الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ الصَّلَاةِ بِغَيْرِ مَاءٍ وَلَا تُرَابٍ عِنْدَ الضَّرُورَةِ
367 -
( «عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا اسْتَعَارَتْ مِنْ أَسْمَاءَ قِلَادَةً فَهَلَكَتْ، فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رِجَالًا فِي طَلَبِهَا فَوَجَدُوهَا فَأَدْرَكَتْهُمْ الصَّلَاةُ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ فَصَلَّوْا بِغَيْرِ وُضُوءٍ، فَلَمَّا أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَكَوْا ذَلِكَ إلَيْهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل آيَةَ التَّيَمُّمِ» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ)
ــ
[نيل الأوطار]
[بَابُ الصَّلَاةِ بِغَيْرِ مَاءٍ وَلَا تُرَابٍ عِنْدَ الضَّرُورَةِ]
قَوْلُهُ: (أَنَّهَا اسْتَعَارَتْ) وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهَا قَالَتْ: " انْقَطَعَ عِقْدٌ لِي " وَلَا مُخَالَفَةَ بَيْنَهُمَا فَهُوَ حَقِيقَةً مِلْكٌ لِأَسْمَاءِ، وَإِضَافَتُهُ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ إلَى نَفْسِهَا لِكَوْنِهِ فِي يَدِهَا قَوْلُهُ:(فَصَلَّوْا بِغَيْرِ وُضُوءٍ) اسْتَدَلَّ بِذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ عَلَى وُجُوبِ الصَّلَاةِ عِنْد عَدَمِ الْمُطَهِّرَيْنِ: الْمَاءِ، وَالتُّرَابِ، وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُمْ فَقَدُوا التُّرَابَ، وَإِنَّمَا فِيهِ أَنَّهُمْ فَقَدُوا الْمَاءَ فَقَطْ، وَلَكِنَّ عَدَمَ الْمَاءِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ كَعَدَمِ الْمَاءِ وَالتُّرَابِ؛ لِأَنَّهُ لَا مُطَهِّرَ سِوَاهُ وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ أَنَّهُمْ صَلَّوْا مُعْتَقِدِينَ وُجُوبَ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَتْ الصَّلَاةُ حِينَئِذٍ مَمْنُوعَةً لَأَنْكَرَ عَلَيْهِمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَجُمْهُورُ الْمُحَدِّثِينَ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِ مَالِكٍ.
لَكِنْ اخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ الْإِعَادَةِ فَالْمَنْصُوصُ عَنْ الشَّافِعِيِّ وُجُوبُهَا وَصَحَّحَهُ أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ، وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهُ عُذْرٌ نَادِرٌ فَلَمْ يُسْقِطْ الْإِعَادَةَ، وَالْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ وَبِهِ قَالَ الْمُزَنِيّ وَسَحْنُونٌ وَابْنُ الْمُنْذِرِ: لَا تَجِبُ، وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ الْبَابِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ وَاجِبَةً لَبَيَّنَهَا لَهُمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، إذْ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْإِعَادَةَ لَا تَجِبُ عَلَى الْفَوْرِ، فَلَمْ يَتَأَخَّرْ الْبَيَانُ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ، وَعَلَى هَذَا فَلَا بُدَّ مِنْ دَلِيلٍ عَلَى وُجُوبِ الْإِعَادَةِ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُمَا: لَا يُصَلِّي، لَكِنْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ: يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ.
وَقَالَ مَالِكٌ فِيمَا حَكَاهُ عَنْهُ الْمَدَنِيُّونَ: لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ الْأَرْبَعَةُ هِيَ الْمَشْهُورَةُ فِي الْمَسْأَلَةِ. وَحَكَى النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ الْقَدِيمِ تُسْتَحَبُّ الصَّلَاةُ وَتَجِبُ الْإِعَادَةُ، وَبِهَذَا تَصِيرُ الْأَقْوَالُ خَمْسَةً قَالَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ.
[أَبْوَابُ الْحَيْضِ والاستحاضة]
[بَابُ بِنَاءِ الْمُعْتَادَةِ إذَا اُسْتُحِيضَتْ عَلَى عَادَتِهَا]
أَبْوَابُ الْحَيْضِ قَالَ فِي الْفَتْحِ: أَصْلُهُ السَّيَلَانُ، وَفِي الْعُرْفِ: جَرَيَانُ دَمِ الْمَرْأَةِ. قَالَ فِي الْقَامُوسِ: حَاضَتْ الْمَرْأَةُ تَحِيضُ حَيْضًا وَمَحِيضًا وَمَحَاضًا فَهِيَ حَائِضٌ وَحَائِضَةٌ: سَالَ دَمُهَا، وَالْمَحِيضُ اسْم مَصْدَرٍ وَمِنْهُ الْحَوْضُ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ يَسِيلُ إلَيْهِ.
