المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المجلد السادس: (كتاب البيع) - الدرر السنية في الأجوبة النجدية - جـ ٦

[عبد الرحمن بن قاسم]

الفصل: ‌المجلد السادس: (كتاب البيع)

‌المجلد السادس: (كتاب البيع)

*

كتاب البيع

الإيجاب والقبول

سئل الشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين، رحمه الله: عمن كتب إلى آخر ببلد بإيجاب في بيع أو قبول؟

فأجاب: هذه المسألة لم أر من ذكرها إلا صاحب الإقناع فيه، حيث قال: وإن كان المشتري غائبا عن المجلس، فكاتبه البائع أو راسله: أني بعتك داري بكذا، أو أني بعت فلانا داري بكذا، فلما بلغه الخبر قبل البيع، صح العقد; قال شارحه: لأن التراخي مع غيبة المشتري لا يدل على إعراضه عن القبول، بخلاف ما إذا كان حاضرا، ففرق المصنف في تراخي القبول عن الإيجاب، بينما إذا كان المشتري حاضرا وبينما إذا كان غائبا.

وهذا يوافق رواية أبي طالب في النكاح، قال في رجل مشى إليه قوم، فقالوا: زوج فلاناً فلانة، فقال: زوجته على ألف، ورجعوا إلى الزوج وأخبروه بذلك، فقال: قد قبلت ; هل يكون هذا نكاحا؟ قال: نعم؟

قال الشيخ تقي الدين: ويجوز أن يقال: إن كان العاقد الآخر حاضرا، اعتبر قبوله في

ص: 5

المجلس، وإن كان غائبا جاز تراخي القبول عن المجلس، كما قلنا في ولاية القضاء، قال شارحه: ولم أر المسألة ههنا في الفروع، ولا في الإنصاف، ولا غيرهما

البيوع المنهي عنها

قال الشيخ عبد الله أبا بطين: وهذه الصور التي نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم في البيع. نهى عن ثمن الكلب، ومهر البغي، وحلوان الكاهن، وثمن السنور، وكسب الحجام، وبيع الخمر، وكل ما حرم أكله، وبيع الميتة، وبيع الأصنام وبيع الحر، وبيع عسب الفحل، وبيع فضل الماء، وبيع الكلأ، وبيع الحصاة، وبيع الغرر، وبيع حبل الحبلة، وبيع الملامسة، وبيع المنابذة، وبيع المزابنة، والمحاقلة، والمخابرة، والمعاومة، والثنيا، وبيع الثمرة قبل الصلاح، وبيع الطعام قبل قبضه، والبيع على بيع أخيه، والنجش، والتصرية، وبيع حاضر لباد، وتلقى الركبان، والغش، والكذب والاحتكار، وأكل الربا وتوكيله، وبيع الذهب بمثله متفاضلا. وبيع الفضة بمثلها متفاضلة، والبر بالبر متفاضلا والذهب بالذهب نسأ، والفضة بالفضة نسأ، والتمر بالتمر نسأ، والشعير بالشعير نسأ، والبر بالبر نسأ، والملح بالملح نسأ، والذهب بالفضة نسأ، والتمر بالبر نسأ، والتمر بالشعير نسأ، والتمر بالملح نسأ، والبر بالشعير نسأ، والبر بالملح نسأ، والشعير بالملح نسأ، واشتراط ليس في كتاب الله، وكل ما تقدم ذكر في الصحيحين، أو أحدهما.

ص: 6

قوله: المزابنة، وهي: أن يبيع ثمر حائطه إن كان نخلا بتمرٍ كيلا، وإن كان كرما أن يبيعه بزبيب كيلا، وإن كان زرعا أن يبيعه بطعام كيلا، نهى عن ذلك كله، ويروى المزابنة: أن يباع ما في رؤوس النخل بتمر كيلا مسمى، إن زاد فلي وإن نقص فعلي، قوله: نهى عن المخابرة والمحاقلة، فالمحاقلة: أن يبيع الرجل الزرع بمائة فرق حنطة، والمزابنة: أن يبيع الثمر في رؤوس النخل بمائة فرق مثلا، والمخابرة: كرى الأرض بالثلث أو الربع، والمعاومة: أن يبيع حمل الشجر المستقبل أعواما.

قوله: المنابذة، وهي: طرح الرجل ثوبه بالبيع إلى الرجل، قبل أن يقلبه أو ينظر إليه، قوله: الملامسة، وهي: لمس الثوب لا ينظر إليه. قوله حبل الحبلة، وكان بيعا يبيعه أهل الجاهلية، كان الرجل يبتاع الجزور إلى أن تنتج الناقة، ثم تنتج التي في بطنها; وقيل: إنه كان بيع الشارف ; وهي الكبيرة المسنة بنتاج الجنين الذي ببطن ناقته، وقوله: بيع الحصاة، وهو أن يقول: أي موضع وقعت عليه هذه الحصاة من هذه الأرض، فهو لي.

وسئل الشيخ: عبد الله أبا بطين عن ثمن الكلب ومهر البغي: الخ؟

فأجاب: ثمن الكلب هو أخذ العوض عنه ; ومهر البغي هو الجعل الذي تأخذه على زناها، وحلوان الكاهن:

ص: 7

هو ما يأخذه الكاهن في مقابلة إخباره بالمغيبات، وثمن السنور: هو أخذ العوض عنه، وكسب الحجام: هو ما يأخذه أجرة على حجامته، فأما ما يعطاه بغير شرط فرخص فيه بعض العلماء، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى الذي حجمه، قالوا: ولو كان حراما لم يعطه النبي صلى الله عليه وسلم، وحملوا النهي على الاشتراط خاصة، وتحريم بيع الخمر ظاهر، وهو المعاوضة عنه ; وكذا حكم كل مسكر، وبيع الميتة وما حرم أكله، لما في الحديث المشهور " إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه " وثمن الحر ظاهر، وهو أخذ العوض عنه، وبيع عسب الفحل: وهو أخذ العوض عن ضرابه، كما يفعله كثير من الناس في أخذ العوض على نزو الحصان على الرمكة.

