المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

المستحق حقه، ولا يمنعه حقه بمجرد قول إنسان لا تعطه، - الدرر السنية في الأجوبة النجدية - جـ ٦

[عبد الرحمن بن قاسم]

الفصل: المستحق حقه، ولا يمنعه حقه بمجرد قول إنسان لا تعطه،

المستحق حقه، ولا يمنعه حقه بمجرد قول إنسان لا تعطه، وقد يثبت لهذا القائل حق وقد لا يثبت، ولكن ينبغي للمدعي رفع الأمر للحاكم إن كان ثم حاكم، وينظر الحاكم فيه بمقتضى الشرع، إن رأى الحاكم القضاء على الغائب قضى للمدعي بما ادعى به، وإن أمكن إحضار المدعى عليه أحضره مع خصمه ونظر في أمرهما، هذا ما ظهر لي، والله أعلم.

ص: 426

‌باب الشفعة

سئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: هل تثبت الشفعة بالشركة في الطريق والبئر؟ والشركة في السيل؟

فأجاب: تثبت للجار إذا كان شريكا في الطريق والبئر، ولا تثبت الشفعة بالشركة في الجدار، ولا بالشركة في السيل.

وسئل ابنه الشيخ عبد الله: إذا لم يكن بينهما إلا شركة في البئر، فهل تثبت الشفعة.

فأجاب: إذا لم يكن بينهما إلا شركة في البئر خاصة، فالصحيح من أقوال العلماء والمفتى به عندنا: أن للشريك الشفعة، كما هو اختيار الشيخ ابن تيمية وغيره من العلماء، وإذا اشترى رجل أرضا ليس لشريكه فيها شركة، لا في ماء ولا في طريق، ليس له فيها شفعة.

وأجاب أيضا: قولك هل تثبت الشفعة بالشركة في البئر والطريق ومسيل الماء؟ فالمفتى به عندنا أنها تثبت بذلك، كما

ص: 426

هو اختيار الشيخ تقي الدين وغيره من العلماء.

وأجاب أيضا: وأما الجار إذا كان شريكا لجاره في طريق وليس لغيرهما فيه شركة، ففي الشفعة خلاف، والمشهور الراجح أن له الشفعة، وهو المفتى به عندنا، وهو اختيار الشيخ تقي الدين.

وأجاب أيضا: إذا باع شريك في مسيل حقه، وأراده شريكه بالشفعة جاز، وأما شفعة الجوار ففيها خلاف بين العلماء، ولا عادتنا نفتي بلزوم الشفعة فيها، إلا إذا كان فيها شركة من طريق أو ماء.

وسئل الشيخ: محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف: عن ثبوت الشفعة بالشركة بالسيل:

فأجاب: المذهب عدم ثبوت الشفعة بالطريق، والسيل مثله، واختيار الشيخ التشفيع بمرافق الأملاك، من الطرق والبئر والسيل، وهو الذي عليه الفتوى عند أئمة هذه الدعوة، لحديث " الجار أحق بشفعة جاره، ينتظر بها وإن كان غائبا، إذا كان طريقهما واحدا " 1 ولمفهوم حديث: " فإذا وقعت الحدود، وصرفت الطرق، فلا شفعة " 2 وهو الذي نفتي به، انتهى.

سئل الشيخ: حمد بن ناصر، على القول بإثبات الشفعة بالشركة في الطريق، هل إذا باع عقاره وقد وقعت الحدود إلا أن الشركة باقية في البئر، والطريق ومسيل الماء، هل

1 أبو داود: البيوع (3518) .

2 البخاري: البيوع (2213)، والترمذي: الأحكام (1370)، وأبو داود: البيوع (3514)، وابن ماجه: الأحكام (2499) ، وأحمد (3/296 ،3/399) .

ص: 427

يأخذ المبيع كله

إلخ؟

فأجاب: على القول بإثبات الشفعة بالشركة في البئر والطريق، يأخذ الشفيع المبيع كله، بالشركة في البئر والطريق، ولا يختص ذلك في البئر نفسها، ولا بالطريق وحده، وقد نص على ذلك أحمد في رواية أبي طالب، فإنه سأله عن الشفعة لمن هي؟ قال: للجار إذا كان الطريق واحدا، فإذا صرفت الطرق، وعرفت الحدود فلا شفعة، ويدل على ذلك: ما رواه أهل السنن الأربعة، من حديث جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الجار أحق بشفعة جاره، ينتظره بها وإن كان غائبا، إذا كان طريقهما واحدا " 1 وفي حديث جابر المتفق عليه " الشفعة في كل ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق، فلا شفعه " 2 فمفهوم الحديث الآخر، موافق لمنطوق الأول، بإثبات الشفعة إذا لم تصرف الطرق، والشركة في البئر تقاس على الشركة في الطريق، لأن الشفعة إنما شرعت لإزالة الضرر عن الشريك، ومع بقاء الشركة في البئر والطريق، يبقى الضرر بحاله، وهذا اختيار الشيخ تقي الدين، وهو الذي عليه الفتوى.