368 -
(عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «قَالَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إنِّي امْرَأَةٌ أُسْتَحَاضُ فَلَا أَطْهُرُ أَفَأَدَعُ الصَّلَاةَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ وَلَيْسَ بِالْحَيْضَةِ، فَإِذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَاتْرُكِي الصَّلَاةَ، فَإِذَا ذَهَبَ قَدْرُهَا فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُد.
وَفِي رِوَايَةٍ لِلْجَمَاعَةِ إلَّا ابْنَ مَاجَهْ " فَإِذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ، فَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي " زَادَ التِّرْمِذِيُّ فِي رِوَايَةٍ وَقَالَ: «تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ حَتَّى يَجِيءَ ذَلِكَ الْوَقْتُ» وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ " وَلَكِنْ دَعِي الصَّلَاةَ قَدْرَ الْأَيَّامِ الَّتِي كُنْتِ تَحِيضِينَ فِيهَا، ثُمَّ اغْتَسِلِي وَصَلِّي ")
ــ
[نيل الأوطار]
بَابُ بِنَاءِ الْمُعْتَادَةِ إذَا اُسْتُحِيضَتْ عَلَى عَادَتِهَا
368 -
(عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «قَالَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إنِّي امْرَأَةٌ أُسْتَحَاضُ فَلَا أَطْهُرُ أَفَأَدَعُ الصَّلَاةَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ وَلَيْسَ بِالْحَيْضَةِ، فَإِذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَاتْرُكِي الصَّلَاةَ، فَإِذَا ذَهَبَ قَدْرُهَا فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُد.
وَفِي رِوَايَةٍ لِلْجَمَاعَةِ إلَّا ابْنَ مَاجَهْ " فَإِذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ، فَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي " زَادَ التِّرْمِذِيُّ فِي رِوَايَةٍ وَقَالَ: «تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ حَتَّى يَجِيءَ ذَلِكَ الْوَقْتُ» وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ " وَلَكِنْ دَعِي الصَّلَاةَ قَدْرَ الْأَيَّامِ الَّتِي كُنْتِ تَحِيضِينَ فِيهَا، ثُمَّ اغْتَسِلِي وَصَلِّي ") .
الْحَدِيثُ قَدْ أَسَلَفْنَا بَعْضَ الْكَلَامِ عَلَيْهِ فِي بَابِ الْغُسْلِ مِنْ الْحَيْضِ، وَعَرَّفْنَاكَ هُنَالِكَ أَنَّ فِيهِ دَلَالَةً عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا مَيَّزَتْ دَمَ الْحَيْضِ مِنْ دَمِ الِاسْتِحَاضَةِ تَعْتَبِرُ دَمَ الْحَيْضِ وَتَعْمَلُ عَلَى إقْبَالِهِ وَإِدْبَارِهِ فَإِذَا انْقَضَى قَدْرُهُ اغْتَسَلَتْ مِنْهُ ثُمَّ صَارَ حُكْمُ دَمِ الِاسْتِحَاضَةِ حُكْمُ الْحَدَثِ فَتَتَوَضَّأْ لِكُلِّ صَلَاةٍ لَا تُصَلِّي بِذَلِكَ الْوُضُوءِ أَكْثَرَ مِنْ فَرِيضَةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ وُضُوءِ الْمُسْتَحَاضَةِ لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَقَدْ بَيَّنَّا فِي بَابِ غُسْلِ الْمُسْتَحَاضَةِ لِكُلِّ صَلَاةٍ عَدَمَ انْتِهَاضِ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ بِوُجُوبِ الْغُسْلِ عَلَيْهَا لِكُلِّ صَلَاةٍ أَوْ لِلصَّلَاتَيْنِ، أَوْ مِنْ طُهْرٍ إلَى طُهْرٍ، وَعَرَّفْنَاكَ أَنَّ الْحَقَّ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا الِاغْتِسَالَ إلَّا عِنْدَ إدْبَارِ الْحَيْضَةِ لِهَذَا الْحَدِيثِ وَقَدْ ذَكَرنَا الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ هُنَالِكَ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ مَا يَقْضِي بِوُجُوبِ الِاغْتِسَالِ عَلَيْهَا لِكُلِّ صَلَاةٍ أَوْ لِكُلِّ يَوْمٍ أَوْ لِلصَّلَاتَيْنِ، بَلْ لِإِدْبَارِ الْحَيْضَةِ كَمَا فِي حَدِيثِ فَاطِمَةَ الْمَذْكُورِ، فَلَا يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ غَيْرُهُ، وَقَدْ أَوْضَحْنَا هَذَا فِي بَابِ غُسْلِ الْمُسْتَحَاضَةِ. وَأَحْكَامِ الْمُسْتَحَاضَةِ مُسْتَوْفَاةٌ فِي كُتُبِ الْفُرُوعِ، وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ مِنْهَا مَا يَقْضِي بِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهَا الرُّجُوعُ إلَى الْعَمَلِ بِصِفَةِ الدَّمِ كَمَا فِي حَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ الْآتِي فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا.
