروض حينئذ، ولا يبعد أن يقال: فأتوا من مثل المفروض بسورة، كما قيل: فأتوا بسورة كائنة مثل ما نزلنا، على ان من بيانية، أو هي بعض ما نزلنا على أن من تبعيضية، ومن مثله متعلق بسورة هذا وكما أن مثل القرآن لا يوجد، مثل بعضه لا يوجد، والأمر هنا للتعجيز، فلا يقتضي الإتيان بالمأمور.

وقال كما الدين عبد الرزاق لما قال جار الله العلامة: من مثله، متعلق بسورة صفة لها، أي بسورة كائنة من مثله والضمير: لما نزلنا، أو لعبدنا. ويجوز أن يتعلق بقوله: فأتوا والضمير للعبد: أو هم قوله إن الضمير، إذا كان لما نزلنا، كان الكلام مشعراً بثبوت مثل له حتى يأتوا بسورة من جملة ذلك المثل.

فاحترز عن ذلك بما معناه: أن من بيانية، لا تبعيضية، والمراد بمثل ما هو على صفته من جنس النظم، أي بسورة من جنس كلام هو على صفته من غير قصد إلى مثل له كما ذكر يعني بسورة هي كلام موصوف بصفته.

كقولك: عندي ما من الماشية، أي: مال هو الماشية فعلى هذا، إذا علق من مثله بفأتوا كان المعنى على تقدير عود الضمير إلى المنزل. فأتوا من جنس كلام موصوف بصفته بسورة، فيكون من مثله إما حالا من السورة مبينة لهيآتها بأنها مثل هذا المنزل، والحال من المعمول يفيد عامله.

وإما صلة للإتيان، وكيف كان يقيد الفعل فيكون الإتيان المأمور إتيانا مقيداً بأنه كائن من كلام مثله بسورة، فإن كان المراد به السورة كما قررنا: كان المعنى فأتوا إتيانا مقيدا بكونه من سورة مثله بسورة، وذلك فاسد لا شك فيه، وإن كان المراد فأتوا من جملة كلام يماثله بسورة واحدة، فإن كان ذلك المثل موجودا لزم المحذور وهو: ثبوت المثل وكذا إن

ص: 101

كان المراد إتيانا مستنداً من كلام مثله بسورة وإن لم يكن موجودا كان الفعل المقيد بإتيانه منه ممتنعاً، فإن الممكن المقيد وجوده بوجود المعدوم ممتنع الوجود، وذلك ينافي التحدي، لأن التحدي إنما يكون إذا كان أصل الفعل ممكنا مقدورا مطلقاً للنوع، لكنه اختص بشيء من زيادة أو تعلق بمفعول لا يسع أحداً من بناء نوع ذلك أن الفاعل مثل ذلك الفعل المختص بتلك الزيادة أو بذلك الفعل فيدل على أن ذلك الاختصاص إنما هو لمزية وتأييد من عند الله تعالى لصاحبه، وهنا أصل الفعل ليس بممكن وإن جعل الأصل مطلق الإتيان والمعجزة الإتيان المقيد كان المتحدي به هو الفعل لا المفعول والمقدور خلافه، فإنه إتيان مقيد بوجود معدوم، لا نفس الإتيان، فتبين أن كون الضمير عائدا إلى المنزل على تقدير تعلق من مثله بفاتوا لا يخلو عن أقسام كلها باطلة، سواء كانت من ابتدائية أو تبعيضية أو بيانية. وقال المولى عز الدين التبريزي: إن في جعل من مثله صفة لسورة، وإن كان الضمير للمنزل، فمن للبيان، وإن كان للعبد فمن للإبتداء، وهو ظاهر. فعلى هذا إن تعلق مثله بقوله: فأتوا. فلا يكون الضمير للمنزل لأنه يستدعي كونه للبيان والبيان يستدعي تقديم مبهم، فإذا تعلق بالعبد فلا يتقدم مبهم فتعين أن تكون للابتداء لفظاً أو تقديراً أي: أصدروا وأنشئوا واستخرجوا من مثل العبد بسورة، لأن مدار الاستخراج هو العبد لا غير، فتعين في الوجه الثاني عود الضمير إلى العبد. وقال المولى همام الدين، قوله: ويجوز أن يتعلق بقوله فاتوا والضمير للعبد لأنه إذا كان ظرفا

