الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل (الوفاء في العقد الفاسد)
سئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله تعالى-: عن الوفاء في العقد الفاسد
…
إلخ؟
فأجاب: وإذا أوفاه بالعقد الفاسد مثل الرد على المعسر، فليس له إلا رأس ماله.
وأجاب ابنه الشيخ عبد الله: إذا كان المتعاقدان جاهلين بالتحريم أو كان ذلك في الجاهلية قبل الإسلام ثم أسلما، فإنه يجب على من أخذ الدراهم ردها على صاحبها، وربا الجاهلية موضوع، وأما قبض الدراهم في مقابلة نفع دراهمه، في جاهلية أو بعد إسلام المدين قبل أن يبلغه النهي، فهو له، فإن كان العوض لم يقبض، بل كان باقيا في ذمة المقترض، فليس للمقرض إلا رأس ماله، ولا يأخذ معه زيادة، وقد دل على ذلك قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [سورة البقرة آية: 278] إلى قوله: {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} [سورة البقرة آية: 279] .
وعقود الشرك ما مضى منها في حال الشرك، وقبضه المتعاقدان قبل الإسلام، يُقَرَّان على ما مضى منه، لأن الإسلام يهدم ما قبله {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ} [سورة البقرة آية: 275] وأما الذي له دراهم أخذ بها في الأعشار، فالشيء الذي أخذ في الجاهلية منها، لا يحسب عليه من رأس ماله، وأما الذي دخل عليه بعدما أسلم من
الثمار، فهو يحسب عليه من رأس ماله، وبقية رأس ماله الذي يقدر من المسلمين يوفيه، والذي ما يقدر يلزمه الصبر حتى يوسر، فإن كان دفع لهم من رأس المال عروضا، مثل بقر أو عيش أو سلاح أو إبل، فهم يردون عليه مثله، وأما الذي ما عنده إلا عقارات مرهونة، رهنها تاجر آخر داخل فيها بدراهم، فهي فاسدة، ربا، ويصير له رأس ماله، وما أكل من ثمارها بعدما أسلم، يحسب عليه من رأس ماله.
وأجاب أيضا: وأما رهون الجاهلية من الربا والرهون، التي لا تجوز في الإسلام، فليس لصاحبها إلا رأس المال، فإن كان الذي عليه الحق معسرا، لزم صاحب الدين إنظاره إلى ميسرة.
وأجاب الشيخ حمد بن ناصر بن معمر: وكذلك عقود الربا، إذا أسلما ولم يتقابضا، بل أدركهما الإسلام قبل التقابض، فليس لصاحب الدين إلا رأس ماله، لقوله تعالى:{وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ} [سورة البقرة آية: 279] وأما المال المقبوض، فلا يطالب به القابض إذا أسلم، لقوله تعالى:{فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ} [سورة البقرة آية: 275] .
وأجاب الشيخ عبد الرحمن بن حسن: إذا وقع عقد فاسد في معاملة في الإسلام، قد انقضت بالتقابض في أكثرها
…
إلخ، فيظهر: مما قاله شيخ الإسلام رحمه الله في آية الربا، في قوله تعالى:{فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ} [سورة البقرة آية: 275] .
فاقتضى أن السالف للقابض، وأن أمره إلى الله ليس للغريم فيه أمر، وذلك أنه لما جاءه موعظة من ربه فانتهى، كان مغفرة ذلك الذنب والعقوبة عليه، وأمره إلى الله إن علم من قلبه صحة التوبة غفر له وإلا عاقبه، ثم قال:{اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [سورة البقرة آية: 278] فأمر بترك الباقي ولم يأمر برد المقبوض، وقال:{وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} [سورة البقرة آية: 279] إلا أنه يستثنى منها ما قبض، وهذا الحكم ثابت في حق الكافر، إذا عامل كافرا بالربا، وأسلما بعد القبض، وتحاكما إلينا، فإن ما قبضه يحكم له به، كسائر ما قبضه الكافر بالعقود التي يعتقدون حلها.
وأما المسلم: فله ثلاثة أحوال، تارة يعتقد حل بعض الأنواع باجتهاد أو تقليد، وتارة يعامل بجهل ولا يعلم أن ذلك ربا محرم وتارة يقبض مع علمه بأن ذلك محرم، أما الأول والثاني ففيه قولان: إذا تبين له فيما بعد أن ذلك ربا محرم، قيل يرد ما قبض كالغاصب، وقيل لا يرده وهو أصح، لأنه إذا كان معتقدا أن ذلك حلال، والكلام فيما إذا كان مختلفا فيه، مثل الحيل الربوية، فإذا كان الكافر إذا تاب يغفر له ما استحله، ويباح له ما قبضه فالمسلم إذا تاب أولى أن يغفر له، إذا كان أخذ بأحد قولي العلماء في حل ذلك، فهو في تأويله أعذر من الكافر في تأويله.
وأما المسلم الجاهل، فهو أبعد لكن ينبغي أن يكون كذلك، فليس هو شر من الكافر، وقد ذكرنا فيما يتركه من
الواجبات، التي لم يعرف وجوبها، هل عليه قضاء؟ قولين: أظهرهما لا قضاء عليه، وأصل ذلك، أن أصل الخطاب هل يثبت في حق المسلم قبل بلوغ الخطاب؟ فيه قولان في مذهب أحمد وغيره، ولأحمد روايتان فيما إذا صلى في معاطن الإبل، أو صلى وقد أكل لحم الجزور، ثم تبين له النص، هل يعيد؟ على روايتين.
وقد نصرت في موضع: أنه لا يعيد وذكرت على ذلك أدلة متعددة، منها: قصة عمر، وعمار، لما كانا جنبين، فصلى عمار ولم يصل عمر، ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بإعادة; ومنها المستحاضة التي قالت: منعني الصوم والصلاة، ومنها الأعرابي المسيء في صلاته، الذي قال: والله ما أحسن غير هذا، أمره أن يعيد الصلاة الحاضرة، لأن وقتها باق، وهو مأمور بها، ولم يأمره بإعادة ما صلى قبل ذلك، ومنها الذين أكلوا حتى تبين الخيط الأبيض من الأسود، ولم يأمرهم بالإعادة.
والشريعة: أمر ونهي، فإذا كان حكم الأمر لا يثبت إلا بعد بلوغ الخطاب، فكذلك النهي، فمن فعل شيئا لم يعلم أنه محرم، ثم علم، لم يعاقب؟ وإذا عامل بمعاملات ربوية يعتقدها جائزة، وقبض منها ما قبض، ثم جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف، ولا يكون شرا من الكافر، والكافر إذا غفر له ما قبضه لكونه قد تاب، فالمسلم بطريق الأولى، والقرآن يدل على هذا بقوله: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ
فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ} [سورة البقرة آية: 275] .
وهذا عام في كل من جاءه موعظة من ربه فانتهى، فقد جعل الله له ما سلف، انتهى ملخصا من كلامه رحمه الله، وبه يظهر للسائل تفصيل ما أجمله في السؤال، فليتأمل.
وأجاب الشيخ إبراهيم بن عبد اللطيف رحمه الله: لا يخفى أن الله تبارك وتعالى حرم الربا، وأوضح تحريمه في مواضع كثيرة من كتابه، وأذن بحرب من لم يلتزم حكمه فيه، قال الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} [سورة البقرة آية: 278-279] وهذا صريح في تحريم أخذ الزيادة على رأس المال، لأن قوله:{ (وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا} [سورة البقرة آية: 278] يعني ما فضل على رؤوس الأموال، فيلزم من قبض شيئا في معاملة ربوية رد ما زاد على رأس ماله، لأنه قبض غير صحيح، ولا يقال في مثل هذا العقد فاسد، بل باطل، وما قبضه بسببه فهو قبض بغير حق، والعفو إنما كان فيما قبض في الجاهلية قبل التحريم.
وما ذكرته من الإشكال فيما قبض بمعاملة ربوية، وقيل برده هل يصار إلى القيمة إذا تعذر المثل؟ أعني القيمة وقت القبض، فكلام الشيخ كما ذكرت صريح في ذلك في الغصب، لا سيما إذا تغير السعر، ولا تغير أعظم مما حصل في هذا الزمان، ولا تعذر في المثل أشد، وذلك المقبوض