المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌باب الإجارة سئل الشيخ: عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد - الدرر السنية في الأجوبة النجدية - جـ ٦

[عبد الرحمن بن قاسم]

الفصل: ‌ ‌باب الإجارة سئل الشيخ: عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد

‌باب الإجارة

سئل الشيخ: عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمهما الله، إذا آجر إنسان أرضه لمن يزرعها قطنا وشرط عليه أن الأجرة له في السنة الأولى، فإذا خرج عنها، فالشجر والثمر لربها عن أجرة أرضه؟

فأجاب: الظاهر أن مثل هذا لا يجوزه الفقهاء، لما فيه من الغرر، وإنما جوزوا الإجارة بشيء معلوم.

وسئل: إذا استأجر رجلا ليعمل، وشرط عليه مع ذلك أن يلقح نخله، أو يبذر أرضه أو يقلبها أو يبذر فيها علفا، وشيئا من آلة الحرث من عنده، أو غير ذلك؟

فأجاب: اعلم أن الذي عليه الفتوى أن الإجارة جائزة على المنفعة، إذا كانت المنفعة معلومة، قلت، أو كثرت، وما ذكره السائل كله من المنافع المعلومة عند المؤجر والمستأجر.

سئل الشيخ: حمد بن ناصر بن معمر: عن إجارة الإنسان نفسه ودابته، بجزء مشاع من الثمرة، قبل ظهورها أو بدو صلاحها؟

ص: 341

فأجاب: اعلم أن الثمرة لا يصح بيعها قبل بدو صلاحها، ولا تجعل أجرة لعمل، لأن جعلها أجرة بيع لها، وأما إن ساقاه على الثمرة بجزء منها، فذلك صحيح قبل ظهورها وبعده.

سئل الشيخ عبد الله أبا بطين: عن استئجار الرجل على تأبير نخله، كل نخلة بعذق؟

فأجاب: هذا لا يصح لأن فيه غررا، وإن كان الرجل قد أبر النخل، فأرى فيه أجرة المثل.

وأجاب الشيخ جمعان بن ناصر: كتبنا لأولاد الشيخ، فكتب لنا عبد الله بن الشيخ، وحمد بن ناصر، وذكر لنا عبد الله بن الشيخ كلاما لبعض أهل العلم، قال في المغني: وإن دفع ثوبه إلى خياط، ليفصله قمصانا ليبيعها له وله نصف ربحها بحق عمله جاز، نص عليه في رواية حرب، وإن دفع غزلا إلى رجل ينسجه ثوبا، بثلث ثمنه أو ربعه جاز نص عليه، وهذا يقاس عليه العمل المعروف لأجل الحاجة الداعية وهذه مشاركة لا إجارة وأما مذهب مالك وأبي حنيفة والشافعي، فلم يجوزوا ذلك، نقله لنا حمد بن ناصر من كتاب المغني.

والإمام أحمد وكثير من أصحابه: جوزوا ذلك وجعلوه من باب المشاركة، وأما من جعله من باب الإجارة، فهو يمنع ذلك كله، ولكن تركنا تعرضهم لأجل الحاجة والضرورة إلى

ص: 342

ذلك، لكن بشرط أن لا يجعل للعامل إلا جزء مشاع من الثمرة يكثر أو يقل، ولا يجعل له زيادة على ذلك لا نخلة ولا عذق، فإن ذلك فاسد يفسد العمل، ومن جعل هذا في إجارته فأدبوه، ولا تجعلوا له ولا تعطوه شرطه المشروط، إذا كان كما وصفنا، بل يتفاسخون ويعطى قدر أجرة مدته التي قد عمل، وإلا يستأجره بأجرة جديدة بعمل صحيح، بجزء مشاع أو جزء أو بعض جزء، أو دراهم معدودة بلا شرك، أو كيل مسمى بلا شرك في الثمرة انتهى.

وقال الشيخ: عبد الرحمن بن حسن: يذكر لنا أنكم تعاملون في كراء الأرض بحب معلوم، وتشترطون على الزارع جزءا من التبن، وهذه إجارة يشترط فيها أن تكون الأجرة معلومة، وشرط التبن شيء مجهول تفسد به الإجارة، وطريق السلامة في هذا: أن تزيدوا في الأجرة شيئا من الحب معلوما، وتتركوا اشتراط التبن.

وأجاب الشيخ سعيد بن حجي: تصح إجارة الأرض بطعام معلوم من غير الخارج منها عند الأكثر، وكذا بالتبن مع الطعام، بشرط أن يكون معلوما بما يعرف به قدره، وكذا يجوز إن كان بسهم من تبنها كالمزارعة، ولأن التبن من العروض.

سئل الشيخ: حمد بن ناصر: ما قول العلماء فيمن دفع دابته إلى آخر، يسقي عليها زرعا بجزء من الثمرة سواء

ص: 343

كانت مدة السقي معلومة أو مجهولة، مثل إلى أن تهزل أو تحفى، هل هذا جائز يشبه دفع الدابة إلى من يعمل عليها ببعض مغلها؟ أم هذا ليس بصحيح لعدم معرفة الأجرة والجهل بالمدة إذا لم توقت؟

فأجاب: هذه المسألة لم أقف عليها منصوصة في كلام العلماء، ولكنهم نصوا على ما يؤخذ منه حكم هذه المسألة; فمن ذلك أنهم ذكروا: أن من شرط صحة الإجارة معرفة قدر الأجرة، ومعرفة قدر المدة; قال في المغني: يشترط في عوض الإجارة كونه معلوما، لا نعلم في ذلك خلافا، انتهى، ولكن هذه المسألة هل تلحق بمسائل الإجارة وتعطى أحكامها، أم تلحق بمسائل الشركة وتعطى أحكامها، مثل المساقاة والمزارعة والمضاربة، وغير ذلك من مسائل المشاركات؟

فإن قلنا: إنها بمسائل الإجارة أشبه، فالإجارة لا تصح إلا بأجرة معلومة، على مدة معلومة، ولهذا اختلف العلماء في جواز إجارة الأرض ببعض ما يخرج منها، كثلث أو ربع، فمنعه أبو حنيفة والشافعي وغيرهما، وعللوه بأن العوض مجهول، فلا تصح الإجارة بعوض مجهول; وأجازه الإمام أحمد، فمن أصحابه من قال هو إجارة، ومنهم من قال بل هو مزارعة بلفظ الإجارة; قال في الإنصاف: والصحيح من المذهب، أن هذا إجارة، وأن الإجارة تصح بجزء مشاع معلوم مما يخرج من الأرض الموجودة، وهي من مفردات المذهب، انتهى.

ص: 344

قال في المغني: إجارة الأرض بجزء مشاع مما يخرج منها، كنصف وثلث وربع، المنصوص عن أحمد جوازه، وهو قول أكثر الأصحاب; واختار أبو الخطاب أنها لا تصح، وهو قول أبي حنيفة والشافعي، وهو الصحيح إن شاء الله، لما تقدم من الأحاديث في النهي من غير معارض لها، ولأنها إجارة بعوض مجهول، فلم تصح كإجارتها بثلث ما يخرج من أرض أخرى; ولأنه لا نص في جوازها، ولا يمكن قياسها على المنصوص، فإن النصوص إنما وردت بالنهي عن إجارتها بذلك، ولا نعلم في تجويزها نصا; وفي النصوص: جواز إجارة ذلك بذهب أو فضة أو شيء معلوم، فأما نص أحمد فيتعين حمله على المزارعة بلفظ الإجارة، انتهى.