وسئل أيضا: الشيخ عبد الله أبا بطين، عن بيع الحصاة وبيع الغرر

الخ؟

فأجاب: وأما بيع الحصاة، فهو أن يقول: إرم بهذه الحصاة، فعلى أي ثوب وقعت، أو دابة، فهو لك بكذا، وفسر بأن يقول: أبيعك من هذه الأرض ما تبلغ هذه الحصاة، إذا رميت بها بكذا، وبيع الغرر يدخل تحته صور كثيرة، منها: بيع العبد الآبق، والدابة الشاردة، ومنها بيع الدين لغير من هو في ذمته، إذا كان غير مليء، ويدخل تحته كل مبيع لا يدري مشتريه، أيحصله أم لا، وأما بيع حبل الحبلة، ففيه تفسيران: أحدهما أن أهل الجاهلية كانوا يشترون الجزور ونحوها إلى أن تلد الناقة، ثم يلد ولدها، فيكون النهي لأجل

ص: 8

جهالة الأجل، وقيل: هو أن يبيعه نتاج ما في بطن هذه الناقة، وهو ولدها، لما فيه من الغرر.

وأما بيع الملامسة: فنحو أن يقول: أي ثوب لمسته فهو لي بكذا، فيشتريه من غير نظر إليه ولا تقليب ; وأما بيع المنابذة: هو أن يقول-: كل ثوب نبذته إلي فهو علي بكذا، والعلة في ذلك جهالة المبيع وقت العقد، ولهذا اشترط العلماء لصحة البيع، معرفة المبيع، ونهيه عن الثنيا إلا أن تعلم، فهو أن يبيعه عددا من الدواب أو الثياب ونحوها، ويستثنى منها غير معين، نحو أن يقول: بعتك هذه الغنم بكذا، ولي منها واحدة أختارها، وفيه صور كثيرة.

وقال رحمه الله تعالى: وأما بيع المضامين والملاقيح، فقيل في المضامين ما في بطون الإناث، والملاقيح ما في ظهور الفحول، وفسر بالعكس، وبيع الغنيمة قبل القسمة، المراد به: الإنسان يبيع نصيبه من الغنيمة قبل تمييزه وقبضه.

سئل الشيخ: عبد الله بن الشيخ محمد، عن بيع المكره بحق؟

فأجاب: وأما قوله: إلا أن يكره بحق، كما يكرهه الحاكم على بيع ماله لوفاء دينه، فهذا لا بأس بالشراء منه، سواء رضي بذلك أو لم يرض.

سئل الشيخ عبد الرحمن بن حسن، عن سكوت المرأة عن بيع نصيبها من العقار، هل يوجب صحة البيع أم لا؟

ص: 9

فأجاب: لا يجب به بيع، لعدم وجود الرضا منها صريحا وهي على ملكها، والمشتري يرجع على من باعه، سواء أدرك منه الثمن أم لا، والمرأة لا رجوع عليها والحالة هذه، وما استغل من عقارها رده عليها، أو مثله إن تلف.

بيع الفضولي

سئل الشيخ: حمد بن ناصر بن معمر، عن تصرف الفضولي؟

فأجاب: اختلف الفقهاء، فمنهم من قال: لا ينعقد البيع أصلا، ولا تدخل هذه المسألة في الخلاف، بل الملك باق على ملك صاحبه، ولا ينتقل بتصرف الفضولي، ونماؤه لمالكه، وأما قوله، إذا قال الفضولي للمشتري: أنا ضامن ما لحقك من الغرامة، هل يلزمه غرامة النماء؟ فنقول: إن كان المشتري جاهلا أن هذا مال الغير، أو كان عالما لكن جهل الحكم وغره الفضولي، فما لزم المشتري من الغرامة من هذا النماء الذي تلف تحت يده، فهو على الضامن الغارم.

وأجاب الشيخ: حسن بن حسين بن الشيخ محمد، رحمهم الله: الأشبه بالقواعد الشرعية، ما اقتضته المعاقد المذهبية، من تحريم التصرف في مال الغير بغير إذنه إذا علم بالحال، وأن حكمه حكم الغاصب، لتعديه بتناوله المحظور عليه شرعا بغير إذن مالكه، فنصحح تصرفه، يعني أن الربح الحاصل بتصرفه لمالك المال كأصله، لأنه نماء ملكه ونتيجته، وليس للمتصرف من الربح شيء، ونص عليه الإمام

ص: 10

أحمد في المتجر بالوديعة في رواية الجماعة، قال ابن نصر: نصوص أحمد متفقة على أن الربح للمالك.

سئل الشيخ: حمد بن ناصر بن معمر رحمه الله تعالى، عن قوله:" لا تبع ما ليس عندك "

فأجاب: أهل العلم ذكروا أن النهي يقتضي الفساد، فقالوا: لا يصح أن يبيع ما ليس في ملكه، ثم يمضي فيشتريه ويسلمه للمشتري، فعلى هذا: إذا خالف وفعل لم يصح البيع، وتكون على ملك الذي اشتراها من السوق، فإن تلفت بيد المشتري الثاني ضمنها بقيمتها، لا بثمنها الذي اشتراها به، فإن كانت مثلية مثل المكيل والموزون، ضمنه بمثله.

وأجاب الشيخ عبد الله أبا بطين: وأما ربح ما لم يضمن، فهو أن يبيع ما لا يدخل في ضمانه، كأن يشتري طعاما ويبيعه قبل اكتياله.

وسئل الشيخ عبد الله العنقري: عن الرجل يقول: من أراد منكم أبيعه ثمن العشرة بأربعة عشر إلى أجل، ويذهب مع المشتري إلى السوق فيشتري ثم يقبضه.

فأجاب: هذا العقد لا يصح، لأن النبي صلى الله عليه وسلم وسلم نهى عن ربح ما لم يضمن؟ وقال لحكيم بن حزام " لا تبع ما ليس عندك " 2 أي لا تبع ما ليس في ملكك، والحديثان صحيحان، وقد ذكر العلماء رحمهم الله من شروط البيع: أن يكون البائع

1 الترمذي: البيوع (1232)، والنسائي: البيوع (4613)، وأبو داود: البيوع (3503) ، وأحمد (3/402 ،3/434) .

2 الترمذي: البيوع (1232)، والنسائي: البيوع (4613)، وأبو داود: البيوع (3503) ، وأحمد (3/402 ،3/434) .

ص: 11

مالكا للمبيع حالة العقد، أو مأذونا له فيه كالوكيل ونحوه، والمقصود: أن هذا البيع باطل محرم.

سئل الشيخ: عبد الرحمن بن حسن رحمه الله: عمن باع شيئا من عقار بيت المال حال وضع يده عليه ثم رجعت في بيت المال، هل يحكم برد الثمن؟

فأجاب: نعم، لأن البيع غير صحيح.

