الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ إيجَابِ الْغُسْلِ مِنْ الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ وَنَسْخِ الرُّخْصَةِ فِيهِ
.
288 -
(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الْأَرْبَعِ ثُمَّ جَهَدهَا فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغُسْلُ.» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِمُسْلِمٍ وَأَحْمَدَ " وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ ")
ــ
[نيل الأوطار]
الِاسْتِفْهَامِيَّة الْمَجْرُورَةِ وَهُوَ لُغَةٌ، وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْغُسْلِ عَلَى الْمَرْأَةِ بِإِنْزَالِهَا الْمَاءَ.
قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ وَالنَّوَوِيُّ: وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ، وَقَدْ رُوِيَ الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ عَنْ النَّخَعِيّ. وَفِي الْحَدِيثِ رَدٌّ عَلَى مَنْ قَالَ: إنَّ مَاءَ الْمَرْأَةِ لَا يَبْرُزُ. .
[بَابُ إيجَابِ الْغُسْلِ مِنْ الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ وَنَسْخِ الرُّخْصَةِ فِيهِ]
قَوْلُهُ: (إذَا جَلَسَ) الضَّمِيرُ الْمُسْتَتِرُ فِيهِ، وَفِي قَوْلِهِ: ثُمَّ جَهَدَهَا لِلرَّجُلِ، وَالضَّمِيرُ الْبَارِزُ فِي قَوْلِهِ: شُعَبِهَا وَجَهَدَهَا لِلْمَرْأَةِ.
قَوْلُهُ: (شُعَبِهَا) الشُّعَبُ جَمْعُ شُعْبَةٍ وَهِيَ الْقِطْعَةُ مِنْ الشَّيْءِ، قِيلَ: الْمُرَادُ هُنَا يَدَاهَا وَرِجْلَاهَا، وَقِيلَ: رِجْلَاهَا وَفَخِذَاهَا. وَقِيلَ: سَاقَاهَا وَفَخِذَاهَا، وَقِيلَ: فَخِذَاهَا وَأَسْكَتَاهَا. وَقِيلَ: فَخِذَاهَا وَشُفْرَاهَا، وَقِيلَ: نَوَاحِي فَرْجِهَا الْأَرْبَعِ، قَالَهُ فِي الْفَتْحِ: قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: وَالْأَسْكَتَانِ: نَاحِيَتَا الْفَرْجِ، وَالشُّفْرَانِ: طَرَفَا النَّاحِيَتَيْنِ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ جَهِدَهَا) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالْهَاءِ يُقَالُ: جَهَدَ وَأَجْهَدَ أَيْ بَلَغَ الْمَشَقَّةَ، قِيلَ: مَعْنَاهُ كَدَّهَا بِحَرَكَتِهِ، أَوْ بَلَغَ جُهْدَهُ فِي الْعَمَلِ بِهَا، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا مُعَالَجَةُ الْإِيلَاجِ، كَنَّى بِهِ عَنْهَا. وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ إيجَابِ الْغُسْلِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِنْزَالِ، بَلْ يَجِبُ بِمُجَرَّدِ الْإِيلَاجِ أَوْ مُلَاقَاةِ الْخِتَانِ الْخِتَانَ كَمَا سَيَأْتِي، وَقَدْ ذَهَبَ إلَى ذَلِكَ الْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ وَالْعِتْرَةُ وَالْفُقَهَاءُ وَجُمْهُورُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، وَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ قَالَ: انْعَقَدَ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ عَلَى إيجَابِ الْغُسْلِ مِنْ الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ، قَالَ: وَلَيْسَ ذَلِكَ عِنْدَنَا كَذَلِكَ، وَلَكِنَّا نَقُولُ: إنَّ الِاخْتِلَافَ فِي هَذَا ضَعِيفٌ، وَإِنَّ الْجُمْهُورَ الَّذِينَ هُمْ الْحُجَّةُ عَلَى مَنْ خَالَفَهُمْ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ، انْعَقَدَ إجْمَاعُهُمْ عَلَى إيجَابِ الْغُسْلِ مِنْ الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ أَوْ مُجَاوَزَةِ الْخِتَانِ الْخِتَانَ انْتَهَى.
وَجَعَلُوا أَحَادِيثَ الْبَابِ نَاسِخَةً لِحَدِيثِ " الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ " وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَزَيْدُ بْنُ خَالِدٍ وَابْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَمُعَاذٌ وَرَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ.
وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ عَلِيٍّ، وَمِنْ غَيْرِ الصَّحَابَةِ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالظَّاهِرِيَّةُ، وَقَالُوا: لَا يَجِبُ الْغُسْلُ إلَّا إذَا وَقَعَ الْإِنْزَالُ، وَتَمَسَّكُوا بِحَدِيثِ «الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ» الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ، وَيُمْكِنُ تَأْيِيدُ ذَلِكَ بِحَمْلِ الْجَهْدِ الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثِ عَلَى الْإِنْزَالِ، وَلَكِنَّهُ لَا يَتِمُّ بَعْدَ التَّصْرِيحِ بِقَوْلِهِ:" وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ " فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَأَحْمَدَ، وَأَصْرَحُ مِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ عَائِشَةَ الْآتِي بَعْدَ هَذَا،
289 -
(وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «إذَا قَعَدَ بَيْنَ شُعَبِهَا الْأَرْبَعِ، ثُمَّ مَسَّ الْخِتَانُ الْخِتَانَ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَلَفْظُهُ: «إذَا جَاوَزَ الْخِتَانُ الْخِتَانَ وَجَبَ الْغُسْلُ»
ــ
[نيل الأوطار]
لِتَصْرِيحِهِ بِأَنَّ مُجَرَّدَ مَسِّ الْخِتَانِ لِلْخِتَانِ مُوجِبٌ لِلْغُسْلِ، وَلَكِنَّهَا لَا تَتِمُّ دَعْوَى النَّسْخِ الَّتِي جَزَمَ بِهَا الْأَوَّلُونَ إلَّا بَعْدَ تَسْلِيمِ تَأَخُّرِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ وَغَيْرِهِمَا، وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ حَدِيثَ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَحَدِيثَ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ لِلِاسْتِدْلَالِ بِهِمَا عَلَى النَّسْخِ، وَهُمَا صَرِيحَانِ فِي ذَلِكَ، وَسَنَذْكُرُهُمَا.
وَقَدْ ذَكَرَ الْحَازِمِيُّ فِي النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ آثَارًا تَدُلُّ عَلَى النَّسْخِ، وَلَوْ فُرِضَ عَدَمُ التَّأَخُّرِ لَمْ يَنْتَهِضْ حَدِيثُ " الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ " لِمُعَارَضَةِ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ؛ لِأَنَّهُ مَفْهُومٌ، وَهُمَا مَنْطُوقَانِ، وَالْمَنْطُوقُ أَرْجَحُ مِنْ الْمَفْهُومِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَقَدْ أُجْمِعَ عَلَى وُجُوبِ الْغُسْلِ مَتَى غَابَتْ الْحَشَفَةُ فِي الْفَرْجِ، وَإِنَّمَا كَانَ الْخِلَافُ فِيهِ لِبَعْضِ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، ثُمَّ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَهَكَذَا قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَصَرَّحَ أَنَّهُ لَمْ يُخَالِفْ فِي ذَلِكَ إلَّا دَاوُد.
قَوْلُهُ: (فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغُسْلُ) هُوَ بِضَمِّ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ اسْمٌ لِلِاغْتِسَالِ، وَحَقِيقَتُهُ إفَاضَةُ الْمَاءِ عَلَى الْأَعْضَاءِ، وَزَادَتْ الْهَادَوِيَّةُ مَعَ الدَّلْكِ، وَلَمْ نَجِدْ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ مَا يُشْعِرُ بِأَنَّ الدَّلْكَ دَاخِلٌ فِي مُسَمَّى الْغُسْلِ، فَالْوَاجِبُ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ اسْمُ الْغُسْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ لُغَةً، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: حَدِيثُ «بُلُّوا الشَّعْرَ وَأَنْقُوا الْبَشَرَ» - عَلَى فَرْضِ صِحَّتِهِ - مُشْعِرٌ بِوُجُوبِ الدَّلْكِ؛ لِأَنَّ الْإِنْقَاءَ لَا يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ الْإِفَاضَةِ. لَا يُقَالُ: إذَا لَمْ يَجِبْ الدَّلْكُ لَمْ يَبْقَ فَرْقٌ بَيْنَ الْغُسْلِ وَالْمَسْحِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: الْمَسْحُ الْإِمْرَارُ عَلَى الشَّيْءِ بِالْيَدِ يُصِيبُ مَا أَصَابَ وَيُخْطِئُ مَا أَخْطَأَ فَلَا يَجِبُ فِيهِ الِاسْتِيعَابُ بِخِلَافِ الْغُسْلِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ فِيهِ الِاسْتِيعَابُ.