ص: 102

مستقراً على أنه صفة سورة بمعنى سورة كائنة من مثله لم يتعين الضمير للعبد بل كما احتمل العود إلى العبد احتمل العود إلى المنزل، أما إذا كان ظرفاً لغواً متعلقاً بقوله:(فأتوا) لم يحتمل العود إلا إلى العبد لأنك لما علقته به فقد جعلته مبتدأ الاتيان بالسورة ومنشأها فيكون هو المنشيء لها والآتي بها والمصدر أو المملي () حتى يتحقق الابتداء فيه حقيقة كما إذا قلت: ايتني بشعر من فلان كان هو المملى والمنشيء على ما لا يخفى، ولو رجعت الضمير على هذا إلى المنزل أجدت، وأما نحو قولك: إيتني بماء من دجلة وثمر من بستانك وآية من القرآن وبيت من الحماسة فليس منه على أن في الحمل عليه فساداً لأنه يفيد ثبوت المثل للقرآن أو يوهم، والغرض نفى المثل على ما قلنا ولا قصد إلى مثل ونظير هنالك. قال: وفي ثبوت التحدي؛ لأن المعنى: فأتوا من مثل القرآن، أي من كلام، مثل القرآن في الأسلوب والفصاحة، بخلاف ما إذا علقته بالسورة لأن حقيقة المعنى على إقحام كلمة (من)، فكأنه قيل: بسورة مماثلة نظماً وأسلوباً، فلا يلزم فيه ما يلزم في الأول، وهذا كما إذا قلت: إئتني بدرهم كائن من مثل هذه الدراهم المضروبة كان المعنى أن يأتي بما ينطبع على وجهها ويتكون من مثلها مطلقاً، لا أن يأتي من مثلها الموجود.

وقال بعض أرباب الحواشي: هذا كلام مشكل قد استشكله قوم ولم يتضح لهم وجهه والذي يمكن فيه أنا إذا قلنا بالأول كانت رتبة من مثلها التقديم.

فيصير التقدير: فاتوا من مثله بسورة فيكون مثله كالموجود المحقق، وإنما التعجيز في أن يخرج منه سورة كما لو قلت: أصنع في مثل هذه القطعة من الحديد درعاً أو أصنع من هذه الخشبة كرسياً، فمثل الحديد والخشب موجود، وإنما التعجيز في تحصيل الدرع والكرسي

ص: 103

منهما.

ومثل القرآن مستحيل الوجود، فلا يمكن أن يقال: ائتوا من مثله بسورة، لأنهم يقولون: لا مثل للقرآن حتى نأتي منه بسورة ومثل الرسول في البشرية موجود، فيمكن أن يقال: هاتوا من مثله في كونه عربياً أمياً بسورة.

وأما إذا جعلته صفة بسورة فالتعجيز وقع بأن يأتوا بسورة موصوفة بكونها من مثله والتعجيز بالموصوف يكون تارة بفقد الموصوف وتارة بفقد الوصف مع وجود الموصوف عارياً من الوصف فكأنه يقول: لا قدرة لكم على أن تأتوا بسورة موصوفة بكونها من مثل محمد صلى الله عليه وسلم ولا على أن تأتوا بسورة موصوفة بكونها من مثل القرآن، وقال الشيخ تقي الدين السبكي قوله تعالى:{وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ} .

قال الزمخشري، من مثله، متعلق بسورة صفة لها أي بسورة كائنة من مثله. وليس مراده التعلق الصناعي، لأن الصفة: إنما تتعلق بمحذوف وقد صرح هو به، ومراده أنه لا يتعلق بقوله:{فَأْتُوا} ، ثم قال: والضمير لما نزلنا أو لعبدنا - والأحسن عندي أن يتعلق بعبدنا، وإن علق بما نزلنا فيكون بالنظر إلى خصوصيته فيشمل صفة المنزل في نفسه والمنزل عليه. وإنما قلت ذلك: لأن الله تعالى تحدى بالقرآن في أربع سور، في ثلاث منها بصفته في نفسه. فقال تعالى:{قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ}

ص: 104

الآية وقال تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ} .

وقال تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ} والسياق في ذكر القرآن من حيث هو هو، ولذلك لم يذكر في هاتين السورتين لفظ (من) المحتملة للتبعيض ولإبتداء الغاية فمن هنا تعين الضمير للقرآن، وفي سورة البقرة، لما قال:{وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا} قال: {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ} فتكون من لابتداء الغاية، والضمير في مثله للنبي صلى الله عليه وسلم، ويكون قد تحداهم فيها بنوع آخر من التحدي غير المذكور في السور الثلاث. وذلك أن الإعجاز من وجهين:

إحداهما: من فصاحة القرآن وبلاغته وبلوغه مبلغا تقصر قوى الخلق عنه، وهو المقصود في السور الثلاث المتقدمة المتحدى به فيها، والثاني: من إتيانه من النبي الأمي الذي لم يقرأ ولم يكتب وهو المتحدى به في هذه السورة، ولا يمتنع إرادة المجموع كما قدمناه، فإن أراد الزمخشري بعود الضمير على ما نزلنا المجموع بالطريق التي أشرنا إليها فصحيح، وحينئذ يكون ردد بين ذلك وعود الضمير على الثاني فقط.

وإن لم يرد ذلك فما قلناه أرجح، ويعضده أنه أقرب، وعود الضمير على الأقرب أوجب ويعضده أيضاً أنهم قد تحدوا قبل ذلك، فظهر عجزهم عن الإتيان بسورة من مثل القرآن، لأن سورة يونس

ص: 105

مكية فإن عجزوا عنه من كل أحد فهم عن الإتيان بمثله ممن لم يقرأ ولم يكتب أشد عجزا، فالأحسن أن يجعل الضمير لقوله: عبدنا، فقط، وهذان النوعان من التحدي يشتمل على أربعة أقسام، لأن التحدي بالقرآن أو ببعضه بالنسبة إلى من يقرأ ويكتب، وإلى من ليس كذلك. والتحدي بالنبي صلى الله عليه وسلم بالنسبة إلى مثل المنزل وإلى أي سورة كانت.

فإن من لم يكتب لا يأتي بها فصار الإتيان بسورة من مثل النبي صلى الله عليه وسلم ممتنعاً (شابهت القرآن أو لم تشابهه)، والإتيان بسورة من مثل القرآن ممتنعاً كانت من كاتب قارئ أم من غيره.

فظهر أنها أربعة أقسام، ثم قال الزمخشري: ويجوز أن يتعلق بقوله فأتوا والضمير للعبد، هذا صحيح وتكون من لابتداء الغاية، ولم يذكر الزمخشري على هذا الوجه احتمال عود الضمير على ما نزلنا، ولعل ذلك لأن السورة المتحدى بها إذا لم يوجد معها المنزل عليه لابد أن يخصص بمثل المنزل كما في سورة يونس وهود، فإذا علقنا الضمير هنا في سورة البقرة بقوله:{فَأْتُوا} وعلقنا الضمير بالمنزل كانوا قد تحدوا بأن يأتوا بسورة مطلقة ليست موصوفة ولا من شخص موصوف، فليست على نوع من نوعي التحدي. فإن قلت:{مِنْ} ، على هذا التقدير للتعيض، فتكون السورة بعض مثله يقتضي مماثلتها.

قلت: المأمور به السورة المطلقة. و {مِنْ} يحتمل أن تكون لابتداء الغاية وإن سلم أنها للتبعيض فالمماثلة إنما يعلم حصولها للسورة بالاستلزام، فلم يتحدوا ولم يؤمروا بإتيانها من حيث هي مطلقة ولا من حيث ما اقتضاه الاستلزام من المماثلة، فإن المماثلة بالمطابقة في الكل المبعض لا في البعض، فإن لزم حصولها في البعض فليس من اللفظ، وبهذا يعرف الجواب. عن قول من قال: ما الفرق بين فأتوا بسورة كائنة

ص: 106

من مثل ما نزلنا، وبين فأتوا من مثل ما نزلنا بسورة، فنقول: الفرق بينهما: ما ذكرناه، فإن المأمور به في الأول سورة مخصوصة، وفي الثاني: سورة مطلقة من حيث الوضع، وإن كانت بعضاً من شيء، مخصوص والله تعالى أعلم. وقال الشيخ العلامة محمود السيواسي: تعيين الفرق ههنا موقوف على استحضار أمرين معلومين في هذا المقام أما الأول فهو: أن المطلوب في معرض المعارضة بهذه الآية الكريمة دائر بين الأمرين وليس بخارج عنهما، بل لا يصح أن يخرج وذلك: إما كون السورة المأتي بها مثلا للمنزل أو كونها مأتيا بها من مثل العبد في كونه بشراً أو أمياً (وأما الأمر الثاني: فهو، أن {مِنْ} إذا تعلق بفأتوا لا تكون إلا للابتداء ولا يصح أن تحمل على غيره) من البيان، وإذا تعلق بسورة يصلح لذلك كله وإذا تقرر هذان الأمران، نقول: الفرق بين فأتوا بسورة كائنة من مثل ما نزلنا (وفأتوا من مثل ما نزلنا) بسورة إذا أريد تعلق من بفأتوا، هو أن التركيب الثاني: يدل على أن المطلوب في معرض المعارضة كون السورة مأتيا بها من مثل المنزل، وذلك: خارج عن أحد الأمرين اللذين قلنا: إن المطلوب دائر بينهما وذلك ليس بمطلوب ولا يصح أن يكون.