سئل بعضهم: عن بيع فضل الماء؟

فأجاب: الذي اطلعت عليه من الكلام على مسألة بيع فضل الماء، لا يخفاك أن الأحاديث في ذلك مطلقة في الصحيحين وغيرهما، وقد فهم أئمة الحديث من ذلك العموم، كما في حديث:" الناس شركاء في ثلاث " 1 الخ، ولم يخصصوا من هذا العموم إلا ما كان منه محرزا في آنية فإنه يجوز بيعه، قياسا على جواز بيع الحطب إذا أحرزه الحاطب، وهذا على مذهب من يجوز التخصيص بالقياس، وأما شراء نصف رومة من اليهودي، فقد أجاب المحققون: أن هذا كان في صدر الإسلام، وأيضا: فالماء تبع للبئر، قال في مختصر الشرح: ولا يجوز بيع كل ماء عد، كمياه العيون، ونقع، ولا ما في المعادن الجارية، ولا ما نبت في أرضه من الكلأ والشوك، وأما نفس البئر وأرض العين، فهي مملوكة والماء غير مملوك.

والوجه الآخر: يملك، وروى عن أحمد نحو ذلك،

1 أبو داود: البيوع (3477) ، وأحمد (5/364) .

ص: 12

فإنه قيل له: رجل له أرض ولآخر ماء، يشتركان الزرع يكون بينهما؟ فقال: لا بأس، وكذا النابت في الأرض، فكله يخرج على الروايتين في الماء، قال الأثرم: سئل أبو عبد الله عن قوم بينهم نهر، فشرب منه أرضوهم، لهذا يوم ولهذا يومان، فيتفقون عليه بالحصص، فجاء يومي ولا أحتاج إليه، أُكْرِيه بدارهم؟ قال: ما أدري، أما النبي صلى الله عليه وسلم فقد نهى عن بيع الماء، فقيل له: إنما نكريه، فقال: إنما احتالوا بهذا ليحبسوه، فأي شيء هذا إلا البيع؟، انتهى يؤيده ما روى أبو عبيد: أنه صلى الله عليه وسلم " نهى عن بيع فضل الماء إلا ما يحمل منه "1.

وسئل الشيخ: حسن بن حسين بن الشيخ محمد، عن بيع النهر؟

فأجاب: جواز بيعه مبني على ملك الماء وعدمه، والصحيح أن الماء يملك بالعمل فيه، لا نفس النقع، فإنه لا يملك إذا لم يكن نبع في ملكه، والعمل هو احتفار السواقي وإصلاحها، وبعث الآبار وعمارتها، فبهذا تكون مملوكة، ونحن نذكر لك كلام صاحب الشرح، قال: أما الأنهار النابعة في غير ملك، كالأنهار الكبار فلا تملك بحال، ولا يجوز بيعها، ولو دخل إلى أرض رجل لم يملكه بذلك، كالطير يدخل في أرضه، ولكل واحد أخذه ويملكه، إلا لأن يحفر منه ساقية، فيكون أحق بها من غيره، وأما ما ينبع في ملكه، كالبئر والعين المستنبطة، فنفس البئر وأرض العين مملوكة لمالك الأرض، والماء الذي فيها غير مملوك في ظاهر

1 مسلم: المساقاة (1565)، والنسائي: البيوع (4660 ،4670)، وابن ماجه: الأحكام (2477) ، وأحمد (3/338 ،3/339 ،3/356) .

ص: 13

المذهب، وهذا أحد الوجهين لأصحاب الشافعي.

والوجه الآخر: يملك، لأنه نماء الملك، وقد روي عن أحمد نحو ذلك، فإنه قيل له: في رجل له أرض، ولآخر ماء، يشترك صاحب الماء وصاحب الأرض الزرع، يكون بينهما، فقال: لا بأس، اختاره أبو بكر، وهذا يدل من قوله: على أن الماء مملوك لصاحبه، وجواز بيع ذلك مبني على ملكه، قال أحمد: لا يعجبني بيع الماء البتة، وقال الأثرم: سمعت أبا عبد الله يُسْأل عن قوم بينهم نهر، فشرب منه أرضوهم، لهذا يوم ولهذا يومان، فيتفقون عليه بالحصص، فجاء يومي ولا أحتاج إليه، أكريه بدارهم؟ قال: ما أدري، أما النبي صلى الله عليه وسلم وسلم فنهى عن بيع الماء، قيل له: إنه ليس يبيعه إنما يكريه، قال: إنما احتالوا بهذا ليحبسوه، فأي شيء هذا إلا البيع؟!.

وروى الأثرم بإسناده عن جابر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " المسلمون شركاء في ثلاث، الكلأ والنار والماء " 1 فإن قلنا يملك جاز بيعه، وإن قلنا لا يملك، فصاحب الأرض أحق به من غيره، لكونه في ملكه، والخلاف في بيع ذلك إنما هو قبل حيازته، فأما ما يحوزه من الماء في إنائه، أو يأخذه من الكلأ في حبله أو يحرزه في رحله، أو يأخذه من المعادن، فإنه يملكه بذلك بغير خلاف بين أهل العلم، وليس لأحد أن يشرب منه، ولا يأخذ ولا يتوضأ إلا بإذن مالكه لأنه ملكه، قال أحمد: إنما نهى عن بيع فضل ماء البئر والعيون في

1 أبو داود: البيوع (3477) ، وأحمد (5/364) .

ص: 14

قراره، ويجوز بيع البئر نفسها والعين، ومشتريها أحق بمائها.

ثم ذكر حديث بئر رومة، وقال بعد ذكره: وفي هذا دليل على صحة بيعها وتسبيلها، وملك ما يستقيه منها، وجواز قسمة مائها بالمهايأة، وكون مالكها أحق بمائها، وجواز قسمة ما فيه حق، وليس بمملوك ملك مياه الأمطار، فأما المصانع المتخذة لمياه الأمطار يجمع فيها ونحوها من البرك وغيرها، فالأولى أن يملك ماؤها ويصح بيعه، لأنه مباح حصل بشيء معد له، فملكه كالصيد يحصل في شبكته، والسمك في بركة معدة له ولا يحل أخذ شيء منه بغير إذن مالكه، وكذلك إن أجرى من نهر غير مملوك ماء إلى بركة في أرضه يستقر الماء فيها لا يخرج منها، فحكمه حكم مياه الأمطار تجتمع في البركة قياسا عليه، انتهى ملخصا، وقد عرفت ما قدمناه.

وسئل الشيخ: محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف، عمن عنده فضل ماء، وإلى جنبه من هو محتاج إليه هل يجوز بذل ذلك الفضل، بجزء مما يخرج من الزرع الذي بجواره، أو بدراهم معلومة، أو آصع معلومة؟

فأجاب: أما فضل الماء، فالسنة واضحة في المنع من بيعه، ووجوب بذله مجانا، لكن ذكر العلامة ابن القيم رحمه الله: إمكان التحيل على المعاوضة عنه بحيلة جائزة.

قال رحمه الله تعالى: المثال الثامن والثلاثون، إذا استنبط في ملكه، أو أرض استأجرها عين ماء ملكه، ولم

ص: 15

يملك بيعه لمن يسوقه إلى أرضه، أو يسقي بها بهائمه، بل يكون أولى به من كل أحد، وما فضل منه لزمه بذله لبهائم غيره وزرعه، فالحيلة على جواز المعاوضة: أن يبيعه نصف العين، أو ثلثها، أو يؤجره ذلك، فيكون الماء بينه وبينه على حسب ذلك، ويدخل الماء تبعا لملك العين أو لمنفعتها، ولا تدخل هذه الحيلة تحت النهي عن بيع الماء، فإنه لم يبعه، وإنما باع العين، ودخل الماء تبعا، والشيء قد يستتبع ما لا يجوز أن يفرد وحده، انتهى، فلا بد فيما ذكره من بيع جزء من البئر مثلا، أو إجارته، وشروط البيع والإجارة غير خافية عليك.

سئل الشيخ: عبد الله بن الشيخ محمد رحمهم الله، هل يملك المفلا 1 الخ؟

فأجاب: المفلا لا يملك ولو بالشراء.

سئل الشيخ: إسحاق بن عبد الرحمن بن حسن رحمهم الله، عما جلب في أسواق المسلمين من الجلاء

الخ؟

فأجاب: وأما ما جلب في أسواق المسلمين من الجلاء إذا كان فيها من يصيد من المسلمين وغيرهم، يحتمل أن يكون الصائد له مسلما، فمن قال: إن الأصل فيما دخل أسواق المسلمين الإباحة، أجازه، ومن جعل الأصل

1 المفلا: مرتع المواشي.

ص: 16

استصحاب الوصف المثبت للحكم حتى يثبت خلافه، أبقى الصيد على أصله في التحريم، حتى ينقله ناقل.

قال ابن القيم رحمه الله: وقد دلنا الشارع على تعليق الحكم به- يعني بالوصف- في قوله في الصيد "وإن وجدته غرقا فلا تأكله، فإنك لا تدري الماء قتله أو سهمك " 1 وقال في الكلاب: "ولا تأكل فإنك إنما سميت على كلبك، ولم تسم على غيره " 2 لما كان الأصل في الذبائح التحريم، ونشك هل وجد الشرط المبيح أم لا؟ بقى الصيد على أصله، انتهى، إذا تبين هذا، فالأحوط: اجتناب ما يتطرق إليه الاحتمال الذي صورنا، حتى يتحقق أن الصائد مسلم، على ما قرره ابن القيم رحمه الله.

سئل الشيخ: عبد الله أبا بطين، عن فرس شريت بمال حرام وحلال، هل يصح الشراء

الخ؟.

فأجاب: وأما الفرس التي شريت بمال حرام وحلال، إن اشتراها بعين المال الحرام المخلوط بالحلال، لم يصح الشراء، وإن اشتراها في ذمته، ثم نقد ذلك الثمن صح البيع، وعليه إثم الحرام، ووجب عليه رد نظيره إلى صاحبه، فعلى القول بعدم صحة البيع، فولدها وولد ولدها على فذلك، وعلى القول بالصحة، فالجميع ملكه.

سئل الشيخ: محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، عمن باع ما لم يره..... إلخ؟

1 مسلم: الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان (1929)، والترمذي: الصيد (1469) .

2 البخاري: الوضوء (175) والبيوع (2054)، ومسلم: الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان (1929)، والنسائي: الصيد والذبائح (4264 ،4269 ،4270 ،4272 ،4273 ،4274 ،4275)، وأبو داود: الصيد (2854) ، وأحمد (4/380)، والدارمي: الصيد (2002) .

ص: 17

فأجاب: ومن باع ما لم يره ثبت له خيار الرؤية، إذا كان ما استوفى صفات البيع.

وقال الشيخ: حسن بن حسين بن علي: أهل العلم ذكروا أن البيع بالصفة ينقسم إلى قسمين، موصوف معين، وموصوف في الذمة، فالأول كأن يقول: بعتك عبدي التركي، أو من أمتعتي التي في ظروفها، أو تمري الذي على رؤوس النخل، ويصفه له بما يميزه، فهذا لا يشترط فيه قبض ثمن ولا مثمن، ويصح أن يكون ثمنه دينا كالحاضر،

والثاني: يشترط فيه قبض الثمن أو المثمن بالمجلس، فلا يصح أن يكون ثمنه دينا، كأن يقول: بعتك عبدا تركيا أو ثمرا من ذمتي ويصفهما، هذا ما ظهر من كلامهم.

وسئل: عمن اشترى طعاما لم يره، ولم يوصف له

إلخ؟

فأجاب: إذا اشترى من ذمته زادا لم يره، ولم يوصف له، بثمن مؤجل، لم يلزمه العقد، وليس بصحيح، وهو من بيع الدين بالدين، وإن كان رأى الزاد، أو وصفه له، انعقد فيما إذا رأى الزاد، وأما الموصوف، فإن كان موصوفا معينا انعقد أيضا وإن كان في الذمة لم يصح، ولم ينعقد إلا بقبض الثمن في المجلس قبل التفرق.

سئل الشيخ: سعد بن حمد بن عتيق: إذا باع رجل جملا، واشترط حملانه إلى موضع معين، هل يصح؟ وإذا تلف هل ضمانه على المشتري أو البائع؟

ص: 18

فأجاب: إذا باع الجمل واشترط حملانه إلى موضع معين، صح الشرط، كما دل عليه حديث جابر، فإن تلف في يد البائع، فضمانه على المشتري، وليس على البائع ضمان، لأنه أمانة في يده، إن تلف بغير تعد منه فلا ضمان عليه، ثم بعد أن كتبنا هذا الجواب: عثرت على كلام لابن القيم رحمه الله في هذه المسألة، وقرر: أن ضمان البعير في هذه الصورة على البائع، وعلل بأن قبض المشتري والحالة هذه غير تام، فليراجع كلام ابن القيم رحمه الله، وهو في كتاب الإعلام في آخره.

وأجاب الشيخ: عبد الله بن عبد العزيز العنقري: أما البيع بالصفة، فالبيع صحيح، ولو تلف قبل القبض كان من ضمان البائع، لكن للمشتري الخيار إذا بان بخلاف ما وصف له.

سئل الشيخ: سليمان بن الشيخ عبد الله بن محمد، رحمهم الله: إذا اشترى رجل من شخص ناقة بصفة، وتركها مع البائع ثم نتجت بنتاج منفصل، هل النتاج للبائع في مقابلة الضمان أم لا؟

فأجاب: إن كان المشتري قد قبضها ثم تركها مع البائع، فيد البائع يد أمانة لا ضمان عليه فيها، فيكون النتاج للمشتري لذلك، وإن كان البائع لم يمكنه من القبض، لأنه لم يعطه الثمن ونحو ذلك، فالنماء للبائع في مقابلة ضمانه، إذ لو

ص: 19

تلفت في هذه الحال لانفسخ فيها العقد، هذا فيما إذا كانت معينة، كما هو ظاهر السؤال، والله أعلم.

سئل الشيخ: حسن بن حسين بن الشيخ محمد، رحمهم الله: عن بيع التمر بظروفه.

فأجاب: قال في المنتهى وشرحه: ويصح بيع ما بوعاء، كسمن مائع أو جامد مع وعائه موازنة، كل رطل بكذا، أي: سواء علما مبلغ الوعاء أو ما به أو لا، لرضاه بشراء الظروف كل رطل بكذا، كالذي فيه، ويصح ما بوعاء دونه، أي: الوعاء، مع الاحتساب بزنته، أي الوعاء على اشتراط، إن علما حال العقد مبلغ كل منهما وزنا، لأنه إذا علم أن ما بالوعاء عشرة أرطال، وأن الوعاء رطلان، واشترى كذلك كل رطل بدرهم، صار كأنه اشترى العشرة التي بالوعاء باثني عشر درهما، فإن لم يعلما مبلغ كل منهما لم يصح البيع، لأدائه إلى جهالة الثمن، انتهى، فتأمله فإنه صريح في المسألة، وافهم الفرق بين الصورتين.

سئل الشيخ: عبد الله بن الشيخ محمد، إذا باع رجل شقصا، واستثنى سهما معلوما من غلة الشقص مدة

إلخ؟

فأجاب: لا يصح هذا الاستثناء، فإن استثناء الغلة مدة سنين، لا أعلم أحدا قال بجوازه من العلماء، وإنما إلخلاف بينهم فيما إذا باع نخلا لم يؤبر، واستثنى البائع غلته الموجودة تلك السنة، فمالك رحمه الله، قال: لا يجوز، والحنابلة

ص: 20

يقولون: بالجواز، وعللوا ذلك بأنه بيع حال العقد، فصح استثناؤه كغيره من العين المبيعة، وأما استثناء الغلة مدة سنين معلومة، فقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه " نهى عن الثنيا إلا أن تعلم " 1 بل منع كثير من الفقهاء استثناء الحمل، الذي في بطن الدابة أو الأمة مع كونه موجودا حالة العقد، كما هو المشهور في المذهب، فإذا كان هذا كلامهم في الموجود حالة العقد، فما ظنك بالمعدوم.

وسئل الشيخ عبد الله أبا بطين: عمن اشترى فرسا، واستثنى شيئا لم يخلق؟.

فأجاب: من باع فرسا واستثنى شيئا لم يخلق، فهذه ثنيا باطلة، للحديث:" نهى عن الثنيا إلا أن تعلم "2.

وأجاب أيضا: وأما بيع الخيل بالمثاني فهو حرام، لا تجوز الشهادة عليه، ولا الكتابة بينهم.

سئل الشيخ: محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: عمن اشترى عضوا من الذبيحة قبل الذبح؟

فأجاب: العضو إذا اشتري من الذبيحة فهو غرر، هذا إذا كان قبل الذبح.

وأجاب: الشيخ عبد الله العنقري: والذي يبيع حيوانا مما يؤكل ويستثنى منه عضوا، فهذا لا يجوز، فإن كان المستثنى رأسا أو جلدا أو سواقط، أو يكون المستثنى سهما

1 النسائي: الأيمان والنذور (3880) .

2 النسائي: الأيمان والنذور (3880) .

ص: 21

مشاعا، كالربع ونحوه، فلا بأس بذلك.

سئل الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد: هل يجوز بيع ما هو مستتر في الأرض، كالبصل ونحوه؟

فأجاب: المسألة فيها روايتين وجزم الشيخ بالجواز.

قال الشيخ: عبد الله أبا بطين: ومن بيع الغرر بيع اللبن في الضرع، نحو أن يشتري من حليبها أسبوعا أو شهرا، ونحو ذلك.

سئل الشيخ: محمد بن عبد الوهاب رحمه الله عن البيع بما ينقطع به السعر.... إلخ؟

فأجاب: الرجل الذي باع على ما ينقطع به سعر فلان، فالشيخ يصححه، وغالب العلماء ما يصححونه.

سئل الشيخ: حمد بن ناصر بن معمر: عن بيع الصبرة فيها كذا وكذا بالدراهم، هل يجوز؟

فأجاب: لا يجوز، واحتجوا بما روى الأثرم بإسناده عن الحكم، قال:"قدم طعام لعثمان رضي الله عنه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اذهبوا إلى عثمان نعينه على طعامه فقال عثمان: إن في هذه الغرارة كذا وكذا، وأبيعها بكذا وكذا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سميت الكيل فكل " واحتج به أحمد، فعلى هذا إذا أعلمه بالكيل والوزن، ثم باعه إياه مجازفة على أنه له بذلك الثمن زاد أو نقص لم يجز.

وسئل بعضهم: عن بيع الصبرة جزافا

إلخ؟

ص: 22

فأجاب: يجوز ويصح، قال ابن أبي عمر: لا نعلم فيه خلافا، لقول ابن عمر "كنا نشتري الطعام جزافا" قال ولا فرق بين الأثمان والمثمنات في صحة بيعها جزافا، وقال مالك: لا يصح في الأثمان، لأن لها خطرا، ولا يشق وزنها ولا عددها، وإن كان البائع يعلم قدر الصبرة لم يجز بيعها جزافا، وكرهه عطاء وابن سيرين ومجاهد، وبه قال مالك وإسحاق، وقال مالك لم يزل أهل العلم ينهون عن ذلك، ولم ير الشافعي بذلك بأسا، لأنه إذا جاز مع جهلهما فمع العلم من أحدهما أولى، وروى الأوزاعي " أنه صلى الله عليه وسلم قال: من عرف مبلغ شيء، فلا يبعه جزافا حتى يبينه " قال القاضي وأصحابه: هذا بمنْزلة التدليس، إن علم به المشتري فلا خيار له، انتهى.

وأجاب الشيخ: حمد بن عبد العزيز، وأما كون البائع قبض تمره، وآواه إلى منْزله، ثم باعه، يشاهده المشتري، بثمن معلوم، فهذا يدخل في بيع الصبرة، وهو جائز، ولا يخرجه عن بيع الصبرة كونهما يعلمان وزنه الأول، أو كونهما اتفقا على إسقاط وزان عن نقصه، كل ذلك لا يخرجه عن كونه صبرة مشاهدة، بيعت بثمن معلوم، وذلك جائز عند الفقهاء، انتهى.

قال الشيخ: عبد الله بن الشيخ محمد رحمهما الله: وأما الذي قال أنا أعطيك بعشرة هذه الزرور، التي في ذمة هذا الرجل عشرة آصع، فلا يجوز هذا، لأنه غرر.

سئل بعضهم: عمن قال لمن اشترى سلعة بعشرة، أنا أعطيك مثلها بتسعة

إلخ؟

ص: 23

فأجاب رحمه الله تعالى: وأما من قال لمن اشترى سلعة بعشرة:

أنا أعطيك مثلها بتسعة، أو قال لمن باع سلعة بتسعة، عندي فيها عشرة، ليفسخ البيع ويعقد معه ; فهذه المسألة لها صور، فإن الأولى تسمى: بيع الرجل على بيع أخيه، والصورة الثانية: الشراء على شراء أخيه وفعله حرام، ويتصور ذلك في خيار المجلس، وخيار الشرط وهو محرم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم " ولا يبع بعضكم على بيع بعض " 1 ومثله أن يقول: أبيعك خيرا منها بثمنها، أو يعرض عليه سلعة يرغب فيها المشتري، ليفسخ البيع ويعقد معه، فلا يجوز ذلك للنهي عنه، ولما فيه من الإضرار بالمسلم والإفساد عليه، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم " نهى أن يخطب الرجل على خطبة أخيه " 2 متفق عليه، وهذا في معنى الخاطب، فإن خالف وفعل، فالبيع الثاني باطل للنهى عنه، والنهي يقتضي الفساد.

وفيه وجه آخر: أنه يصح، لأن المحرم هو عرض سلعته على المشتري، وذلك سابق على البيع، ولأن النهي لحق آدمي، فأشبه بيع النجش، وهذا مذهب أحمد، وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله: يحرم الشراء على شراء أخيه، فإن فعل كان للمشتري الأول مطالبة البائع بالسلعة، وأخذ عوضها.

وأجاب الشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين: وأما بيعه على بيع أخيه، فهو أن يقول لمن اشترى سلعة من مسلم

1 البخاري: البيوع (2150)، والنسائي: البيوع (4496)، وأبو داود: البيوع (3443) ، وأحمد (2/420 ،2/465) .

2 البخاري: النكاح (5142)، ومسلم: النكاح (1412)، والترمذي: البيوع (1292)، والنسائي: النكاح (3243)، وأبو داود: النكاح (2081) ، وأحمد (2/21)، ومالك: النكاح (1112)، والدارمي: النكاح (2176) .

ص: 24

بعشرة مثلا: أبيعك مثلها بتسعة، ليفسخ البيع ويعقد معه، وقيد بعضهم ذلك بمجلس الخيار، وقال بعض العلماء: هذا ممنوع بعد التفرق من المجلس، لأن ذلك يوجب للمشتري التحيل على رد البيع وفسخه، وأما النجش، فهو: أن يزيد في ثمن السلعة من لا يريد شراءها، ليغر المشتري ويضر به، انتهى.

وأجاب الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد: وقوله: لا يجوز بيع الرجل على بيع أخيه، إذا فعل ذلك في مجلس الخيار، وكذلك الإثم في تلقي الركبان حاصل لهم، ولا أدري عن صحة البيع أو عدمها.

قال الشيخ إبراهيم، والشيخ عبد الله وعلي، أبناء الشيخ محمد رحمهم الله: ومنها، أي: المعاملات الربوية، أن يبيعه سلعة بنسيئة، ثم يشتريها منه بأقل مما باعها به نسيئة.

وأجاب الشيخ: حمد بن ناصر بن معمر، رحمه الله: الذي ذكر العلماء رحمهم الله تعالى في صفة العينة المحرمة، هي المسؤول عنها، قال علماؤنا رحمهم الله: ومن باع سلعة بنسيئة، أو بثمن لم يقبضه، لم يجز أن يشتريها بأقل مما باعها به، فإن فعل بطل البيع الثاني، ولو كان بعد حلول أجله.

قال الشيخ تقي الدين رحمه الله: إن قصد بالعقد الأول الثاني، بطل الأول والثاني جميعا، وهو قول أبي حنيفة ومالك، وهذه هي مسألة العينة المشهورة، وروي تحريمها

ص: 25

عن ابن عباس وعائشة، وهو قول مالك وأبي حنيفة، وإسحاق وأصحاب الرأي.

واحتجوا على ذلك: بما رواه الإمام أحمد في مسنده، عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم الزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلا لا ينْزعه عنكم حتى تراجعوا دينكم " 1 وهذا وعيد شديد، يدل على التحريم، وروى غندر عن شعبة، عن أبي إسحاق، عن امرأته العالية، قالت:"دخلت وأم ولد زيد بن أرقم، وامرأة، على عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، فقالت: إني بعت غلاما من زيد بن أرقم بثمانمائة درهم إلى العطاء، ثم اشتريته منه بستمائة درهم، فقالت لها: بئس ما شريت، وبئس ما اشتريت، أبلغي زيد بن أرقم أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يتوب" رواه الإمام أحمد، وسعيد بن منصور.

قالوا: والظاهر أنها لا تقدم على مثل هذا الوعيد الشديد، إلا بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم ولأن ذلك ذريعة إلى الربا، فإنه يدخل السلعة ليستبيح به بيع ألف بخمسمائة، ولذلك قال ابن عباس رضي الله عنهما في مثل هذا، أرى مائة بخمسين بينهما حريرة، ولم يستثنوا من ذلك إلا أن تتغير صفتها بما ينقصها، أو ينقص ثمنها، مع أن أحمد رحمه الله توقف في رواية مهنا، فيما إذا نقص في نصه، لأن علة المنع باقية.

واختار الموفق وغير واحد من أصحاب أحمد: الجواز

1 أبو داود: البيوع (3462) ، وأحمد (2/42 ،2/84) .

ص: 26

إذا تغيرت الصفة، وذلك مثل هزال العبد، أو نسيان الصنعة، أو تخرق الثوب، وذلك لأن الثمن لنقص البيع، لا للتوسل إلى الربا، فهذه الصورة مما استثنوها من بيع العينة المحرمة;

الصورة الثانية: إذا كان بيعها الأول بعرض، قال في المغني: لا نعلم فيه خلافا.

الصورة الثالثة: إذا كان بيعها الأول بنقد واشتراها بعرض، قال- في المغني: لا نعلم فيه خلافا.

الصورة الرابعة: إذا كان باعها بنقد، واشتراها بنقد آخر، فقيل: يجوز، وقال الموفق وغير واحد: لا يجوز، قال في الإنصاف: وهو الصواب.

الصورة الخامسة: إذا باعها بمثل الثمن الأول، من غير زيادة ولا نقصان، فإن ذلك جائز، قاله غير واحد من علمائنا رحمهم الله.

الصورة السادسة: إذا باعها بأكثر من ثمنها الأول جاز أيضا فإن باع سلعة بنقد، ثم اشتراها بأكثر منه، فهي كمسألة العينة.

الصورة السابعة: إذا وجدها تباع من غيره، إلا أن يكون وكيلا له، وقال أحمد في رواية حرب: لا يجوز إلا أن تتغير السلعة، لأن ذلك يتخذ وسيلة إلى الربا، فهي كمسألة العينة، ونقل أبو داود عن أحمد: يجوز بلا حيلة; وأما إن اشترى السلعة التي باعها، بنقد بسلعة أخرى، أو بأقل من ثمنها، أو بمثله، جاز، فإن اشتراها بنقد آخر بأكثر من ثمنها، فهو كمسألة العينة أيضا; ونقل المروذي فيمن يبيع الشيء ثم يجده يباع، أفيشتريه بأقل مما باعه بالنقد؟ قال لا، ولكن بأكثر لا بأس،

قال الموفق رحمه الله: يحتمل أن يجوز له شراؤها بجنس الثمن بأكثر منه، إذا لم يكن مواطأة ولا حيلة، بل وقع

ص: 27

اتفاقا بلا قصد، ومن مسائل العينة أيضا: إذا باعه شيئا بثمن لم يقبضه، ثم اشتراه بأقل مما باعه نقدا على الخلاف المتقدم، لم يصح، ذكره غير واحد من أئمة الحنابلة، وهو ظاهر كلام أحمد، قاله في الإنصاف.

وأجاب الشيخ عبد الله أبا بطين: وأما بيع السلعة بنسيئة، ثم يشتريها البائع بأقل مما باعها به نقدا، نحو أن يبيعه إياها بخمسين إلى أجل، ثم يشتريها بثلاثين نقدا قبل قبض الخمسين، فهذه مسألة العينة، لكن اشترط الفقهاء لعدم الجواز، أن لا تتغير صفتها، فإن تغيرت بهزل أو نحوه، فلا بأس أن يشتريها بأقل مما باعها به نقدا.

وأجاب الشيخ سعد بن حمد بن عتيق: إذا تغير المبيع جاز بأكثر أو أقل.

وأجاب الشيخ عبد الله بن عبد العزيز العنقري: صاحب الدار الذي عجز عن بعض ثمنها، وقال للمشتري: خذها بما بقي من ثمنها، إن كانت تغيرت عن حالها الأولى ولو يسيرا فلا بأس بذلك، وإلا فيبيعها على غير البائع.

سئل الشيخ: محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: عن أخذ العروض عن النقود وبالعكس

إلخ؟

فأجاب: إن كان المراد أخذ العروض عن النقود التي في الذمة عن ثمن ربوي، كما إذا باع تمرا أو نحوه بأحد النقدين إلى أجل، ثم أخذ عما في الذمة من جنس المبيع،

ص: 28

أو ما لا يجوز بيعه به نسيئة، فهذا لا يصح على المعتمد، وإن كان غير ذلك، كقيمة متلف أو أجرة ونحو ذلك، فيجوز أن يأخذ عما في الذمة عن النقد عرضا وبالعكس، بل يجوز أخذ أحد النقدين عن الآخر بسعر يومها، كما في حديث ابن عمر.

وقال أبناؤه: ومنها: أي المعاملات الربوية، ما يفعله كثير من الناس، يبيع الطعام نسيئة، فإذا حل ثمنه أخذ عنه طعاما بسعر الواقع، وقد ذكر العلماء أن هذا لا يجوز، لأنه حيلة وذريعة إلى بيع الطعام بالطعام نسيئة.

وقالوا أيضا: ومنها كونه يبيع تمرا أو عيشا إلى أجل، فإذا حل الأجل أخذ منه بتلك الدراهم تمرا أو عيشا، وهذا حرام عند أكثر العلماء، لا سيما إذا قصد في ابتداء العقد، وعرف أنه لا يستوفي منه إلا تمرا أو عيشا.

وأجاب الشيخ: عبد الله أيضا، وأما من باع طعاما بدراهم إلى أجل معلوم، فهذا لا بأس به، ولا يجوز أن يأخذ عن الدراهم طعاما، من جنس ما باع عليه بالدراهم.

قال الشيخ: عبد الرحمن بن حسن، تحت رسالة أعمامه في الربا والحيل المحرمة، الأعمام رحمهم الله: اختاروا عدم التفصيل خوفا من الاسترسال، وردعا للعامة الذين لا يحسنون التفصيل، ولا يفهمون الشروط عن الوقوع في الربا الصريح، فحسموا المادة حسما تاما.

ص: 29

وأجاب الشيخ عبد الله أبا بطين: إذا اشترى إنسان من آخر طعاما يجري فيه الربا بنسيئة ثم اشترى منه بذلك الثمن ما لا يجوز بيعه به نسيئة، ففي المسألة خلاف مشهور، فمذهب أحمد وطائفة تحريم ذلك، ومذهب الشافعي جوزاه، واختار الشيخ تقي الدين جواز ذلك للحاجة، وكثير من أهل الزمان لو لم يأخذ منه غريمه طعاما، ما أوفاه، فلو امتنع من أخذ الطعام ذهب حقه، فالظاهر أن الشيخ يجيز ذلك، لأن هذا حاجة أبلغ من احتياجه إلى الطعام، والحنابلة يتوصلون إلى إجازة ذلك، بأن يشتري الذي له الدين من غريمه الطعام بثمن في الذمة، فإذا ثبت الثمن في ذمة المشتري الثاني، قال لغريمه: في ذمتك لي مثلا ريال، وفي ذمتي لك ريال، فهذا بهذا ويسمون هذا مقاصة، وهو جائز عندهم.

وأجاب أيضا: وأما أخذ الطعام عن الدراهم ثمن السمن، فالخلاف في هذه المسألة مشهور في زمن السلف، هذا إذا كان الطعام حاضرا ليس مؤخرا، وأرى في هذه المسألة الغفلة عن الفاعل.

وأجاب أيضا: الذي يأخذ عن الدراهم ثمن الغنم زادا، فهذا لا بأس به إن شاء الله تعالى، فإن كانت الدراهم ثمن لحم، فلا ينبغي أخذ الزاد منها، خروجا من الخلاف.

وسئل الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن: عمن باع ربويا بدراهم نسيئة، فلما حل الأجل أعسرت الدراهم على

ص: 30

المبتاع، وهو موسر بحب أو تمر، هل يحل أخذ الطعام بسعر الدراهم؟

فأجاب: هذه المسألة مسألة خلاف بين العلماء، والمذهب في ذلك المنع، وهو الذي عليه مشايخنا، وجوز ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية إذا لم يكن بينهما حيلة، والثانية صفة الأولى، لكن المباع قهوة، هل يحل أخذ الطعام بسعره مع عدم الدراهم؟

فالجواب عن هذه المسألة جواب ما قبلها.

وسئل: إذا كان عند إنسان طعام، أو قهوة أو نحو ذلك، وأتاه رجل وقال: أعطني سعر ريال بريالين نسيئة، هل يصح؟

فأجاب: يصح بغير خلاف.

وسئل: إذا قال اشتر لي هذه الدابة ونحوها بثمن عاجل، وبعنيه بالمثلين آجلا، هل يصح؟

فأجاب هذه المسألة مسألة العينة، التي وردت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها بتحريمها، وأنها عين الربا.

سئل الشيخ: عبد الله بن الشيخ محمد رحمهما الله: رجل عليه دين لرجل، أو يحتاج إلى بضاعة أو حيوان ينتفع به، أو يتاجر فيه، فيطلبه من إنسان دينا فلم يكن عنده، هل للمطلوب أن يشتريه، ثم يبيعه له بثمن إلى أجل؟ وهل له أن يوكله في شراه، ثم يبيعه له بعد ذلك بربح اتفقا عليه قبل الشراء؟.

فأجاب: من كان له عليه دين، فإن كان موسرا وجب عليه أن يوفيه، وإن كان معسرا وجب إنظاره، ولا يجوز قلبه

ص: 31

عليه بمعاملة ولا غيرها، وأما البيع إلى أجل ابتداء، فإن كان مقصود المشتري الانتفاع بالسلعة، أو التجارة فيها، جاز إذا كان على الوجه المباح، وأما إذا كان مقصوده الدراهم، فيشتريها بمائة مؤجلة، ويبيعها في السوق بسبعين حالة، فهذا مذموم منهي عنه في أظهر قولي العلماء، وهذا يسمى التورق، قال أبو عمر بن عبد البر: التورق أخية الربا.

سئل الشيخ: حمد بن ناصر بن معمر، هل يحبس أحد عن الموسم

إلخ؟

فأجاب: أما الموسم الذي يقع فيه البيع والشراء، فلا يحبس عنه أحد، ولا يجبر البائع على بيع سلعته في بلاد معينة، بل يترك يبيع سلعته في القرية التي يريدها من قرى المسلمين.

سئل الشيخ: عبد الرحمن بن حسن، عن الاحتكار

إلخ؟

فأجاب: أما الاحتكار، فإذا اشترى أحد من الأسواق ينتظر الغلا، فهو الاحتكار.

وأجاب الشيخ سعيد بن حجي، المحتكر: من يشتري ولا يبيع، مع حاجة الناس إليه، فيضيق عليهم، وأما من يشتري ويبيع في الحال، فالجالب مرزوق ليس محتكرا.

وأجاب: الشيخ عبد الله أبا بطين، وأما الاحتكار فنحو إذا كان بالناس حاجة إلى الطعام، فيشتري إنسان ما يجلب

ص: 32

للبلد من الطعام ليبيعه على أهل البلد، فنهى عن ذلك لما فيه من التضييق عليهم.

وسئل: عمن لا يبيع ولا يشتري إلا بيمينه؟

فأجاب: الذي يظهر لنا أن هذا يتناول المكثر من الحلف بالله، بحيث إنه لا يبيع شيئا ولا يشتري إلا مع الأيمان، وإن لم يكن متعمدا للكذب، فمن كان كذلك فلا بد أن يقع في اليمين الكاذبة.

سئل الشيخ عبد الله بن عبد العزيز العنقري، عن رفع الصوت بالذكر في مجالس الناس، كالأسواق ونحوها؟

فأجاب: لا أعلم فيه دليلا شرعيا، ومن ادعى المشروعية طولب بالدليل، فإن أتى بدليل سلم إليه، والعبادات مبناها على أمر الشارع صلى الله عليه وسلم وأما مجرده من غير رفع صوت، فهو مأثور.

وقد سألنا الشيخ إبراهيم بن عبد اللطيف عن هذه المسألة، فلم ير رفع الصوت في الأسواق بالذكر.

ص: 33