289 -
(وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «إذَا قَعَدَ بَيْنَ شُعَبِهَا الْأَرْبَعِ، ثُمَّ مَسَّ الْخِتَانُ الْخِتَانَ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَلَفْظُهُ: «إذَا جَاوَزَ الْخِتَانُ الْخِتَانَ وَجَبَ الْغُسْلُ» ) . وَلَهَا حَدِيثٌ آخَرُ بِلَفْظِ: «إذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ، فَعَلْته أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَاغْتَسَلْنَا» وَأَخْرَجَهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالنَّسَائِيُّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَابْنُ الْقَطَّانِ، وَأَعَلَّهُ الْبُخَارِيُّ بِأَنَّ الْأَوْزَاعِيَّ أَخْطَأَ فِيهِ. وَرَوَاهُ غَيْرُهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ مُرْسَلًا، وَاسْتُدِلَّ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ أَبَا الزِّنَادِ قَالَ: سَأَلْت الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ سَمِعْت فِي هَذَا الْبَابِ شَيْئًا؟ قَالَ: لَا. وَابْنُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ عَنْ أَبِيهِ. وَأَجَابَ مَنْ صَحَّحَهُ بِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْقَاسِمُ كَانَ نَسِيَهُ، ثُمَّ ذَكَرَ أَوْ حَدَّثَ بِهِ ابْنَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ ثُمَّ نَسِيَ. قَالَ الْحَافِظُ: وَلَا يَخْلُو الْجَوَابُ عَنْ نَظَرٍ. قَالَ النَّوَوِيُّ: هَذَا الْحَدِيثُ أَصْلُهُ صَحِيحٌ، وَلَكِنْ فِيهِ تَغْيِيرٌ، وَتَبِعَ فِي ذَلِكَ ابْنَ الصَّلَاحِ.
قَوْلُهُ: (بَيْنَ شُعَبِهَا) قَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ الشُّعَبِ.
قَوْلُهُ: (الْخِتَانُ)
290 -
(وَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: «إنَّ الْفُتْيَا الَّتِي كَانُوا يَقُولُونَ: الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ رُخْصَةٌ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَخَّصَ بِهَا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ أَمَرَنَا بِالِاغْتِسَالِ بَعْدَهَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد، وَفِي لَفْظٍ إنَّمَا كَانَ الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ رُخْصَةٌ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ نُهِيَ عَنْهَا. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ)
ــ
[نيل الأوطار]
الْمُرَادُ بِهِ هُنَا مَوْضِعُ الْخَتْنِ، وَالْخَتْنُ فِي الْمَرْأَةِ قَطْعُ جِلْدَةٍ فِي أَعْلَى الْفَرْجِ مُجَاوِرَةٍ لِمَخْرَجِ الْبَوْلِ، كَعُرْفِ الدِّيكِ وَيُسَمَّى: الْخِفَاضُ.
قَوْلُهُ: (جَاوَزَ) وَرَدَ بِلَفْظِ الْمُجَاوَزَةِ، وَبِلَفْظِ الْمُلَاقَاةِ، وَبِلَفْظِ الْمُلَامَسَةِ، وَبِلَفْظِ الْإِلْزَاقِ، وَالْمُرَادُ بِالْمُلَاقَاةِ: الْمُحَاذَاةُ، قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ: إذَا غَابَتْ الْحَشَفَةُ فِي الْفَرْجِ فَقَدْ وَقَعَتْ الْمُلَاقَاةُ.
قَالَ ابْنُ سَيِّدِ النَّاسِ: وَهَكَذَا مَعْنَى مَسَّ الْخِتَانُ الْخِتَانَ أَيْ قَارَبَهُ وَدَانَاهُ، وَمَعْنَى إلْزَاقِ الْخِتَانِ بِالْخِتَانِ إلْصَاقُهُ بِهِ، وَمَعْنَى الْمُجَاوَزَةِ ظَاهِرٌ. قَالَ ابْنُ سَيِّدِ النَّاسِ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ حَاكِيًا عَنْ ابْنِ الْعَرَبِيِّ: وَلَيْسَ الْمُرَادُ حَقِيقَةُ اللَّمْسِ وَلَا حَقِيقَةُ الْمُلَاقَاةِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ الْمَجَازِ وَالْكِنَايَةِ عَنْ الشَّيْءِ بِمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مُلَامَسَةٌ أَوْ مُقَارَبَةٌ، وَهُوَ ظَاهِرٌ وَذَلِكَ أَنَّ خِتَانَ الْمَرْأَةِ فِي أَعْلَى الْفَرْجِ، وَلَا يَمَسُّهُ الذَّكَرُ فِي الْجِمَاعِ. وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ وَضَعَ ذَكَرَهُ عَلَى خِتَانِهَا. وَلَمْ يُولِجْهُ لَمْ يَجِبْ الْغُسْلُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَلَا بُدَّ مِنْ قَدْرٍ زَائِدٍ عَلَى الْمُلَاقَاةِ، وَهُوَ مَا وَقَعَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ بِلَفْظِ:«إذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ وَتَوَارَتْ الْحَشَفَةُ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ» أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَالتَّصْرِيحُ بِلَفْظِ الْوُجُوبِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ مُشْعِرٌ بِأَنَّ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْحَتْمِ، وَلَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ مُجَرَّدَ مُلَاقَاةِ الْخِتَانِ الْخِتَانَ سَبَبٌ لِلْغُسْلِ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله: وَهُوَ يُفِيدُ الْوُجُوبَ وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ حَائِلٌ انْتَهَى. وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُلَاقَاةَ وَالْمُجَاوَزَةَ لَا يَتَوَقَّفُ صِدْقُهُمَا عَلَى عَدَمِهِ.
290 -
(وَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: «إنَّ الْفُتْيَا الَّتِي كَانُوا يَقُولُونَ: الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ رُخْصَةٌ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَخَّصَ بِهَا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ أَمَرَنَا بِالِاغْتِسَالِ بَعْدَهَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد، وَفِي لَفْظٍ إنَّمَا كَانَ الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ رُخْصَةٌ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ نُهِيَ عَنْهَا. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ) . الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَيْضًا ابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَرَوَاهُ الزُّهْرِيُّ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ.
وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ مَاجَهْ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: قَالَ سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ. وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد عَنْ ابْنِ شِهَابٍ حَدَّثَنِي بَعْضُ مَنْ أَرْضَى أَنَّ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ أَخْبَرَهُ، وَجَزَمَ مُوسَى بْنُ هَارُونَ وَالدَّارَقُطْنِيّ بِأَنَّ الزُّهْرِيَّ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ سَهْلٍ. وَقَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ: هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي لَمْ يُسَمِّهِ الزُّهْرِيُّ هُوَ أَبُو حَازِمٍ، ثُمَّ سَاقَهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أُبَيٍّ قَالَ:(إنَّ الْفُتْيَا) . وَسَاقَهُ بِلَفْظِ: الْكِتَابِ إلَّا أَنَّهُ قَالَ: (فِي بَدْءِ الْإِسْلَامِ) . وَقَدْ سَاقَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ أَيْضًا عَنْ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَهْلٌ، قَالَ الْحَافِظُ: وَهَذَا يَدْفَعُ قَوْلَ مَنْ جَزَمَ بِأَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْهُ، لَكِنْ قَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ: أَهَابُ أَنْ
291 -
(وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الرَّجُلِ يُجَامِعُ أَهْلَهُ ثُمَّ يُكْسِلُ وَعَائِشَةُ جَالِسَةٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إنِّي لَأَفْعَلُ ذَلِكَ أَنَا وَهَذِهِ ثُمَّ نَغْتَسِلُ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .
291 -
(وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الرَّجُلِ يُجَامِعُ أَهْلَهُ ثُمَّ يُكْسِلُ وَعَائِشَةُ جَالِسَةٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إنِّي لَأَفْعَلُ ذَلِكَ أَنَا وَهَذِهِ ثُمَّ نَغْتَسِلُ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .
292 -
(وَعَنْ «رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ: نَادَانِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا عَلَى بَطْنِ امْرَأَتِي، فَقُمْت وَلَمْ أُنْزِلْ فَاغْتَسَلْت وَخَرَجْت فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: لَا عَلَيْك. الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ، قَالَ رَافِعٌ: ثُمَّ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ ذَلِكَ بِالْغُسْلِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ) .
بَابُ مَنْ ذَكَرَ احْتِلَامًا وَلَمْ يَجِدْ بَلَلًا أَوْ بِالْعَكْسِ
293 -
عَنْ خَوْلَةَ بِنْتِ حَكِيمٍ «أَنَّهَا سَأَلَتْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْمَرْأَةِ تَرَى فِي مَنَامِهَا مَا يَرَى الرَّجُلُ، فَقَالَ: لَيْسَ عَلَيْهَا غُسْلٌ حَتَّى تُنْزِلَ. كَمَا أَنَّ الرَّجُلَ لَيْسَ عَلَيْهِ غُسْلٌ
ــ
[نيل الأوطار]
تَكُونَ هَذِهِ اللَّفْظَةُ غَلَطًا مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الرَّاوِي لَهُ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ. قَالَ الْحَافِظُ: وَأَحَادِيثُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ عَنْ مَعْمَرٍ يَقَعُ الْوَهْمُ فِيهَا، لَكِنْ فِي كِتَابِ ابْنِ شَاهِينَ مِنْ طَرِيقِ يَعْلَى بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ يُونُسَ عَنْ الزُّهْرِيِّ حَدَّثَنِي سَهْلٌ، وَكَذَا أَخْرَجَهُ بَقِيٍّ بْنُ مَخْلَدٍ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ أَبِي كُرَيْبٌ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الزُّهْرِيُّ سَمِعَهُ مِنْ رَجُلٍ عَنْ سَهْلٍ، ثُمَّ لَقِيَ سَهْلًا فَحَدَّثَ، أَوْ سَمِعَهُ مِنْ سَهْلٍ ثُمَّ ثَبَتَهُ فِيهِ أَبُو حَازِمٍ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ سَيْفِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ أَبِي حَرْبِ بْنِ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ عُمَيْرَةَ بْنِ يَثْرِبِيٍّ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ نَحْوَهُ.
وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى مَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ مِنْ النَّسْخِ، وَقَدْ سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ.
291 -
(وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الرَّجُلِ يُجَامِعُ أَهْلَهُ ثُمَّ يُكْسِلُ وَعَائِشَةُ جَالِسَةٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إنِّي لَأَفْعَلُ ذَلِكَ أَنَا وَهَذِهِ ثُمَّ نَغْتَسِلُ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ) . قَوْلُهُ: (ثُمَّ يُكْسِلُ) قَالَ النَّوَوِيُّ: ضَبَطْنَاهُ بِضَمِّ الْيَاءِ وَيَجُوزُ فَتْحُهَا، وَيُقَالُ: أَكْسَلَ الرَّجُلُ فِي جِمَاعِهِ إذَا ضَعُفَ عَنْ الْإِنْزَالِ، وَكَسِلَ بِفَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِ السِّينِ، وَالْأُولَى أَفْصَحُ، وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَقَدْ سَلَفَ ذِكْرُ الْخِلَافِ فِيهِ.
292 -
(وَعَنْ «رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ: نَادَانِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا عَلَى بَطْنِ امْرَأَتِي، فَقُمْت وَلَمْ أُنْزِلْ فَاغْتَسَلْت وَخَرَجْت فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: لَا عَلَيْك. الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ، قَالَ رَافِعٌ: ثُمَّ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ ذَلِكَ بِالْغُسْلِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ) . الْحَدِيثُ حَسَّنَهُ الْحَازِمِيُّ وَفِي تَحْسِينِهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ فِي إسْنَادِهِ رِشْدِينُ وَلَيْسَ مِنْ رِجَالِ الْحَسَنِ.
وَفِيهِ أَيْضًا مَجْهُولٌ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: عَنْ بَعْضِ وَلَدِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ فَلْيُنْظَرْ، فَالظَّاهِرُ ضَعْفُ الْحَدِيثِ لَا حُسْنُهُ،
وَهُوَ مِنْ أَدِلَّةِ مَذْهَبِ الْجُمْهُورِ. وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَعُثْمَانَ وَالزُّبَيْرِ وَطَلْحَةَ وَأَبِي أَيُّوبَ وَأَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِمْ.