الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَلَا تُصَدِّقُوهُ مَا كَانَ يَبُولُ إلَّا جَالِسًا» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا أَبَا دَاوُد، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ أَحْسَنُ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَصَحُّ)
ــ
[نيل الأوطار]
[بَابُ مَا جَاءَ فِي الْبَوْلِ قَائِمًا]
قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَفِي الْبَابِ عَنْ عُمَرَ وَبُرَيْدَةَ، وَحَدِيثُ عُمَرَ إنَّمَا رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ أَبِي الْمُخَارِقِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ قَالَ:«رَآنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا أَبُولُ قَائِمًا فَقَالَ: يَا عُمَرُ لَا تَبُلْ قَائِمًا فَمَا بُلْتُ قَائِمًا بَعْدُ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَإِنَّمَا رَفَعَ هَذَا الْحَدِيثَ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ أَبِي الْمُخَارِقِ وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ ضَعَّفَهُ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ وَتَكَلَّمَ فِيهِ.
وَرَوَى عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ (مَا بُلْتُ قَائِمًا مُنْذُ أَسْلَمْتُ) ، وَهَذَا أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْكَرِيمِ.
وَحَدِيثُ بُرَيْدَةَ فِي هَذَا غَيْرُ مَحْفُوظٍ وَهُوَ بِلَفْظِ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «ثَلَاثٌ مِنْ الْجَفَاءِ أَنْ يَبُولَ الرَّجُلُ قَائِمًا أَوْ يَمْسَحَ جَبْهَتَهُ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ صَلَاتِهِ، أَوْ يَنْفُخَ فِي سُجُودِهِ» وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ وَفِي إسْنَادِ حَدِيثِ الْبَابِ شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَقَدْ أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ فِي الْمُتَابَعَاتِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: (مِنْ الْجَفَاءِ أَنْ يَبُولَ الرَّجُلُ قَائِمًا) .
وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا كَانَ يَبُولُ حَالَ الْقِيَامِ بَلْ كَانَ هَدْيُهُ فِي الْبَوْلِ الْقُعُودَ فَيَكُونُ الْبَوْلُ حَالَ الْقِيَامِ مَكْرُوهًا وَلَكِنَّ قَوْلَ عَائِشَةَ هَذَا لَا يَنْفِي إثْبَاتَ مَنْ أَثْبَتَ وُقُوعَ الْبَوْلِ مِنْهُ حَالَ الْقِيَامِ كَمَا سَيَأْتِي مِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم انْتَهَى إلَى سُبَاطَةِ قَوْمٍ فَبَالَ قَائِمًا» ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْغَالِبَ مِنْ فِعْلِهِ هُوَ الْقُعُودُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ بَوْلَهُ قَائِمًا لِبَيَانِ الْجَوَازِ، وَقِيلَ: إنَّمَا فَعَلَهُ لِوَجَعٍ كَانَ بِمَأْبِضِهِ ذَكَرَهُ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ.
وَرَوَى الْحَاكِمُ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «إنَّمَا بَالَ قَائِمًا لِجُرْحٍ كَانَ فِي مَأْبِضِهِ» . قَالَ الْحَافِظُ: وَلَوْ صَحَّ هَذَا الْحَدِيثُ لَكَانَ فِيهِ غِنًى لَكِنْ ضَعَّفَهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ. وَالْمَأْبِضُ: بَاطِنُ الرُّكْبَةِ. وَقِيلَ: فَعَلَهُ اسْتِشْفَاءً كَمَا سَيَأْتِي عَنْ الشَّافِعِيِّ. وَقِيلَ: لِأَنَّ السُّبَاطَةَ رَخْوَةٌ يَتَخَلَّلُهَا الْبَوْلُ فَلَا يَرْتَدُّ إلَى الْبَائِلِ مِنْهُ شَيْءٌ. وَقِيلَ: إنَّمَا بَالَ قَائِمًا لِكَوْنِهَا حَالَةً يُؤْمَنُ مَعَهَا خُرُوجُ الرِّيحِ بِصَوْتٍ فَفَعَلَ ذَاكَ لِكَوْنِهِ قَرِيبًا مِنْ الدِّيَارِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: الْبَوْلُ قَائِمًا أَحْصَنُ لِلدُّبُرِ.
قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي الْهَدْيِ: وَالصَّحِيحُ إنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ تَنَزُّهًا وَبُعْدًا مِنْ إصَابَةِ الْبَوْلِ فَإِنَّهُ إنَّمَا فَعَلَ هَذَا لَمَّا أَتَى سُبَاطَةَ قَوْمٍ وَهُوَ مَلْقَى الْكُنَاسَةِ وَتُسَمَّى الْمَزْبَلَةُ وَهِيَ تَكُونُ مُرْتَفِعَةً، فَلَوْ بَالَ فِيهَا الرَّجُلُ قَاعِدًا لَارْتَدَّ عَلَيْهِ بَوْلُهُ، وَهُوَ صلى الله عليه وسلم اسْتَتَرَ بِهَا وَجَعَلَهَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَائِطِ، فَلَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ بَوْلِهِ قَائِمًا، وَلَا يَخْفَى مَا فِي هَذَا الْكَلَامِ مِنْ التَّكَلُّفِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ عَنْهُ الْبَوْلُ قَائِمًا وَقَاعِدًا وَالْكُلُّ سُنَّةٌ، فَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَأْتِي تِلْكَ السُّبَاطَةَ فَيَبُولُ قَائِمًا، هَذَا إذَا لَمْ يَصِحَّ فِي الْبَابِ إلَّا مُجَرَّدُ الْأَفْعَالِ، أَمَّا إذَا صَحَّ النَّهْيُ عَنْ الْبَوْلِ حَالَ الْقِيَامِ كَمَا سَيَأْتِي مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم نَهَى أَنْ يَبُولَ الرَّجُلُ قَائِمًا» وَجَبَ الْمَصِيرُ إلَيْهِ
99 -
(وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَبُولَ الرَّجُلُ قَائِمًا» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ)
ــ
[نيل الأوطار]
وَالْعَمَلُ بِمُوجَبِهِ، وَلَكِنَّهُ يَكُونُ الْفِعْلُ الَّذِي صَحَّ عَنْهُ صَارِفًا لِلنَّهْيِ إلَى الْكَرَاهَةِ عَلَى فَرْضِ جَهْلِ التَّارِيخِ أَوْ تَأَخُّرِ الْفِعْلِ، لِأَنَّ لَفْظَ الرَّجُلِ يَشْمَلُهُ صلى الله عليه وسلم بِطَرِيقِ الظُّهُورِ فَيَكُونُ فِعْلُهُ صَالِحًا لِلصَّرْفِ لِكَوْنِهِ وَقَعَ بِمَحْضَرٍ مِنْ النَّاسِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ التَّشْرِيعَ وَيَعْضُدُهُ نَهْيُهُ صلى الله عليه وسلم لِعُمَرَ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَا سَلَفَ.
وَقَدْ صَرَّحَ أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ وَابْنُ شَاهِينِ بِأَنَّ الْبَوْلَ عَنْ قِيَامٍ مَنْسُوخٌ وَاسْتَدَلَّا عَلَيْهِ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ السَّابِقِ وَبِحَدِيثِهَا أَيْضًا «مَا بَالَ قَائِمًا مُنْذُ أَنْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ» رَوَاهُ أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ، قَالَ الْحَافِظُ: وَالصَّوَابُ أَنَّهُ غَيْرُ مَنْسُوخٍ. وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّهُ مُسْتَنِدٌ إلَى عِلْمِهَا فَيُحْمَلُ عَلَى مَا وَقَعَ مِنْهُ فِي الْبُيُوتِ وَأَمَّا فِي غَيْرِ الْبُيُوتِ فَلَمْ تَطَّلِعْ هِيَ عَلَيْهِ.
وَقَدْ حَفِظَهُ حُذَيْفَةُ وَهُوَ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بِالْمَدِينَةِ فَتَضَمَّنَ الرَّدَّ عَلَى مَا نَفَتْهُ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَقَعْ بَعْد نُزُولِ الْقُرْآنِ.
وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ وَعُمَرَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُمْ بَالُوا قِيَامًا، وَهُوَ دَالٌّ عَلَى الْجَوَازِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهِيَةٍ إذَا أَمِنَ الرَّشَاشَ وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي النَّهْيِ عَنْهُ شَيْءٌ انْتَهَى.
