الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ الْوُضُوءِ مِنْ النَّوْمِ لَا الْيَسِيرِ مِنْهُ عَلَى إحْدَى حَالَاتِ الصَّلَاةِ
242 -
(عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُنَا إذَا كُنَّا سَفَرًا أَنْ لَا نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيِهِنَّ إلَّا مِنْ جَنَابَةٍ لَكِنْ مِنْ غَائِطٍ وَبَوْلٍ وَنَوْمٍ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ)
ــ
[نيل الأوطار]
عَلَيْهِ وَمَا قَبْلَهُ عَلَى الْكَثِيرِ الْفَاحِشِ كَمَذْهَبِ أَحْمَدَ وَمَنْ وَافَقَهُ جَمْعًا بَيْنَهُمَا انْتَهَى. وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْجَمْعَ مَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «لَيْسَ فِي الْقَطْرَةِ وَلَا فِي الْقَطْرَتَيْنِ مِنْ الدَّمِ وُضُوءٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ دَمًا سَائِلًا» وَلَكِنْ فِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ عَطِيَّةَ وَهُوَ مَتْرُوكٌ. قَالَ الْحَافِظُ: وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ جِدًّا. وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَابْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَالْبَيْهَقِيُّ (أَنَّهُ عَصَرَ بَثْرَةً فِي وَجْهِهِ فَخَرَجَ شَيْءٌ مِنْ دَمِهِ فَحَكَّهُ بَيْنَ أُصْبُعَيْهِ ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ) . وَعَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ.
وَعَنْهُ أَيْضًا: «أَنَّهُ كَانَ إذَا احْتَجَمَ غَسَلَ أَثَرَ الْمَحَاجِمِ» ذَكَرَهُ فِي التَّلْخِيصِ لِابْنِ حَجَرٍ. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: (اغْسِلْ أَثَرَ الْمَحَاجِمِ عَنْك وَحَسْبُك) رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَعَنْ ابْنِ أَبِي أَوْفَى ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ وَوَصَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ وَكَذَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَوْقُوفًا. وَعَنْ جَابِرٍ عَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ وَوَصَلَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَأَبُو دَاوُد مِنْ طَرِيقِ عَقِيلِ بْنِ جَابِرٍ عَنْ أَبِيهِ وَذَكَرَ قِصَّةَ الرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ حَرَسَا فَرُمِيَ أَحَدُهُمَا بِسِهَامٍ وَهُوَ يُصَلِّي وَقَدْ تَقَدَّمَ. وَعَقِيلُ بْنُ جَابِرٍ قَالَ فِي الْمِيزَانِ: فِيهِ جَهَالَةٌ. قَالَ فِي الْكَاشِفِ ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ وَقَدْ رُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَ الْحَافِظُ: لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ فَهَؤُلَاءِ الْجَمَاعَةُ مِنْ الصَّحَابَةِ هُمْ الْمُرَادُونَ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ. وَقَدْ صَحَّ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَقَدْ عَرَفْت مَا هُوَ الْحَقُّ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا.
[بَابُ الْوُضُوءِ مِنْ النَّوْمِ لَا الْيَسِيرِ مِنْهُ عَلَى إحْدَى حَالَاتِ الصَّلَاةِ]
الْحَدِيثُ رُوِيَ بِهَذَا اللَّفْظِ وَرُوِيَ بِالشَّرْطِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ: اشْتِرَاطِ الطَّهَارَةِ قَبْلَ لُبْسِ الْخُفِّ، وَقَدْ ذَكَرْنَا هُنَالِكَ أَنَّ مَدَارَهُ عَلَى عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ، وَقَدْ تَابَعَهُ جَمَاعَةٌ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ:«لَكِنْ مِنْ غَائِطٍ وَبَوْلٍ» أَيْ لَكِنْ لَا نَنْزِعُ خِفَافَنَا مِنْ غَائِطٍ وَبَوْلٍ. وَلَفْظُ الْحَدِيثِ فِي بَابِ: اشْتِرَاطِ الطَّهَارَةِ «وَلَا نَخْلَعُهُمَا مِنْ غَائِطٍ وَلَا بَوْلٍ وَلَا نَوْمٍ وَلَا نَخْلَعُهُمَا إلَّا مِنْ جَنَابَةٍ» فَذَكَرَ الْأَحْدَاثَ الَّتِي يُنْزَعُ مِنْهَا الْخُفُّ، وَالْأَحْدَاثُ الَّتِي لَا يُنْزَعُ مِنْهَا، وَعَدَّ مِنْ جُمْلَتِهَا النَّوْمَ، فَأَشْعَرَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ مِنْ نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ لَا سِيَّمَا بَعْدَ جَعْلِهِ مُقْتَرِنًا بِالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ اللَّذَيْنِ هُمَا نَاقِضَانِ بِالْإِجْمَاعِ، وَبِالْحَدِيثِ اسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ: بِأَنَّ النَّوْمَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
نَاقِضٌ.
وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ عَلَى مَذَاهِبَ ثَمَانِيَةٍ، ذَكَرَهَا النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ. الْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ: أَنَّ النَّوْمَ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ عَلَى أَيِّ حَالٍ كَانَ، قَالَ: وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَأَبِي مِجْلَزٍ وَحُمَيْدَ الْأَعْرَجِ، وَالشِّيعَةِ يَعْنِي الْإِمَامِيَّةَ، وَزَادَ فِي الْبَحْرِ عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ، وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ أَنَسٍ الْآتِي. الْمَذْهَبُ الثَّانِي: أَنَّ النَّوْمَ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ بِكُلِّ حَالٍ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالْمُزَنِيِّ وَأَبِي عُبَيْدٍ الْقَاسِمِ بْنِ سَلَامٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ: وَهُوَ قَوْلٌ غَرِيبٌ لِلشَّافِعِيِّ.
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَبِهِ أَقُولُ، قَالَ: وَرُوِيَ مَعْنَاهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَنَسَبَهُ فِي الْبَحْرِ إلَى الْعِتْرَةِ إلَّا أَنَّهُمْ يَسْتَثْنُونَ الْخَفْقَةَ وَالْخَفْقَتَيْنِ، وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ الْبَابِ وَحَدِيثِ عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ وَسَيَأْتِيَانِ، وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ «فَمَنْ نَامَ فَلْيَتَوَضَّأْ» وَلَمْ يُفَرِّقْ فِيهِ بَيْنَ قَلِيلِ النَّوْمِ وَكَثِيرِهِ. الْمَذْهَبُ الثَّالِثُ: أَنَّ كَثِيرَ النَّوْمِ يَنْقُضُ بِكُلِّ حَالٍ وَقَلِيلَهُ لَا يَنْقُضُ بِكُلِّ حَالٍ، قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهَذَا مَذْهَبُ الزُّهْرِيِّ وَرَبِيعَةَ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ، وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ أَنَسٍ الْآتِي فَإِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْقَلِيلِ،.
وَحَدِيثُ: «مَنْ اسْتَحَقَّ النَّوْمَ فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ» عِنْدَ الْبَيْهَقِيّ أَيْ اسْتَحَقَّ أَنْ يُسَمَّى نَائِمًا، فَإِنْ أُرِيدَ بِالْقَلِيلِ فِي هَذَا الْمَذْهَبِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْخَفْقَةِ وَالْخَفْقَتَيْنِ فَهُوَ غَيْرُ مَذْهَبِ الْعِتْرَةِ، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْخَفْقَةُ وَالْخَفْقَتَانِ فَهُوَ مَذْهَبُهُمْ. الْمَذْهَبُ الرَّابِعُ: إذَا نَامَ عَلَى هَيْئَةٍ مِنْ هَيْئَاتِ الْمُصَلِّي كَالرَّاكِعِ وَالسَّاجِدِ وَالْقَائِمِ وَالْقَاعِدِ لَا يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ سَوَاءٌ كَانَ فِي الصَّلَاةِ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَإِنْ نَامَ مُضْطَجِعًا أَوْ مُسْتَلْقِيًا عَلَى قَفَاهُ انْتَقَضَ، قَالَ النَّوَوِيُّ وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَدَاوُد، وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ غَرِيبٌ.
وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ «إذَا نَامَ الْعَبْدُ فِي سُجُودِهِ بَاهَى اللَّهُ بِهِ الْمَلَائِكَةَ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَقَدْ ضُعِّفَ، وَقَاسُوا سَائِرَ الْهَيْئَاتِ الَّتِي لِلْمُصَلِّي عَلَى السُّجُودِ. الْمَذْهَبُ الْخَامِسُ: أَنَّهُ لَا يَنْقُضُ إلَّا نَوْمُ الرَّاكِعِ وَالسَّاجِدِ. قَالَ النَّوَوِيُّ وَرُوِيَ مِثْلُ هَذَا عَنْ أَحْمَدَ، وَلَعَلَّ وَجْهُهُ أَنَّ هَيْئَةَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ مَظِنَّةٌ لِلِانْتِقَاضِ، وَقَدْ ذَكَرَ هَذَا الْمَذْهَبَ صَاحِبُ الْبَدْرِ التَّمَامِ وَصَاحِبُ سُبُلِ السَّلَامِ بِلَفْظِ:(إنَّهُ يَنْقُضُ إلَّا نَوْمُ الرَّاكِعِ وَالسَّاجِدِ) بِخَذْفِ لَا، وَاسْتَدَلَّا لَهُ بِحَدِيثِ:«إذَا نَامَ الْعَبْدُ فِي سُجُودِهِ» .
قَالَا: وَقَاسَ الرُّكُوعَ عَلَى السُّجُودِ، وَاَلَّذِي فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِلنَّوَوِيِّ بِلَفْظِ:(إنَّهُ لَا يَنْقُضُ) بِإِثْبَاتِ (لَا) فَلْيُنْظَرْ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
الْمَذْهَبُ السَّادِسُ: أَنَّهُ لَا يَنْقُضُ إلَّا نَوْمُ السَّاجِدِ، قَالَ النَّوَوِيُّ: يُرْوَى أَيْضًا عَنْ أَحْمَدَ، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ مَظِنَّةَ الِانْتِقَاضِ فِي السُّجُودِ أَشَدُّ مِنْهَا فِي الرُّكُوعِ.
الْمَذْهَبُ السَّابِعُ: أَنَّهُ لَا يَنْقُضُ النَّوْمُ فِي الصَّلَاةِ بِكُلِّ حَالٍ، وَيَنْقُضُ خَارِجَ الصَّلَاةِ، وَنَسَبَهُ فِي الْبَحْرِ إلَى زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَاسْتَدَلَّ لَهُمَا بِحَدِيثِ:«إذَا نَامَ الْعَبْدُ فِي سُجُودِهِ» وَلَعَلَّ سَائِرَ هَيْئَاتِ الْمُصَلِّي مُقَاسَةٌ عَلَى السُّجُودِ. الْمَذْهَبُ الثَّامِنُ: أَنَّهُ إذَا نَامَ جَالِسًا مُمَكِّنًا مَقْعَدَتَهُ مِنْ الْأَرْضِ لَمْ يُنْقَضْ، سَوَاءٌ قَلَّ أَوْ كَثُرَ، وَسَوَاءٌ كَانَ فِي الصَّلَاةِ أَوْ خَارِجِهَا، قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. وَعِنْدَهُ أَنَّ النَّوْمَ لَيْسَ حَدَثًا فِي نَفْسِهِ وَإِنَّمَا هُوَ دَلِيلٌ عَلَى خُرُوجِ الرِّيحِ، وَدَلِيلُ هَذَا الْقَوْلِ حَدِيثُ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَمُعَاوِيَةَ وَسَيَأْتِي وَهَذَا أَقْرَبُ الْمَذَاهِبِ عِنْدِي وَبِهِ يُجْمَعُ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ.
