الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ صِفَةِ التَّيَمُّمِ
363 -
(عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «فِي التَّيَمُّمِ: ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.
وَفِي لَفْظِ: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَهُ بِالتَّيَمُّمِ لِلْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ)
ــ
[نيل الأوطار]
قَوْلُهُ: (بِثَلَاثٍ) الثَّالِثَةُ مُبْهَمَةٌ، وَقَدْ بَيَّنَهَا ابْنُ خُزَيْمَةَ وَالنَّسَائِيُّ وَهِيَ «وَأُعْطِيتُ هَذِهِ الْآيَاتِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ» وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ.
وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى قَصْرِ التَّيَمُّمِ عَلَى التُّرَابِ لِلتَّصْرِيحِ بِالتُّرَابِ فِيهِ، وَقَدْ عَرَفْتَ الْبَحْثَ فِي ذَلِكَ فِي بَابِ اشْتِرَاطِ دُخُولِ الْوَقْتِ. قَوْلُهُ:(صُفُوفُنَا كَصُفُوفِ الْمَلَائِكَةِ) وَهِيَ أَنَّهُمْ يُتِمُّونَ الْمُقَدَّمَ ثُمَّ الَّذِي يَلِيهِ مِنْ الصُّفُوفِ ثُمَّ يَرُصُّونَ الصَّفَّ كَمَا وَرَدَ التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهَا.
[بَابُ صِفَةِ التَّيَمُّمِ]
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَكْثَرُ الْآثَارِ الْمَرْفُوعَةِ عَنْ عَمَّارِ ضَرْبَةٌ وَاحِدَةٌ، وَمَا رُوِيَ عَنْهُ مِنْ ضَرْبَتَيْنِ فَكُلُّهَا مُضْطَرِبَةٌ، وَقَدْ جَمَعَ الْبَيْهَقِيُّ طُرُق حَدِيثِ عَمَّارٍ فَأَبْلَغَ. وَقَدْ رَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَالْكَبِيرِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ:" يَكْفِيكَ ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَضَرْبَةٌ لَلْكَفَّيْنِ " وَفِي إسْنَادِهِ إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي يَحْيَى وَهُوَ ضَعِيفٌ وَإِنْ كَانَ حُجَّةً عِنْدَ الشَّافِعِيِّ. وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّيَمُّمَ ضَرْبَةٌ وَاحِدَةٌ لِلْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ، وَقَدْ ذَهَبَ إلَى ذَلِكَ عَطَاءٌ وَمَكْحُولٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ وَالصَّادِقُ وَالْإِمَامِيَّةُ، قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَنَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَاخْتَارَهُ وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْحَدِيثِ.
وَذَهَبَ الْهَادِي وَالنَّاصِرُ وَالْمُؤَيَّدُ بِاَللَّهِ وَأَبُو طَالِبٍ وَالْإِمَامُ يَحْيَى وَالْفُقَهَاءُ إلَى أَنَّ الْوَاجِبَ ضَرْبَتَانِ: ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَأُخْرَى لِلْيَدَيْنِ. وَذَهَبَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ وَابْنُ سِيرِينَ إلَى أَنَّ الْوَاجِبَ ثَلَاثُ ضَرَبَاتٍ: ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ، وَضَرْبَةٌ لِلْكَفَّيْنِ، وَضَرْبَةٌ لِلذِّرَاعَيْنِ. احْتَجَّ الْأَوَّلُونَ بِحَدِيثِ الْبَابِ وَبِالرِّوَايَةِ الْأُخْرَى الْآتِيَةِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا مِنْ حَدِيثِ عَمَّارٍ. وَأَجَابُوا عَنْ الْأَحَادِيثِ الْقَاضِيَةِ بِالضَّرْبَتَيْنِ بِمَا فِيهَا مِنْ الْمَقَالِ الْمَشْهُورِ. وَاحْتَجَّ أَهْلُ الْقَوْلِ الثَّانِي: بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ: «التَّيَمُّمُ ضَرْبَتَانِ: ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ، وَضَرْبَةٌ لِلْيَدَيْنِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ» أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ، وَفِي إسْنَادِهِ عَلِيُّ بْنُ ظَبْيَانَ. قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: وَثَّقَهُ يَحْيَى الْقَطَّانُ وَهُشَيْمٌ وَغَيْرُهُمَا. قَالَ الْحَافِظُ: هُوَ ضَعِيفٌ ضَعَّفَهُ الْقَطَّانُ وَابْنُ مَعِينٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ.
وَقَدْ رُوِيَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ: «تَيَمَّمْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ضَرَبْنَا بِأَيْدِينَا عَلَى الصَّعِيدِ الطَّيِّبِ، ثُمَّ نَفَضْنَا أَيْدِيَنَا فَمَسَحْنَا بِهَا وُجُوهَنَا، ثُمَّ ضَرَبْنَا ضَرْبَةً أُخْرَى فَمَسَحْنَا مِنْ الْمَرَافِقِ إلَى الْكَفِّ»
364 -
(وَعَنْ عَمَّارٍ قَالَ: «أَجْنَبْتُ فَلَمْ أُصِبْ الْمَاءَ، فَتَمَعَّكْتُ فِي الصَّعِيدِ وَصَلَّيْتُ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: إنَّمَا يَكْفِيكَ هَكَذَا، وَضَرَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِكَفَّيْهِ الْأَرْضَ وَنَفَخَ فِيهِمَا ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَفِي لَفْظٍ: «إنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَضْرِبَ بِكَفَّيْكَ فِي التُّرَابِ، ثُمَّ تَنْفُخُ فِيهِمَا، ثُمَّ تَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَكَ وَكَفَّيْكَ إلَى الرُّصْغَيْنِ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ) .
ــ
[نيل الأوطار]
وَفِيهِ سُلَيْمَانُ بْنُ أَرْقَمَ وَهُوَ مَتْرُوكٌ.
وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا مِنْ وَجْه آخَرَ بِلَفْظِ حَدِيثِ ابْنِ ظَبْيَانَ، قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: حَدِيثٌ بَاطِلٌ. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ، وَفِيهِ عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَهُوَ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ قَالَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ. قَالَ الْحَافِظُ: وَأَخْطَأَ فِي ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: لَمْ يَتَكَلَّمْ فِيهِ أَحَدٌ، نَعَمْ رِوَايَتُهُ شَاذَّةٌ. قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ بَعْدَ رِوَايَةِ حَدِيثِ جَابِرٍ: كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ وَالصَّوَابُ مَوْقُوفٌ. وَفِي الْبَابِ عَنْ الْأَسْلَعِ بْنِ شَرِيكٍ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَفِيهِ الرَّبِيعُ بْنُ بَدْرٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، قَالَ الْحَافِظُ: وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ. وَعَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا رَوَاهُ الْبَزَّارُ وَابْنُ عَدِيٍّ، وَقَدْ تَفَرَّدَ بِهِ الْحَرِيشُ بْنُ الْخِرِّيتِ وَلَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ، قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: حَدِيثُهُ مُنْكَرٌ. وَعَنْ عَمَّارٍ رَوَاهُ الْبَزَّارُ، وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّ أَحَادِيثَهُ الصِّحَاحَ ضَرْبَةٌ وَاحِدَةٌ.
وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ: «إنَّهُ صلى الله عليه وسلم تَيَمَّمَ بِضَرْبَتَيْنِ مَسَحَ بِإِحْدَاهُمَا وَجْهَهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِسَنَدٍ ضَعِيفِ؛ لِأَنَّ مَدَارَهُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ ثَابِتٍ وَقَدْ ضَعَّفَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَأَبُو حَاتِمٍ وَالْبُخَارِيُّ وَأَحْمَدُ. قَالَ أَبُو دَاوُد: لَمْ يُتَابِعْ مُحَمَّدَ بْنَ ثَابِتٍ أَحَدٌ، وَبِهَذَا يَتَبَيَّن لَكَ أَنَّ أَحَادِيثَ الضَّرْبَتَيْنِ لَا تَخْلُو جَمِيعُ طُرُقِهَا مِنْ مَقَالٍ، وَلَوْ صَحَّتْ لَكَانَ الْأَخْذُ بِهَا مُتَعَيَّنًا لِمَا فِيهَا مِنْ الزِّيَادَةِ، فَالْحَقُّ الْوُقُوفُ عَلَى مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عَمَّارٍ مِنْ الِاقْتِصَارِ عَلَى ضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ حَتَّى تَصِحَّ الزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ الْمِقْدَارِ. وَأَمَّا أَهْلُ الْقَوْلِ الثَّالِثِ فَلَمْ أَقِفْ لَهُمْ عَلَى مَا يَصْلُحُ مُتَمَسَّكًا لِلْوُجُوبِ بَلْ قَالَ الْإِمَامُ يَحْيَى: إنَّهُ لَا دَلِيلَ يَدُلُّ عَلَى نَدْبِيَّةِ التَّثْلِيثِ فِي التَّيَمُّمِ، وَقَوَّى ذَلِكَ الْإِمَامُ الْمَهْدِيُّ وَالْأَمْرُ كَذَلِكَ.
364 -
(وَعَنْ عَمَّارٍ قَالَ: «أَجْنَبْتُ فَلَمْ أُصِبْ الْمَاءَ، فَتَمَعَّكْتُ فِي الصَّعِيدِ وَصَلَّيْتُ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: إنَّمَا يَكْفِيكَ هَكَذَا، وَضَرَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِكَفَّيْهِ الْأَرْضَ وَنَفَخَ فِيهِمَا ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَفِي لَفْظٍ: «إنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَضْرِبَ بِكَفَّيْكَ فِي التُّرَابِ، ثُمَّ تَنْفُخُ فِيهِمَا، ثُمَّ تَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَكَ وَكَفَّيْكَ إلَى الرُّصْغَيْنِ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ) . قَوْلُهُ: (فَتَمَعَّكْتُ) وَفِي رِوَايَةٍ " فَتَمَرَّغْتُ " أَيْ تَقَلَّبْتُ قَوْلُهُ: (إنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ فِي التَّيَمُّمِ هِيَ الصِّفَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَوْلُهُ: (وَضَرَبَ بِكَفَّيْهِ) الْمَذْكُورُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ضَرْبَةٌ وَاحِدَةٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا قَوْلُهُ:(ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ) فِيهِ دَلِيلٌ لِمَذْهَبِ مَنْ قَالَ: إنَّهُ يُقْتَصَرُ فِي مَسْحِ الْيَدَيْنِ عَلَى الْكَفَّيْنِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ عَطَاءٌ وَمَكْحُولٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
وَإِسْحَاقُ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَعَامَّةُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ، هَكَذَا فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ. وَذَهَبَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام وَعَبْدُ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالشَّعْبِيُّ وَسَالِمٌ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ وَآخَرُونَ إلَى أَنَّ الْوَاجِبَ الْمَسْحُ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ، رَوَاهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ.
وَرَوَاهُ فِي الْبَحْرِ أَيْضًا عَنْ الْهَادِي وَالْقَاسِمِ وَالْمُؤَيَّدِ بِاَللَّهِ وَأَبِي طَالِبٍ وَالْفَرِيقَيْنِ وَذَهَبَ الزُّهْرِيُّ إلَى أَنَّهُ يَجِبُ الْمَسْحُ إلَى الْإِبْطَيْنِ. قَالَ الْخَطَّابِيِّ: لَمْ يَخْتَلِفْ أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ فِي أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مَسْحُ مَا وَرَاءَ الْمِرْفَقَيْنِ. احْتَجَّ الْأَوَّلُونَ بِحَدِيثِ الْبَابِ. وَاحْتَجَّ أَهْلُ الْقَوْلِ الثَّانِي: بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ: «ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ، وَضَرْبَةٌ لِلْيَدَيْنِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ» وَقَدْ تَقَدَّمَ عَدَمُ انْتِهَاضِهِ لِلِاحْتِجَاجِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَمِنْ غَيْرِهِ. وَاحْتَجُّوا بِالْقِيَاسِ عَلَى الْوُضُوءِ وَهُوَ فَاسِدٌ الِاعْتِبَارِ. وَاحْتَجَّ الزُّهْرِيُّ بِمَا وَرَدَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ حَدِيثِ عَمَّارٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُد بِلَفْظِ: إلَى الْآبَاطِ، وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَاحْتَجَّ أَيْضًا بِأَنَّ ذَلِكَ حَدُّ الْيَدِ لُغَةٍ. وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ قَصَرَهَا الْخَبَرُ وَإِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ عَلَى بَعْضِ حَدِّهَا لُغَةً.
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ: وَمَا أَحْسَنَ مَا قَالَ: إنَّ الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي صِفَةِ التَّيَمُّمِ لَمْ يَصِحَّ مِنْهَا سِوَى حَدِيثِ أَبِي جُهَيْمٍ وَعَمَّارٍ وَمَا عَدَاهُمْ فَضَعِيفٌ أَوْ مُخْتَلَفٌ فِي رَفْعِهِ وَوَقْفِهِ، وَالرَّاجِحُ عَدَمُ رَفْعِهِ، فَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي جُهَيْمٍ فَوَرَدَ بِذِكْرِ الْيَدَيْنِ مُجْمَلًا، وَأَمَّا حَدِيثُ عَمَّارٍ فَوَرَدَ بِذِكْرِ الْكَفَّيْنِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَبِذِكْرِ الْمِرْفَقَيْنِ فِي السُّنَنِ، وَفِي رِوَايَةٍ إلَى نِصْفِ الذِّرَاعِ. وَفِي رِوَايَةٍ إلَى الْآبَاطِ. فَأَمَّا رِوَايَةُ الْمِرْفَقَيْنِ وَكَذَا نِصْفُ الذِّرَاعِ فَفِيهِمَا مَقَالٌ.
وَأَمَّا رِوَايَةُ الْآبَاطِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ: إنْ كَانَ ذَلِكَ وَقَعَ بِأَمْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَكُلُّ تَيَمُّمٍ صَحَّ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَهُ فَهُوَ نَاسِخٌ لَهُ، وَإِنْ كَانَ وَقَعَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَالْحُجَّةُ فِيمَا أَمَرَ بِهِ. وَمِمَّا يُقَوِّي رِوَايَة الصَّحِيحَيْنِ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ كَوْنُ عَمَّارٍ يُفْتِي بَعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِذَلِكَ، وَرَاوِي الْحَدِيثِ أَعْرَفُ بِالْمُرَادِ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ، وَلَا سِيَّمَا الصَّحَابِيُّ الْمُجْتَهِدُ انْتَهَى. فَالْحَقُّ مَعَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ الْأَوَّلِ حَتَّى يَقُومَ دَلِيلٌ يَجِبُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْأَحَادِيثَ الْمُشْتَمِلَةَ عَلَى الزِّيَادَةِ أَوْلَى بِالْقَبُولِ وَلَكِنْ إذَا كَانَتْ صَالِحَةً لِلِاحْتِجَاجِ بِهَا. وَلَيْسَ فِي الْبَابِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ:(وَفِي لَفْظٍ) هَذِهِ الرِّوَايَةُ ثَبَتَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ مَعْنَاهَا وَلَفْظُهُ: «وَضَرَبَ بِكَفَّيْهِ الْأَرْضَ وَنَفَخَ فِيهِمَا ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ» .
قَوْلُهُ: (إلَى الرُّصْغَيْنِ) هِيَ لُغَةٌ فِي الرُّسْغَيْنِ وَهُمَا مَفْصِلُ الْكَفَّيْنِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ أَنْ سَاقَ الْحَدِيثَ: وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ التَّرْتِيبَ فِي تَيَمُّمِ الْجُنُبِ لَا يَجِبُ انْتَهَى. .