99 -
(وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَبُولَ الرَّجُلُ قَائِمًا» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ) . الْحَدِيثُ فِي إسْنَادِهِ عَدِيُّ بْنُ الْفَضْلِ وَهُوَ مَتْرُوكٌ، وَقَدْ عَرَفْت مَا قَالَهُ الْحَافِظُ مِنْ عَدَمِ ثُبُوتِ شَيْءٍ فِي النَّهْيِ عَنْ الْبَوْلِ مِنْ قِيَامٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَقَدْ حَكَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ بَعْضِ مَشَايِخِهِ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ مِنْ شَأْنِ الْعَرَبِ الْبَوْلُ مِنْ قِيَامٍ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي حَدِيث عَبْدِ الرَّحْمَن بْنِ حَسَنَةَ الَّذِي أَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمَا فَإِنَّ فِيهِ:«بَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَالِسًا فَقُلْنَا: اُنْظُرُوا إلَيْهِ يَبُولُ كَمَا تَبُولُ الْمَرْأَةُ» .
وَمَا فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ بِلَفْظِ: (فَقَامَ كَمَا يَقُومُ أَحَدُكُمْ) وَذَلِكَ يُشْعِرُ بِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُخَالِفهُمْ وَيَقْعُدُ لِكَوْنِهِ أَسْتَر وَأَبْعَدَ مِنْ مُمَاسَّةِ الْبَوْلِ، قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْح: وَهُوَ يَعْنِي حَدِيثَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ صَحِيحٌ، صَحَّحَهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيْرُهُ.
وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ عَائِشَةَ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ بِلَفْظِ: «مَا بَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَائِمًا مُنْذُ أُنْزِلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ» وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا حَدِيثُهَا السَّالِفُ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي مُوسَى التَّشْدِيدُ فِي الْبَوْلِ مِنْ قِيَامٍ فَرُوِيَ عَنْهُ (أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا يَبُولُ قَائِمًا فَقَالَ: وَيْحَكَ أَفَلَا قَاعِدًا؟ ثُمَّ ذَكَرَ قِصَّةَ بَنِي إسْرَائِيلَ مِنْ أَنَّهُ كَانَ إذَا أَصَابَ جَسَدَ أَحَدِهِمْ الْبَوْلُ قَرَضَهُ) . وَقَدْ ذَهَبَتْ الْعِتْرَةُ وَالْأَكْثَرُ إلَى كَرَاهَةِ. الْبَوْلِ قَائِمًا، وَذَهَبَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَالشَّعْبِيُّ وَابْنُ سِيرِينَ إلَى عَدَمِ الْكَرَاهَةِ، وَالْحَدِيثُ لَوْ صَحَّ وَتَجَرَّدَ عَنْ الصَّوَارِفِ لَصَلَحَ
100 -
(وَعَنْ حُذَيْفَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم انْتَهَى إلَى سُبَاطَةِ قَوْمٍ فَبَالَ قَائِمًا فَتَنَحَّيْتُ فَقَالَ: ادْنُهْ فَدَنَوْتُ حَتَّى قُمْتُ عِنْدَ عَقِبَيْهِ فَتَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ، وَالسُّبَاطَةُ: مَلْقَى التُّرَابِ وَالْقُمَامِ) .
ــ
[نيل الأوطار]
مُتَمَسِّكًا لِلتَّحْرِيمِ وَلَكِنَّهُ لَمْ يَصِحَّ، كَمَا قَالَهُ الْحَافِظُ، وَعَلَى فَرْضِ الصِّحَّةِ فَالصَّارِفُ مَوْجُودٌ فَيَكُونُ الْبَوْلُ مِنْ قِيَامٍ مَكْرُوهًا، وَقَدْ عَرَفْت بَقِيَّةَ الْكَلَامِ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ.
100 -
(وَعَنْ حُذَيْفَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم انْتَهَى إلَى سُبَاطَةِ قَوْمٍ فَبَالَ قَائِمًا فَتَنَحَّيْتُ فَقَالَ: ادْنُهْ فَدَنَوْتُ حَتَّى قُمْتُ عِنْدَ عَقِبَيْهِ فَتَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ، وَالسُّبَاطَةُ: مَلْقَى التُّرَابِ وَالْقُمَامِ) . قَوْلُهُ: (سُبَاطَةِ قَوْمٍ) السُّبَاطَةُ بِمُهْمَلَةٍ مَضْمُومَةٍ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ هِيَ الْمَزْبَلَةُ وَالْكُنَاسَةُ تَكُونُ بِفِنَاءِ الدُّورِ مَرْفَقًا لِأَهْلِهَا، وَتَكُونُ فِي الْغَالِبِ سَهْلَةً لَا يَرْتَدُّ فِيهَا الْبَوْلُ عَلَى الْبَائِلِ، وَإِضَافَتُهَا إلَى الْقَوْمِ إضَافَةُ اخْتِصَاصٍ لَا مِلْكَ لِأَنَّهَا لَا تَخْلُو عَنْ النَّجَاسَةِ، وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ إيرَادُ مَنْ اسْتَشْكَلَ الرِّوَايَةَ الَّتِي ذَكَرَ فِيهَا الْجِدَارَ قَائِلًا: إنَّ الْبَوْلَ يُوهِي الْجِدَارَ فَفِيهِ إضْرَارٌ، قَالَ فِي الْفَتْحِ: أَوْ نَقُولُ: إنَّمَا بَالَ فَوْقَ السُّبَاطَةِ لَا فِي أَصْلِ الْجِدَارِ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي رِوَايَةِ أَبِي عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ.
وَقِيلَ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَلِمَ إذْنَهُمْ فِي ذَلِكَ بِالتَّصْرِيحِ أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ لِكَوْنِهِ مِمَّا يَتَسَامَحُ النَّاسُ بِهِ، أَوْ لِعِلْمِهِ بِإِيثَارِهِمْ إيَّاهُ بِذَلِكَ، أَوْ لِكَوْنِهِ يَجُوزُ لَهُ التَّصَرُّفُ فِي مَالِ أُمَّتِهِ دُونَ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ صَحِيحَ الْمَعْنَى لَكِنَّهُ لَمْ يُعْهَدْ ذَلِكَ مِنْ سِيرَتِهِ وَمَكَارِمِ أَخْلَاقِهِ صلى الله عليه وسلم قَوْلُهُ:(فَقَالَ ادْنُهْ) اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ الْكَلَامِ فِي حَالِ الْبَوْلِ، وَفِيهِ أَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ قَدْ بُيِّنَتْ فِي رِوَايَة الْبُخَارِيِّ أَنَّ قَوْلَهُ:(ادْنُهْ) كَانَ بِالْإِشَارَةِ لَا بِاللَّفْظِ فَلَا يَتِمُّ الِاسْتِدْلَال. قَالَهُ الْحَافِظُ.
وَقَدْ اسْتَشْكَلَ بِأَنَّ قُرْبَ حُذَيْفَةَ مِنْهُ بِحَيْثُ يَسْمَعُ نِدَاءَهُ. وَيَفْهَمُ إشَارَتَهُ مُخَالِفٌ لِمَا عُرِفَ مِنْ عَادَتِهِ مِنْ الْإِبْعَادِ عِنْدَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ عَنْ أَعْيُنِ النَّاظِرِينَ، وَقَدْ أُجِيبُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ مَشْغُولًا بِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، فَلَعَلَّهُ طَالَ عَلَيْهِ الْمَجْلِسُ حَتَّى احْتَاجَ إلَى الْبَوْلِ فَلَوْ أَبْعَدَ لَتَضَرَّرَ. وَقِيلَ: فَعَلَ ذَلِكَ لِبَيَانِ الْجَوَازِ. وَقِيلَ: إنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ فِي الْبَوْلِ وَهُوَ أَخَفُّ مِنْ الْغَائِطِ لِاحْتِيَاجِهِ إلَى زِيَادَةِ تَكَشُّفٍ وَلِمَا يَقْتَرِنُ بِهِ مِنْ الرَّائِحَةِ. وَقِيلَ: إنَّ الْغَرَضَ مِنْ الْإِبْعَادِ التَّسَتُّرُ، وَهُوَ يَحْصُلُ بِإِرْخَاءِ الذَّيْلِ وَالدُّنُوِّ مِنْ السَّاتِرِ. وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْبَوْلِ مِنْ قِيَامٍ، وَقَدْ سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله: وَلَعَلَّهُ لَمْ يَجْلِسْ لِمَانِعٍ كَانَ بِهَا أَوْ وَجَعٍ كَانَ بِهِ، وَقَدْ رَوَى الْخَطَّابِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَالَ قَائِمًا مِنْ جُرْحٍ كَانَ بِمَأْبِضِهِ» ، وَيُحْمَلُ قَوْلُ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَلَى غَيْرِ حَالِ الْعُذْرِ، وَالْمَأْبِضُ مَا تَحْتَ الرُّكْبَةِ مِنْ كُلِّ حَيَوَانٍ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: كَانَتْ الْعَرَبُ تَسْتَشْفِي لِوَجَعِ الصُّلْبِ