الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْعَصْرَ حِين صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ، ثُمَّ جَاءَهُ الْمَغْرِبَ فَقَالَ قُمْ فَصَلِّهِ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ حِينَ وَجَبَتْ الشَّمْسُ، ثُمَّ جَاءَهُ الْعِشَاءَ فَقَالَ: قُمْ فَصَلِّهِ، فَصَلَّى الْعِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ، ثُمَّ جَاءَهُ الْفَجْرُ فَقَالَ: قُمْ فَصَلِّهِ، فَصَلَّى الْفَجْرَ حِينَ بَرَقَ الْفَجْرُ، أَوْ قَالَ: سَطَعَ الْفَجْرُ، ثُمَّ جَاءَهُ مِنْ الْغَدِ لِلظُّهْرِ فَقَالَ: قُمْ فَصَلِّهِ، فَصَلَّى الظُّهْرَ حِينَ صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ، ثُمَّ جَاءَهُ الْعَصْرَ فَقَالَ: قُمْ فَصَلِّهِ، فَصَلَّى الْعَصْرَ حِينَ صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ، ثُمَّ جَاءَهُ الْمَغْرِبَ وَقْتًا وَاحِدًا لَمْ يَزُلْ عَنْهُ، ثُمَّ جَاءَهُ الْعِشَاءَ حِينَ ذَهَبَ نِصْفُ اللَّيْلِ، أَوْ قَالَ: ثُلُثُ اللَّيْلِ فَصَلَّى الْعِشَاءَ، ثُمَّ جَاءَهُ حِينَ أَسْفَرَ جِدًّا، فَقَالَ: قُمْ فَصَلِّهِ، فَصَلَّى الْفَجْرَ، ثُمَّ قَالَ: مَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ وَقْتٌ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ بِنَحْوِهِ. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: هُوَ أَصَحُّ شَيْءٍ فِي الْمَوَاقِيتِ) .
419 -
(وَلِلتِّرْمِذِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَمَّنِي جِبْرِيلُ عليه السلام عِنْدَ الْبَيْتِ مَرَّتَيْنِ» . فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ جَابِرٍ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ فِيهِ: «وَصَلَّى الْمَرَّةَ الثَّانِيَةَ حِين صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ لِوَقْتِ الْعَصْرِ بِالْأَمْسِ. وَقَالَ فِيهِ: ثُمَّ صَلَّى الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ حِينَ ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ. وَفِيهِ: ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ هَذَا وَقْتُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِكَ، وَالْوَقْتُ فِيمَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ» . قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) .
ــ
[نيل الأوطار]
[بَابُ وَقْتِ الظُّهْرِ]
أَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرَجَهُ أَيْضًا ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ، وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ أَصَحُّ شَيْءٍ فِي الْبَابِ، كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ أَيْضًا أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِمُ، وَفِي إسْنَادِهِ ثَلَاثَةٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِمْ؛ أَوَّلُهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ، كَانَ ابْنُ مَهْدِيٍّ لَا يُحَدِّثُ عَنْهُ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: مُضْطَرِبُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: ضَعِيفٌ. وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَأَبُو حَاتِمٍ: لَا يُحْتَجُّ بِهِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ ضَعِيفٌ، وَمَا حَدَّثَ بِالْمَدِينَةِ أَصَحُّ مِمَّا صَحَّ بِبَغْدَادَ. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: بَعْضُ مَا يَرْوِيهِ لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ، وَقَدْ وَثَّقَهُ مَالِكٌ، وَاسْتَشْهَدَ الْبُخَارِيُّ بِحَدِيثِهِ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ فِي بَابِ: التَّطَوُّعِ بَعْدَ الْمَكْتُوبَةِ وَفِي حَدِيثِ «لَا تَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوَّ» ، وَالثَّانِي شَيْخُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ، قَالَ أَحْمَدُ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ ابْن نُمَيْرٍ: لَا أُقْدِمُ عَلَى تَرْكِ حَدِيثِهِ، وَقَالَ فِيهِ ابْنُ مَعِينٍ: صَالِحٌ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: شَيْخٌ، وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: ثِقَةٌ.
وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَلَكِنَّهُ قَدْ تُوبِعَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، فَأَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ الْعُمَرِيِّ عَنْ عُمَرَ بْنِ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ بِنَحْوِهِ. قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: هِيَ مُتَابَعَةٌ حَسَنَةٌ وَالثَّالِثُ: حَكِيمُ بْنُ حَكِيمٍ وَهُوَ ابْنُ عُبَّادِ بْنُ حُنَيْفٍ، قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ قَلِيلَ الْحَدِيثِ، وَلَا يَحْتَجُّونَ بِحَدِيثِهِ.
وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا قَدْ صَحَّحَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: إنَّ الْكَلَامَ فِي إسْنَادِهِ لَا وَجْهَ لَهُ، وَأَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَيَّاشٍ، فَسَلِمَتْ طَرِيقُهُ مِنْ التَّضْعِيفِ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الزِّنَادِ. وَكَذَلِكَ أَخْرَجَهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ أَبُو دَاوُد وَابْنُ خُزَيْمَةَ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَذَكَرَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ عُمَرَ بْنِ نَافِعٍ وَابْنِ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِث بِإِسْنَادِهِ، وَذَكَره أَيْضًا عَنْ عُمَرَ بْنِ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادِ حَسَنٍ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ السَّكَنِ وَالْحَاكِمُ، وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَلَكِنْ فِيهِ أَنَّ لِلْمَغْرِبِ وَقْتَيْنِ وَنُقِلَ عَنْ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ خَطَأٌ.
وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَعِنْد بُرَيْدَةَ عَنْهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا وَصَحَّحَهُ، وَعَنْ أَبِي مُوسَى عِنْدَ مُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَأَبِي عَوَانَةَ وَأَبِي نُعَيْمٍ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ: إنَّهُ حَسَّنَهُ الْبُخَارِيُّ. وَعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ عِنْدَ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأَ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ وَالْبَيْهَقِيِّ فِي الدَّلَائِلِ وَأَصْلُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ، وَفَصَّلَهُ أَبُو دَاوُد. وَعَنْ أَبِي سَعِيدِ الْخُدْرِيِّ عِنْدَ أَحْمَدَ مِنْ مُسْنَدِهِ وَالطَّحَاوِيِّ، وَعَنْ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ رَوَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ. وَعَنْ الْبَرَاءِ ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ. وَعَنْ أَنَسٍ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيّ، وَابْنِ السَّكَنِ فِي صَحِيحِهِ، وَالْإِسْمَاعِيلِيّ فِي مُعْجَمِهِ، وَأَشَارَ إلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ، وَرَوَاهُ عَنْهُ النَّسَائِيّ بِنَحْوِهِ، وَأَبُو أَحْمَدَ الْحَاكِمُ فِي الْكُنَى وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيّ قَالَ الْحَافِظُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ، لَكِنْ فِيهِ عَنْعَنَةُ ابْنِ إِسْحَاقَ.
وَرَوَاهُ ابْن حِبَّانَ فِي الضُّعَفَاءِ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى، فِيهَا مَحْبُوبُ بْنُ الْجَهْمِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَعَنْ مَجْمَعِ بْنِ جَارِيَةَ عِنْدَ الْحَاكِمِ. قَوْلُهُ - فِي الْحَدِيثِ -:(قُمْ فَصَلِّهِ) الْهَاءُ هَاءُ السَّكْتِ. قَوْلُهُ: (حِينَ وَجَبَتْ الشَّمْسُ) الْوُجُوبُ: السُّقُوطُ، وَالْمُرَادُ سُقُوطُهَا لِلْغُرُوبِ. وَقَوْلُهُ:(زَالَتْ الشَّمْسُ) أَيْ مَالَتْ إلَى جِهَةِ الْمَغْرِبِ. وَقَوْلُهُ: (حِين صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ) الظِّلُّ: السَّتْرُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: أَنَا فِي ظِلِّكَ، وَظِلُّ اللَّيْلِ: سَوَادُهُ؛ لِأَنَّهُ يَسْتُرُ كُلَّ شَيْءٍ، وَظِلُّ الشَّمْسِ مَا سُتِرَ بِهِ الشُّخُوصُ مِنْ مَسْقَطِهَا.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَكَانَتْ إمَامَةُ جِبْرِيلَ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْيَوْمِ الَّذِي يَلِي لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ، وَأَوَّلُ صَلَاةٍ أُدِّيَتْ كَذَلِكَ الظُّهْرُ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَقِيلَ: الصُّبْحُ كَمَا ثَبَتَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيّ
قَالَ الْحَافِظُ: وَالصَّحِيحُ خِلَافُهُ، وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ ذَكَرَ لَهُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ عِنْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ نُودِيَ: إنَّ الصَّلَاةَ جَامِعَةٌ، فَفَزِعَ النَّاسُ فَاجْتَمَعُوا إلَى نَبِيِّهِمْ فَصَلَّى بِهِمْ الظُّهْرَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، يَؤُمُّ جِبْرِيلُ مُحَمَّدًا، وَيَؤُمُّ مُحَمَّدٌ النَّاسَ لَا يُسْمِعُهُمْ فِيهِنَّ قِرَاءَةً.
وَذَكَر
بَابُ تَعْجِيلِهَا وَتَأْخِيرِهَا فِي شِدَّةِ الْحَرِّ
ــ
[نيل الأوطار]
عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قَالَ نَافِعُ بْنُ جُبَيْرٍ وَغَيْرُهُ: «لَمَّا أَصْبَحَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ اللَّيْلَةِ الَّتِي أُسْرِيَ بِهِ فِيهَا لَمْ يَرْعَهُ إلَّا جِبْرِيلُ نَزَلَ حِين زَاغَتْ الشَّمْسُ، وَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ: الْأُولَى، فَأَمَرَ فَصِيحَ بِأَصْحَابِهِ: الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ، فَاجْتَمَعُوا، فَصَلَّى جِبْرِيلُ بِالنَّبِيِّ، وَصَلَّى النَّبِيُّ بِالنَّاسِ، وَطَوَّلَ الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَتَيْنِ، ثُمَّ قَصَرَ الْبَاقِيَتَيْنِ» .
وَسَيَأْتِي لِلْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ فِي شَرْحِ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى أَنَّ صَلَاةَ جِبْرِيلَ كَانَتْ بِمَكَّةَ مُقْتَصِرِينَ عَلَى ذَلِكَ. قَالَ الْحَرْبِيُّ: إنَّ الصَّلَاةَ قَبْلَ الْإِسْرَاءِ كَانَتْ صَلَاةً قَبْلَ الْغُرُوبِ، وَصَلَاةً قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْس
وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ صَلَاةٌ مَفْرُوضَةٌ قَبْلَ الْإِسْرَاءِ إلَّا مَا كَانَ أُمِرَ بِهِ مِنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ عَلَى نَحْوِ قِيَامِ رَمَضَانَ، مِنْ غَيْرِ تَوْقِيتٍ وَلَا تَحْدِيدِ رَكَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ، وَلَا لِوَقْتٍ مَحْصُورٍ. وَكَانَ صلى الله عليه وسلم يَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيْ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ. وَقَامَهُ مَعَهُ الْمُسْلِمُونَ نَحْوًا مِنْ حَوْلٍ حَتَّى شَقَّ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ التَّوْبَةَ عَنْهُمْ، وَالتَّخْفِيفَ فِي ذَلِكَ، وَنَسَخَهُ وَحَطَّهُ فَضْلًا مِنْهُ وَرَحْمَةً، فَلَمْ يَبْقَ فِي الصَّلَاةِ فَرِيضَةٌ إلَّا الْخَمْسُ.
وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِلصَّلَوَاتِ وَقْتَيْنِ وَقْتَيْنِ إلَّا الْمَغْرِب، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ. وَعَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ لَهَا أَوْقَاتٌ مَخْصُوصَةٌ لَا تُجْزِئُ قَبْلَهَا بِالْإِجْمَاعِ، وَعَلَى أَنَّ ابْتِدَاءَ وَقْتِ الظُّهْرِ الزَّوَالُ، وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ يُعْتَدُّ بِهِ، وَآخِرُهُ مَصِيرُ ظِلِّ الشَّيْءِ مِثْلَهُ
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ يَخْرُجُ وَقْتُ الظُّهْرِ بِمَصِيرِ ظِلِّ الشَّيْءِ مِثْلَهُ أَمْ لَا؟ ، فَذَهَبَ الْهَادِي وَمَالِكٌ وَطَائِفَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ يَدْخُلُ وَقْتُ الْعَصْرِ، وَلَا يَخْرُج وَقْتُ الظُّهْرِ، وَقَالُوا: يَبْقَى بَعْدَ ذَلِكَ قَدْرَ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ صَالِحًا لِلظُّهْرِ وَالْعَصْرِ أَدَاءً. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «فَصَلَّى بِي الظُّهْرَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي حِينَ صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ، وَصَلَّى الْعَصْرَ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ حِين صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ» وَظَاهِرُهُ اشْتِرَاكُهُمَا فِي قَدْرِ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ، قَالَ: وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَكْثَرُونَ إلَى أَنَّهُ لَا اشْتِرَاكَ بَيْنَ وَقْتِ الظُّهْرِ وَوَقْتِ الْعَصْرِ، بَلْ مَتَى خَرَجَ وَقْتُ الظُّهْرِ بِمَصِيرِ ظِلِّ الشَّيْءِ مِثْلِهِ غَيْرَ الظِّلِّ الَّذِي يَكُونُ عِنْدَ الزَّوَالِ، دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ، وَإِنْ دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِنْ وَقْتِ الظُّهْرِ.
وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ ابْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عِنْدَ مُسْلِمٍ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ: «وَقْتُ الظُّهْرِ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ، وَكَانَ ظِلُّ الرَّجُلِ كَطُولِهِ مَا لَمْ يَحْضُرْ الْعَصْرُ» الْحَدِيثَ.
قَالَ: وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ جِبْرِيلَ بِأَنَّ مَعْنَاهُ فَرَغَ مِنْ الظُّهْرِ حِينَ صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ، وَشَرَعَ فِي الْعَصْرِ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ حِينَ صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ، فَلَا اشْتِرَاكَ بَيْنَهُمَا، قَالَ: وَهَذَا التَّأْوِيلُ مُتَعَيَّنٌ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ؛ وَلِأَنَّهُ إذَا حُمِلَ عَلَى الِاشْتِرَاكِ يَكُونُ آخِرُ وَقْتِ الظُّهْرِ مَجْهُولًا؛ لِأَنَّهُ إذَا ابْتَدَأَ بِهَا حِين صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ لَمْ يُعْلَمْ مَتَى فُرِغَ مِنْهَا، وَحِينَئِذٍ لَا يَحْصُلُ بَيَانُ حُدُودِ