وَقَوْلُهُ: إنَّ النَّوْمَ لَيْسَ حَدَثًا فِي نَفْسِهِ هُوَ الظَّاهِرُ. وَحَدِيثُ الْبَابِ وَإِنْ أَشْعَرَ بِأَنَّهُ مِنْ الْأَحْدَاثِ بِاعْتِبَارِ اقْتِرَانِهِ بِمَا هُوَ حَدَثٌ بِالْإِجْمَاعِ فَلَا يَخْفَى ضَعْفُ دَلَالَةِ الِاقْتِرَانِ وَسُقُوطِهَا عَنْ الِاعْتِبَارِ عِنْدَ أَئِمَّةِ الْأُصُولِ، وَالتَّصْرِيحُ بِأَنَّ النَّوْمَ مَظِنَّةُ اسْتِطْلَاقِ الْوِكَاءِ، كَمَا فِي حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ، وَاسْتِرْخَاءُ الْمَفَاصِلِ كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مُشْعِرٌ أَتَمَّ إشْعَارٍ بِنَفْيِ كَوْنِهِ حَدَثًا فِي نَفْسِهِ. وَحَدِيثُ «إنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنَامُونَ ثُمَّ يُصَلُّونَ وَلَا يَتَوَضَّئُونَ» مِنْ الْمُؤَيِّدَاتِ لِذَلِكَ، وَيَبْعُدُ جَهْلُ الْجَمِيعِ مِنْهُمْ كَوْنُهُ نَاقِضًا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَحَادِيثَ الْمُطْلَقَةَ فِي النَّوْمِ تُحْمَلُ عَلَى الْمُقَيَّدَةِ بِالِاضْطِجَاعِ، وَقَدْ جَاءَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ بِلَفْظِ الْحَصْرِ، وَالْمَقَالُ الَّذِي فِيهِ مُنْجَبِرٌ بِمَا لَهُ مِنْ الطُّرُقِ وَالشَّوَاهِدِ وَسَيَأْتِي.
وَمِنْ الْمُؤَيِّدَاتِ لِهَذَا الْجَمْعِ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ الْآتِي بِلَفْظِ: «فَجَعَلْت إذَا أَغْفَيْت يَأْخُذُ بِشَحْمَةِ أُذُنِي» وَحَدِيثُ: «إذَا نَامَ الْعَبْدُ فِي صَلَاتِهِ بَاهَى اللَّهُ بِهِ مَلَائِكَتَهُ» أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَابْنُ شَاهِينَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَابْنُ شَاهِينَ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ، وَفِي جَمِيعِ طُرُقِهِ مَقَالٌ.
وَحَدِيثُ: «مَنْ اسْتَحَقَّ النَّوْمَ وَجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ» عِنْدَ الْبَيْهَقِيّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَلَكِنَّهُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: رَوَى ذَلِكَ مَرْفُوعًا وَلَا يَصِحُّ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: وَقْفُهُ أَصَحُّ، وَقَدْ فَسَّرَ اسْتِحْقَاقَ النَّوْمِ بِوَضْعِ الْجَنْبِ.
(فَائِدَةٌ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ بَعْدَ أَنْ سَاقَ الْأَقْوَالَ الثَّمَانِيَةَ الَّتِي أَسْلَفْنَاهَا مَا لَفْظُهُ: وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ زَوَالَ الْعَقْلِ بِالْجُنُونِ وَالْإِغْمَاءِ وَالسُّكْرِ بِالْخَمْرِ أَوْ النَّبِيذِ أَوْ الْبَنْجِ أَوْ الدَّوَاءِ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، سَوَاءٌ قَلَّ أَوْ كَثُرَ، وَسَوَاءٌ كَانَ مُمَكِّنَ الْمِقْعَدَةِ أَوْ غَيْرَ مُمَكِّنِهَا انْتَهَى.
وَفِي الْبَحْرِ أَنَّ السُّكْرَ كَالْجُنُونِ عِنْدَ الْأَكْثَرِ، وَعِنْدَ الْمَسْعُودِيِّ أَنَّهُ غَيْرُ نَاقِضٍ إنْ لَمْ يَغْشَ.
(فَائِدَةٌ أُخْرَى) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: قَالَ أَصْحَابُنَا: وَكَانَ مِنْ خَصَائِصِ
243 -
(وَعَنْ عَلِيٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «الْعَيْنُ وِكَاءُ السَّهِ فَمَنْ نَامَ فَلْيَتَوَضَّأْ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ) .
244 -
(وَعَنْ مُعَاوِيَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ «الْعَيْنُ وِكَاءُ السَّهِ، فَإِذَا نَامَتْ الْعَيْنَانِ اسْتَطْلَقَ الْوِكَاءُ.» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيّ. السَّهِ: اسْمٌ لِحَلْقَةِ الدُّبُرِ، وَسُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: حَدِيثُ عَلِيٍّ أَثْبَتُ وَأَقْوَى) .
245 -
(وَعَنْ «ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُمْت إلَى جَنْبِهِ الْأَيْسَرِ فَأَخَذَ بِيَدِي فَجَعَلَنِي مِنْ شِقِّهِ الْأَيْمَنِ فَجَعَلْت إذَا أَغْفَيْت يَأْخُذُ بِشَحْمَةِ أُذُنِي قَالَ: فَصَلَّى إحْدَى عَشَرَةَ رَكْعَةً» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ)
ــ
[نيل الأوطار]
رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ لَا يَنْتَقِضَ وُضُوءُهُ بِالنَّوْمِ مُضْطَجِعًا لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ «ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: نَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى سَمِعْت غَطِيطَهُ، ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ» انْتَهَى.
وَفِيهِ أَنَّهُ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ «لَقَدْ رَأَيْت أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُوقَظُونَ لِلصَّلَاةِ حَتَّى أَنَّى لَأَسْمَعُ لِأَحَدِهِمْ غَطِيطًا، ثُمَّ يَقُومُونَ فَيُصَلُّونَ وَلَا يَتَوَضَّئُونَ» وَفِي لَفْظِ أَبِي دَاوُد زِيَادَةُ " عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ.
243 -
(وَعَنْ عَلِيٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «الْعَيْنُ وِكَاءُ السَّهِ فَمَنْ نَامَ فَلْيَتَوَضَّأْ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ) .
244 -
(وَعَنْ مُعَاوِيَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ «الْعَيْنُ وِكَاءُ السَّهِ، فَإِذَا نَامَتْ الْعَيْنَانِ اسْتَطْلَقَ الْوِكَاءُ.» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيّ. السَّهِ: اسْمٌ لِحَلْقَةِ الدُّبُرِ، وَسُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: حَدِيثُ عَلِيٍّ أَثْبَتُ وَأَقْوَى) .
أَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الدَّارَقُطْنِيّ، وَهُوَ عِنْدَ الْجَمِيعِ مِنْ رِوَايَةِ بَقِيَّةَ عَنْ الْوَضِينِ بْنِ عَطَاءٍ، قَالَ الْجُوزَجَانِيُّ: وَاهٍ، وَأَنْكَرَ عَلَيْهِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ مَحْفُوظِ بْنِ عَلْقَمَةَ - وَهُوَ ثِقَةٌ - عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَائِذٍ وَهُوَ تَابِعِيٌّ ثِقَةٌ مَعْرُوفٌ عَنْ عَلِيٍّ، لَكِنْ قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ.
