الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
177 -
(عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما «أَنَّهُ تَوَضَّأَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ فَأَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ فَتَمَضْمَضَ بِهَا وَاسْتَنْشَقَ، ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ فَجَعَلَ بِهَا هَكَذَا أَضَافَهَا إلَى يَدِهِ الْأُخْرَى فَغَسَلَ بِهَا وَجْهَهُ، ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ فَغَسَلَ بِهَا يَدَهُ الْيُمْنَى، ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ فَغَسَلَ بِهَا يَدَهُ الْيُسْرَى، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ، ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ فَرَشَّ بِهَا عَلَى رِجْلِهِ الْيُمْنَى حَتَّى غَسَلَهَا، ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ فَغَسَلَ بِهَا رِجْلَهُ الْيُسْرَى، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) .
بَابُ اسْتِحْبَابِ تَخْلِيلِ اللِّحْيَةِ.
ــ
[نيل الأوطار]
النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ: الصَّغَائِرُ.
وَظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ الْعُمُومُ، وَالتَّخْصِيصُ بِمَا وَقَعَ فِي الْأَحَادِيثِ الْأُخَرِ بِلَفْظِ:(مَا لَمْ تُغْشَ الْكَبَائِرُ) وَبِلَفْظِ: (مَا اُجْتُنِبَتْ الْكَبَائِرُ) قَدْ ذَهَبَ إلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ شُرَّاحِ الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِمْ، وَالْمُرَادُ بِالْخُرُورِ وَالْخُرُوجِ مَعَ الْمَاءِ الْمَجَازُ عَنْ الْغُفْرَانِ لِأَنَّ ذَلِكَ مُخْتَصٌّ بِالْأَجْسَامِ، وَالْخَطَايَا لَيْسَتْ مُتَجَسَّمَةً، وَفِي حَدِيثِ الْبَابِ وَمَا بَعْدَهُ رَدٌّ لِمَذْهَبِ الْإِمَامِيَّةِ فِي وُجُوبِ مَسْحِ الرِّجْلَيْنِ.
وَقَدْ سَاقَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْحَدِيثَ لِلِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى غَسْلِ الْمُسْتَرْسِلِ مِنْ اللِّحْيَةِ لِقَوْلِهِ فِيهِ: (إلَّا خَرَّتْ خَطَايَا وَجْهِهِ مِنْ أَطْرَافِ لِحْيَتِهِ مَعَ الْمَاءِ) وَفِيهِ خِلَافٌ فَذَهَبَ الْمُؤَيَّدُ بِاَللَّهِ وَأَبُو طَالِبٍ وَأَبُو حَنِيفَةَ إلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ إنْ أَمْكَنَ التَّخْلِيلُ بِدُونِهِ، وَذَهَبَ أَبُو الْعَبَّاسِ إلَى وُجُوبِهِ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فِي إحْدَى الرِّوَايَاتِ وَاسْتَدَلُّوا بِالْقِيَاسِ عَلَى شَعْرِ الْحَاجِبَيْنِ، وَرُدَّ بِأَنَّ شَعْرَ الْحَاجِبِ مِنْ الْوَجْهِ لُغَةً لَا الْمُسْتَرْسِلُ وَقَدْ اسْتَنْبَطَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ الْحَدِيثِ فَوَائِدَ فَقَالَ: فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ غَسْلَ الْوَجْهِ الْمَأْمُورَ بِهِ يَشْتَمِلُ عَلَى وُصُولِ الْمَاءِ إلَى أَطْرَافِ اللِّحْيَةِ.
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ دَاخِلَ الْفَمِ وَالْأَنْفِ لَيْسَ مِنْ الْوَجْهِ حَيْثُ بَيَّنَ أَنَّ غَسْلَ الْوَجْهِ الْمَأْمُورَ بِهِ غَيْرُهُمَا وَيَدُلُّ عَلَى مَسْحِ كُلِّ الرَّأْسِ حَيْثُ بَيَّنَ أَنَّ الْمَسْحَ الْمَأْمُورَ بِهِ يَشْتَمِلُ عَلَى وُصُولِ الْمَاءِ إلَى أَطْرَافِ الشَّعْرِ.
وَيَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ التَّرْتِيبِ فِي الْوُضُوءِ لِأَنَّهُ وَصَفَهُ مُرَتَّبًا، وَقَالَ فِي مَوَاضِعَ مِنْهُ: (كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ عز وجل انْتَهَى. وَقَدْ قَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَى أَنَّ دَاخِلَ الْفَمِ وَالْأَنْفِ مِنْ الْوَجْهِ وَعَلَى التَّرْتِيبِ. وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى مَسْحِ الرَّأْسِ. .
[بَابٌ فِي أَنَّ إيصَالَ الْمَاءِ إلَى بَاطِنِ اللِّحْيَةِ الْكَثَّةِ لَا يَجِبُ]
قَوْلُهُ: (فَغَسَلَ بِهَا وَجْهَهُ) الْفَاءُ تَفْصِيلِيَّةٌ، لِأَنَّهَا دَاخِلَةٌ بَيْنَ الْمُجْمَلِ وَالْمُفَصَّلِ. قَوْلُهُ
178 -
(عَنْ عُثْمَانَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «كَانَ يُخَلِّلُ لِحْيَتَهُ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ) .
ــ
[نيل الأوطار]
فَأَخَذَ غَرْفَةً) هُوَ بَيَانٌ لِقَوْلِهِ: (فَغَسَلَ) قَالَ الْحَافِظُ: وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ مِنْ جُمْلَةِ غَسْلِ الْوَجْهِ، لَكِنَّ الْمُرَادَ بِالْوَجْهِ أَوَّلًا مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْمَفْرُوضِ وَالْمَسْنُونِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ أَعَادَ ذِكْرَهُ ثَانِيًا بَعْدَ ذِكْرِ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ بِغَرْفَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ، وَفِيهِ دَلِيلُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ بِغَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ، وَغَسْلِ الْوَجْهِ بِالْيَدَيْنِ جَمِيعًا إذَا كَانَ بِغَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ لِأَنَّ الْيَدَ الْوَاحِدَةَ قَدْ لَا تَسْتَوْعِبُهُ. قَوْلُهُ:(أَضَافَهَا) بَيَانٌ لِقَوْلِهِ فَجَعَلَ بِهَا هَكَذَا.
قَوْلُهُ: (فَغَسَلَ بِهَا) أَيْ الْغَرْفَةِ، وَفِي رِوَايَةٍ بِهِمَا أَيْ الْيَدَيْنِ. قَوْلُهُ:(ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ) لَمْ يَذْكُرْ لَهُ غَرْفَةً مُسْتَقِلَّةً قَالَ الْحَافِظُ: قَدْ يَتَمَسَّكُ بِهِ مَنْ يَقُولُ بِطَهُورِيَّةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ، لَكِنْ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد «ثُمَّ قَبَضَ قَبْضَةً مِنْ الْمَاءِ ثُمَّ نَفَّضَ يَدَهُ ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ» زَادَ النَّسَائِيّ (وَأُذُنَيْهِ مَرَّةً وَاحِدَةً) .
قَوْلُهُ: (فَرَشَّ) أَيْ سَكَبَ الْمَاءَ قَلِيلًا قَلِيلًا إلَى أَنْ صَدَقَ عَلَيْهِ مُسَمَّى الْغَسْلِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: (حَتَّى غَسَلَهَا) ، وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد وَالْحَاكِمِ (فَرَشَّ عَلَى رِجْلِهِ الْيُمْنَى وَفِيهَا النَّعْلُ ثُمَّ مَسَحَهَا بِيَدَيْهِ، يَدٌ فَوْقَ الْقَدَمِ وَيَدٌ تَحْتَ النَّعْلِ) فَالْمُرَادُ بِالْمَسْحِ تَسْيِيلُ الْمَاءِ حَتَّى يَسْتَوْعِبَ الْعُضْوَ، وَأَمَّا قَوْلُهُ:(تَحْتَ النَّعْلِ) فَإِنْ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى التَّجَوُّزِ عَنْ الْقَدَمِ فَهِيَ رِوَايَةٌ شَاذَّةٌ وَرَاوِيهَا هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ لَا يُحْتَجُّ بِمَا تَفَرَّدَ بِهِ فَكَيْفَ إذَا خَالَفَ؟ ، قَالَهُ الْحَافِظُ.
وَالْحَدِيثُ سَاقَهُ الْمُصَنِّفُ لِلِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ إيصَالِ الْمَاءِ إلَى بَاطِنِ اللِّحْيَةِ، فَقَالَ: وَقَدْ عُلِمَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ كَثَّ اللِّحْيَةِ، وَأَنَّ الْغَرْفَةَ الْوَاحِدَةَ وَإِنْ عَظُمَتْ لَا تَكْفِي غَسْلَ بَاطِنِ اللِّحْيَةِ الْكَثَّةِ مَعَ غَسْلِ جَمِيعِ الْوَجْهِ، فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ، وَفِيهِ أَنَّهُ مَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ بِمَاءٍ وَاحِدٍ انْتَهَى.
وَأَمَّا الْكَلَامُ عَلَى وُجُوبِ إيصَالِ الْمَاءِ إلَى بَاطِنِ اللِّحْيَةِ فَسَيَأْتِي فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا، وَأَمَّا أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ كَثَّ اللِّحْيَةِ فَقَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ، وُرُودَ ذَلِكَ فِي أَحَادِيثِ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ، كَذَا قَالَ، وَفِي مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ «كَانَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم كَثِيرَ شَعْرِ اللِّحْيَةِ» ، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَظِيمَ اللِّحْيَةِ» وَفِي رِوَايَةٍ (كَثَّ اللِّحْيَةِ) وَفِيهَا مِنْ حَدِيثِ هِنْدِ بْنِ أَبِي هَالَةَ، مِثْلُهُ، وَمِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ مِثْلُهُ، وَفِي حَدِيثِ أُمِّ مَعْبَدٍ الْمَشْهُورِ (فِي لِحْيَتِهِ كَثَافَةٌ) ، قَالَهُ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ.