الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَلْيَغْتَسِلْ» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ، وَلِمُسْلِمٍ:«إذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْتِيَ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ»
ــ
[نيل الأوطار]
[أَبْوَابُ الْأَغْسَالِ الْمُسْتَحَبَّةِ] [
بَابُ غُسْلِ الْجُمُعَةِ]
الْحَدِيثُ لَهُ طُرُقٌ كَثِيرَةٌ، وَرَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ، وَعَدَّ ابْنُ مَنْدَهْ مَنْ رَوَاهُ عَنْ نَافِعٍ فَبَلَغُوا فَوْقَ ثَلَثِمِائَةِ نَفْسٍ، وَعَدَّ مَنْ رَوَاهُ مِنْ الصَّحَابَةِ غَيْرِ ابْنِ عُمَرَ، فَبَلَغُوا أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ صَحَابِيًّا. قَالَ الْحَافِظُ: وَقَدْ جُمِعَتْ طُرُقُهُ عَنْ نَافِعٍ فَبَلَغُوا مِائَةً وَعِشْرِينَ نَفْسًا.
وَفِي الْغُسْلِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ أَحَادِيثُ غَيْرُ مَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْهَا عَنْ جَابِرٍ عِنْدَ النَّسَائِيّ. وَعَنْ الْبَرَاءِ عِنْدَ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ فِي الْمُصَنَّفِ. وَعَنْ أَنَسٍ عِنْدَ ابْنِ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ. وَعَنْ بُرَيْدَةَ عِنْدَ الْبَزَّارِ. وَعَنْ ثَوْبَانَ عِنْدَ الْبَزَّارِ أَيْضًا. وَعَنْ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ. وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ أَيْضًا. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ. وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ حَدِيثٌ آخَرُ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ. وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ عِنْدَ الْبَزَّارِ. وَعَنْ حَفْصَةَ عِنْدَ أَبِي دَاوُد.
وَفِي الْبَابِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ يَأْتِي ذِكْرُهُمْ فِي أَبْوَابِ الْجُمُعَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ.
وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ غُسْلِ الْجُمُعَةِ، وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ، قَالَ النَّوَوِيُّ: فَحُكِيَ وُجُوبُهُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ السَّلَفِ، حَكَوْهُ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ، وَبِهِ قَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ. وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مَالِكٍ، وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيِّ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَمَالِكٍ، وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَمَّارٍ وَغَيْرِهِمَا. وَحَكَاهُ ابْنُ حَزْمٍ عَنْ عُمَرَ وَجَمْعٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ. وَحُكِيَ عَنْ ابْنِ خُزَيْمَةَ، وَحَكَاهُ شَارِحُ الْغُنْيَةُ لِابْنِ سُرَيْجٍ قَوْلًا لِلشَّافِعِيِّ.
وَقَدْ حَكَى الْخَطَّابِيِّ وَغَيْرُهُ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ الْغُسْلَ لَيْسَ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ، وَأَنَّهَا تَصِحُّ بِدُونِهِ. وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَفُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ إلَى أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ. قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: وَهُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ. وَاسْتَدَلَّ الْأَوَّلُونَ عَلَى وُجُوبِهِ بِالْأَحَادِيثِ الَّتِي أَوْرَدَهَا الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي هَذَا الْبَابِ، وَفِي بَعْضِهَا التَّصْرِيحُ بِلَفْظِ الْوُجُوبِ، وَفِي بَعْضِهَا الْأَمْرُ بِهِ، وَفِي بَعْضِهَا أَنَّهُ حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، وَالْوُجُوبُ يَثْبُتُ بِأَقَلَّ مِنْ هَذَا. وَاحْتَجَّ الْآخَرُونَ لِعَدَمِ الْوُجُوبِ بِحَدِيثِ:«مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ فَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَ الْجُمُعَةِ إلَى الْجُمُعَةِ وَزِيَادَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ» أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ.