وأما الشفعة فيما لم ينقل وليس بعقار، كالشجر إذا بيع مفردا ونحو ذلك، فاختلف العلماء في ذلك، والمشهور في المذهب أنها لا تثبت فيه، وهو قول الشافعي وأصحاب

1 الترمذي: الأحكام (1369)، وأبو داود: البيوع (3518)، وابن ماجه: الأحكام (2494) ، وأحمد (3/303)، والدارمي: البيوع (2627) .

2 البخاري: الشفعة (2257)، والترمذي: الأحكام (1370)، وأبو داود: البيوع (3514)، وابن ماجه: الأحكام (2499) ، وأحمد (3/296 ،3/399) .

ص: 428

الرأي، وعن أحمد رواية أخرى: أن الشفعة تثبت في البناء والغراس، وإن بيع مفردا، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم " الشفعة فيما لم يقسم " 1 ولأن الشفعة تثبت لدفع الضرر، والضرر فيما لم يقسم أبلغ منه فيما ينقسم، وقد روى الترمذي من حديث عبد العزيز بن رفيع، عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الشريك شفيع، والشفعة في كل شيء " 2 وقد روى مرسلا، وقد رواه الطحاوي من حديث جابر مرفوعا، ولفظه:" قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل شيء ".

وسئل أيضا: هو، والشيخ عبد الله بن الشيخ محمد رحمهم الله تعالى: عن الشفعة في أرض لا تمكن قسمتها إجبارا.

فأجاب: هذه المسألة اختلف الفقهاء فيها، وفيها قولان للعلماء هما روايتان عن أحمد; الأولى: أن الشفعة لا تثبت إلا في المبيع الذي تمكن قسمته، فأما ما لا تمكن قسمته من العقار كالحمام الصغير، والعضادة، والطريق الضيق، والعرص الضيقة، فلا شفعة فيه، وبه قال يحيى بن سعيد وربيعة والشافعي، وهذا هو المذهب عند المتأخرين من الحنابلة، قال الموفق في المغنى: وهو ظاهر المذهب، لما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"لا شفعة في فناء ولا في طريق ولا في منقبة" والمنقب الطريق الضيق، رواه أبو الخطاب في رؤوس المسائل.

1 أبو داود: البيوع (3514)، وابن ماجه: الأحكام (2497) ، وأحمد (3/296 ،3/372)، ومالك: الشفعة (1420) .

2 الترمذي: الأحكام (1371) .

ص: 429

والرواية الثانية: تثبت الشفعة فيه، وهو قول أبي حنيفة والثوري وابن سريج، ورواية عن مالك، واختاره ابن عقيل وأبو محمد الجوزي، والشيخ تقي الدين، قال الحارثي: وهو الحق، لعموم قوله عليه السلام " الشفعة فيما لم يقسم " 1 وسائر الألفاظ، ولأن الشفعه تثبت لإزالة الضرر بالمشاركة، والضرر في هذا النوع أكثر، لأنه يتأبد ضرره، وهذا هو المفتى به عندنا، وهو الراجح.

وأجاب الشيخ عبد الله أبا بطين: في هذه المسألة عن الإمام أحمد روايتان، إحداهما- وهي المذهب عند أكثر الأصحاب - لا تجب الشفعة إلا فيما يقسم قسمة إجبار، فلا تجب في الدار الضيقة والبئر ونحو ذلك، لحديث جابر مرفوعا:" أنه قضى بالشفعة في كل ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة " 2 قالوا: والحدود إنما تقع فيما يقبل القسمة، فإذاً تقدير الحديث: الشفعة في كل شيء يقبل القسمة ما لم يقسم،

والرواية الثانية: ثبوت الشفعة في ذلك، اختارها ابن عقيل والشيخ تقي الدين وغيرهما; قال الحارثي: وهو الحق; وروى عبد الله بن أحمد عن عبادة مرفوعا: " أنه قضى بالشفعة بين الشركاء في الدور والأرضين "3.

