المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌باب العارية وسئل الشيخ حسن بن حسين بن الشيخ: عن رجل - الدرر السنية في الأجوبة النجدية - جـ ٦

[عبد الرحمن بن قاسم]

الفصل: ‌ ‌باب العارية وسئل الشيخ حسن بن حسين بن الشيخ: عن رجل

‌باب العارية

وسئل الشيخ حسن بن حسين بن الشيخ: عن رجل له أرض، فقال من أراد أن يبني له فيها دارا، فإذا أراد الانتقال فليأخذ خشبه، ولتعد لي أرضي، فبنى فيها أناس وسكنوا مدة من الدهر، ثم مات رب الأرض، فهل يكون إذنه في عمارتها والسكنى فيها هبة؟ أو ملحقة بالعارية؟

فأجاب: هذه فيما يظهر ملحقة بالعارية، ونحن نذكر لك كلام صاحب الشرح، قال فيه: باب العارية، وهي: إباحة الانتفاع بعين من أعيان المال، وتنعقد بكل لفظ وفعل يدل عليها، وهي هبة منفعة، تجوز في كل المنافع إلا منافع البضع، وتجوز مطلقة وموقتة، وللمعير الرجوع فيها متى شاء، سواء كانت مطلقة أو مؤقتة، وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي، وقال مالك: إن كانت موقتة فليس له الرجوع قبل الوقت، وإن لم يوقت مدة لزمه تركه مدة ينتفع بها في مثلها، لأن المعير قد ملكه المنفعة مدة، وصارت العين في يده بعقد مباح، فإن أشغله بإذنه في شيء يستضر المستعير برجوعه فيه لم يجز له الرجوع، مثل أن يعيره سفينة لحمل متاعه، لم

ص: 377

يجز له الرجوع ما داما في لجة البحر، وله الرجوع قبل دخولها في البحر، وبعد خروجها منه، لعدم الضرر.

وإن أعاره أرضا للدفن لم يرجع حتى يبلى الميت، وله الرجوع قبل الدفن، وإن أعاره حائطا ليضع عليه أطراف خشبه لم يرجع ما دام عليه، وإن أعاره أرضا لم يرجع إلى الحصاد، إلا أن يكون مما يحصد قصيلا فيحصده، وإن أعارها للغراس أو البناء، وشرط عليه القلع في وقت، أو عند رجوعه ثم رجع، لزمه القلع، لقول النبي صلى الله عليه وسلم " المؤمنون على شروطهم " 1 حديث صحيح، وليس على صاحب الأرض ضمان نقصه، ولا نعلم في هذا خلافا، فأما تسوية الحفر: فإن كانت مشروطة عليه لزمه لما ذكرنا وإلا لم يلزمه، وإن لم يشترط المعير القلع لم يلزم المستعير، لما فيه من الضرر، فإن ضمن له النقص لزمه، فإن قلع فعليه تسوية الأرض، وكذلك إن اختار أخذ بنائه وغراسه فإنه يملكه، فإن أبى القلع في الحالة التي لا يجبر عليها، فبذل له المعير قيمة الغراس والبناء ليملكه، أجبر المستعير عليه كالشفيع مع المشتري، والمؤجر مع المستأجر، فإن قال المستعير أنا أدفع قيمة الأرض لتصير لي لم يلزم المعير، وبهذا كله قال الشافعي.

وقال أبو حنيفة ومالك: يطالب المستعير بالقلع من غير ضمان، إلا أن يكون أعاره مدة معلومة فرجع قبل انقضائها، لأن المعير لم يغره، فإن امتنع المعير من دفع القيمة وأرش النقص، وامتنع المستعير من القلع ودفع الأجر لم يقلع، ثم

1 الترمذي: الأحكام (1352) .

ص: 378

إن اتفقا على البيع بيعت الأرض بغراسها وبنائها، ودفع إلى كل واحد منهما قدر حقه، وإن أبيا البيع ترك بحاله، وقلنا لهما انصرفا فلا حكم لكما عندنا حتى يتفقا، انتهى المقصود ملخصا، فتأمله يتبين لك منه الجواب عن سؤالك، لا سيما قوله: وإن أعارها للغراس أو البناء إلى آخره.

سئل الشيخ: حمد بن ناصر: هل منيحة الناقة ونحوها كالعارية والقول فيها سواء؟

فأجاب: المنيحة عارية، لأنه قبضها للانتفاع بها فهو قابض لحظ نفسه، وللمعير الرجوع في العارية متى شاء، فإن تلفت عند المستعير فهل هي مضمونة بكل حال، كما هو المشهور عن أحمد والشافعي، أم لا تضمن مطلقا كما هو المشهور عن مالك وأبي حنيفة، وهو اختيار ابن القيم في الهدي، أم لا تضمن إلا أن يشترط ضمانها، كما هو اختيار الشيخ، ولا يخفى الراجح عند التأمل، وبالله التوفيق.

سئل الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد: عمن استعار عارية ورهنها بغير إذن المالك فلما تبين للمالك أراد أخذها.

فأجاب: ذلك ليس بتقرير من المالك: بل هو خيانة من المستعير حيث رهنها بلا إذن المالك وللمالك أخذها من المرتهن، وقد نص في الشرح الكبير على أنه لا يجوز له رهنها بلا إذن المالك.

ص: 379

وسئل: هل يضمن المستعير العارية إذا تلفت؟ وهل يعتبر تفريطه؟

فأجاب: لا تضمن إلا بالتفريط فيها.

وأجاب أيضا: من استعار دابة وتلفت من كده فهو يغرمها، وإذا استعار عبد شيئا فتلف، فإن غرامته في رقبته، على قول من يقول بضمان العارية.

وأجاب الشيخ عبد الله أبا بطين: والدابة المعارة إذا ماتت عند المستعير لزمته قيمتها، سواء فرط أو لم يفرط.

وأما منيحة الحرام فحرام، وعليه إثمها، وعلى الآخذ الثاني إثمها أيضا إذا علم ذلك فإنه يجب ردها إلى صاحبها.

سئل الشيخ: عبد الله بن الشيخ محمد: إذا قال أعرتك، قال بل آجرتني؟

فأجاب: إذا قال المالك أعرتك، قال بل آجرتني فالقول قول المالك، وكذلك الغاصب إذا ادعى أنه غصبه، فالقول قول المالك، وقيل القول قول الغاصب.

وسئل بعضهم: إذا اختلف المعير والمستعير في الدابة بعد مضي المدة فقال المالك آجرتك وقال الآخر أعرتني، ولا بينة لهما؟

فأجاب: قال في الشرح إذا اختلف الراكب ورب الدابة فقال المالك هي عارية وقال رب الدابة أكريتكها

ص: 380

وكانت الدابة باقية لم تنقص وكان الاختلاف عقيب العقد فالقول قول الراكب لأن الأصل عدم عقد الإجارة ويرد الدابة إلى مالكها ولأن الأصل براءة ذمته منها وإن كان الاختلاف بعد مضي مدة لها أجرة فالقول قول المالك فيما مضى من المدة دون ما بقي منها وحكي ذلك عن مالك وقال أصحاب الرأي: القول قول الراكب وهو منصوص الشافعي، لأنهما اتفقا على تلف المنافع على ملك الراكب وادعى المالك عوضا لها، والأصل عدم وجوبه وبراءة ذمة الراكب منه، فكان القول قوله.

ولنا: أنهما اختلفا في كيفية انتقال المنافع إلى ملك الراكب فكان القول قول المالك; كما لو اختلفا في عين، فقال المالك; بعتكها، وقال الآخر: وهبتها، ولأن المنافع تجري مجرى الأعيان في الملك والعقد عليها، ولو اختلفا في الأعيان كان القول قول المالك، فكذا هنا، وما ذكروه يبطل بهذه المسألة، فيحلف المالك وتستحق الأجرة، والله أعلم.

ص: 381