وقال في المغني أيضا: قال إسماعيل بن سعيد: سألت أحمد عن الرجل يدفع البقرة إلى رجل على أن يعلفها ويحفظها وما ولدت من ولد فهو بينهما، قال أكره ذلك، وبه قال أبو حنيفة وأبو خيثمة، ولا أعلم فيه مخالفا، وذلك لأن العوض معدوم مجهول، ولا يدري أيوجد أم لا، والأصل عدمه، انتهى.

وأما إن ألحقنا هذه المسألة المسئول عنها، بمسائل الشركة، وقلنا هي بها أشبه، جرى فيها من اختلاف العلماء ما جرى في نظائرها، وأنا أذكر لك بعض ما ذكره العلماء في هذا الباب، قال في المغني: وإن دفع دابته إلى آخر ليعمل عليها، وما رزق الله بينهما نصفين، أو أثلاثا، أو كيفما

ص: 345

شرطا صح، نص عليه في رواية الأثرم، ومحمد بن سعيد، ونقل عن الأوزاعي ما يدل على هذا، وكره ذلك الحسن والنخعي; وقال الشافعي وأبو ثور، وابن المنذر وأصحاب الرأي: لا تصح والربح كله لرب المال، وللعامل أجرة مثله.

ولنا: أنها عين نمت بالعمل عليها، فصح العقد عليها ببعض نمائها، كالدراهم والدنانير، وكالشجر في المساقاة، أو الأرض في المزارعة، وقد أشار أحمد رحمه الله إلى ما يدل على تشبيهه لمثل هذا بالمزارعة، فقال لا بأس بالثوب يدفع بالثلث أو الربع، لحديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى خيبر على الشطر; وهذا يدل على أنه صار في مثل هذا إلى الجواز، لشبهه بالمساقاة والمزارعة، لا المضاربة ولا الإجارة; ونقل أبو داود عن أحمد، فيمن يعطي فرسه على النصف من الغنيمة، أرجو أن لا يكون به بأس، ونقل أحمد بن سعيد فيمن دفع عبده إلى رجل ليكتسب عليه، ويكون له ثلث ذلك أو ربعه فجائز.

والوجه فيما ذكرناه في مسألة الدابة، وإن دفع ثوبه إلى خياط ليفصله قميصا وله نصف ربحه بعمله جاز، نص عليه في رواية حرب، وإن دفع غزلا إلى رجل ينسجه ثوبا بثلث ثمنه أو ربعه جاز، نص عليه، ولم يجز مالك وأبو حنيفة والشافعي شيئا من ذلك; وقال الأثرم: سمعت أبا عبد الله يقول: لا بأس بالثوب يدفع بالثلث أو الربع،

وسئل عن الرجل: يعطي الثوب بالثلث ودرهم أو درهمين قال: أكرهه

ص: 346

لأن هذا شيء لا يعرف، الثلث إذا لم يكن معه شيء نراه جائزا، لحديث جابر " أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى خيبر على الشطر " 1 قيل لأبي عبد الله: فإن كان النساج لا يرضى حتى يزاد على الثلث درهما؟ قال: فليجعل له ثلث وعشر ثلث، ونصف عشر، وما أشبهه، انتهى ملخصا.

وقد نص أحمد أيضا: على جواز دفع الثوب لمن يبيعه بثمن يقدر له ويقول: ما زاد فهو لك ; قال في الإنصاف: ولو دفع عبده أو دابته إلى من يعمل عليها بجزء من الأجرة، أو ثوبا يخيطه أو غزلا ينسجه، بجزء من ربحه جاز، نص عليه، وهو المذهب، جزم به ناظم المفردات وهو منها، وقال في الحاوي الصغير: ومن استأجر من يجذ نخله أو يحصد زرعه، بجزء مشاع منه جاز، نص عليه في رواية مهنا; وعنه: لا يجوز، وللعامل أجرة مثله; ونقل مهنا في الحصاد هو أحب إلي من المقاطعة، وعنه: له دفع دابته أو نخله لمن يقوم به بجزء من نمائه، اختاره الشيخ تقي الدين; والمذهب: لا لحصول نمائه من غير عمله، انتهى ملخصا.

وقال في المغني: وإن اشترك ثلاثة، من أحدهم الأرض، ومن الآخر البذر ومن الآخر البقر والعمل على أنّ ما زرق اللهب بينهم، فعملوا فهذا عقد فاسد، نص عليه أحمد في رواية أبي داود، ومهنا وأحمد بن القاسم، وبهذا قال مالك والشافعي وأصحاب الرأي، فعلى هذا: يكون الزرع لصاحب البذر، لأنه نما ماله، ولصاحبيه عليه أجرة مثلهما، انتهى;

1 البخاري: الإجارة (2286) والمزارعة (2328 ،2329 ،2331) والشركة (2499) والمغازي (4248)، ومسلم: المساقاة (1551)، والترمذي: الأحكام (1383)، والنسائي: الأيمان والنذور (3929 ،3930)، وأبو داود: البيوع (3408 ،3409)، وابن ماجه: الأحكام (2467) ، وأحمد (2/157)، والدارمي: البيوع (2614) .

ص: 347

وقال في موضع آخر: فإن اشترك ثلاثة، من أحدهم دابة، ومن الآخر راوية، ومن الآخر العمل، على أن ما رزق الله بينهم، صح في قياس قول أحمد، فإنه قد نص في الدابة يدفعها إلى آخر يعمل عليها، على أن لهم الأجرة على الصحة، وهذا مثله، وهكذا لو اشترك أربعة من أحدهم دكان، ومن الآخر رحى، ومن آخر بغل، ومن آخر العمل، على أن يطحنوا بذلك، فما رزق الله بينهم، صح وكان بينهم على ما شرطوه; وقال القاضي: العقد فاسد في المسألتين جميعا، وهو ظاهر قول الشافعي، انتهى; ومن تأمل ما نقلناه: تبين له حكم المسألة، والله أعلم.

سئل الشيخ: عبد الله بن الشيخ: عما يأخذ الجزار من الذبيحة إذا ذبحها إذا كان له عادة يأخذها معروفة، هل هو جائز، والأجنبي قد يجهله إلخ؟

فأجاب: ما يأخذ الجزار من الذبيحة أجرة له فهذا إن كان عرفا جاريا في البلد، ولا جهالة فيه بل شيء معروف، فهذا لا بأس به، وإن لم يشترطه وقت الذبح، لأن من استأجر على شيء ولم يبين، انصرف إلى أجرة المثل.

سئل بعضهم: عن جماعة آجروا رجلا، على خدمة ضيفهم بعذق من كل نخل؟

فأجاب: هذه إجارة مجهولة، والشارع نهى عن الضرر والجهالة، وما لا يصح بيعه لا يصح أن يجعل أجرة.

ص: 348

فصل

سئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب، رحمه الله: عن استئجار الدابة لأجل لبنها؟

فأجاب: استئجار الدابة لأخذ لبنها جائز.