وَمِنْهَا مَا يَقْضِي بِاعْتِبَارِ الْعَادَةِ كَمَا فِي أَحَادِيثِ الْبَابِ، وَيُمْكِنُ الرُّجُوعُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ:" أَقْبَلَتْ حَيْضَتُكِ " الْحَيْضَةُ الَّتِي تَتَمَيَّزُ بِصِفَةِ الدَّمِ، أَوْ يَكُونُ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ " إذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ " فِي حَقِّ الْمُعْتَادَةِ، وَالتَّمْيِيزُ بِصِفَةِ الدَّمِ فِي حَقِّ غَيْرِهَا، وَيَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ مَعْرِفَةَ إقْبَالِ الْحَيْضَةِ قَدْ يَكُونُ بِمَعْرِفَةِ الْعَادَةِ، وَقَدْ يَكُونُ بِمَعْرِفَةِ دَمِ الْحَيْضِ، وَقَدْ يَكُونُ بِمَجْمُوعِ الْأَمْرَيْنِ.
وَفِي حَدِيثِ حَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ بِلَفْظِ: " فَتَحَيَّضِي سِتَّةَ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةَ
369 -
(وَعَنْ عَائِشَةَ: «أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ جَحْشٍ الَّتِي كَانَتْ تَحْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ شَكَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الدَّمَ، فَقَالَ لَهَا: اُمْكُثِي قَدْرَ مَا كَانَتْ تَحْبِسُكِ حَيْضَتُكِ ثُمَّ اغْتَسِلِي، فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَلَفْظُهُمَا قَالَ: " فَلْتَنْتَظِرْ قَدْرَ قُرُوئِهَا الَّتِي كَانَتْ تَحِيضُ فَلْتَتْرُكْ الصَّلَاةَ ثُمَّ لِتَنْظُرْ مَا بَعْدَ ذَلِكَ فَلْتَغْتَسِلْ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ وَتُصَلِّي ")
370 -
(وَعَنْ الْقَاسِمِ عَنْ «زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشِ أَنَّهَا قَالَتْ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إنَّهَا
ــ
[نيل الأوطار]
أَيَّامٍ " وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا تَرْجِعُ إلَى الْحَالَةِ الْغَالِبَةِ فِي النِّسَاءِ وَهُوَ غَيْرُ صَالِحٍ لِلِاحْتِجَاجِ كَمَا سَتَعْرِفُ ذَلِكَ فِي بَابِ مَنْ قَالَ تَحِيضُ سِتًّا أَوْ سَبْعًا، وَلَوْ كَانَ صَالِحًا لَكَانَ الْجَمْعُ مُمْكِنًا كَمَا سَيَأْتِي.
وَقَدْ أَطَالَ الْمُصَنِّفُونَ فِي الْفِقْهِ الْكَلَامَ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ، وَاضْطَرَبَتْ أَقْوَالُهُمْ اضْطِرَابًا يَبْعُدُ فَهْمُهُ عَلَى أَذْكِيَاءِ الطَّلَبَةِ فَمَا ظَنُّكَ بِالنِّسَاءِ الْمَوْصُوفَاتِ بِالْعَيِّ فِي الْبَيَانِ وَالنَّقْصِ فِي الْأَدْيَانِ. وَبَالَغُوا فِي التَّعْسِيرِ حَتَّى جَاءُوا بِمَسْأَلَةِ الْمُتَحَيِّرَةِ فَتَحَيَّرُوا. وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ قَدْ قَضَتْ بِعَدَمِ وُجُودِهَا؛ لِأَنَّ حَدِيثَ الْبَابِ ظَاهِرٌ فِي مَعْرِفَتِهَا إقْبَالَ الْحَيْضَةِ وَإِدْبَارَهَا، وَكَذَلِكَ الْحَدِيثُ الْآتِي فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا، فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّ دَم الْحَيْضِ يُعْرَفُ وَيَتَمَيَّزُ عَنْ دَمِ الِاسْتِحَاضَةِ، فَطَاحَتْ مَسْأَلَةُ الْمُتَحَيِّرَةِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ، وَلَمْ يَبْقَ هَهُنَا مَا يُسْتَصْعَبُ إلَّا وَوُرُودُ بَعْضِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ بِالْإِحَالَةِ عَلَى صِفَةِ الدَّمِ، وَبَعْضِهَا بِالْإِحَالَةِ عَلَى الْعَادَةِ، وَقَدْ عَرَفْتَ إمْكَانَ الْجَمْعِ بَيْنَهَا بِمَا سَلَف.
قَوْلُهُ: (قَالَ تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ) سَيَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهِ فِي بَابِ وُضُوءِ الْمُسْتَحَاضَةِ. قَالَ الْمُصَنِّف رحمه الله بَعْدَ أَنْ سَاقَ الْحَدِيثَ: وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّهَا إنَّمَا تُبْنَى عَلَى عَادَةٍ مُتَكَرِّرَةٍ اهـ.
369 -
(وَعَنْ عَائِشَةَ: «أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ جَحْشٍ الَّتِي كَانَتْ تَحْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ شَكَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الدَّمَ، فَقَالَ لَهَا: اُمْكُثِي قَدْرَ مَا كَانَتْ تَحْبِسُكِ حَيْضَتُكِ ثُمَّ اغْتَسِلِي، فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَلَفْظُهُمَا قَالَ: " فَلْتَنْتَظِرْ قَدْرَ قُرُوئِهَا الَّتِي كَانَتْ تَحِيضُ فَلْتَتْرُكْ الصَّلَاةَ ثُمَّ لِتَنْظُرْ مَا بَعْدَ ذَلِكَ فَلْتَغْتَسِلْ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ وَتُصَلِّي ") . قَوْلُهُ: (ثُمَّ اغْتَسِلِي) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَغَيْرُهُمْ: إنَّمَا أَمَرَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ تَغْتَسِلَ وَتُصَلِّي وَلَمْ يَأْمُرْهَا بِالِاغْتِسَالِ لِكُلِّ صَلَاةٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَا أَشُكُّ أَنَّ غُسْلَهَا كَانَ تَطَوُّعًا غَيْرَ مَا أُمِرَتْ بِهِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَى هَذَا فِي بَابِ غُسْلِ الْمُسْتَحَاضَةِ.
وَالرِّوَايَةُ الْأُولَى مِنْ الْحَدِيثِ قَدْ أَخْرَجَ نَحْوَهَا الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد بِزِيَادَةِ «وَتَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ» وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُسْتَحَاضَةَ تَرْجِعُ إلَى عَادَتِهَا إذَا كَانَتْ لَهَا عَادَةٌ وَتَغْتَسِلُ عِنْدَ مُضِيِّهَا. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى " فَلْتَغْتَسِلْ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ " اسْتَدَلَّ بِهِ الْقَائِلُونَ بِوُجُوبِ الْغُسْلِ لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا.
370 -
(وَعَنْ الْقَاسِمِ عَنْ «زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشِ أَنَّهَا قَالَتْ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إنَّهَا
مُسْتَحَاضَةٌ، فَقَالَ: تَجْلِسُ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتُؤَخِّرُ الظُّهْرَ وَتُعَجِّلُ الْعَصْرَ وَتَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي، وَتُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ وَتُعَجِّلُ الْعِشَاءَ وَتَغْتَسِلُ وَتُصَلِّيهِمَا جَمِيعًا، وَتَغْتَسِلُ لِلْفَجْرِ» رَوَاهُ النَّسَائِيّ)
371 -
( «وَعَنْ أُمّ سَلَمَةَ أَنَّهَا اسْتَفْتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي امْرَأَةٍ تُهْرَاقُ الدَّمَ، فَقَالَ: لِتَنْظُرْ قَدْرَ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ الَّتِي كَانَتْ تَحِيضَهُنَّ وَقَدْرَهُنَّ مِنْ الشَّهْرِ، فَتَدْعُ الصَّلَاةَ، ثُمَّ لْتَغْتَسِلْ وَلْتَسْتَثْفِرْ ثُمَّ تُصَلِّي» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ) .
أَبْوَابُ الْحَيْضِ بَابُ بِنَاءِ الْمُعْتَادَةِ إذَا اُسْتُحِيضَتْ عَلَى عَادَتِهَا.
ــ
[نيل الأوطار]
مُسْتَحَاضَةٌ، فَقَالَ: تَجْلِسُ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتُؤَخِّرُ الظُّهْرَ وَتُعَجِّلُ الْعَصْرَ وَتَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي، وَتُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ وَتُعَجِّلُ الْعِشَاءَ وَتَغْتَسِلُ وَتُصَلِّيهِمَا جَمِيعًا، وَتَغْتَسِلُ لِلْفَجْرِ» رَوَاهُ النَّسَائِيّ) . الْحَدِيثُ إسْنَادُهُ فِي سُنَنِ النَّسَائِيّ، هَكَذَا أَخْبَرَنَا سُوَيْد بْنُ نَصْرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ فَذَكَرَهُ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ. قَالَ النَّوَوِيُّ: أَحَادِيثُ الْأَمْرِ بِالْغُسْلِ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ ثَابِتٌ، وَحُكِيَ عَنْ الْبَيْهَقِيّ وَمَنْ قَبْلَهُ تَضْعِيفُهَا، وَأَقْوَاهَا حَدِيثُ حَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ الَّذِي سَيَأْتِي وَسَتَعْرِفُ مَا عَلَيْهِ.
وَالْحَدِيثُ اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ يَجِبُ الِاغْتِسَالُ عَلَى الْمُسْتَحَاضَةِ لِكُلِّ صَلَاةٍ، أَوْ تَجْمَعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي الْغُسْلِ.
371 -
( «وَعَنْ أُمّ سَلَمَةَ أَنَّهَا اسْتَفْتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي امْرَأَةٍ تُهْرَاقُ الدَّمَ، فَقَالَ: لِتَنْظُرْ قَدْرَ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ الَّتِي كَانَتْ تَحِيضَهُنَّ وَقَدْرَهُنَّ مِنْ الشَّهْرِ، فَتَدْعُ الصَّلَاةَ، ثُمَّ لْتَغْتَسِلْ وَلْتَسْتَثْفِرْ ثُمَّ تُصَلِّي» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ) . الْحَدِيثُ أَيْضًا أَخْرَجَهُ الشَّافِعِيُّ. قَالَ النَّوَوِيُّ: إسْنَادُهُ عَلَى شَرْطَيْهِمَا. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هُوَ حَدِيثٌ مَشْهُورٌ إلَّا أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْهَا، وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد عَنْ سُلَيْمَانَ أَنَّ رَجُلًا أَخْبَرَهُ عَنْ أُمّ سَلَمَةَ. وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ: لَمْ يَسْمَعْهُ سُلَيْمَانُ، وَقَدْ رَوَاهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ مَرْجَانَةَ عَنْهَا، وَسَاقَهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَابْنُ الْجَارُودِ بِتَمَامِهِ مِنْ حَدِيثِ صَخْرِ بْنِ جَوَيْرِيَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ سُلَيْمَانَ أَنَّهُ حَدَّثَهُ رَجُلٌ عَنْهَا. قَوْلُهُ:(تُهْرَاقُ) عَلَى صِيغَةِ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ وَفَتْحِ الْهَاءِ.
قَوْلُهُ: (وَلْتَسْتَثْفِرْ) الِاسْتِثْفَارُ: إدْخَالُ الْإِزَارِ بَيْن الْفَخِذَيْنِ مَلْوِيًّا كَمَا فِي الْقَامُوسِ وَغَيْرِهِ. وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُسْتَحَاضَةَ تَرْجِعُ إلَى عَادَتِهَا الْمَعْرُوفَةِ قَبْلَ الِاسْتِحَاضَةِ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الِاغْتِسَالَ إنَّمَا هُوَ مَرَّةٌ وَاحِدَةٌ عِنْدَ إدْبَارِ الْحَيْضَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ. وَيَدُلُّ عَلَى اسْتِحْبَابِ اتِّخَاذِ الثُّفْرِ لَيَمْنَع مِنْ خُرُوجِ الدَّمِ حَالَ الصَّلَاةِ. وَقَدْ وَرَدَ الْأَمْرُ بِالِاسْتِثْفَارِ فِي حَدِيثِ حَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ أَيْضًا كَمَا سَيَأْتِي - إنْ شَاءَ اللَّهُ - قَوْلُهُ:(لِتَسْتَثْفِرْ) بِسُكُونِ الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ بَعْدَهَا فَاءٌ مَكْسُورَةٌ: أَيْ تَشُدُّ ثَوْبًا عَلَى فَرْجِهَا، مَأْخُوذُ مِنْ ثَفَرِ الدَّابَّةِ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَهُوَ الَّذِي يَكُونُ تَحْتَ ذَنَبِهَا.