الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ أَخْذِ الشَّارِبِ وَإِعْفَاءِ اللِّحْيَةِ
ــ
[نيل الأوطار]
فَائِدَةٌ) اُخْتُلِفَ فِي خِتَانِ الْخُنْثَى فَقِيلَ: يَجِبُ خِتَانُهُ فِي فَرْجَيْهِ قَبْلَ الْبُلُوغِ. وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ حَتَّى يُتَبَيَّنُ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ قَالَهُ النَّوَوِيُّ. وَأَمَّا مَنْ لَهُ ذَكَرَانِ فَإِنْ كَانَا عَامِلَيْنِ وَجَبَ خِتَانُهُمَا وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا عَامِلًا دُونَ الْآخَرِ خُتِنَ، وَإِذَا مَاتَ إنْسَانٌ قَبْلَ أَنْ يُخْتَنَ فَلِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ: لَا يُخْتَنُ كَبِيرًا كَانَ أَوْ صَغِيرًا، الثَّانِي: يُخْتَنُ، وَالثَّالِثُ: يُخْتَنُ الْكَبِيرُ دُونَ الصَّغِيرِ.
[بَابُ أَخْذِ الشَّارِبِ وَإِعْفَاءِ اللِّحْيَةِ]
الْكَلَامُ عَلَى أَلْفَاظِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ قَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ سُنَنِ الْفِطْرَةِ. وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي حَدِّ مَا يُقَصُّ مِنْ الشَّارِبِ، وَقَدْ ذَهَبَ كَثِيرٌ مِنْ السَّلَفِ إلَى اسْتِئْصَالِهِ وَحَلْقِهِ لِظَاهِرِ قَوْلِهِ:(أَحْفُوا وَانْهَكُوا) وَهُوَ قَوْلُ الْكُوفِيِّينَ، وَذَهَبَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ إلَى مَنْعِ الْحَلْقِ وَالِاسْتِئْصَالِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ وَكَانَ يَرَى تَأْدِيبَ مَنْ حَلَقَهُ. وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّهُ قَالَ: إحْفَاءُ الشَّارِبِ مُثْلَةً. قَالَ النَّوَوِيُّ: الْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَقُصُّ حَتَّى يَبْدُوَ طَرَفُ الشَّفَةِ وَلَا يُحْفِيهِ مِنْ أَصْلِهِ، قَالَ: وَأَمَّا رِوَايَةُ: (أَحْفُوا الشَّوَارِبَ) فَمَعْنَاهُ أَحْفُوا مَا طَالَ عَنْ الشَّفَتَيْنِ، وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ يُؤْخَذُ مِنْ الشَّارِبِ حَتَّى يَبْدُوَ أَطْرَافُ الشَّفَةِ، قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ وَزُفَرُ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ. فَكَانَ مَذْهَبُهُمْ فِي شَعْرِ الرَّأْسِ وَالشَّوَارِبِ أَنَّ الْإِحْفَاءَ أَفْضَلُ مِنْ التَّقْصِيرِ.
وَذَكَرَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّ مَذْهَبَهُ كَمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي حَلْقِ الشَّارِبِ، قَالَ الطَّحَاوِيُّ: وَلَمْ أَجِدْ عَنْ الشَّافِعِيِّ شَيْئًا
134 -
(عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ لَمْ يَأْخُذْ مِنْ شَارِبِهِ فَلَيْسَ مِنَّا» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ: صَحِيحٌ) .
135 -
(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «جُزُّوا الشَّوَارِبَ وَأَرْخُوا اللِّحَى، خَالِفُوا الْمَجُوسَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ) .
136 -
(وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «خَالِفُوا الْمُشْرِكِينَ وَفِّرُوا اللِّحَى وَاحْفُوا الشَّوَارِبَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ زَادَ الْبُخَارِيُّ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا حَجَّ أَوْ اعْتَمَرَ قَبَضَ عَلَى لِحْيَتِهِ فَمَا فَضَلَ أَخَذَهُ) .
ــ
[نيل الأوطار]
مَنْصُوصًا فِي هَذَا، وَأَصْحَابُهُ الَّذِينَ رَأَيْنَاهُمْ الْمُزَنِيّ وَالرَّبِيعُ كَانَا يُحْفِيَانِ شَوَارِبَهُمَا.
وَيَدُلُّ ذَلِكَ أَنَّهُمَا أَخَذَاهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ، وَرَوَى الْأَثْرَمُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ كَانَ يُحْفِي شَارِبَهُ إحْفَاءً شَدِيدًا وَسَمِعْته يَسْأَلُ عَنْ السُّنَّةِ فِي إحْفَاءِ الشَّارِبِ فَقَالَ: يُحْفِي. وَقَالَ حَنْبَلٌ: قِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ تَرَى لِلرَّجُلِ يَأْخُذُ شَارِبَهُ وَيُحْفِيهِ أَمْ كَيْفَ يَأْخُذُهُ؟ قَالَ: إنْ أَحْفَاهُ فَلَا بَأْسَ وَإِنْ أَخَذَهُ قَصًّا فَلَا بَأْسَ. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي الْمُغْنِي: هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُحْفِيَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَقُصَّهُ. وَقَدْ رَوَى النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ ذَهَبَ إلَى التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ الْإِحْفَاءِ وَعَدَمِهِ.
وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ الْإِحْفَاءَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي أَسِيد وَرَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ وَسَهْلِ بْنِ سَعْدٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَجَابِرٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: وَاحْتَجَّ مَنْ لَمْ يَرَ إحْفَاءَ الشَّارِبِ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ الْمَرْفُوعَيْنِ: (عَشْرٌ مِنْ الْفِطْرَةِ) فَذَكَرَ مِنْهَا قَصُّ الشَّارِبِ. وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: (إنَّ الْفِطْرَةَ خَمْسٌ) وَذَكَرَ مِنْهَا قَصَّ الشَّارِبِ، وَاحْتَجَّ الْمُحْفُونَ بِأَحَادِيثِ الْأَمْرِ بِالْإِحْفَاءِ وَهِيَ صَحِيحَةٌ. وَبِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُحْفِي شَارِبَهُ» انْتَهَى.
وَالْإِحْفَاءُ لَيْسَ كَمَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ مِنْ أَنَّ مَعْنَاهُ أَحْفُوا مَا طَالَ عَنْ الشَّفَتَيْنِ بَلْ الْإِحْفَاءُ: الِاسْتِئْصَالُ كَمَا فِي الصِّحَاحِ وَالْقَامُوسِ وَالْكَشَّافِ وَسَائِرِ كُتُبِ اللُّغَةِ. وَرِوَايَةُ الْقَصِّ لَا تُنَافِيهِ لِأَنَّ الْقَصَّ قَدْ يَكُونُ عَلَى جِهَةِ الْإِحْفَاءِ وَقَدْ لَا يَكُونُ، وَرِوَايَةُ الْإِحْفَاءِ مُعَيَّنَةٌ لِلْمُرَادِ، وَكَذَلِكَ حَدِيثُ الْبَابِ الَّذِي فِيهِ «مَنْ لَمْ يَأْخُذْ مِنْ شَارِبِهِ فَلَيْسَ مِنَّا» لَا يُعَارِضُ رِوَايَةَ الْإِحْفَاءِ لِأَنَّ فِيهَا زِيَادَةً يَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إلَيْهَا، وَلَوْ فُرِضَ التَّعَارُضُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لَكَانَتْ رِوَايَةُ الْإِحْفَاءِ أَرْجَحُ لِأَنَّهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ.
وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَخَذَ مِنْ شَارِبِ الْمُغِيرَةِ عَلَى سِوَاكِهِ» قَالَ: وَهَذَا لَا يَكُونُ مَعَهُ إحْفَاءً وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ مُحْتَمَلٌ، وَدَعْوَى أَنَّهُ لَا يَكُونُ مَعَهُ إحْفَاءٌ مَمْنُوعَةٌ، وَهُوَ وَإِنْ صَحَّ كَمَا ذَكَرَ لَا يُعَارِضُ تِلْكَ الْأَقْوَالَ مِنْهُ صلى الله عليه وسلم.
قَوْلُهُ: (وَأَرْخُوا اللِّحَى) قَالَ النَّوَوِيُّ: هُوَ بِقَطْعِ الْهَمْزَةِ وَالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَمَعْنَاهُ اُتْرُكُوا وَلَا تَتَعَرَّضُوا لَهَا بِتَغْيِيرٍ، قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْأَكْثَرِينَ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَوَقَعَ عِنْدَ ابْنِ مَاهَانَ أَرْجُوا بِالْجِيمِ، قِيلَ: وَهُوَ بِمَعْنَى الْأَوَّلِ وَأَصْلُهُ أَرْجِئُوا بِالْهَمْزَةِ فَحُذِفَتْ تَخْفِيفًا وَمَعْنَاهُ أَخِّرُوهَا وَاتْرُكُوهَا. قَوْلُهُ: (وَفِّرُوا اللِّحَى) وَهِيَ إحْدَى الرِّوَايَاتِ وَقَدْ حَصَلَ مِنْ مَجْمُوعِ الْأَحَادِيثِ خَمْسُ رِوَايَاتٍ أَعْفُوا وَأَوْفُوا وَأَرْخُوا وَأَرْجُوا وَوَفِّرُوا، وَمَعْنَاهَا كُلُّهَا تَرْكُهَا عَلَى حَالِهَا.
قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ وَغَيْرُهُ: يُقَالُ فِي جَمْعِ اللِّحْيَةِ لِحًى وَلُحًى بِكَسْرِ اللَّامِ وَضَمِّهَا لُغَتَانِ وَالْكَسْرُ أَفْصَحُ. قَوْلُهُ: (خَالِفُوا الْمَجُوسَ) قَدْ سَبَقَ أَنَّهُ كَانَ مِنْ عَادَةِ الْفُرْسِ قَصُّ اللِّحْيَةِ فَنَهَى الشَّرْعُ عَنْ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (فَمَا فَضَلَ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَيَجُوزُ كَسْرُ الضَّادِ كَعَلِمَ، وَالْأَشْهَرُ الْفَتْحُ. وَقَدْ اسْتَدَلَّ بِذَلِكَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالرِّوَايَاتُ الْمَرْفُوعَةُ تَرُدُّهُ، وَلَكِنَّهُ قَدْ أَخْرَجَ