وأجاب الشيخ عبد الله بن عبد العزيز العنقري: من استأجر الغنم مدة معلومة، بأجرة معلومة، فعند الأصحاب لا يجوز لأخذ لبنها، وعند الشيخ تقي الدين ومتابعيه: أنه لا بأس بذلك، وذلك هو الذي نرى، والله أعلم. والذي أرضع من شاته سخلة له، قدر لبن الشاة لو تؤجر مدة إرضاعه لها، يرجع في ذلك إلى المثل إن نوى الرجوع.

سئل الشيخ عبد الله بن محمد: هل تجوز إجارة الأرض والشجر لحملها؟

فأجاب: لا تجوز إجارة الأرض والشجر لحملها، حكاه أبو عبيد إجماعا وجوزه ابن عقيل تبعا للأرض، والصحيح الأول إن شاء الله تعال

ص: 349

سئل الشيخ حمد بن ناصر بن معمر: عن أخذ الأجرة على من أراد أن يعلى فرسه بحصان غيره؟

فأجاب: إن ذلك لا يجوز ولا يصح، لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن عسب الفحل.

سئل الشيخ عبد الله بن الشيخ: إذا استأجر أرضا ثم آجرها غيره؟

فأجاب: إذا استأجرها وآجرها غيره، فالظاهر الصحة.

وأجاب الشيخ حمد بن ناصر بن معمر: المشهور جواز إجارة العين المستأجرة، قال في المغني: يجوز للمستأجر أن يؤجر العين المستأجرة إذا قبضها نص عليه أحمد، وهو قول سعيد بن المسيب وابن سيرين، ومجاهد وعكرمة، والنخعي والشعبي، والثوري والشافعي، وأصحاب الرأي; وأما إجارتها قبل قبضها فلا يجوز من غير المؤجر، في أحد الوجهين، وهو قول أبي حنيفة والمشهور من قولي الشافعي، ويجوز للمستأجر إجارة العين بمثل الأجرة وزيادة، نص عليه أحمد، وهو مذهب الشافعي وابن المنذر.

سئل الشيخ: محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: عن وقف تعطل وبيع نصفه لإصلاح النصف بمائة أحمر واستؤجر بمائة الأحمر من يسقي النصف الآخر عشر سنين فمات الذي استؤجر لما مضى سنتان وأراد ورثته أن يتموا باقي المدة وأراد المستأجر الفسخ؟

ص: 350

فأجاب: الإجارة صحيحة ثابتة لا تنفسخ بموت المستأجر، فإذا تمم الورثة ما على ميتهم استحقوا ما استحقه، وليس للمؤجر الفسخ; ودليل هذا: أن القول بانفساخ الإجارة، أو المساقاة قول ضعيف، رده أهل العلم بالنص الثابت، من ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ساقى أهل خيبر، لم يجدد الخلفاء بعده عقدا، فإذا ثبت هذا فقد أمر الله بالوفاء بالعقود بقوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [سورة المائدة آية: 1] وهذا لفظ عام من جوامع الكلم، فمن ادعى في صورة من العقود أنه لا يجوز، أو لا يجوز الوفاء به لأجل الموت أو غيره، فعليه الدليل، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل وكذلك: أن من ادعى أن مثل هذا العقد وغيره، لا يجب الوفاء به، لأجل شرط أو ترك شيء من العقد أو غيره، فعليه الدليل، وقد كمل الله الدين بمحمد صلى الله عليه وسلم والله أعلم.

وسئل ابنه الشيخ عبد الله: هل تنفسخ بالموت من الطرفين؟

فأجاب: المسألة فيها خلاف، والصحيح: أنها لا تنفسخ بالموت من الطرفين.

سئل الشيخ: حسين بن الشيخ محمد رحمهما الله: عن منع ورثة أرضا، في غلتها آصع أو دراهم معلومة

إلخ؟

فأجاب: الورثة لا يمنعون زرعها كل سنة، بسبب أن الواقف جعل هذا في غلتها، فإن أرادوا أن يمنعوه فالأمير

ص: 351

يؤجرها، إلا إن كان في عرف الناس أنه أصلح للأرض، إذا حالت في بعض السنين، ولو تزرع كل سنة ملّت ونقصت عن معتادها، فأنتم انظروا الأصلح، فإن كان الأصلح للأرض قلة زرعها كل سنة، فالورثة لا يجبرون على إجارتها كل سنة.

سئل الشيخ عبد الرحمن بن حسن: عن رجل آجر وقفا ثم مات؟

فأجاب: إن كان هذا المؤجر قد ولي على هذا الوقف من جهة الواقف، أو من جهة القاضي، فلا تنفسخ بموت المؤجر بالاتفاق، وإن كان الذي آجره إنما وليه من جهة استحقاقه للوقف مدة حياته، فالصحيح من المذاهب أنها لا تنفسخ الإجارة بموته، وقدم في التنقيح أنها تنفسخ، لأن الوقف انتقل استحقاقه إلى غير المؤجر، والأول هو المشهور والمقدم في المذهب.

وأجاب الشيخ صالح بن محمد الشثري: لا تنفسخ الإجارة بموته ولا عزله، وكذا لو آجره الموقوف عليه، لأنه آجره الوقف في زمن ولايته عليه، فلا تنفسخ بموته.

سئل الشيخ: عبد اللطيف بن عبد الرحمن: عن مدة الإجارة إذا انقضت، وفي الأرض شجر أو بناء

إلخ؟

فأجاب: يبقى الشجر والغرس والبناء بأجرة المثل إن شاء رب الأرض، فإن كانت وقفا فأمرها إلى الناظر الخاص إن كان، وإلا فالحاكم الشرعي، لأن له النظر العام، ولا عبرة

ص: 352

بأجرة الأرض مدة الإجارة بعد انقضائها، فالذي أرى أن الأرض المغروسة تبقى على عادة المغارسة في تلك البلد، حتى يفنى الغراس، ولا يحتاج لذكر مدة، هذا إن كان فيه مصلحة للوقف، وإلا فالأمر إلى الناظر، وترك ذكر المدة مبطل للعقد.

سئل الشيخ حمد بن ناصر بن معمر: عمن آجر أرضه بنصف غرسها وشرط عليه المستأجر أن يقومها سنين معلومة، فإذا مضت السنين تقاسما النخل؟

فأجاب: الذي عليه الفتوى عندنا أن هذه إجارة صحيحة لازمة، ليس فيها شيء من الغرو، انتهى. وأجاب الشيخ عبد الله بن الشيخ: وأما إذا أعطاه أرضا في حال الشرك يحرثها، والعادة الجارية أنها له ولعياله ما يغير عليه، فهذا لا يجوز في الإسلام، لا بد أن يستأجر سنين معلومة، بسهم معلوم وإجارة معلومة، وما أحدث الحراث فيها من غرس أو بناء، فهو يحسب له بقيمته إن رضي صاحب الأرض، فإن لم يأخذه بقيمته أخذه صاحبه من الأرض.

وأجاب أيضا: الذي ينبت على ماء المستأجر بغير إذن المالك هو للفلاح، فإن أراد المالك أخذه بقيمته وتراضيا على ذلك فلهما، وإن قال اقلعه، قلعه.