قَالَ الْحَافِظُ: وَفِي هَذَا النَّفْيِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ يَرْوِي عَنْ عُمَرَ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْبُخَارِيُّ. وَأَمَّا حَدِيثُ مُعَاوِيَةَ فَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ، وَفِي إسْنَادِهِ بَقِيَّةُ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَقَدْ ضَعَّفَ الْحَدِيثَيْنِ أَبُو حَاتِمٍ، وَحَسَّنَ الْمُنْذِرِيُّ وَابْنُ الصَّلَاحِ وَالنَّوَوِيُّ حَدِيثَ عَلِيٍّ.
قَوْلُهُ: (وِكَاءُ السَّهِ) الْوِكَاءُ بِكَسْرِ الْوَاوِ: الْخَيْطُ الَّذِي يُرْبَطُ بِهِ الْخَرِيطَةُ. وَالسَّهِ بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْهَاءِ الْمُخَفَّفَةِ: الدُّبُرُ. وَالْمَعْنَى الْيَقَظَةُ وِكَاءُ الدُّبُرِ أَيْ حَافِظَةٌ مَا فِيهِ مِنْ الْخُرُوجِ؛ لِأَنَّهُ مَا دَامَ مُسْتَيْقِظًا أَحَسَّ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهُ، وَالْحَدِيثَانِ يَدُلَّانِ عَلَى أَنَّ النَّوْمَ مَظِنَّةُ النَّقْضِ لَا أَنَّهُ بِنَفْسِهِ نَاقِضٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي الَّذِي قَبْلَهُ.
245 -
(وَعَنْ «ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُمْت إلَى جَنْبِهِ الْأَيْسَرِ فَأَخَذَ بِيَدِي فَجَعَلَنِي مِنْ شِقِّهِ الْأَيْمَنِ فَجَعَلْت إذَا أَغْفَيْت يَأْخُذُ بِشَحْمَةِ أُذُنِي قَالَ: فَصَلَّى إحْدَى عَشَرَةَ رَكْعَةً» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ)
246 -
(وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: «كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْتَظِرُونَ الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ حَتَّى تَخْفِقَ رُءُوسُهُمْ ثُمَّ يُصَلُّونَ وَلَا يَتَوَضَّئُونَ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد) .
247 -
(وَعَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَيْسَ عَلَى مَنْ نَامَ سَاجِدًا وُضُوءٌ حَتَّى يَضْطَجِعَ فَإِنَّهُ إذَا اضْطَجَعَ اسْتَرْخَتْ مَفَاصِلُهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَيَزِيدُ هُوَ الدَّالَانِيُّ قَالَ أَحْمَدُ: لَا بَأْسَ بِهِ. قُلْت: وَقَدْ ضَعَّفَ بَعْضُهُمْ حَدِيثَ الدَّالَانِيِّ هَذَا لِإِرْسَالِهِ قَالَ شُعْبَةُ إنَّمَا سَمِعَ قَتَادَةَ مِنْ أَبِي الْعَالِيَةِ أَرْبَعَةَ أَحَادِيثَ فَذَكَرَهَا وَلَيْسَ هَذَا مِنْهَا)
ــ
[نيل الأوطار]
هَذَا طَرَفٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَقَدْ اتَّفَقَ الشَّيْخَانِ عَلَى إخْرَاجِهِ، وَفِيهِ فَوَائِدُ وَأَحْكَامٌ لَيْسَ هَذَا مَحَلُّ بَسْطِهَا.
قَوْلُهُ: (إذَا أَغْفَيْت) الْإِغْفَاءُ: النَّوْمُ أَوْ النُّعَاسُ - ذَكَرَ مَعْنَاهُ فِي الْقَامُوسِ، وَفِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ النَّوْمَ الْيَسِيرَ حَالَ الصَّلَاةِ غَيْرُ نَاقِضٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ.
246 -
(وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: «كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْتَظِرُونَ الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ حَتَّى تَخْفِقَ رُءُوسُهُمْ ثُمَّ يُصَلُّونَ وَلَا يَتَوَضَّئُونَ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد) .
الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَيْضًا الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ، وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ. قَالَ أَبُو دَاوُد: وَزَادَ شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ، «لَقَدْ رَأَيْت صلى الله عليه وسلم أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُوقَظُونَ لِلصَّلَاةِ حَتَّى إنِّي لَأَسْمَعُ لِأَحَدِهِمْ غَطِيطًا ثُمَّ يَقُومُونَ فَيُصَلَّوْنَ وَلَا يَتَوَضَّئُونَ» .
قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: هَذَا عِنْدَنَا وَهُمْ جُلُوسٌ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَعَلَى هَذَا حَمَلَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: هَذَا الْحَدِيثُ سِيَاقُهُ فِي مُسْلِمٍ يَحْتَمِلُ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَى نَوْمِ الْجَالِسِ، وَعَلَى ذَلِكَ نَزَّلَهُ أَكْثَرُ النَّاسِ، لَكِنْ فِيهِ زِيَادَةٌ تَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ رَوَاهَا يَحْيَى بْنُ الْقَطَّانِ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ:«كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْتَظِرُونَ الصَّلَاةَ فَيَضَعُونَ جُنُوبَهُمْ فَمِنْهُمْ مَنْ يَنَامُ ثُمَّ يَقُومُ إلَى الصَّلَاةِ» .
وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: يُحْمَلُ عَلَى النَّوْمِ الْخَفِيفِ، لَكِنْ يُعَارِضُهُ رِوَايَةُ التِّرْمِذِيِّ الَّتِي ذَكَرَ فِيهَا الْغَطِيطَ، وَقَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى الْقَطَّانِ، وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ بُنْدَارٍ بِدُونِ يَضَعُونَ جَنُوبَهُمْ. وَأَخْرَجَهُ بِتِلْكَ الزِّيَادَةِ الْبَيْهَقِيُّ وَالْبَزَّارُ وَالْخَلَّالُ.
قَوْلُهُ: (تَخْفِقَ رُءُوسُهُمْ) فِي الْقَامُوسِ خَفَقَ فُلَانٌ: حَرَّكَ رَأْسَهُ إذَا نَعَسَ. وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنْ يَسِيرَ النَّوْمِ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، إنْ ثَبَتَ التَّقْرِيرُ لَهُمْ عَلَى ذَلِكَ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ.
247 -
(وَعَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَيْسَ عَلَى مَنْ نَامَ سَاجِدًا وُضُوءٌ حَتَّى يَضْطَجِعَ فَإِنَّهُ إذَا اضْطَجَعَ اسْتَرْخَتْ مَفَاصِلُهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَيَزِيدُ هُوَ الدَّالَانِيُّ قَالَ أَحْمَدُ: لَا بَأْسَ بِهِ. قُلْت: وَقَدْ ضَعَّفَ بَعْضُهُمْ حَدِيثَ الدَّالَانِيِّ هَذَا لِإِرْسَالِهِ قَالَ شُعْبَةُ إنَّمَا سَمِعَ قَتَادَةَ مِنْ أَبِي الْعَالِيَةِ أَرْبَعَةَ أَحَادِيثَ فَذَكَرَهَا وَلَيْسَ هَذَا مِنْهَا)
بَابُ الْوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الْمَرْأَةِ
248 -
(قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [المائدة: 6] وَقُرِئَ أَوْ لَمَسْتُمْ وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: «أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ لَقِيَ امْرَأَةً يَعْرِفُهَا فَلَيْسَ يَأْتِي الرَّجُلُ مِنْ امْرَأَتِهِ شَيْئًا إلَّا قَدْ أَتَاهُ مِنْهَا غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يُجَامِعْهَا؟
ــ
[نيل الأوطار]
الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَيْضًا أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ بِلَفْظِ: «لَا وُضُوءَ عَلَى مَنْ نَامَ قَاعِدًا إنَّمَا الْوُضُوءُ عَلَى مَنْ نَامَ مُضْطَجِعًا، فَإِنَّ مَنْ نَامَ مُضْطَجِعًا اسْتَرْخَتْ مَفَاصِلُهُ» وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ بِلَفْظِ: «لَا يَجِبُ الْوُضُوءُ عَلَى مَنْ نَامَ جَالِسًا أَوْ قَائِمًا أَوْ سَاجِدًا حَتَّى يَضَعَ جَنْبَهُ» وَمَدَارُهُ عَلَى يَزِيدَ أَبِي خَالِدٍ الدَّالَانِيِّ وَعَلَيْهِ اُخْتُلِفَ فِي أَلْفَاظِهِ، وَضَعَّفَ الْحَدِيثَ مِنْ أَصْلِهِ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ فِيمَا نَقَلَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الْعِلَلِ الْمُفْرَدَةِ. وَضَعَّفَهُ أَيْضًا أَبُو دَاوُد فِي السُّنَنِ، وَإِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ فِي عِلَلِهِ وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمْ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْخِلَافِيَّاتِ: تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو خَالِدٍ الدَّالَانِيُّ، وَأَنْكَرَهُ عَلَيْهِ جَمِيعُ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ.
وَقَالَ فِي السُّنَنِ: أَنْكَرَهُ عَلَيْهِ جَمِيعُ الْحُفَّاظِ، وَأَنْكَرُوا سَمَاعَهُ مِنْ قَتَادَةَ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ قَوْلِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَبَا الْعَالِيَةِ وَلَمْ يَرْفَعْهُ، وَيَزِيدُ الدَّالَانِيُّ هَذَا الَّذِي ضَعُفَ الْحَدِيثُ بِهِ، وَثَّقَهُ أَبُو حَاتِمٍ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، وَكَذَلِكَ قَالَ أَحْمَدُ كَمَا حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: فِي حَدِيثِهِ لِينٌ، وَأَفْرَطَ ابْنُ حِبَّانَ فَقَالَ: لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ، وَقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمُغْنِي: مَشْهُورٌ حَسَنُ الْحَدِيثِ. وَرَوَى ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ حَدِيثُ: «لَا وُضُوءَ عَلَى مَنْ نَامَ قَائِمًا أَوْ رَاكِعًا» وَفِيهِ مَهْدِيُّ بْنُ هِلَالٍ وَهُوَ مُتَّهَمٌ بِوَضْعِ الْحَدِيثِ. وَمِنْ رِوَايَةِ عُمَرَ بْنِ هَارُونَ الْبَلْخِيّ وَهُوَ مَتْرُوكٌ. وَمِنْ رِوَايَةِ مُقَاتِلِ بْنِ سُلَيْمَانَ وَهُوَ مُتَّهَمٌ.
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ بِلَفْظِ قَالَ: «كُنْت فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ جَالِسًا أَخْفِقُ، فَاحْتَضَنَنِي رَجُلٌ مِنْ خَلْفِي، فَالْتَفَتّ فَإِذَا أَنَا بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْت: هَلْ وَجَبَ عَلَيَّ الْوُضُوءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: لَا حَتَّى تَضَعَ جَنْبَك» قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: تَفَرَّدَ بِهِ بَحْرُ بْنُ كَنِيزٍ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ.
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ قَسِيطٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: «لَيْسَ عَلَى الْمُحْتَبِي النَّائِمِ، وَلَا عَلَى الْقَائِمِ النَّائِمِ وُضُوءٌ حَتَّى يَضْطَجِعَ، فَإِذَا اضْطَجَعَ تَوَضَّأَ» قَالَ الْحَافِظُ: إسْنَادُهُ جَيِّدٌ وَهُوَ مَوْقُوفٌ. وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّوْمَ لَا يَكُونُ نَاقِضًا إلَّا فِي حَالَةِ الِاضْطِجَاعِ، وَقَدْ سَلَفَ أَنَّهُ الرَّاجِحُ. .