سئل الشيخ: محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: هل الأحق بالشفعة شريك البئر، أو النخل؟

فأجاب: ومسألة الشريك في البئر ليس له شفعة، بل الشفعة للشريك في النخل.

1 أبو داود: البيوع (3514)، وابن ماجه: الأحكام (2497) ، وأحمد (3/296 ،3/372)، ومالك: الشفعة (1420) .

2 البخاري: الشفعة (2257)، وأبو داود: البيوع (3514)، وابن ماجه: الأحكام (2499) ، وأحمد (3/296) .

3 أحمد (5/326) .

ص: 430

وأجاب الشيخ عبد الرحمن بن حسن: شريك الأصل أحق من شريك المصالح، ما لم يترك الطلب بها بغير خلافً نصَّ عليه في المغنى والشرح، والإنصاف وغيرها.

وأجاب أيضا: وأما الشفعة بالمصالح، كالطريق والسيل ونحوه، فشريك الأصل مقدم عليه، أي: على الشريك في المصالح مطلقا، لأن شريك الأصل في الشفعة مما لا نزاع فيه بين العلماء فيما أعلم.

وأما مسألة: زيادة المشتري في الثمن، لعلمه أنّ الشريك يشفع، فلا بأس بذلك؟ إذا كان راغبا في الشراء، ولا يكون هذا إضرارا، إن شاء أخذ وإن شاء ترك، لكن يشترط أن يكون الأخذ فورا، فإن تراخى عن الأخذ بطلت شفعته، انتهى.

وسئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب: هل الشفعة على الفور؟

فأجاب: هي على الفور، إذا لم يطالب بها من حين يخبر بالبيع، فليس له شفعة.

وسئل الشيخ: عبد الله بن حمد الحجازي: عمن أخبر بالشراء فلم يشفع، وشهد عليه عدل ثم طلب الشفعة وجحد علمه السابق بها؟

فأجاب: خبر العدل الثقة يقبل، لكن إن كان المخبر

ص: 431

منبها بطلب الشفعة في الحال، وسعى إلى المشتري ليدفع إليه ثمنه، إن أمكنه ذلك ثبتت الشفعة، وإن كان غائبا أو مريضا أو غير ذلك من الأعذار، وأمكنه الإشهاد على الطلب فلم يشهد، بطلت.

سئل الشيخ عبد الله بن حسن: عن شريك بيع نصيبه مع شركائه بغير رضاه إذا طلب الشفعة في نصيب الباقين من الشركاء، هل له شفعة؟

فأجاب: الذي بيع نصيبه بغير رضاه، إن كان قد تقدم منه طلب بالشفعة وقت البيع، فلم يجب لوجود معارض فله الشفعة، وأما إذا لم يطلب، أو طلب ولا معارض، فأعرض عنه رغبة، سقطت شفعته، انتهى.

قال الشيخ عبد الله أبا بطين: ادعى زيد على عمرو في شقص بيع، ظنه مرهونا في المدة وأوجبنا عليه اليمين: بأنه يحسبه في المدة السابقة رهنا في يد المشتري، وأنه من حين علم أنه شراء شفع عليه، فإذا حلف فله الشفعة في الشقص المبيع، بقدر نصيبه السابق، وباقيه لعمرو بقدر نصيبه السابق، فيصير السهم المبيع بينهم، على قدر ملكهم السابق، هذا إذا كان ثمنه معلوما، فإن لم يعلم قدر ثمنه فلا يثبت فيه شفعة.

سئل الشيخ: إبراهيم بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن، رحمهم الله: عن تأني الشفيع في دفع الثمن؟

ص: 432

فأجاب: وأما أناة الشفيع في دفع الثمن إلى المشتري، إذا لم يطلبه المشترى، فلا تبطل به الشفعة.

وسئل: عن الشفعة في منازل النخل خاصة؟

فأجاب: وأما النخل الذي اشترى بجميع حقوقه وتوابعه، فالمتعارف بين أهل الوقت: أن منازل النخل من آكد التوابع; فأما الشفعة فيها: فإن كان الشافع لا شركة له في المبيع إلا فيما شفع فيه، فله الشفعة ويعطى ثمنه، وإن كان شريكا في غيرها، وإنما شفع فيها فقط، فلا شفعة، لما في ذلك من تفريق الصفقة، والضرر على المشتري.

سئل الشيخ: سعد بن حمد بن عتيق رحمهما الله: عمن ارتحل من بلده إلى بلد الزبير، وأقام فيه مدة عشرين سنة وتزوج فيه عند القبوريين، ويصلى وراءهم، وفي أثناء المدة مات مورثه، وله ملك وبيع شقص منه، وخرج بعد أربع سنين، فطلب الشفعة في الشقص؟

فأجاب: أما السؤال عن ثبوت الشفعة للشخص الموصوف في الشقص المبيع، فلعل السائل خطر بباله ما قاله جمع من العلماء: أنه لا شفعة لكافر على مسلم، وتلك مسألة أخرى غير المسئول عنها، وقريب مما سأل عنه السائل، الكلام في التوارث بين أهل نجد، وبين من نشأ في تلك البلدان، أو انتقل إليها من أهل نجد، بعد ظهور الدعوة الإسلامية، مثل من انتقل من بلاد الإسلام إلى تلك البلدان،

ص: 433

ومكث فيها وبقي مع المشركين، وطالت إقامته بينهم يخالطهم، ويصلي معهم، ويأكل ذبائحهم، فلعل السائل خطر بباله شيء من ذلك;

فاعلم: أن الذي علمنا من حال أهل هذه الدعوة الإسلامية، وعلمائهم رحمهم الله: أنهم لم يروا قطع التوراث بين أهل نجد، وبين من كان في تلك البلدان ممن وصفنا.

وقد حدثني أبي رحمه الله: أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، وأولاده وأتباعهم رحمهم الله، ما قطعوا التوارث بين أهل نجد، وبين من كان في تلك البلدان; إذا عرف ذلك، فالذي يظهر لي: ثبوت الشفعة لمن كان كما وصفنا، كما نقول في مسألة الميراث، والشخص المسئول عنه، له حكم غيره من الشركاء، إذا بيع الشقص في غيبة الشريك، وفي ثبوت الشفعة للغائب خلاف، والقول الراجح قول الجمهور، وهو ثبوت الشفعة للغائب، إذا طلبها عند علمه بالبيع، والأدلة من السنة تدل على ذلك.

ويدل عليه حديث جابر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الجار أحق بشفعة جاره، ينتظر بها وإن كان غائبا " 1 مع ما دلت عليه الأحاديث العامة، في ثبوت الشفعة للشريك، قال في الشرح الكبير: إذا لم يعلم بالبيع إلا عند قدومه، فله المطالبة وإن طالت غيبته، لأنه خيار يثبت لإزالة الضرر عن المال، فتراخى الزمان قبل العلم به لا يسقطه، كالرد بالعيب، ومتى علم فحكمه في المطالبة حكم الحاضر، في أنه إن طالب على

1 أبو داود: البيوع (3518) .

ص: 434

الفور استحق، وإلا بطلت شفعته.

وأجاب الشيخ: عبد الله بن الشيخ عبد اللطيف رحمهما الله: إذا ثبت إسلام الآخذ بالشفعة، لزم تمكينه ولو مع كبيرته، ووكيله يقوم مقامه في ماله وعليه.

سئل الشيخ: حسن بن حسين بن على: إذا اشترى شقصا في نخل أو أرض بشقص آخر، هل تقع فيه شفعة؟.

فأجاب: نعم تقع الشفعة، ويقوم الشقص - الذي هو الثمن - بقيمته يوم التبايع، ويدفعه الشفيع، ولا عذر لهما بالجهل في وقوع الشفعة، وربما قصد الحيلة في إبطال الشفعة بذلك.

سئل الشيخ عبد الله بن الشيخ: إذا بيع شقص في وقف، والوقف على معين، هل له فيه شفعة؟

فأجاب: المسألة فيها خلاف بين العلماء، منهم من يقول بثبوت الشفعة فيه، ولا يتبين لي الراجح من أقوال العلماء في ذلك.

وسئل الشيخ عبد العزيز بن حسن: عن الشفعة ببيت المال؟

فأجاب: وما ذكرت أن الشيخ ذكر: أن الشركة ببيت المال لا تثبت بها شفعة، فهذا هو الحق لكونه وقفا، والوقف لا يشفع به، انتهى.

ص: 435

قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن الشيخ: ما حكم به الشيخ عبد العزيز، بأن بيت المال لا يشفع به من هو في يده، ولا المتولى عليه، هو القول الصحيح.

وسئل الشيخ: عبد الله بن حمد الحجازي: عن الشفعة في المبيع، إذا وقفه المشتري؟

فأجاب: الذي ترجح عندي، أن المشتري إذا وقف وقفا صحيحا، أنه لا شفعة فيه، هذا نص الإمام أحمد، وما سواه ففيه الشفعة.

سئل الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد: ما الحال التي يستحق اليتيم والغائب الشفعة فيها، والمشتري قد طال عهده، وأحدث بناء أو غرسا؟

فأجاب: الشافع مخير بين أخذ البناء والغراس بالقيمة، مع ثمن الشقص أو الترك، وهذا الذي يترجح عندنا; ومتأخروا الحنابلة يقولون: إنه مخير بين أخذه بالقيمة، أو تركه في الأرض بأجرة، إلا إن أراد المشتري قلع الغراس أو البناء فله ذلك، لكن يلزمه تسوية حفر الأرض، ونقصها إن نقصت.

وسئل الشيخ: حسن بن حسين بن الشيخ محمد: عن قوله في الإقناع في الشفعة: وإن نما عنده نماء متصلا، كشجر كبر وطلع لم يؤبر تبعه في عقد وفسخ، هل للشفيع أخذ النماء المتصل، إذا كان سببه مال المشتري

إلخ؟

ص: 436

فأجاب: المجزوم به عند جمهور الحنابلة: أن النماء المتصل كالشجر يكبر وطلع لم يؤبر، يتبع في الأخذ بالشفعة والرد بالعيب، فيكون ملكا للشفيع، قال في الإنصاف: وقاله الأصحاب، منهم القاضي في المجرد، وابن عقيل في الفصول، والمصنف في المغني، والكافي والشرح وغيرهم، انتهى، وفي شرح الإقناع كالرد بالعيب، فيأخذه الشفيع بزيادته، لا يقال: فلم لا يكون حكم الزوج إذا طلق قبل الدخول؟ لأن الزوج يقدر على الرجوع بالقيمة، إذا فاته الرجوع في العين، وهذا يسقط حقه منها إذا لم يرجع في الشقص، فافترقا، انتهى.

فهذا كلام فقهاء الحنابلة، ولم يحك في الإنصاف خلافا في المذهب، لكن إذا قاسوه على الرد بالعيب، فأبو العباس ابن تيمية اختار هناك: أن النماء المتصل كالمنفصل، يكون للمشتري لا للبائع، وقال: نص عليه أحمد في رواية ابن منصور، قال في الإنصاف: فعلى هذا يقوم على البائع، انتهى; أي: في الرد بالعيب، ولا يبعد قياس مسألتنا عليه، مع أني أتوقف عن الإفتاء في هذه المسألة، والله أعلم.

سئل الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد: إذا لم يشفع ولي اليتيم ليتيمه

إلخ؟

فأجاب: إن ترك الولي الشفعة لمصلحة ظاهرة، فلا شفعة بعد البلوغ، وإن تركها تفريطا منه، فالشفعة باقية بحالها لليتيم إذا بلغ.

ص: 437

وسئل الشيخ حسن بن حسين بن علي: هل يلزم الشفيع الأخذ بالثمن الساقط من ذمة البائع؟

فأجاب: الذي يظهر لي إما أن يأخذه بثمنه الذي اشتراه به، ساقطا من ذمة البائع، وإما أن يترك.

سئل الشيخ: محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى: عن رجل باع سهما له بسبعة وعشرين في الباطن، وأشهد بأنه باثنين وعشرين؟

فأجاب: إن ثبت بالبينة أنه سبعة وعشرون، ثبت بها الثمن، وإن لم يكن له بينة، فليس له إلا ما شهدت عليه البينة، فإذا صار البائع مقرا أنه سبعة وعشرون، ولا يتهم أن له شيئا من الملاحظ، ثبت أن الثمن سبعة وعشرون، فإن اتهمه الشفيع أحلفه أن هذا هو الثمن، والشفيع بالخيار بعد ذلك، وإذا كان في المبيع سبيل، أو عيب وشرطه البائع على المشتري، وأقر به البائع، لزم الشفيع، ولا يسمع إنكاره.

وأجاب الشيخ إبراهيم بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن رحمه الله: البيع إذا شرط فيه شرط يفسده فسد، ولو بعد قيام الشفيع على الشفعه، ولو لم يشهد الشهود إلا بعد قيام الشريك عليها، ولو كانوا شهود البيع، ولم تذكر شهادتهم في وثيقة البيع، إذا كانوا عدولا غير متهمين.

وأجاب أيضا: الحكم بصحة البيع لا يمنع الشفعة، لأن ثبوت الشفعة يتوقف عليه توقف المسبب على سببه، فلو حصل رجوع عن تصحيح بيع الشقص، انتفت الشفعة.

ص: 438