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَقْرِيرِ الِاسْتِدْلَالِ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ مَا لَفْظُهُ: ذِكْرُ الْوُضُوءِ وَمَا مَعَهُ مُرَتَّبًا عَلَيْهِ الثَّوَابُ الْمُقْتَضِي لِلصِّحَّةِ، يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوُضُوءَ كَافٍ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي التَّلْخِيصِ: إنَّهُ مِنْ أَقْوَى مَا اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى عَدَمِ فَرْضِيَّةِ الْغُسْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَاحْتَجُّوا أَيْضًا لِعَدَمِ الْوُجُوبِ بِحَدِيثِ سَمُرَةَ الْآتِي لِقَوْلِهِ فِيهِ:«وَمَنْ اغْتَسَلَ فَالْغُسْلُ أَفْضَلُ» فَدَلَّ عَلَى اشْتِرَاكِ الْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ فِي أَصْلِ الْفَضْلِ وَعَدَمِ تَحَتُّمِ الْغُسْلِ.
وَبِحَدِيثِ الرَّجُلِ الَّذِي دَخَلَ وَعُمَرُ يَخْطُبُ، وَقَدْ تَرَكَ الْغُسْلَ، قَالَ النَّوَوِيُّ:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
وَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّ الرَّجُلَ فَعَلَهُ، وَأَقَرَّهُ عُمَرُ، وَمَنْ حَضَرَ ذَلِكَ الْجَمْعَ، وَهُمْ أَهْلُ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ، وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَمَا تَرَكَهُ وَلَأَلْزَمُوهُ بِهِ، وَبِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْآتِي، وَوَجْهُ دَلَالَتِهِ عَلَى ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ. وَبِحَدِيثِ أَوْسٍ الثَّقَفِيِّ، وَسَيَأْتِي فِي هَذَا الْبَابِ. وَوَجْهُ دَلَالَتِهِ جَعْلُهُ قَرِينًا لِلتَّبْكِيرِ وَالْمَشْيِ وَالدُّنُوِّ مِنْ الْإِمَامِ، وَلَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ فَيَكُونُ مِثْلَهَا.
وَبِحَدِيثِ عَائِشَةَ الْآتِي، وَوَجْهُ دَلَالَتِهِ أَنَّهُمْ إنَّمَا أُمِرُوا بِالِاغْتِسَالِ لِأَجْلِ تِلْكَ الرَّوَائِحِ الْكَرِيهَةِ، فَإِذَا زَالَتْ زَالَ الْوُجُوبُ. وَأَجَابُوا عَنْ الْأَحَادِيثِ الَّتِي صُرِّحَ فِيهَا بِالْأَمْرِ، أَنَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى النَّدْبِ وَالْقَرِينَةُ الصَّارِفَةُ عَنْ الْوُجُوبِ هَذِهِ الْأَدِلَّةُ الْمُتَعَاضِدَةُ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ مَا أَمْكَنَ هُوَ الْوَاجِبُ، وَقَدْ أَمْكَنَ بِهَذَا. وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَاجِبٌ، وَقَوْلُهُ حَقٌّ، فَالْمُرَادُ مُتَأَكِّدٌ فِي حَقِّهِ، كَمَا يَقُولُ الرَّجُلُ لِصَاحِبِهِ: حَقُّك عَلَيَّ، وَمُوَاصَلَتُك حَقٌّ عَلَيَّ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْوُجُوبُ الْمُتَحَتِّمُ الْمُسْتَلْزِمُ لِلْعِقَابِ، بَلْ الْمُرَادُ أَنَّ ذَلِكَ مُتَأَكِّدٌ حَقِيقٌ بِأَنْ لَا يُخَلَّ بِهِ، وَاسْتَضْعَفَهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ وَقَالَ: إنَّمَا يُصَارُ إلَيْهِ إذَا كَانَ الْمُعَارِضُ رَاجِحًا فِي الدَّلَالَةِ عَلَى هَذَا لظَّاهِرِ، وَأَقْوَى مَا عَارَضُوا بِهِ حَدِيثُ:«مَنْ تَوَضَّأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ» وَلَا يُقَاوِمُ سَنَدُهُ سَنَدَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ «مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ» فَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ: لَيْسَ فِيهِ نَفْيُ الْغُسْلِ، وَقَدْ وَرَدَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فِي الصَّحِيحِ بِلَفْظِ:" مَنْ اغْتَسَلَ " فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذِكْرُ الْوُضُوءِ لِمَنْ تَقَدَّمَ غُسْلُهُ عَلَى الذَّهَابِ فَاحْتَاجَ إلَى إعَادَةِ الْوُضُوءِ انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ الرَّجُلِ الَّذِي دَخَلَ وَعُمَرُ يَخْطُبُ وَهُوَ عُثْمَانُ كَمَا سَيَأْتِي، فَمَا أُرَاهُ إلَّا حُجَّةً عَلَى الْقَائِلِ بِالِاسْتِحْبَابِ لَا لَهُ؛ لِأَنَّ إنْكَارَ عُمَرَ عَلَى رَأْسِ الْمِنْبَرِ فِي ذَلِكَ الْجَمْعِ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ الصَّحَابِيِّ الْجَلِيلِ، وَتَقْرِيرَ جَمْعِ الْحَاضِرِينَ الَّذِينَ هُمْ جُمْهُورُ الصَّحَابَةِ لِمَا وَقَعَ مِنْ ذَلِكَ الْإِنْكَارِ، مِنْ أَعْظَمِ الْأَدِلَّةِ الْقَاضِيَةِ بِأَنَّ الْوُجُوبَ كَانَ مَعْلُومًا عِنْدَ الصَّحَابَةِ، وَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ عِنْدَهُمْ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ لَمَا عَوَّلَ ذَلِكَ الصَّحَابِيُّ فِي الِاعْتِذَارِ عَلَى غَيْرِهِ، فَأَيُّ تَقْرِيرٍ مِنْ عُمَرَ وَمَنْ حَضَرَ بَعْدَ هَذَا.