أما أنه ليس مطلوبا فلأنهم لو وجدوا في ديوان أشعارهم وأمثالهم أو خطبهم مقدار أقصر سورة تكون مثلا للمنزل في غريب البيان وعلو الطبقة في حسن النظم وأبوابه لكان به المعارضة لهم، وإن كان نفس ذلك الديوان ليس مثلا للمنزل كما يدل على هذا قول صاحب الكشاف قبيل هذا في جواب قوله: فإن قلت: لم قيل: مما نزلنا على لفظ التنزيل دون الإنزال؟، وأما أنه لا يصح فلأنه يلزم أن يكون الإتيان بمثل المنزل أيضاً مطلوباً لامتناع تحصيل الشيء من غير الحاصل، فحينئذ يكون

ص: 107

الإتيان بالسورة التي هي المطلوبة في التحدي مانعاً فليتدبر؛ وأما التركيب الأول: فلا يدل على ذلك إلا إذا حمل {مِنْ} على الابتداء، وذلك غير لازم هنا، فإنه يمكن أن تكون للبيان، ويكون معنى الكلام: فأتوا بسورة كائنة مثل المنزل، وذلك ليس بخارج عن الأمرين اللذين قلنا إن المطلوب دائر بينهما وذلك المقدار من الفرق كاف في ذلك التخصيص وقال الشيخ أكمل الدين: قد استشكل بعض الفضلاء جواز عود الضمير إلى المنزل والعبد على تقدير كون من مثله متعلقا بسورة وانحصار عوده إلى العبد على تعلقه بقوله: {فَأْتُوا} وقال: ليت شعري ما الفرق بين فأتوا بسورة كائنة من مثل ما نزلنا [وفاتوا من مثل ما نزلنا] بسورة، وكثر الكلام فيه بين العلماء بتبريز. والذي انتهى إليه الكلام فيه منهم، ومن غيرهم: إنه إذا تعلق بقوله: فأتوا لا يجوز أن يكون الضمير للمنزل لاستلزام بطلان كلمة {مِنْ} ، لأنها لا يصح أن تكون للتبعيض لأنه حينئذ يكون مفعول فاتوا ثلاثاً ولابد منها ولا أن تكون للبيان لانه يقتضي مبهما قبله وليس بموجود، ولا للابتداء لأن ابتداء الإتيان من مثل المنزل لا يتحقق ولا زائدة، على قول الأخفش لما ذكر في التبعيض.

وأما إذا كان الضمير للعبد كان من للابتداء ليس إلا، وابتداء الإتيان من مثل العبد الصحيح. وقال الشيخ سعد الدين: قد اشتهر هنا سؤال تخصيص، وهو أنه لم لا يجوز على هذا التقدير أيضاً أن يكون الضمير لما نزلنا كما جاز على تقدير كون من مثله صفة سورة.

والجواب: أن هذا أمر تعجيز باعتبار المأتي به والذوق شاهد بأن تعلق من مثله بالإتيان يقتضي وجود المثل ورجوع العجز إلى أن يؤتى منه بشيء ومثل النبي صلى الله عليه وسلم في البشرية والعربية موجود بخلاف مثل القرآن في البلاغة والفصاحة، وأما إذا كان صفة للسورة فالمعجوز عنه هو الاتيان بالسورة الموصوفة ولا يقتضي وجود المثل، بخلاف قولنا:

ص: 108

أتيت ببيت من مثل الحماسة، قال: وقد (يجاب) بوجوه أخر، الأول: أنه إذا تعلق بفأتوا فمن للابتداء قطعاً، إذ لا مبهم يبين ولا سبيل إلى البعضية، لأنه لا معنى لإتيان البعض ولا مجال لتقدير الباء مع (من)، كيف وقد ذكر المأتي به صريحاً وهو السورة، وإذا كانت (من) للابتداء تعين كون الضمير للعبد لأنه المبتدأ للإتيان لا مثل القرآن وفيه نظر لأنه المبتدأ الذي تقتضيه من الابتداء ليس هو الفاعل حتى ينحصر مبتدأ الإتيان بالكلام في المتكلم على أنك إذا تأملت فالمتكلم ليس مبتدأ للإتيان بالكلام منه بل للكلام نفسه بل معناه أن يتصل به الأمر الذي اعتبر له إمتداد حقيقة أو توهما كالبصرة للخروج والقرآن للاتيان بسورة منه.

وبهذا يندفع ما يقال: إن المعتبر من المبتدأ هو الفاعلي أو المؤدي أو الغاني أو جهة يتلبس بها ولا يصح شيء من ذلك فيما نحن فيه على أن يكون مثل القرآن مبدأ مؤديا للإتيان بالسورة ليس أبعد من كون مثل العبد مبدأ فاعليا له.

الثاني: أنه إذا كان الضمير لما نزلنا و (من) صلة فأتوا كان المعنى فأتوا من منزل مثله بسورة فكان مماثلة ذلك المنزل لهذا المنزل هو المطلوب لا مماثلة سورة واحدة منه بسورة من هذا، وظاهر أن المقصود خلافه كما نطقت به الآي الأخر، وفيه نظر لأن إضافة المثل إلى المنزل لا يقتضي أن تعتبر موصوفة منزلاً ألا ترى أنه إذا جعل صفة سورة لم يكن المعنى بسورة من منزل من مثل القرآن، بل من كلام، فكيف يتوهم ذلك، والمقصود تعجيزهم على أن يأتوا من عند أنفسهم بكلام مثل القرآن، ولو سلم فما ادعاه من لزوم خلاف غير بين ولا مبين.

والثالث: أنها إذا كانت صلة فأتوا كان المعنى فأتوا من عند المثل

ص: 109

كما يقال: ائتوا من زيد بكتاب أي من عنده، ولا يصح إئتوا من عند مثل القرآن بخلاف مثل العبد، وهذا أيضاً بين الفساد. انتهى.

قال الشريف: أورد على هذا الوجه أنه لم لا يجوز أن يكون الضمير حينئذ لما نزلنا أيضاً؟ كما جاز ذلك على تقدير كون الظرف صفة للسورة؟ وأجيب بوجهين:

الأول: إن فأتوا أمر قصد به تعجيزهم باعتبار المأتي فلو تعلق به قول (من مثله) وكان الضمير للمنزل تبادر منه أن له مثلا محققا وإن عجزهم إنما هو عن الإتيان بشيء منه وهو فاسد، بخلاف ما إذا رجع الضمير إلى العبد فإن له مثلا في البشرية والعربية والأمية فلا محذور.

والثاني: إن كلمة - (من) - على هذا التقدير ليست بيانية إذ لا مبهم هناك. وهي أيضاً مستقر أبداً فلا تتعلق بالأمر لغوا ولا تبعيضية، وإذا كان الفعل واقعا عليه حقيقة، كما في قولك: أخذت من الدراهم، ولا معنى لإتيان البعض بل المقصود الإتيان بالبعض ولا مجال لتقدير الباء مع وجود من، كيف وقد صرح بالمأتي به أعني بسورة، فتعين تكون ابتدائية، وحينئذ يجب كون الضمير للعبد، لأن جعل المتكلم مبدأ للاتيان بالكلام منه معنى حسن مقبول بخلاف جعل الكلام مبدأ للإتيان بما هو بعض منه، ألا ترى أنك إذا قلت: إئت من زيد بشعر كان القصد إلى معنى الابتداء أعني إبتداء الإتيان بذلك الشعر من زيد مستحسناً فيه، بخلاف ما إذا قلت: إئت من الدراهم بدرهم، فإنه لا يحسن فيه قصد الابتداء ولا تر تضيه فطرة سليمة وإن فرض صحة ما قيل في النحو من أن جميع معانيها راجعة إليه ولا نعني بالمبدأ الفاعل ليتوجه أن المتكلم مبدأ الكلام نفسه لا للإتيان بالكلام منه بل ما يعد عرفاً مبدأ من حيث

ص: 110