الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ الرُّخْصَةِ فِي اجْتِيَازِ الْجُنُبِ فِي الْمَسْجِدِ وَمَنْعِهِ مِنْ اللُّبْثِ فِيهِ إلَّا أَنْ يَتَوَضَّأَ
301 -
(عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: نَاوِلِينِي الْخُمْرَةَ مِنْ الْمَسْجِدِ، فَقُلْت: إنِّي حَائِضٌ، فَقَالَ: إنَّ حَيْضَتَك لَيْسَتْ فِي يَدِك» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ)
ــ
[نيل الأوطار]
[بَابُ الرُّخْصَةِ فِي اجْتِيَازِ الْجُنُبِ فِي الْمَسْجِدِ وَمَنْعِهِ مِنْ اللُّبْثِ فِيهِ إلَّا أَنْ يَتَوَضَّأَ]
الْحَدِيثُ حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وَهُوَ صَحِيحٌ بِتَصْحِيحِ مُسْلِمٍ إيَّاهُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ سَيِّدِ النَّاسِ، وَإِخْرَاجُهُ لَهُ فِي صَحِيحِهِ، وَأَمَّا أَبُو الْحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيّ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِيهِ اخْتِلَافًا عَلَى الْأَعْمَشِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَصَوَّبَ رِوَايَةَ مَنْ رَوَاهُ عَنْهُ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ، وَلَيْسَ هَذَا الِاخْتِلَافُ الَّذِي ذَكَرَهُ الدَّارَقُطْنِيّ مَانِعًا مِنْ الْقَوْلِ بِصِحَّتِهِ بَعْدَ أَنْ بَيَّنَّ فِيهِ وَجْهَ الصَّوَابِ وَلَكِنَّهُ تَفَرَّدَ بِهِ ثَابِتُ بْنُ عُبَيْدٍ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ ثِقَةً فَلَيْسَ فِي مَرْتَبَةِ الْحِفْظِ وَالْإِتْقَانِ الَّذِي يُقْبَلُ مَعَهُ تَفَرُّدُهُ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْ إعْلَالِهِ بِالتَّفَرُّدِ أَنَّ لَهُ طَرِيقًا أُخْرَى عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ عَنْ الْأَعْشَى عَنْ السَّائِبِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ عَنْ عَائِشَةَ، وَعَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ بْنِ سَعِيدٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُحَارِبِي كِلَاهُمَا عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ. وَعَنْ أَبِي عُمَرَ الْحَوْضِيِّ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ وَهَذِهِ مُتَابَعَاتٌ لِطَرِيقِ ثَابِتِ بْنِ عُبَيْدٍ وَهِيَ وَإِنْ كَانَتْ وَاهِيَةً فَهِيَ تَحْصُلُ تَقْوِيَةً.
قَوْلُهُ: (الْخُمْرَةَ) الْخُمْرَةُ بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَإِسْكَانِ الْمِيمِ. قَالَ الْهَرَوِيُّ وَغَيْرُهُ: وَهِيَ السَّجَّادَةُ وَهِيَ مَا يَضَعُ عَلَيْهِ الرَّجُلُ حَرَّ وَجْهِهِ فِي سُجُودِهِ مِنْ حَصِيرٍ أَوْ نَسِيجَةٍ مِنْ خُوصٍ. وَقَالَ الْخَطَّابِيِّ: هِيَ السَّجَّادَةُ يَسْجُدُ عَلَيْهَا الْمُصَلِّي وَهِيَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ قَدْرُ مَا يَضَعُ عَلَيْهِ الْمُصَلِّي وَجْهَهُ فَقَطْ، وَقَدْ تَكُونُ عِنْدَ بَعْضِهِمْ أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (إنَّ حَيْضَتَك) الْحِيضَةُ قَيَّدَهَا الْخَطَّابِيِّ بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ يَعْنِي الْحَالَةَ وَالْهَيْئَةَ. وَقَالَ الْمُحَدِّثُونَ: يَفْتَحُونَ الْحَاءَ وَهُوَ خَطَأٌ. وَصَوَّبَ الْقَاضِي عِيَاضٌ الْفَتْحَ وَزَعَمَ أَنَّ كَسْرَ الْحَاءِ هُوَ الْخَطَأُ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ الدَّمَ وَهُوَ الْحَيْضُ بِالْفَتْحِ لَا غَيْرُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ كَلَامُ الْحَافِظِ وَالنَّوَوِيِّ فِي بَابِ وُجُوبِ الْغُسْلِ عَلَى الْكَافِرِ. وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ دُخُولِ الْحَائِضِ الْمَسْجِدَ لِلْحَاجَةِ وَلَكِنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى تَعَلُّقِ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ أَعْنِي قَوْلَهُ:(مِنْ الْمَسْجِدِ) بِقَوْلِهِ (نَاوِلِينِي) وَقَدْ قَالَ بِذَلِكَ طَائِفَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ، وَاسْتَدَلُّوا بِهِ عَلَى جَوَازِ دُخُولِ الْحَائِضِ الْمَسْجِدَ لِلْحَاجَةِ تَعْرِضُ لَهَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى جَسَدِهَا نَجَاسَةً وَأَنَّهَا لَا تُمْنَعُ مِنْ الْمَسْجِدِ إلَّا مَخَافَةَ مَا يَكُونُ مِنْهَا، وَعَلَّقَتْهُ طَائِفَةٌ أُخْرَى
302 -
(وَعَنْ «مَيْمُونَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدْخُلُ عَلَى إحْدَانَا وَهِيَ حَائِضٌ فَيَضَعُ رَأْسَهُ فِي حِجْرِهَا فَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَهِيَ حَائِضٌ ثُمَّ تَقُومُ إحْدَانَا بِخُمْرَتِهِ فَتَضَعُهَا فِي الْمَسْجِدِ وَهِيَ حَائِضٌ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ) .
303 -
(وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: «كَانَ أَحَدُنَا يَمُرُّ فِي الْمَسْجِدِ جُنُبًا مُجْتَازًا» رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي سُنَنِهِ) .
304 -
(وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ: «كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَمْشُونَ فِي الْمَسْجِدِ وَهُمْ جُنُبٌ» . رَوَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ)
ــ
[نيل الأوطار]
بِقَوْلِهَا: " قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ الْمَسْجِدِ نَاوِلِينِي الْخُمْرَةَ " عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ. وَعَلَيْهِ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهَا لَا تَدْخُلُ لَا مُقِيمَةً وَلَا عَابِرَةً لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: " لَا أُحِلُّ الْمَسْجِدَ لِحَائِضٍ وَلَا جُنُبٍ " وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْبَابِ.
قَالُوا: وَلِأَنَّ حَدَثَهَا أَغْلَظُ مِنْ حَدَثِ الْجَنَابَةِ، وَالْجُنُبُ لَا يَمْكُثُ فِيهِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي عُبُورِهِ. وَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ مَنْعُهُ، فَالْحَائِضُ أَوْلَى بِالْمَنْعِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْمَسْجِدِ هُنَا مَسْجِدَ بَيْتِهِ الَّذِي كَانَ يَتَنَفَّلُ فِيهِ فَيَسْقُطُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ فِي هَذَا الْبَابِ. وَقَدْ ذَهَبَ إلَى جَوَازِ دُخُولِ الْحَائِضِ الْمَسْجِدَ وَأَنَّهَا لَا تُمْنَعُ إلَّا لِمَخَافَةِ مَا يَكُونُ مِنْهَا زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيِّ عَنْ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَأَهْلِ الظَّاهِرِ، وَمَنَعَ مِنْ دُخُولِهَا سُفْيَانُ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ.
302 -
(وَعَنْ «مَيْمُونَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدْخُلُ عَلَى إحْدَانَا وَهِيَ حَائِضٌ فَيَضَعُ رَأْسَهُ فِي حِجْرِهَا فَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَهِيَ حَائِضٌ ثُمَّ تَقُومُ إحْدَانَا بِخُمْرَتِهِ فَتَضَعُهَا فِي الْمَسْجِدِ وَهِيَ حَائِضٌ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ) . الْحَدِيثُ إسْنَادُهُ فِي سُنَنِ النَّسَائِيّ هَكَذَا، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مَنْبُوذٍ عَنْ أُمِّهِ أَنَّ مَيْمُونَةَ فَذَكَرَهُ. وَمُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ ثِقَةٌ، وَمَنْبُوذٌ وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ بِنَحْوِ هَذَا اللَّفْظِ عَنْهَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَالضِّيَاءُ فِي الْمُخْتَارَةِ. وَلِلْحَدِيثِ شَوَاهِدُ.
أَمَّا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فِي حِجْرِ الْحَائِضِ فَهِيَ ثَابِتَةٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَلَيْسَ فِيهَا خِلَافٌ. وَأَمَّا وَضْعُ الْخُمْرَةِ فَهُوَ حُجَّةٌ لِمَنْ قَالَ بِجَوَازِ دُخُولِ الْحَائِضِ الْمَسْجِدَ لِلْحَاجَةِ، وَمُؤَيِّدٌ لِتَعْلِيقِ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ:(نَاوِلِينِي) ؛ لِأَنَّ دُخُولَهَا الْمَسْجِدَ لِوَضْعِ الْخُمْرَةِ فِيهِ لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ دُخُولِهَا إلَيْهِ لَإِخْرَاجِهَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ. وَأَخْرَجَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ جَوَارِيَهُ كُنَّ يَغْسِلْنَ رِجْلَيْهِ وَيُعْطِينَهُ الْخُمْرَةَ وَهُنَّ حُيَّضٌ.
303 -
(وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: «كَانَ أَحَدُنَا يَمُرُّ فِي الْمَسْجِدِ جُنُبًا مُجْتَازًا» رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي سُنَنِهِ) .
304 -
(وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ: «كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَمْشُونَ فِي الْمَسْجِدِ وَهُمْ جُنُبٌ» . رَوَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ)
305 -
(وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَوُجُوهُ بُيُوتِ أَصْحَابِهِ شَارِعَةٌ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: وَجِّهُوا هَذِهِ الْبُيُوتَ عَنْ الْمَسْجِدِ، ثُمَّ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يَصْنَعْ الْقَوْمُ شَيْئًا رَجَاءَ أَنْ يَنْزِلَ فِيهِمْ رُخْصَةٌ فَخَرَجَ إلَيْهِمْ، فَقَالَ: وَجِّهُوا هَذِهِ الْبُيُوتَ عَنْ الْمَسْجِدِ فَإِنِّي لَا أُحِلُّ الْمَسْجِدَ لِحَائِضٍ وَلَا جُنُبٍ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد) .
306 -
(وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: «دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَرْحَةَ هَذَا الْمَسْجِدِ فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ إنَّ الْمَسْجِدَ لَا يَحِلُّ لِحَائِضٍ وَلَا لِجُنُبٍ» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ) .
ــ
[نيل الأوطار]
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ أَخْرَجَهُ أَيْضًا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَقَدْ أَرَادَ الْمُصَنِّفُ بِهَذَا الِاسْتِدْلَالِ لِمَذْهَبِ مَنْ قَالَ: إنَّهُ يَجُوزُ لِلْجُنُبِ الْعُبُورُ فِي الْمَسْجِدِ وَهُمْ: ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ، وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ} [النساء: 43] وَالْعُبُورُ إنَّمَا يَكُونُ فِي مَحَلِّ الصَّلَاةِ وَهُوَ الْمَسْجِدُ لَا فِي الصَّلَاةِ، وَتَقْيِيدُ جَوَازِ ذَلِكَ بِالسَّفَرِ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ مُطْلَقُ الْمَارِّ،؛ لِأَنَّ الْمُسَافِرَ ذُكِرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَيَكُونُ تَكْرَارًا يُصَانُ الْقُرْآنُ عَنْ مِثْلِهِ.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ أَنَّ رِجَالًا مِنْ الْأَنْصَارِ كَانَتْ أَبْوَابُهُمْ إلَى الْمَسْجِدِ فَكَانَتْ تُصِيبُهُمْ جَنَابَةٌ فَلَا يَجِدُونَ الْمَاءَ وَلَا طَرِيقَ إلَيْهِ إلَّا مِنْ الْمَسْجِدِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلا جُنُبًا إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ} [النساء: 43] وَهَذَا مِنْ الدَّلَالَةِ عَلَى الْمَطْلُوبِ بِمَحَلٍّ لَا يَبْقَى بَعْدَهُ رَيْبٌ.
وَأَمَّا مَا اسْتَدَلَّ بِهِ الْقَائِلُونَ بِعَدَمِ جَوَازِ الْعُبُورِ وَهُمْ: الْعِتْرَةُ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«لَا أُحِلُّ الْمَسْجِدَ لِحَائِضٍ وَلَا جُنُبٍ» وَسَيَأْتِي فَمَعَ كَوْنِهِ فِيهِ مَقَالٌ سَنُبَيِّنُهُ هُوَ عَامٌّ مَخْصُوصٌ بِأَدِلَّةِ جَوَازِ الْعُبُورِ. وَحَمْلُ الْآيَةِ عَلَى مَنْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ وَأَجْنَبَ تَعَسُّفٌ لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ دَلِيلٌ.
305 -
(وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَوُجُوهُ بُيُوتِ أَصْحَابِهِ شَارِعَةٌ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: وَجِّهُوا هَذِهِ الْبُيُوتَ عَنْ الْمَسْجِدِ، ثُمَّ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يَصْنَعْ الْقَوْمُ شَيْئًا رَجَاءَ أَنْ يَنْزِلَ فِيهِمْ رُخْصَةٌ فَخَرَجَ إلَيْهِمْ، فَقَالَ: وَجِّهُوا هَذِهِ الْبُيُوتَ عَنْ الْمَسْجِدِ فَإِنِّي لَا أُحِلُّ الْمَسْجِدَ لِحَائِضٍ وَلَا جُنُبٍ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد) .
306 -
(وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: «دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَرْحَةَ هَذَا الْمَسْجِدِ فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ إنَّ الْمَسْجِدَ لَا يَحِلُّ لِحَائِضٍ وَلَا لِجُنُبٍ» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ) . الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ صَحِيحٌ كَمَا سَيَأْتِي. وَأَخْرَجَ الثَّانِي أَيْضًا الطَّبَرَانِيُّ قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: الصَّحِيحُ حَدِيثُ عَائِشَةَ، وَكِلَاهُمَا مِنْ حَدِيثِ أَفْلَتَ بْنِ خَلِيفَةَ عَنْ جَسْرَةَ، وَضَعَّفَ ابْنُ حَزْمٍ هَذَا الْحَدِيثَ فَقَالَ: بِأَنَّ أَفْلَتَ مَجْهُولُ الْحَالِ. وَقَالَ الْخَطَّابِيِّ: ضَعَّفُوا هَذَا الْحَدِيثَ وَأَفْلَتُ رَاوِيهِ مَجْهُولٌ لَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِسَدِيدٍ، فَإِنَّ أَفْلَتَ وَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: هُوَ شَيْخٌ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: لَا بَأْسَ بِهِ. وَرَوَى عَنْهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَعَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ. وَقَالَ فِي الْكَاشِفِ: صَدُوقٌ. وَقَالَ فِي الْبَدْرِ الْمُنِيرِ: بَلْ هُوَ مَشْهُورٌ ثِقَةٌ، وَأَمَّا جَسْرَةُ فَقَالَ الْبُخَارِيُّ إنَّ عِنْدَهَا عَجَائِبُ. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَقَوْلُ الْبُخَارِيِّ
بَابُ طَوَافِ الْجُنُبِ عَلَى نِسَائِهِ بِغُسْلٍ وَبِأَغْسَالٍ
307 -
(عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ وَلِأَحْمَدَ وَالنَّسَائِيُّ. فِي لَيْلَةٍ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ)
ــ
[نيل الأوطار]
فِي جَسْرَةَ إنَّ عِنْدَهَا عَجَائِبُ لَا يَكْفِي فِي رَدِّ أَخْبَارِهَا. وَقَالَ الْعِجْلِيّ: تَابِعِيَّةٌ ثِقَةٌ. وَذَكَرَهَا ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ. وَقَدْ حَسَّنَ ابْنُ الْقَطَّانِ حَدِيثَ جَسْرَةَ هَذَا عَنْ عَائِشَةَ وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ. قَالَ ابْنُ سَيِّدِ النَّاسِ وَلَعَمْرِي إنَّ التَّحْسِينَ لَأَقَلُّ مَرَاتِبِهِ لِثِقَةِ رُوَاتِهِ وَوُجُودِ الشَّوَاهِدِ لَهُ مِنْ خَارِجٍ. فَلَا حُجَّةَ لِأَبِي مُحَمَّدٍ يَعْنِي ابْنَ حَزْمٍ فِي رَدِّهِ، وَلَا حَاجَةَ بِنَا إلَى تَصْحِيحِ مَا رَوَاهُ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ كَافٍ فِي الرَّدِّ. قَالَ الْحَافِظُ: وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ الرِّفْعَةِ فِي أَوَاخِرِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ: إنَّ أَفْلَتَ مَتْرُوكٌ فَمَرْدُودٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ.
وَالْحَدِيثَانِ يَدُلَّانِ عَلَى عَدَمِ حِلِّ اللُّبْثِ فِي الْمَسْجِدِ لِلْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَكْثَرِ، وَاسْتَدَلُّوا بِهَذَا الْحَدِيثِ وَبِنَهْيِ عَائِشَةَ عَنْ أَنْ تَطُوفَ بِالْبَيْتِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَقَالَ دَاوُد وَالْمُزَنِيِّ وَغَيْرُهُمْ: إنَّهُ يَجُوزُ مُطْلَقًا. وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ: إنَّهُ يَجُوزُ لِلْجُنُبِ إذَا تَوَضَّأَ لِرَفْعِ الْحَدَثِ لَا الْحَائِضِ فَتُمْنَعُ. قَالَ الْقَائِلُونَ بِالْجَوَازِ مُطْلَقًا: إنَّ حَدِيثَ الْبَابِ كَمَا قَالَ ابْنُ حَزْمٍ بَاطِلٌ، وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَالنَّهْيُ لِكَوْنِ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ صَلَاةً وَقَدْ تَقَدَّمَ، وَالْبَرَاءَةُ الْأَصْلِيَّةُ قَاضِيَةٌ بِالْجَوَازِ، وَيُجَابُ بِأَنَّ الْحَدِيثَ كَمَا عَرَفْت إمَّا حَسَنٌ أَوْ صَحِيحٌ، وَجَزَمَ ابْنُ حَزْمٍ بِالْبُطْلَانِ مُجَازَفَةً، وَكَثِيرًا مَا يَقَعُ فِي مِثْلِهَا، وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ بِجَوَازِهِ لِلْجُنُبِ إذَا تَوَضَّأَ بِمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ أَنْ سَاقَ هَذَا الْحَدِيثَ وَلَفْظُهُ وَهَذَا يَمْنَعُ بِعُمُومِهِ دُخُولَهُ مُطْلَقًا، لَكِنْ خَرَجَ مِنْهُ الْمُجْتَازُ لِمَا سَبَقَ، وَالْمُتَوَضِّئُ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ لِمَا رَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي سُنَنِهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: (رَأَيْت رِجَالًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَجْلِسُونَ فِي الْمَسْجِدِ وَهُمْ مُجْنِبُونَ إذَا تَوَضَّئُوا وُضُوءَ الصَّلَاةِ) . وَرَوَى حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ صَاحِبُ أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ: (كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَحَدَّثُونَ فِي الْمَسْجِدِ وَهُمْ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ، وَكَانَ الرَّجُلُ يَكُونُ جُنُبًا فَيَتَوَضَّأُ ثُمَّ يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ فَيَتَحَدَّثُ) انْتَهَى. وَلَكِنْ فِي كِلَا الْإِسْنَادَيْنِ هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ، وَقَدْ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: إنَّهُ لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَضَعَّفَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَأَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ. وَقَالَ أَبُو دَاوُد: إنَّهُ أَثْبَتُ النَّاسِ فِي زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ،
وَعَلَى تَسْلِيمِ الصِّحَّةِ لَا يَكُونُ مَا وَقَعَ مِنْ الصَّحَابَةِ حُجَّةً وَلَا سِيَّمَا إذَا خَالَفَ الْمَرْفُوعَ إلَّا أَنْ يَكُونَ إجْمَاعًا. .