وَلَعَلَّ النَّوَوِيَّ وَمَنْ مَعَهُ ظَنُّوا أَنَّهُ لَوْ كَانَ الِاغْتِسَالُ وَاجِبًا لَنَزَلَ عُمَرُ مِنْ مِنْبَرِهِ، وَأَخَذَ بِيَدِ ذَلِكَ الصَّحَابِيِّ وَذَهَبَ بِهِ إلَى الْمُغْتَسِلِ، أَوْ لَقَالَ لَهُ: لَا تَقِفْ فِي هَذَا الْجَمْعِ أَوْ اذْهَبْ فَاغْتَسِلْ فَإِنَّا سَنَنْظُرُك أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، مِثْلُ هَذَا لَا يَجِبُ عَلَى مَنْ رَأَى الْإِخْلَالَ بِوَاجِبٍ مِنْ وَاجِبَاتِ الشَّرْعِيَّةِ، وَغَايَةُ مَا كُلِّفْنَا بِهِ فِي إنْكَارٍ عَلَى مَنْ تَرَكَ وَاجِبًا هُوَ مَا فَعَلَهُ عُمَرُ فِي هَذِهِ الْوَاقِعَةِ عَلَى أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَدْ اغْتَسَلَ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ، كَمَا قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ، لِمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ حُمْرَانَ مَوْلَى عُثْمَانَ أَنَّ عُثْمَانَ لَمْ يَكُنْ يَمْضِي عَلَيْهِ يَوْمٌ حَتَّى يُفِيضَ عَلَيْهِ الْمَاءَ، وَإِنَّمَا لَمْ يَعْتَذِرْ لِعُمَرَ بِذَلِكَ كَمَا اعْتَذَرَ عَنْ التَّأَخُّرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَّصِلْ غُسْلُهُ بِذَهَابِهِ إلَى الْجُمُعَةِ.
وَقَدْ حَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ، أَنَّ قِصَّةَ عُمَرَ وَعُثْمَانَ تَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْغُسْلِ لَا عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
مِنْ جِهَةِ تَرْكِ عُمَرَ الْخُطْبَةَ وَاشْتِغَالِهِ بِمُعَاتَبَةِ عُثْمَانَ وَتَوْبِيخِ مِثْلِهِ عَلَى رُءُوسِ النَّاسِ، وَلَوْ كَانَ التَّرْكُ مُبَاحًا لَمَا فَعَلَ عُمَرُ ذَلِكَ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْآتِي، فَقَدْ تَقَرَّرَ ضَعْفُ دَلَالَةِ الِاقْتِرَانِ وَلَا سِيَّمَا بِجَنْبِ مِثْلِ أَحَادِيثِ الْبَابِ.
وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْجَوَابِ عَلَى الْمُسْتَدِلِّينَ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ: إنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ عَطْفُ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَى الْوَاجِبِ لَا سِيَّمَا وَلَمْ يَقَعْ التَّصْرِيحُ بِحُكْمِ الْمَعْطُوفِ. وَقَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ إنْ سَلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَاجِبِ الْفَرْضُ لَمْ يَنْفَعْ دَفْعُهُ بِعَطْفِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ لِلْقَائِلِ أَنْ يَقُولَ: خَرَجَ بِدَلِيلٍ، فَبَقِيَ مَا عَدَاهُ عَلَى الْأَصْلِ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَوْسٍ الثَّقَفِيِّ فَلَيْسَ فِيهِ أَيْضًا إلَّا الِاسْتِدْلَال بِالِاقْتِرَانِ. وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا إذَا زَالَتْ الْعِلَّةُ زَالَ الْوُجُوبُ مُسْنَدِينَ ذَلِكَ بِوُجُوبِ السَّعْيِ مَعَ زَوَالِ الْعِلَّةِ الَّتِي شُرِعَ لَهَا، وَهِيَ إغَاظَةُ الْمُشْرِكِينَ، وَكَذَلِكَ وُجُوبُ الرَّمْيِ مَعَ زَوَالِ مَا شُرِعَ لَهُ، وَهُوَ ظُهُورُ الشَّيْطَانِ بِذَلِكَ الْمَكَانِ، وَكَمْ لِهَذَا مِنْ نَظَائِرَ لَوْ تُتُبِّعَتْ لَجَاءَتْ فِي رِسَالَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ، قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَأُجِيبُ عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي نَفْيِ الْوُجُوبِ، وَبِأَنَّهُ سَابِقٌ عَلَى الْأَمْرِ بِهِ، وَالْإِعْلَامِ بِوُجُوبِهِ بِهِ، وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ لَك عَدَمُ انْتِهَاضِ مَا جَاءَ بِهِ الْجُمْهُورُ مِنْ الْأَدِلَّةِ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ، وَعَدَم إمْكَانِ الْجَمْعِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَحَادِيثِ الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ أَمْكَنَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَوَامِرِ لَمْ يَكُنْ بِالنِّسْبَةِ إلَى لَفْظِ وَاجِبٌ وَحَقٌّ إلَّا بِتَعَسُّفٍ لَا يُلْجِئُ طَلَبُ الْجَمْعِ إلَى مِثْلِهِ، وَلَا يَشُكُّ مَنْ لَهُ أَدْنَى إلْمَامٍ بِهَذَا الشَّأْنِ أَنَّ أَحَادِيثَ الْوُجُوبِ أَرْجَحُ مِنْ الْأَحَادِيثِ الْقَاضِيَةِ بَعْدَهُمَا؛ لِأَنَّ أَوْضَحَهَا دَلَالَةً عَلَى ذَلِكَ حَدِيثُ سَمُرَةَ، وَهُوَ غَيْرُ سَالِمٍ مِنْ مَقَالٍ وَسَنُبَيِّنُهُ.
وَأَمَّا بَقِيَّةُ الْأَحَادِيثِ فَلَيْسَ فِيهَا إلَّا مُجَرَّدُ اسْتِنْبَاطَاتٍ وَاهِيَةٍ، وَقَدْ دَلَّ حَدِيثُ الْبَابِ أَيْضًا عَلَى تَعْلِيقِ الْأَمْرِ بِالْغُسْلِ بِالْمَجِيءِ إلَى الْجُمُعَةِ، وَالْمُرَادُ إرَادَةُ الْمَجِيءِ وَقَصْدُ الشُّرُوعِ فِيهِ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ. اشْتِرَاطُ الِاتِّصَالِ بَيْنَ الْغُسْلِ وَالرَّوَاحِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ. وَالثَّانِي: عَدَمُ الِاشْتِرَاطِ لَكِنْ لَا يُجْزِي فِعْلُهُ بَعْدِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ، وَيُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهُ إلَى الذَّهَابِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ. وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَقْدِيمُ الْغُسْلِ عَلَى صَلَاةِ الْجُمُعَةِ بَلْ لَوْ اغْتَسَلَ قَبْلَ الْغُرُوبِ أَجْزَأَ عَنْهُ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ دَاوُد، وَنَصَرَهُ ابْنُ حَزْمٍ، وَاسْتَبْعَدَهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ، وَقَالَ: يَكَادُ يَجْزِمُ بِبُطْلَانِهِ، وَادَّعَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ مَنْ اغْتَسَلَ بَعْدَ الصَّلَاةِ لَمْ يَغْتَسِلْ لِلْجُمُعَةِ، وَاسْتَدَلَّ مَالِكٌ بِحَدِيثِ الْبَابِ وَنَحْوِهِ.
وَاسْتَدَلَّ الْجُمْهُورُ وَدَاوُد بِالْأَحَادِيثِ الَّتِي أُطْلِقَ فِيهَا يَوْمُ الْجُمُعَةِ، لَكِنْ اسْتَدَلَّ الْجُمْهُورُ عَلَى عَدَمِ الِاجْتِزَاءِ بِهِ بَعْدَ الصَّلَاةِ بِأَنَّ الْغُسْلَ لَإِزَالَةِ الرَّوَائِحِ الْكَرِيهَةِ، وَالْمَقْصُودُ عَدَمُ تَأَذِّي الْحَاضِرِينَ، وَذَلِكَ لَا يَتَأَتَّى بَعْدَ إقَامَةِ الْجُمُعَةِ. وَالظَّاهِرُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ؛ لِأَنَّ حَمْلَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي أُطْلِقَ فِيهَا الْيَوْمُ عَلَى حَدِيثِ الْبَابِ الْمُقَيَّدِ بِسَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِهِ وَاجِبٌ. وَالْمُرَادُ بِالْجُمُعَةِ اسْمُ سَبَبِ الِاجْتِمَاعِ، وَهُوَ الصَّلَاةُ لَا اسْمُ
310 -
(وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ، وَالسِّوَاكُ وَأَنْ يَمَسَّ مِنْ الطِّيبِ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) . .)
311 -
(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ يَوْمًا يَغْسِلُ فِيهِ رَأْسَهُ وَجَسَدَهُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
312 -
(وَعَنْ ابْن عُمَرَ «أَنَّ عُمَرَ بَيْنَا هُوَ قَائِمٌ فِي الْخُطْبَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إذْ دَخَلَ رَجُلٌ
ــ
[نيل الأوطار]
الْيَوْم كَذَا قِيلَ، وَفِي الْقَامُوسِ وَالْجُمُعَةُ الْمَجْمُوعَةُ وَيَوْمُ الْجُمُعَةِ، وَقِيلَ: إنَّمَا سُمِّيَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّ خَلْقَ آدَمَ جُمِعَ فِيهِ، أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُمَا مِنْ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ. وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ بِسَنَدٍ قَوِيٍّ مَوْقُوفٍ.
قَالَ الْحَافِظُ: إنَّ هَذَا أَصَحُّ الْأَقْوَالِ، وَلَكِنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ فِي الْحَدِيثِ إلَّا الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّ الْيَوْمَ لَا يُؤْتَى، وَكَذَلِكَ غَيْرَهُ، وَأَخْرَجَ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُمَا مَرْفُوعًا:«مَنْ أَتَى الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ» زَادَ ابْنُ خُزَيْمَةَ «وَمَنْ لَمْ يَأْتِهَا فَلَا يَغْتَسِلُ» .
310 -
(وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ، وَالسِّوَاكُ وَأَنْ يَمَسَّ مِنْ الطِّيبِ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) . وَقَدْ اتَّفَقَ السَّبْعَةُ عَلَى إخْرَاجِ قَوْلِهِ: " غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ ". قَوْلُهُ: (وَأَنْ يَمَسَّ) يَجُوزُ فَتْحُ الْمِيمِ وَضَمُّهَا، وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ «وَلَوْ مِنْ طِيبِ الْمَرْأَةِ»
وَهُوَ الْمَكْرُوهُ لِلرِّجَالِ، وَهُوَ مَا ظَهَرَ لَوْنُهُ وَخَفِيَ رِيحُهُ. فَأَبَاحَهُ لِلرَّجُلِ هُنَا لِلضَّرُورَةِ لِعَدَمِ غَيْرِهِ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى تَأَكُّده. وَقَوْلُهُ:(مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: مُحْتَمَلٌ لِتَكْثِيرِهِ، وَمُحْتَمَلٌ لِتَأْكِيدِهِ حَتَّى يَفْعَلَهُ بِمَا أَمْكَنَهُ. وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ غُسْلِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ لِلتَّصْرِيحِ فِيهِ بِلَفْظِ: وَاجِبٌ. وَقَدْ اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ بِاعْتِبَارِ اقْتِرَانِهِ بِالسِّوَاكِ وَمَسِّ الطِّيبِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِلَفْظِ الْوُجُوبِ تَأْكِيدَ اسْتِحْبَابِهِ كَمَا تَقُولُ: حَقُّكَ عَلَيَّ وَاجِبٌ، وَالْعِدَةُ دَيْنٌ بِدَلِيلِ أَنَّهُ قَرَنَهُ بِمَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ بِالْإِجْمَاعِ، وَهُوَ السِّوَاكُ وَالطِّيبُ انْتَهَى.
وَقَدْ عَرَّفْنَاكَ ضَعْفَ دَلَالَةِ الِاقْتِرَانِ عَنْ ذَلِكَ، وَغَايَتُهَا الصَّلَاحِيَّةُ لِصَرْفِ الْأَوَامِرِ، وَأَمَّا صَرْفُ لَفْظِ وَاجِبٍ وَحَقٍّ فَلَا، وَالْكَلَامُ قَدْ سَبَقَ مَبْسُوطًا فِي الَّذِي قَبْلِهِ.
311 -
(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ يَوْمًا يَغْسِلُ فِيهِ رَأْسَهُ وَجَسَدَهُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) . الْحَدِيث مِنْ أَدِلَّة الْقَائِلِينَ بِوُجُوبِ غُسْلِ الْجُمُعَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي أَوَّلِ الْبَابِ، وَقَدْ تَبَيَّنَ فِي الرِّوَايَاتِ الْأُخَرَ أَنَّ هَذَا الْيَوْمَ هُوَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ.
312 -
(وَعَنْ ابْن عُمَرَ «أَنَّ عُمَرَ بَيْنَا هُوَ قَائِمٌ فِي الْخُطْبَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إذْ دَخَلَ رَجُلٌ
مِنْ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ، فَنَادَاهُ عُمَرُ: أَيَّةُ سَاعَةٍ هَذِهِ؟ فَقَالَ: إنِّي شُغِلْتُ فَلَمْ أَنْقَلِبْ إلَى أَهْلِي حَتَّى سَمِعْتُ التَّأْذِينَ فَلَمْ أَزِدْ عَلَى أَنْ تَوَضَّأْتُ، قَالَ: وَالْوُضُوءَ أَيْضًا وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَأْمُرُ بِالْغُسْلِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
313 -
(وَعَنْ سَمُرَة بْنِ جُنْدُبٍ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ تَوَضَّأَ لِلْجُمُعَةِ فَبِهَا وَنِعْمَتْ، وَمَنْ اغْتَسَلَ فَذَلِكَ أَفْضَلُ» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا ابْنُ مَاجَهْ فَإِنَّهُ رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ)
ــ
[نيل الأوطار]
مِنْ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ، فَنَادَاهُ عُمَرُ: أَيَّةُ سَاعَةٍ هَذِهِ؟ فَقَالَ: إنِّي شُغِلْتُ فَلَمْ أَنْقَلِبْ إلَى أَهْلِي حَتَّى سَمِعْتُ التَّأْذِينَ فَلَمْ أَزِدْ عَلَى أَنْ تَوَضَّأْتُ، قَالَ: وَالْوُضُوءَ أَيْضًا وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَأْمُرُ بِالْغُسْلِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) . الرَّجُلُ الْمَذْكُورُ هُوَ عُثْمَانُ كَمَا بُيِّنَ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَلَا أَعْلَمُ خِلَافًا فِي ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (أَيَّةُ سَاعَةٍ هَذِهِ) قَالَ ذَلِكَ تَوْبِيخًا لَهُ وَإِنْكَارًا لِتَأَخُّرِهِ إلَى هَذَا الْوَقْتِ.
قَوْلُهُ: (الْوُضُوءَ أَيْضًا) هُوَ مَنْصُوبٌ أَيْ تَوَضَّأْتُ الْوُضُوءَ، قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ، فِيهِ إنْكَارٌ ثَانٍ مُضَافًا إلَى الْأَوَّلِ أَيْ الْوُضُوءَ أَيْضًا اقْتَصَرَتْ عَلَيْهِ، وَاخْتَرْتَهُ دُونَ الْغُسْلِ. وَالْمَعْنَى مَا اكْتَفَيْتَ بِتَأْخِيرِ الْوَقْتِ وَتَفْوِيتِ الْفَضِيلَةِ حَتَّى تَرَكْتَ الْغُسْلَ، وَاقْتَصَرْتَ عَلَى الْوُضُوءِ.
وَجَوَّزَ. الْقُرْطُبِيُّ الرَّفْعَ عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ مَحْذُوفٌ، أَيْ وَالْوُضُوءُ أَيْضًا يُقْتَصَرُ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَأَغْرَبَ السُّهَيْلِيُّ فَقَالَ: اتَّفَقَ الرُّوَاةُ عَلَى الرَّفْعِ؛ لِأَنَّ النَّصْبَ يُخْرِجهُ إلَى مَعْنَى الْإِنْكَارِ يَعْنِي وَالْوُضُوءَ لَا يُنْكَرُ، وَجَوَابُهُ مَا تَقَدَّمَ. وَالْحَدِيثُ مِنْ أَدِلَّةِ الْقَائِلِينَ بِالْوُجُوبِ لِقَوْلِهِ:(كَانَ يَأْمُرُ) ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ، وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ تَفَقُّدِ الْإِمَامِ لِرَعِيَّتِهِ، وَأَمْرِهِمْ بِمَصَالِحِ دِينِهِمْ وَالْإِنْكَارِ عَلَى مُخَالِفِ السُّنَّةِ، وَإِنْ كَانَ كَبِيرَ الْقَدْرِ، وَجَوَازُ الْإِنْكَارِ فِي مَجْمَعٍ مِنْ النَّاسِ، وَجَوَازُ الْكَلَامِ فِي الْخُطْبَةِ، وَحُسْنُ الِاعْتِذَارِ إلَى وُلَاةِ الْأَمْرِ.
وَقَدْ اُسْتُدِلَّ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ غَسْلِ الْجُمُعَةِ، قَدْ عَرَّفْنَاكَ فِيمَا سَبَقَ عَدَمَ صَلَاحِيَّتِهَا لِذَلِكَ.
313 -
(وَعَنْ سَمُرَة بْنِ جُنْدُبٍ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ تَوَضَّأَ لِلْجُمُعَةِ فَبِهَا وَنِعْمَتْ، وَمَنْ اغْتَسَلَ فَذَلِكَ أَفْضَلُ» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا ابْنُ مَاجَهْ فَإِنَّهُ رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ) . الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلًا. قَالَ فِي الْإِمَامِ: مَنْ يَحْمِلُ رِوَايَةَ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ عَلَى الِاتِّصَالِ يُصَحِّحُ هَذَا الْحَدِيثَ، وَهُوَ مَذْهَبُ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ، كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ وَغَيْرُهُمْ، وَقِيلَ: لَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ إلَّا حَدِيثُ الْعَقِيقَةِ، وَهُوَ قَوْلُ الْبَزَّارِ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: لَمْ يُسْمَع مِنْهُ شَيْئًا، وَإِنَّمَا يُحَدِّثُ مِنْ كِتَابِهِ.
وَرُوِيَ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ، وَهُوَ وَهْمٌ كَمَا قَالَ الْحَافِظُ.
وَرُوِيَ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ جَابِرٍ. وَمِنْ
314 -
(وَعَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كَانَ النَّاسُ يَنْتَابُونَ الْجُمُعَةَ مِنْ مَنَازِلِهِمْ وَمِنْ الْعَوَالِي فَيَأْتُونَ فِي الْعَبَاءِ فَيُصِيبُهُمْ الْغُبَارُ وَالْعَرَقُ فَتَخْرُجُ مِنْهُمْ الرِّيحُ فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم إنْسَانٌ مِنْهُمْ، وَهُوَ عِنْدِي فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: لَوْ أَنَّكُمْ تَطَهَّرْتُمْ لِيَوْمِكُمْ هَذَا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
315 -
(وَعَنْ أَوْسِ بْن أَوْسٍ الثَّقَفِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ غَسَّلَ وَاغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَبَكَّرَ وَابْتَكَرَ وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ وَدَنَا مِنْ الْإِمَامِ فَاسْتَمَعَ وَلَمْ يَلْغُ كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ عَمَلُ سَنَةٍ أَجْرُ صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَلَمْ يَذْكُرْ التِّرْمِذِيُّ: " وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ ")
ــ
[نيل الأوطار]
طَرِيقِ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَنَسٍ. قَالَ الْحَافِظُ: وَهَذَا الِاخْتِلَافُ فِيهِ عَلَى الْحَسَنِ وَعَلَى قَتَادَةَ لَا يَضُرُّ لِضَعْفِ مَنْ وَهِمَ فِيهِ، وَالصَّوَابُ كَمَا قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ وَكَذَا قَالَ الْعُقَيْلِيُّ. وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنْ أَنَسٍ. رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِهِ فِي الْأَوْسَطِ بِإِسْنَادٍ أَمْثَلَ مِنْ ابْنِ مَاجَهْ. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ فِيهِ نَظَرٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَبِإِسْنَادٍ فِيهِ انْقِطَاعٌ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ. وَرَوَاهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَالْبَزَّارُ فِي مُسْنَدَيْهِمَا. وَكَذَلِكَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ مِنْ حَدِيثِهِ بِإِسْنَادٍ فِيهِ ضَعْفٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ. وَلَهُ طَرِيقٌ أُخْرَى فِي التَّمْهِيدِ فِيهَا الرَّبِيعُ بْنُ بَدْرٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ.
وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ لِمَنْ قَالَ بِعَدَمِ وُجُوبِ غُسْلِ الْجُمُعَةِ، وَقَدْ ذَكَرنَا تَقْرِيرَ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى ذَلِكَ، وَالْجَوَابَ عَلَيْهِ أَوَّل الْبَابِ.
قَوْلُهُ: (فَبِهَا وَنِعْمَتْ) قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: مَعْنَاهُ فَبِالسُّنَّةِ أَخَذَ وَنِعْمَتْ السُّنَّةُ، قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: إنَّمَا ظَهَرَتْ تَاء التَّأْنِيثِ لَإِضْمَارِ السُّنَّةِ، وَقَالَ الْخَطَّابِيِّ: وَنِعْمَتْ الْخَصْلَةُ. وَقِيلَ: وَنِعْمَتْ الرُّخْصَةُ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ الْغُسْلُ، قَالَهُ أَبُو حَامِدٍ الشَّارِكِيُّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: فَبِالْفَرِيضَةِ أَخَذَ، وَنِعْمَتْ الْفَرِيضَةُ.
314 -
(وَعَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كَانَ النَّاسُ يَنْتَابُونَ الْجُمُعَةَ مِنْ مَنَازِلِهِمْ وَمِنْ الْعَوَالِي فَيَأْتُونَ فِي الْعَبَاءِ فَيُصِيبُهُمْ الْغُبَارُ وَالْعَرَقُ فَتَخْرُجُ مِنْهُمْ الرِّيحُ فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم إنْسَانٌ مِنْهُمْ، وَهُوَ عِنْدِي فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: لَوْ أَنَّكُمْ تَطَهَّرْتُمْ لِيَوْمِكُمْ هَذَا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
قَوْلُهُ: (يَنْتَابُونَ الْجُمُعَةَ) أَيْ يَأْتُونَهَا، وَالْعَوَالِي هِيَ الْقُرَى الَّتِي حَوْلَ الْمَدِينَةِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ مِنْهَا.
قَوْلُهُ: (فِي الْعَبَاءِ) هُوَ بِالْمَدِّ وَفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ: جَمْعُ عَبَاءَةٍ بِالْمَدِّ وَعَبَايَةٍ بِالْيَاءِ لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ. قَوْلُهُ: (لَوْ أَنَّكُمْ تَطَهَّرْتُمْ) لَوْ لِلتَّمَنِّي فَلَا تَحْتَاجُ إلَى جَوَابٍ، أَوْ لِلشَّرْطِ، وَالْجَوَابُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ لَكَانَ حَسَنًا. الْحَدِيثَ اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ بِعَدَمِ وُجُوبِ غُسْلِ الْجُمُعَةِ وَقَدْ قَدَّمْنَا تَقْرِيرَ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ، وَالْجَوَابِ عَلَيْهِ فِي أَوَّلِ الْبَابِ.
315 -
(وَعَنْ أَوْسِ بْن أَوْسٍ الثَّقَفِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ غَسَّلَ وَاغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَبَكَّرَ وَابْتَكَرَ وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ وَدَنَا مِنْ الْإِمَامِ فَاسْتَمَعَ وَلَمْ يَلْغُ كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ عَمَلُ سَنَةٍ أَجْرُ صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَلَمْ يَذْكُرْ التِّرْمِذِيُّ: " وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ ") الْحَدِيثُ حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَسَكَتَ عَلَيْهِ أَبُو دَاوُد وَالْمُنْذِرِيُّ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى