المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل (لزوم البيع) - الدرر السنية في الأجوبة النجدية - جـ ٦

[عبد الرحمن بن قاسم]

الفصل: ‌فصل (لزوم البيع)

‌فصل (لزوم البيع)

سئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب، رحمه الله: هل يلزم البيع بالعقد؟

فأجاب: يلزم البيع بالعقد، وأجاب أيضا: وأما الذين يبيعون الثمرة وقت الجذاذ، فبيعهم صحيح، ولو ما نقد المشتري الثمن وقبض الثمرة، فإنه يلزم إذا خلّى بينه وبينها ويكون قبضا، لأن قبض هذا بالتخلية.

وأجاب ابنه الشيخ عبد الله: يلزم البيع بمجرد العقد، ولا يوافق على فسخ البيع إلا برضا المشتري.

وأجاب أيضا: المبيع الذي يتعلق فيه توفية، مثل المكيل والموزون، فهذا يلزم بالعقد، ولا يحصل فيه فسخ إلا بتراضيهما.

وأجاب الشيخ حمد بن ناصر بن معمر: إذا اشترى رجل من آخر مائة صاع مثلا، وواعده يكيلها من الغد، فلما أتاه قال: بدا لي، ولم ينقد الثمن، فالبيع يلزم بمجرد العقد، ولا يوافق على فسخ البيع إلا برضا المشتري، ولا يجوز بيعه

ص: 82

قبل قبضه، لقوله صلى الله عليه وسلم " من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه " 1 متفق عليه. انتهى.

وقال أبناء الشيخ: حسن وإبراهيم وعبد الله وعلي، رحمهم الله، ومنها: أي المعاملات الربوية، ما يفعله بعض الناس: إذا كان له في ذمة رجل طعام معلوم، استوفى منه بثمرة يأخذها خرصا في رؤوس النخل ثم يبيعها، وهذا لا يجوز، نص عليه العلماء ونهوا عنه، وذكروا أن من اشترى بالكيل والوزن، لا يحصل قبضه إلا بكيله أو وزنه، فإن قبضه جزافا كان قبضا فاسدا، لا يجوز بيعه حتى يكال أو يوزن. لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يكتاله " 2 وفي الحديث الآخر: أنه " نهى عن بيع الطعام حتى يجري فيه الصاعان، صاع البائع وصاع المشتري " 3 وفي حديث آخر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعثمان: " إذا سميت الكيل فكل " ومنها: ما يفعله بعض الناس في الأحساء وغيره، يشتري طعاما من أهل بيت المال، أو من غيرهم، ثم يبيعه قبل قبضه، وهذا لا يجوز، بل ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عنه، وقال:" من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يقبضه " 4

وأجاب أيضا: الشيخ عبد الله بن الشيخ، ذكر الفقهاء أن الفقير لا يملك الزكاة، ولا يتصرف فيها بالبيع قبل قبضها، واستدلوا على ذلك بحديث مرفوع، رواه أحمد وابن ماجه. وأجاب في موضع آخر: لا يجوز بيعه قبل قبضه، لقول

1 البخاري: البيوع (2126)، ومسلم: البيوع (1526)، والنسائي: البيوع (4595)، وأبو داود: البيوع (3492)، وابن ماجه: التجارات (2226)، ومالك: البيوع (1335) .

2 مسلم: البيوع (1525)، والنسائي: البيوع (4597)، وأبو داود: البيوع (3496) .

3 ابن ماجه: التجارات (2228) .

4 البخاري: البيوع (2133)، ومسلم: البيوع (1526)، والنسائي: البيوع (4596)، ومالك: البيوع (1336)، والدارمي: البيوع (2559) .

ص: 83

النبي صلى الله عليه وسلم " من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه "1.

وأجاب الشيخ عبد الله أبا بطين: وأما بيع الطعام قبل قبضه، إن كان بيعه على الكيل، فقبضه اكتياله، وإن كان جزافا، فقبضه بالتخلية، لكن لا يبيعه حتى ينقله من مكانه.

وأجاب أيضا: وأما ربح ما لم يضمن، فهو: أن يبيع ما لا يدخل في ضمانه، كأن يشتري طعاما ويبيعه قبل اكتياله.

[قبض المبيع]

سئل الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد، رحمهما الله هل يباع ما لا يكال ولا يوزن بما لا يؤكل ولا يشرب، قبل قبضه؟

فأجاب: لا يجوز بيعه قبل قبضه، والرواية الثانية: الجواز.

وسئل الشيخ: عبد الرحمن بن حسن: عمن باع طعاما قبل قبضه وجعل ميزانين

إلخ؟

فأجاب: ما أحدثه بعض الناس عند بيع الطعام، من جعلهم ميزانين، زعموا أن أحدهما للقبض، والثاني للبيع، فليس قبضا شرعيا، ولا يكون فاعله خارجا عما نهي عنه، من بيع الطعام قبل قبضه، فإن الأحاديث مصرحة بالنهي عنه، لحديث ابن عمر:" من اشترى طعاما، فلا يبعه، حتى يستوفيه " 2 متفق عليه وعند مسلم من حديث " ابن عمر: كنا نبتاع الطعام، فيبعث علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم من يأمرنا: بانتقاله من

1 البخاري: البيوع (2126)، ومسلم: البيوع (1526)، والنسائي: البيوع (4595)، وأبو داود: البيوع (3492)، وابن ماجه: التجارات (2226)، ومالك: البيوع (1335) .

2 البخاري: البيوع (2126)، ومسلم: البيوع (1526 ،1527 ،1526)، والنسائي: البيوع (4595)، وأبو داود: البيوع (3492)، وابن ماجه: التجارات (2226)، ومالك: البيوع (1335) .

ص: 84

المكان الذي ابتعناه فيه، إلى مكان سواه قبل أن نبيعه " 1 ولأحمد من حديث ابن عمر:" من اشترى طعاما بكيل أو وزن، فلا يبعه حتى يقبضه " 2 ورواه أبو داود، والنسائي، بلفط:" نهى أن يبيع أحد طعاما اشتراه بكيل، حتى يستوفيه " 3 وحديث جابر: " نهى عن بيع الطعام حتى يجري فيه الصاعان، صاع البائع وصاع المشتري "4.

هذه الأحاديث: ظاهرة في النهي عن بيع الطعام قبل قبضه، بألفاظ مختلفة، والمراد منها واحد، ففيها حتى يستوفيه، وحتى يقبضه، وفيها: وكان يأمر بانتقاله من المكان الذي ابتعناه فيه، إلى مكان سواه قبل أن يبيعه، فليس بعد ذلك بيان.

وقول القائل: هذا خاص بما بيع جزافا، فمردود بقول الشارع صلى الله عليه وسلم " حتى يستوفيه " و " حتى يقبضه " وبقوله:" من اشترى طعاما بكيل أو وزن، فلا يبعه حتى يقبضه " 5 ولفظ القبض، والاستيفاء: يكذب معنى التخصيص بالجزاف; وقد ذكر الفقهاء: أن قبض المكيل بالكيل، والموزون بالوزن.

فيقال لصاحب الميزانين: من أين جئت بهذا، أو في أي كتاب وجدته؟ فإنا لم نجد ذلك لأحد من العلماء المتقدمين، ولا المتأخرين، وإنما فسرتم ألفاظ النصوص بما تهوونه وتحبونه، ولم تذكروا ذلك عن أحد من العلماء، فهل يكون ذلك حجة شرعية؟

1 البخاري: البيوع (2124)، ومسلم: البيوع (1527)، والنسائي: البيوع (4605)، وأبو داود: البيوع (3493)، وابن ماجه: التجارات (2229) ، وأحمد (2/112 ،2/142) .

2 البخاري: البيوع (2133)، ومالك: البيوع (1335 ،1336)، والدارمي: البيوع (2559) .

3 البخاري: البيوع (2126 ،2136)، ومسلم: البيوع (1526)، والنسائي: البيوع (4604)، وأبو داود: البيوع (3492 ،3495)، وابن ماجه: التجارات (2226)، ومالك: البيوع (1335) .

4 ابن ماجه: التجارات (2228) .

5 البخاري: البيوع (2133)، ومالك: البيوع (1335 ،1336)، والدارمي: البيوع (2559) .

ص: 85

وأبلغ من ذلك: أن مذهب محمد بن إسماعيل البخاري، وطائفة: أن استيفاء المبيع المنقول، وتبقيته في منْزل البائع، لا يكون قبضا شرعيا، حتى ينقله المشتري إلى مكان اختصاص البائع به، قال وهو منقول عن الشافعي، ودليله ما رواه أحمد عن ابن عمر:" نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تبتاع السلع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم " 1 وفي صحيح مسلم: " كنا نبتاع الطعام، ويبعث علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم من يأمرنا بانتقاله، من المكان الذي ابتعناه فيه، إلى مكان سواه قبل أن نبيعه " 2 وقد تقدم.

فيا عباد الله: أين عقولكم؟! ويا طلبة العلم أين أفهامكم؟! قال الله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [سورة النور آية: 63] .

سئل الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد: هل يبيعه بكيله الأول؟

فأجاب: وإذا كال المشتري الطعام، ثم أراد أن يبيعه بكيله الأول من غير كيل، فالمشهور جوازه، إذا كان المشتري الثاني حاضرا، شاهدا الكيل الأول، وفيه وجه: لا يجوز إلا بكيل ثان، وهو مذهب الشافعي، لما روى ابن ماجه: أن النبي صلى الله عليه وسلم " نهى عن بيع الطعام حتى تجري فيه الصاعان، صاع البائع وصاع المشتري "3.

وسئل: عن صفة القبض للطعام ونحوه؟

1 البخاري: البيوع (2131 ،2137) والحدود (6852)، ومسلم: البيوع (1527)، والنسائي: البيوع (4608)، وأبو داود: البيوع (3499) ، وأحمد (2/157) .

2 البخاري: البيوع (2124)، ومسلم: البيوع (1527)، وأبو داود: البيوع (3493)، وابن ماجه: التجارات (2229) ، وأحمد (1/56 ،2/112)، ومالك: البيوع (1337) .

3 ابن ماجه: التجارات (2228) .

ص: 86

فأجاب: أهل العلم ذكروا أن القبض في كل شيء بحسبه، فإن كان مكيلا أو موزونا، بيع كيلا أو وزنا، قبضه بكيله أو وزنه، لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" من اشترى طعاما فلا يبعه حتى يكتاله " 1 رواه مسلم وأما قول السائل: وهل القبض يحصل بالكيل والوزن، وإن لم ينقل؟ فنعم، كما نبه عليه منصور في شرح الإقناع والمنتهى، وهو ظاهر الحديث المتقدم.

وأجاب أيضا: القبض كيله أو وزنه، والرواية الثانية: أنه التخلية مع التمييز.

سئل الشيخ حسن بن حسين بن الشيخ: عمن اشترى مكيلا، فكال منه وزنة بالميزان، ثم أخذ الباقي وزنا؟

فأجاب: إذا انتفى الغرر، وحصل العلم بالمبيع المكيل وزنا، فلا مانع من صحة القبض، لنص الفقهاء على جواز قبض المكيل وزنا، وبالعكس في غير بيع الجنس الواحد بعضه ببعض، وفي غير اقتضاء دين السلم، في رواية المروذي، واختارها جمع، منهم ابن أبي عمر، وجزم به في الوجيز، وتقدم قول المنتهى وشرحه، كسمن مائع أو جامد مع وعائه موازنة، مع أن كل مائع مكيل.

وأجاب الشيخ حمد بن عبد العزيز: وأما أنه يباع مثلا أربعة آصع، ثم يوزن سنبل وزنا، فلا يجوز، لأنه قد ينقص، فلو باعه وزنا، ولو كان مكيلا، كما يباع التمر اليوم

1 مسلم: البيوع (1528) .

ص: 87

وزنا، وأصله مكيل، كان أهون.

سئل الشيخ: محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: عمن اشترى تمرا في الجصاص 1 جزافا، هل يبيعه قبل نقله؟

فأجاب: والذي يشتري التّمر في الجصاص، لا ينفذ البيع إلا إذا نقله صاحبه.

وأجاب ابنه الشيخ عبد الله: وأما الصبرة المشتراة جزافا، فلا يجوز بيعها حتى ينقلها المشتري من مكانها إلى آخر، ويكفي في ذلك أن ينقلها من موضع في السوق، إلى آخر.

وأجاب أيضا: وأما الصبرة، فإذا بيع الطعام جزافا، فقبضه نقله، ولا يجوز بيعه قبل نقله، لحديث ابن عمر المتفق عليه.

وأجاب أيضا: وأما إذا اشترى رجل من رجل، سمنا أو غيره من أنواع الطعام مجازفة، ثم أراد بيع الطعام نسيئة إلى أجل معلوم فلا بأس بذلك إذا كان قد نقله من مكانه الذي اشتراه فيه، ولا يجوز له أن يبيع الطعام الذي اشتراه مجازفة، في المكان الذي وقع عقد البيع والشراء فيه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك.

1 جمع جصة: مكان يجعل فيه التمر يسمى بذلك; لأنه يبنى من الجص.

ص: 88

سئل الشيخ: محمد بن عبد الوهاب: عن ضمان المكيل والموزون، إذا لم يقبضه.

فأجاب: وأما الشيء المشترى إذا لم يقبض، إذا كان مكيلا أو موزونا، فضمانه على البائع.

وأجاب أيضا: وإذا تلفت المواشي قبل التمكن من القبض، فمن ضمان البائع، وإن تلفت بعد التمكن، فمن ضمان المشتري، وأما الصبرة إذا كان المشتري متمكنا من القبض، فإنها تصير من ضمان المشتري.

الإقالة

سئل الشيخ: عبد الله بن الشيخ محمد: هل الإقالة تجوز بأقل من الثمن، أم لا تجوز إلا بمثله؟

فأجاب: لا تجوز إلا بمثل الثمن، عند كثير من أهل العلم.

وسئل الشيخ حسن بن حسين بن الشيخ: عن الإقالة في غير السلم بأكثر من رأس المال؟

فأجاب: لا تصح مع زيادة على ثمن معقود به، أو مع نقصه أو بغير جنسه، لأن مقتضى الإقالة رد الأمر على ما كان عليه، ورجوع كل منهما إلى ماله، فلو قال: ولك كذا ففعل، فكرهه أحمد لشبهه بمسائل العينة، لأن السلعة ترجع إلى صاحبها، ويبقى له على المشترى فضل دراهم.

قال ابن رجب: لكن محذور الربا هنا بعيد، انتهى من المنتهى وشرحه.

ص: 89

ولا فرق فيما قبل القبض أو بعده، حتى في مكيل أو موزون، لكونها فسخا على المشهور المختار للأصحاب، لإجماع العلماء، كما حكاه ابن المنذر على جوازها في السلم، مع النهي عن بيع الطعام قبل قبضه.

وسئل الشيخ سعيد بن حجي: هل الإقالة لها خيار مجلس؟

فأجاب: ليس لها خيار مجلس، لأنها ليست بيعا ولا بمعناه، وإنما هي فسخ للعقد من أصله، فليس فيها خيار مجلس، وتجوز الإقالة في دين السلم، حكاه ابن المنذر إجماع من يحفظ عنه من أهل العلم، لأنها فسخ للعقد إذا قبض رأس مال السلم في مجلس الإقالة، هذا المختار عند الموفق والشارح وصاحب المبدع وغيرهم، يعني قبض رأس مال السلم في مجلس الإقالة.

سئل الشيخ عبد الرحمن بن حسن، عن قولهم: ومؤنة رد مبيع تقايلاه على بائع؟

فأجاب: وأما ما ذكره الفقهاء من أن مؤنة رد مبيع تقايلاه على بائع، فهو المشهور.

ص: 90