وأجاب الشيخ: حسن بن حسين: إذا انقضت مدة إجارة أرض طلق أو موقوفة، استؤجرت للغراس أو البناء،

ص: 353

فحاصل ما ذكره العلماء رحمهم الله، في حكم هذه المسألة: أنه إن كان شرط قلع الغراس أو البناء عند انقضاء مدة الإجارة أو في وقت معين، فإن المستأجر يقلعه مجانا، ولا يسوي الحفر، ولا يغرم لمالك الأرض نقصه بالقلع، وإن لم يشرط قلعه، أو شرط بقاءه ولم يقلعه مالكه، خير مالك الأرض بين ثلاثة أمور، أخذه بقيمته، فتقوم الأرض مغروسة أو مبنية، ثم تقوم خالية منهما، فما بينهما فهو القيمة، ومحل تملكه بقيمته إذا كان مالك الأرض تام الملك، فخرج الموقوف عليه، والمستأجر والمرتهن ونحوهم، لأن ملكهم غير تام; الأمر الثاني: تركه بالأجرة; الثالث: قلعه وضمان نقصه، هذا إذا لم يختر مالكه قلعه كما تقدم، أما إن اختاره فله ذلك، قال في الغاية: ويتجه لو أبى صاحب الأرض الثلاثة، ومالك الغرس أو البناء قلعه، بيعت الأرض بما فيها كعارية، انتهى.

وكون المستأجر: وقف الغراس أو البناء في الأرض المستأجرة، لا يمنع الخيرة بين الثلاثة الأمور، وإذا لم يترك لم يبطل وقفه بالكلية، فيكون كل ما يؤخذ بسبب قلعه وضمان نقصه، أو تملكه بقيمته، ويشتري بها ما يقوم مقامه كقيمته إذا أتلف، يشتري بها ما يقوم مقامه، ذكر معناه في الفروع وغيره; قال في الإقناع: وهو ظاهر، وظاهر كلامهم لا يقلع الغراس لذا كانت الأرض وقفا، قال في شرحه: وتقدم أنه لا يتملكه إلا تام الملك، وحينئذ فيبقى بأجرة المثل، انتهى.

قال في متنه: بل قال الشيخ ليس لأحد أن يقلع غرس

ص: 354

المستأجر وزرعه، صحيحة كانت الإجارة أو فاسدة، بل إذا بقي فعليه أجرة المثل وفي الفائق، قلت: فلو كانت الأرض وقفا لم يتملك إلا بشرط واقف، أو رضا مستحق، انتهى قال المنقح، إذا حصل به نفع كان له ذلك.

وأجاب أيضا: الشيخ حسن بن حسين بن الشيخ محمد: الوقف الذي على قدر ستين نفسا اليوم، وآجرها فلان مائة سنة وبعض الموقوف عليهم أجاز، وبعضهم لم يجز، فهذه الإجارة غير صحيحة إلا في حق من أجاز، على أحد الأقوال في صحة تصرف الفضولي مع الإجازة، لكن النظر للموقوف عليهم إذا لم يعين الواقف ناظرا.

وقول السائل: فإن قلتم بصحتها، فما حكم ما فيها من البناء ونحوه؟ فنقول: حكمه حكم الغصب على المعتمد عند أصحاب الإمام أحمد، كما هو حكم كل عقد فاسد، قال في الإنصاف: في تعريف الغصب: وشمل كلام المصنف: ما لو كان المغارس أو الباني أحد الشريكين، وهو كذلك ولو لم يغصبه، لكن بنى وغرس من غير إذن، وهو الصحيح نص عليه; وفي رواية جعفر: أنه سئل - يعني أحمد - عن رجل غرس نخلا في أرض بينه وبين قوم مشاعا؟ قال: إن كان من غير إذنهم قلع نخله، انتهى.

قال في الشرح الكبير: وإن غرس أو بنى في أرض غيره بغير إذنه، فطلب صاحب الأرض قلع ذلك لزمه، لا نعلم في

ص: 355

ذلك خلافا، لقوله صلى الله عليه وسلم " ليس لعرق ظالم حق " 1 قال الترمذي: حديث حسن فإن أراد صاحب الأرض أخذه بغير عوض فليس له ذلك، وإن طلبه بالقيمة وأبى المالك إلا القلع فله ذلك، لأنه ملكه فملك نقله، انتهى، فقد صرحوا بأن من غرس أو بنى بغير إذن مالك الأرض، فحكمه حكم المغصوب اهـ.

وسئل الشيخ: عبد الرحمن بن حسن: عمن غرس أرضا مستأجرة للغراس، ومضت مدة الإجارة

إلخ؟

فأجاب: قال في الكافي: إن استأجرها للغراس جاز وله الغرس فيها، فإن غرس وانقضت المدة، وكان مشروطا عليه القلع عند انقضائها أخذه بشرطه، ولا يلزمه تسوية الحفر، فإن لم يكن شرط القلع لم يجب القلع، وللمستأجر قلع غرسه لأنه ملكه ويلزمه تسوية الحفر، فإن لم يفعل فللمؤجر دفع قيمته ليملكه وإن أراد قلعه وكان لا ينقص بالقلع أو ينقص لكنه يضمن أرش النقص فله ذلك، وإن اختار إقراره بأجرة مثله فله ذلك، ولصاحب الشجر بيعه للمالك ولغيره فيكون بمنْزلته، والبناء كالغراس في جميع ما ذكرنا، انتهى ملخصا، فتأمله فإنه كاف في الجواب عما في السؤال، والله أعلم.

وأجاب الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين رحمه الله: من استأجر أرضا لغراس أو بناء مدة معلومة

1 الترمذي: الأحكام (1378)، وأبو داود: الخراج والإمارة والفيء (3073) .

ص: 356

إلخ؟ فالمذهب: أن مالك الأرض يخير بين تملك الغراس، أو البناء بقيمته; أو تركه بأجرة المثل مدة بقائه، أو قلعه وضمان نقصه، فإن اختار صاحب الغراس قلعه فله ذلك; وليس لرب الأرض منعه إذا أراده، وهذا ما لم يشترط قلعه عند انقضاء المدة.

وأما صفة تقويمه: إذا اختار رب الأرض أخذه بقيمته، فقال في المغني والشرح: لا يمكن إيجاب قيمته باقيا لأن البقاء غير مستحق، ولا قيمته مقلوعا لأنه لو كان كذلك لملك القلع مجانا، ولأنه قد لا يكون له قيمة إذا قلع، قالا: ولم يذكر أصحابنا كيفية وجوب القيمة; والظاهر: أن الأرض تقوم مغروسة ومبنية، ثم تقوم خالية، فيكون ما بينهما قيمة الغرس والبناء، انتهى، وجزم بذلك ابن رزين في شرحه، وتبعه في الإقناع وشرحه، وكذا في شرح المنتهى.

وبيان ذلك: إذا قومت الأرض خالية بمائة، ومغروسة أو مبنية بمائتين مثلا، صار قيمة الغراس أو البناء مائة; فإن اختار مالك الأرض القلع، مع ضمان النقص وقيمة الأرض خالية، وقيمتها مغروسة مائتان، فقيمة الغراس أو البناء مائة، فإذا قلع صارت قيمته عشرين مثلا، تبينا أن النقص بالقلع ثمانون، يدفعها صاحب الأرض لصاحب الغراس أو البناء; وهكذا الحكم لو اشترى أرضا فغرس فيها أو بنى، ثم فسخ العقد بنحو عيب أو إقالة، قال في الإنصاف: على الصحيح من المذهب; قال: وأما البيع بعقد فاسد إذا غرس فيه المشتري

ص: 357

أو بنى، فالصحيح من المذهب أن حكمه حكم المستعير إذا غرس أو بنى، ذكره القاضي وابن عقيل والمصنف في المغني، وقدمه في الفروع، انتهى.

وأما العارية التي لم يشترط فيها القلع على المستعير عند رجوع المعير، فمالك الأرض: يخير بين القلع وضمان النقص، وبين أخذه بقيمته لا تبقيته بالأجرة بغير رضا المستعير; قالوا: فإن أبى المالك من أخذه بقيمته وقلعه وضمان نقصه، ولم يتراضيا على تبقيته بالأجرة، بيعا عليهما إن رضيا أو أحدهما، ويجبر الممتنع منهما إذا طلب صاحبه البيع، وقسم الثمن بينهما يقسط على الأرض والغراس كما تقدم، ولم يقولوا بالبيع والحالة هذه في صورة الإجارة السابقة، إلا أن صاحب الغاية، قال: ويتجه لو أبى صاحب الأرض الثلاثة، ومالك الغرس أو البناء قلعه، بيعت الأرض بما فيها كعارية انتهى، وقول صاحب المحرر في العارية: إذا امتنع المالك من أخذه بقيمته، ومن قلعه مع ضمان نقصه، بقي في أرضه مجانا وهو وجه في المذهب.

والوجه الثاني: وهو المشهور أنه إذا امتنع المالك من أخذه بقيمته، ومن قلعه مع ضمان نقصه، ولم يتراضيا على أجرة، بيع عليهما بطلب أحدهما; وما ذكرتم من عبارة التحفة، فيحتمل أن يكون مراده بالتقويم كما ذكرنا، ويحتمل أن يريد أن يقوم الغرس وحده قائما، كما هو قول لبعض أصحابنا; وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله: ليس لأحد أن

ص: 358

يقلع غراس المستأجر وزرعه وبناءه، صحيحة كانت الإجارة أو فاسدة، بل يبقى وعلى ربه أجرة المثل ما دام قائما فيها; وقال: فيمن احتكر أرضا بنى فيها مسجدا أو بناء وقفه عليه، فمتى فرغت المدة وانهدم البناء، زال حكم الوقف، وأخذوا أرضهم فانتفعوا بها، وما دام البناء قائما فيها فعليه أجرة المثل، قال في الإنصاف: وهو الصواب، ولا يسع الناس إلا ذلك، انتهى; وإذا بقي الغراس أو البناء بأجرة لم يشترط تقدير المدة، لأنهم لم يذكروا ذلك وهو ظاهر، بل يشترط تقدير أجرة كل سنة.

سئل الشيخ: حسن بن الشيخ رحمهم الله: إذا آجر إنسان أرضا من غير تقدير مدة معلومة بل قال كل سنة بكذا، هل يكون لهما أو لأحدهما الفسخ عند مضي السنة؟

فأجاب: إن أكرى الدار ونحوها كل شهر بدرهم، أو أكراه للسقي كل دلو بثمن صح العقد، فعلى هذا تلزم الإجارة في الشهر الأول بإطلاق العقد قاله في المغني والشرح، وما بعده يكون مراعا، ونبه عليه بقوله: كلما دخل شهر لزمهما حكم الإجارة، إن لم يفسخا الإجارة أوله، ولكل واحد منهما، أي: من المؤجر والمستأجر عقب انقضاء كل شهر الفسخ على الفور في أول الشهر، وليس بفسخ على الحقيقة، لأن العقد الثاني لم يثبت، قاله في المغني والشرح والرعاية، قال في المغني والشرح: إذا ترك التلبس به فهو كالفسخ لا تلزمه أجرة، انتهى من الإقناع وشرحه.

ص: 359

سئل الشيخ: عبد الله بن الشيخ: عمن يقرأ للميت بالأجرة؟

فأجاب: سئل شيخ الإسلام عن هذه المسألة بعينها؟

فأجاب: أما قراءة القرآن، ففي وصوله للميت نزاع إذا قرأ لله، فأما استئجار من يقرأ ويهدي إلى الميت، فهذا لم يستحبه أحد من العلماء المشهورين، فإن المعطي لم يتصدق لله، لكن عاوضوا على القراءة والقارئ قرأ للعوض; والاستئجار على نفس التلاوة غير جائز; وإنما النّزاع في الاستئجار على التعليم ونحوه، مما فيه منفعة تصل إلى الغير، والثواب لا يصل إلى الميت إلا إذا كان العمل لله، وما وقع بالأجر فلا ثواب فيه، وإن قيل يصح الاستئجار عليه، وإذا تصدق على من يقرأ القرآن ويعلمه ويتعلمه، كان له مثل أجر من استأجره على القراءة، من غير أن ينقص من أجورهم شيء، وينتفع الميت بذلك.

سئل بعضهم رحمه الله: هل يجوز أخذ الأجرة على عقد النكاح؟

فأجاب: يتخرج جواب هذه المسألة على جواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن وهو على روايتين، قال ابن أبي عمر: ولا تجوز على عمل يختص فاعله أن يكون من أهل القرب، كالحج والأذان ونحوهما، وكره إسحاق تعليم القرآن بأجر قال عبد الرحمن بن شقيق: هذه الرغفان التي يأخذها

ص: 360

المعلمون من السحت، وعنه: يصح، وأجازه مالك والشافعي، قال فإن أعطي المعلم شيئا من غير شرط جاز; قال أحمد: لا يطلب ولا يشارط، فإن أعطي شيئا أخذه، وقال: أكره أجر المعلم، انتهى.

وقال في التبيان: وأما أخذ الأجرة على تعليم القرآن فقد اختلف العلماء فيه، فحكى الإمام أبو سليمان الخطابي رحمه الله: منع أخذ الأجرة عليه عن جماعة من العلماء، منهم الزهري وأبو حنيفة، وعن جماعة: أنه يجوز إذا لم يشترطه، وهو قول الحسن البصري، والشعبي وابن سيرين; وذهب عطاء ومالك والشافعي وآخرون، إلى جوازها إذا شارطه، واستأجره إجارة صحيحة، وقد جاءت بالجواز الأحاديث الصحيحة; واحتج من منعها بحديث عبادة:"أنه علم رجلا من أهل الصفة، فأهدى إليه قوسا، فقال النبي: إن سرك أن تطوق به طوقا من نار فاقبلها " 1 وهو حديث مشهور، رواه أبو داود وغيره، وبآثار كثيرة عن السلف.

وأجاب المجوزون عن حديث عبادة بجوابين، أحدهما: إن في إسناده مقالا; والثاني أنه كان تبرع بتعليمه فلم يستحق شيئا، ثم أهدي إليه على سبيل العوض، فلم يجز الأخذ، بخلاف من يعقد معه إجارة قبل التعليم انتهى.

فإذا علمت أقوال العلماء على جواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن، أو المنع منه، علمت الجواب عن جواز أخذ الأجرة على عقد

1 أبو داود: البيوع (3416)، وابن ماجه: التجارات (2157) ، وأحمد (5/315) .

ص: 361

النكاح، وكذا كل قربة والمنع منه، والله أعلم، انتهى.

وأجاب الشيخ عبد الله أبا بطين: وأما أخذ الجعل على عقد النكاح، فلا بأس به إذا أعطي بغير شرط، فإن كان بشرط فلا أدري وأنا أكرهه.

وسئل: عن عمار ما انهدم؟

فأجاب: أما من استأجر عقارا، فإنه يلزم المؤجر عمار ما انهدم من الحائط، وكذلك عمار البئر التابعة للعقار في طي ما اختلف من طيها ونحوه، ونقل ما في بطنها من تراب إن احتاج إلى ذلك، فالإجارة توافق المساقاة في أحكام، وتخالفها في أشياء أعني فيما يجب على المالك، وما لا يجب عليه.

فصل

سئل الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد رحمهما الله: هل حكم المزارعة والإجارة واحد

إلخ؟

فأجاب: المذهب التفريق فمن الأصحاب من قال: المساقاة عقد جائز ليس بلازم ومنهم من قال: إنها لازمة في حق صاحب العقار، جائزة في حق المساقي، وأما الإجارة فالظاهر أنها عقد لازم من الطرفين، ليس لأحدهما فسخها.

وأجاب الشيخ حمد بن ناصر بن معمر: الإجارة عقد لازم، وهو قول جمهور العلماء، لأنها بمعنى البيع، وأما

ص: 362

معنى اللازم والجائز، فاللازم هو الذي لا يتمكن أحد المتعاقدين من فسخه إلا برضا الآخر، والجائز هو الذي يفسخه بغير رضا صاحبه.

سئل الشيخ: محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: عمن آجر أجيرا فحصل له مانع إلخ؟

فأجاب: إذا آجر أجيرا إلى مكان يجيء منه بشيء، فحصل له مانع لزمته الأجرة.

وأجاب ابنه الشيخ عبد الله: الأجير الخاص لا يستحق شيئا، إذا فسخ بلا عذر.

وسئل الشيخ عبد الرحمن بن حسن: إذا ترك الأجير شيئا مما التزم به

إلخ؟

فأجاب: أما مسألة الأجير، فما التزمه لصاحب النخل، فإن قام به كله فله أجرة المثل، فإن ترك شيئا مما التزمه نقص من الأجر بحسب ذلك ولكن هذا يحتاج إلى نظر من له معرفة بهذه الأمور ويتحرى فيها العدل من الجانبين لصعوبتها.

وأجاب الشيخ سعيد بن حجي: الذي مشى عليه متأخرو الحنابلة، أنه إذا امتنع من تمام المدة لا شيء له، وكذا المستأجر إذا حوله قبل تمام المدة، لا شيء له من الأجرة، لكن قال في المبدع على المقنع، بعد ما ذكر

ص: 363

المذهب الذي ذكرناه، يحتمل أن له الأجرة بقسطه، وهو قول أكثر الفقهاء، لأنه استوفى ملك غيره على وجه المعاوضة، كالمبيع إذا استوفى بعضه ومنعه المالك بقيته، انتهى.

وقال الوزير في الإفصاح: واختلفوا فيما إذا حول المالك المستأجر في أثناء الشهر فقالوا له أجرة ما سكن إلا أحمد فإنه قال لا أجرة له وكذلك قال إذا تحول الساكن لم يكن له أن يسترد أجرة ما بقي انتهى وهذا الذي نميل إليه مع أن للنظر فيه مدخلا.

وأجاب الشيخ: عبد الله أبا بطين، وأما الأجير إذا مات قبل تمام عمله، فللعلماء من أصحابنا وغيرهم، في هذه المسألة ثلاثة أقوال، أحدها: لا يستحق شيئا; والثاني: يستحق بقسطه; والثالث: إن ترك العمل لعذر شرعي يستحق، وإلا فلا.

وأجاب الشيخ حسن بن حسين بن علي: الذي يفتى به أنه إن ترك لعذر فله أجرة الماضي، وإن تركه لغير عذر فليس له شيء منها، إلا بعد كمال المدة، وهذا القول هو المشهور في المذهب.

سئل الشيخ: عبد الله أبا بطين: عمن استأجر من يعمل له في الذمة؟

فأجاب: إذا استأجر أجيرا يعمل له في الذمة، مثل أن يحمل له شيئا إلى موضع معين وتلف المحمول قبل تمام

ص: 364

العمل فلا يستحق الأجير شيئا والحالة هذه، لأن الأجرة في مقابلة العمل، وهو الحمل إلى الموضع المشروط، فإذا لم يمكن تسليم العمل الذي وقع عليه العقد، لم يجب تسليم الأجرة التي هي في مقابلته، كما لا يجب تسليم الثمن في المبيع إلا بتسليم المبيع، فالعمل في الإجارة كالمبيع، والأجرة كالثمن، ولهذا لو استأجر خياطا يخيط ثوبه فخاطه، وتلف قبل تسليمه لربه، لم يستحق الخياط شيئا، ومسألتنا أولى بعدم الاستحقاق، وهذا بخلاف ما إذا استأجر دابة بعينها ليركبها إلى موضع معين، أو استأجرها لحمل شيء معلوم، فإن صاحبها يستحق من الأجرة بقدر ما قطع من المسافة، في صورة تلف الدابة المعينة.

وسئل بعضهم: إذا استأجر رجلا على رعي دابة وطلاها عن جرب فأخذ يرعاها ثم ماتت الدابة حتف أنفها هل يستحق شيئا من الأجرة؟

فأجاب: هذه المسألة فيها قولان للعلماء هما روايتان عن الإمام أحمد، أحدهما: أنه لا يستحق شيئا من الأجرة إلا بتسليم العين، وهذا هو المشهور في المذهب، قال في الإنصاف: ويضمن الأجير المشترك ما جنت يده أو تلف بفعله على الصحيح من المذهب وقال أيضا: وتجب الأجرة بنفس العقد هذا المذهب; وتستحق كاملة بتسليم العين، أو بفراغ العمل الذي بيد المستأجر، كطباخ استؤجر لعمل شيء في بيت المستأجر، انتهى.

ص: 365

قال في المغني: وإنما توقف استحقاق تسليمه على العمل، لأنه عوض فلا يستحق تسليمه إلا مع تسليم المعوض، كالصداق والثمن في المبيع، ولا ضمان عليه، أي الأجير المشترك، فيما تلف من حرزه أو بغير فعله إذا لم يتعد; قال في الإنصاف: هذا المذهب، قال الزركشي: هو المنصوص عليه في رواية الجماعة، ثم قال: ولا أجرة له فيما عمل فيه، أي الذي تلف في يده، سواء قلنا إنه لا يضمن أو عليه الضمان، هذا هو المذهب مطلقا، وعليه أكثر الأصحاب.

والقول الثاني: أن له أجرة ما عمل في بيت ربه دون غيره; وعنه: له أجرة البناء لا غير، نص عليه في رواية ابن منصور، وعنه: له أجرة البناء والمنقول إذا عمل في بيت ربه. وقال ابن عقيل في الفنون: له الأجرة مطلقا، لأن وضعه النفع فيما عينه له كالتسليم إليه، كرفعه إلى البائع غرارة، وقال ضع الطعام فيها، وكاله فيها كان ذلك قبضا لأنه كيله; ولهذا لو ادعيا طعاما في غرارة أحدهما كان له، قال في الإنصاف وهو قوي، وقال في المنتهى وشرحه: وله أي الحامل أجرة حمله إلى محل تلفه، ذكره في التبصرة، واقتصر عليه في الفروع، لأن ما عمل فيه من عمل بإذن; وعدم تمام العمل ليس من جهته، وهذا القول هو الذي يترجح عندنا، والله أعلم.

وأجاب الشيخ: عبد الله بن عبد اللطيف بن

ص: 366

عبد الرحمن: وأما الرجل الذي استأجر جملا يحمل عليه إلى موضع معين فلما انتصف في الطريق أخذ الجمل وحمله، فنعم يكون له أجرته من غير إشكال، قدر ما مشى من طريقه.

وأجاب الشيخ علي بن عيسى: الذي أخذ أحمالا ليحملها على جماله إلى بلد معين، بأجرة معلومة فلما كان في بعض الطريق أخذت الجمال والأحمال، فلا يستحق شيئا من الأجرة، حتى يسلم الأحمال في البلد المعين هذا الذي نفتي به نحن ومشايخنا، وأما بعض مشايخ نجد، فيفتي بأن له من الأجرة بقدر حمله إلى محل تلفه، كما في المنتهى، لكن اعترض بعض الأصحاب على صاحب المنتهى، في قوله: وله أجرة حمله إلى محل تلفه.

قال الشيخ عبد الله أبا بطين: تعليله هنا وجوب أجرة المحمول إلى محل تلفه، لأن عدم تمام العمل ليس من جهة الأجير فلا فرق، وعلله هنا - أعني تلف المحمول - بأن وضع العمل فيه بإذن، فيقال: وهكذا خياطة الثوب ونحوها بإذن، فالظاهر عدم الفرق، وأنه كالمشترك قبل تمام العمل وتسليمه، فما الذي أخرج صورة الحمل كما قال هنا، وما عللت به صورة الحمل، في أن عدم تمام العمل ليس من جهة الأجير، وبأن عمله بإذن موجود في غيرها.

سئل الشيح: عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين: هل يعطى الأجير من المال الحرام؟

ص: 367

فأجاب: أما الرجل المستأجر للأجير فلا يجوز له أن يعطيه أجرته من المال الحرام الذي عنده وإنما يعطيه من الحلال فإن أعطاه أجرته من الحرام ولم يشعر جاز له التصرف ولا إثم عليه وإثمه على المستأجر.

سئل الشيخ حمد بن ناصر بن معمر رحمه الله: إذا استأجر إنسان من آخر ناضحا يسقي عليه، وشرط عليه إن مات الناضح، أو عجف فالأجرة تامة، وإن لم يبق عليه إلا يوم واحد ورضي كل منهما بذلك؟

فأجاب: الذي يظهر لي صحة ذلك العقد، إذا كانت الأجرة معلومة والمدة معلومة، وأما الشرط فهو فاسد، فإن مات الناضح أو عجف، لزم المستأجر قسط ما مضى من المدة، وانفسخ فيما بقي إن لم يتراضيا على إتمام العمل على ناضح آخر.

سئل الشيخ: عبد الله بن الشيخ محمد رحمهما الله: عمن استأجر أرضا ليزرعها وتركها؟

فأجاب: إذا تعذر الزرع بمانع لم تلزمه الأجرة، لأن الانتفاع بها غير ممكن، فإن أمكنه الانتفاع بالأرض بالزرع في بقية المدة فلم يفعل، فعليه الأجرة، وقال الشيخ: يثبت قسط المثل.

وسئل: إذا استأجر رجل أرضا بأربعين مثلا وانتقلت إلى أن المستأجر يؤجرها بعشرة وصاحب الأرض قد شرط

ص: 368

على المستأجر مدة سنين وأراد المستأجر الفسخ، هل تدخل في حكم وضع الجوائح؟

فأجاب: الذي نفهم من كلام أهل العلم، أنها لا تدخل في مسألة وضع الجوائح، لأن المراد بذلك إذا كانت الجائحة من قبل الله، بآفة سماوية كالمطر والبرد، والسيول وأشباه ذلك، وأما الإجارة فهي لازمة من قبل المؤجر والمستأجر، إلا إذا انهدمت الدار، وتعطلت الأرض بآفة سماوية، انفسخت الإجارة فيما بقي من المدة، وأما هذه الصورة، فهي مثل أن يشتري سلعة غالية، ثم ترخص بعد ذلك بتغير الأسعار، وإذا نقصت عن العادة بتعذر المنفعة المقصودة بالعقد، فله الأجرة كاملة،

وقال الشيخ: تقسط الأجرة بقسط ما تلف. وإذا استأجرها للزرع، فزرعها ثم تلف، فالظاهر أنه لا يلزمه شيء.

وسئل: إذا استأجرها بصبرة فتلف الزرع إلا قدر الصبرة فهل يدفعه إلى المؤجر؟

فأجاب: إذا تلفت بآفة فإنه يدفع إليه أجرة كاملة واختار الشيخ وضع الجوائح، وأن كلا على قدر حصته.

وأجاب أيضا: إذا اكترى رجل من آخر أرضا أو نخلا، فأصابته جائحة فإنه يطرح عن المؤجر بقدر ما نقصت الجائحة من الثمرة من الأجرة.

ص: 369

وأجاب الشيخ: حسين بن الشيخ: وما ذكرت من جهة الجائحة التي جرت على الزروع من البرد، فهو ينظر إلى معدل المغل، فإذا صارت هذه الأرض مثلا، يجيء زرعها على المتوسط قيمة كذا وكذا، أعطى العامل صاحب الأرض قدره، ويسقط عن الزارع قدر هذه الجائحة، وكذلك النخل إذا صارت هذه الجائحة كما تذكر بردا، فمثل ما ذكرنا في الزرع كل شيء يسقط بقدره.

وأجاب الشيخ حمد بن ناصر بن معمر: إذا استأجر إنسان أرضا بدراهم يريدها للزراعة، وزرعها وأصاب الزرع جائحة سماوية، بحيث لم يحصل منها إلا ثلث ما يحصل منها في العادة، فهذه المسألة فيها خلاف بين العلماء، فالجمهور يقولون تثبت الدراهم في ذمة المستأجر ولا يسقط منها شيء;

وأما الشيخ تقي الدين، فاختار ثبوت الجائحة، وأنه يسقط من الأجرة بقدر الجائحة الخارجة عن العادة، وهذا هو الذي عليه الفتوى اليوم.

وأجاب الشيخ صالح بن محمد الشثري: إذا أوجرت الأرض فلم تنبت أو غرق زرعها أو تلفت بجراد أو حرق ونحوه، فالمذهب عند علماء الحنابلة أن الأجرة لازمة، ولو تلف ما استؤجرت له، وشيخ الإسلام رحمه الله وأتباعه، يرون دخولها في حكم وضع الجوائح، وأفتى بها شيخنا الشيخ عبد الرحمن بن حسن، فوضع أجرة الحوانيت في الرياض مدة تعطلها في أيام الحرب.

ص: 370

وأجاب الشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين: وأما ثبوت الجائحة في إجارة الأرض ونحوها، فاختيار الشيخ تقي الدين معلوم لديكم وأكثر العلماء على خلافه; قال في المغني: فإن استأجر أرضا فزرعها فتلف الزرع، فلا شيء على المؤجر نص عليه أحمد، ولا نعلم فيه خلافا، لأن المعقود عليه منافع الأرض ولم تتلف، وإنما تلف مال المستأجر فيها، فصار كدار استأجرها ليقصر فيها ثيابا، فتلفت الثياب فيها انتهى.

فظاهر قوله: فلا شيء على المؤجر يتناول الأجرة وغيرها، لكن قال في الاختيارات - لما ذكر إثبات الجائحة في أجرة الأرض - وبعض الناس يظن أن هذا خلاف ما في المغني من الإجماع، وهو غلط، فإن الذي في المغني: أن نفس الزرع إذا تلف يكون من ضمان المستأجر صاحب الزرع، لا يكون كالثمرة المشتراة، فهذا ما فيه خلاف; وإنما الخلاف في نفس أجرة الأرض ونقص قيمتها، فيكون كما لو انقطع الماء عن الرحى، انتهى.

وقد ذكر الشيخ عن اختياره: أنه خلاف ما رواه عن أحمد، ولم يحك صاحب الإنصاف إثبات الجائحة، في صورة الإجارة عن غير الشيخ، إلا ما حكاه عن أبي الفضل ابن حمزة في الحمام، وفرق الأصحاب بين الثمرة المشتراة وبين الأجرة، بأن المعقود عليه في الإجارة نفع الأرض، فالتالف غير المعقود عليه، والمعقود عليه في الثمرة المشتراة،

ص: 371

هو نفس الثمرة، فهي التالفة، والله أعلم; والذي نعتمده في المسألة هو الإلزام بجميع الأجرة، إن تعذر الصلح بين الخصوم.

وأجاب أيضا: وأما مسألة الجائحة في الإجارة، فالشيخ تقي الدين رحمه الله، يقول بثبوت الجائحة في الإجارة للأرض ونحوها، كما ثبت في الثمرة المشتراة بنص الحديث; وأكثر العلماء يفرقون بين الصورتين، على خلاف ما قاله الشيخ، وهو الذي نفتي به، أعني بقول أكثر العلماء.

وسئل: عن الأجير الخاص هل يستنيب؟

فأجاب: وأما الأجير الخاص، فكلامهم صريح في أنه لا يستنيب مطلقا، وعبارتهم: وإن كانت الإجارة على عينه في مدة أو غيرها فمرض، لم يقم غيره مقامه، لأن الإجارة وقعت على عمله بعينه، لا على شيء في ذمته، أشبه ما لو اشترى معينا، لم يجز أن يدفع إليه غيره ولا يبدله.

وأما الاستئجار للرعي، فصرحوا بأنه لا يصح العقد في الرعي إلا على مدة معلومة، لأن العمل فيها لا ينحصر، وتعريفهم الأجير الخاص: بأنه من استؤجر مدة معلومة يستحق المستأجر نفعها في جميعها، مرادهم جميع نفعه لا بعضه، لأنهم صرحوا بأنه إذا لم يستحق جميع نفعه في جميع المدة فهو مشترك، قال في الشرح: فالخاص هو الذي يقع العقد عليه في مدة معلومة، يستحق المستأجر نفعه في

ص: 372

جميعها، كمن استؤجر لخدمة أو خياطة، أو رعاية شهرا أو سنة، سمي خاصا لأن المستأجر يختص بنفعه في تلك المدة دون سائر الناس، والمشترك الذي يقع العقد معه على عمل معين، كخياطة ثوب أو بناء حائط، أو حمل شيء إلى مكان معين، أو على عمل في مدة لا يستحق جميع نفعه فيها، كالكحال والطبيب، سمي مشتركا لأنه يتقبل أعمالا لاثنين في وقت واحد، ويعمل لهم، فيشتركون في منفعته، فسمي مشتركا لاشتراكهم في منفعته، انتهى.

فهذا صريح في تعريف الخاص بأنه الذي يختص مستأجره بجميع نفعه في مدة الإجارة، وأنه إذا لم يستحق جميع نفعه ولو كان على مدة فهو مشترك، وتسمية أحدهما خاصا، والآخر مشتركا صريح في ذلك، وقال في الإقناع وشرحه: الأجير الخاص من قدر نفعه بالزمن، بأن استؤجر لخدمة أو عمل في بناء أو خياطة يوما أو أسبوعا ونحوه، يستحق المستأجر نفعه، في جميع المدة المقدر نفعه فيها، لا يشركه فيها أحد، فإن لم يستحق نفعه في جميع الزمن فمشترك - إلى أن قال - والأجير المشترك: من قدر نفعه بالعمل، كخياطة ثوب وبناء حائط، أو على عمل في مدة لا يستحق نفعه في جميعها، كالطبيب والكحال، أو يتقبل الأعمال لجماعة في وقت واحد يعمل لهم، يشتركون في نفعه فلذلك سمي مشتركا، انتهى.

فدل كلامهم على أنه إذا استأجر واحد أو جماعة رجلا،

ص: 373

ليرعى لهم عددا معلوما من الماشية، شهرا أو سنة ونحو ذلك، فهذا خاص كإجارة موسى عليه السلام نفسه المدة المذكورة، وكاستئجار البدوي من يرعى إبله أو غنمه سنة أو نحوها، لأنه يختص بنفعه في تلك المدة، ودل على أنه إذا دفع قروي إلى بدوي ناقته ليرعاها سنة، ودفع إليه آخر ناقتين، ودفع إليه آخر نحو ذلك، أن هذا مشترك، لأنه يتقبل أعمالا لجماعة في وقت لا يختص بنفعه واحد، لأنه يأخذ لمن شاء ماشيته ليرعاها في تلك المدة، وكون عمله مقدرا بمدة لا يخرجه عن كونه مشتركا، كما صرحوا به.

وأما قولهم: في الأجير المشترك، لا أجرة له فيما عمل حتى يسلمه لربه معمولا، فالذي نرى ونعمل به في حال رعاة الإبل، كمعاملة الحضر مع البدو اليوم، فالذي يأخذ الإبل للناس ليرعاها ويقوم عليها أنه لا يستحق شيئا ما لم يسلمها لربها، لأنه مشترك، فلو هلكت قبل تسليمها لربها لم يستحق شيئا، انتهى.

وأجاب الشيخ: محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: وأما الأجير إذا صار الخلل منه، فلا أجرة له ولا يضمن إلا إن فرط.

وأجاب ابنه الشيخ عبد الله: وأما الراعي لجماعة أو مختص بمنفعة واحد، فالظاهر من كلام أهل العلم: أن الراعي لا ضمان عليه إلا بالتعدي والتفريط، سواء كان لجماعة أو لشخص معين، ولا أعلم في ذلك خلافا.

ص: 374

وأجاب بعضهم: وأما الراعي فلا ضمان عليه إن شاء الله تعالى، إلا أن يفرط في رعيته.

وأجاب الشيخ عبد الله بن عبد العزيز العنقري: رعاة الغنم إذا ضيعوا منها شيئا، فإن كانوا فرطوا فيها بنوم عنها أو بغيره، لزمهم ضمانها، وإن لم يفرطوا لم يلزمهم، وعليهم الاجتهاد في طلبها، فإن وجدوها، وإلا ليس لهم على ما ضاع منها أجرة.

سئل الشيخ: حمد بن ناصر بن معمر: إذا قال صاحب البعير الكروة عشرة، وقال المكتري ثمانية

إلخ؟

فأجاب: إذا اختلفا في قدر الأجرة، فهو كما إذا اختلفا في قدر الثمن في المبيع، نص أحمد على أنهما يتحالفان، وهو مذهب الشافعي، قال في الشرح، وهو الصحيح إن شاء الله تعالى وإذا قال صاحب البيت: أكريتك سنة وقال المستكري سنتين، فالقول قول المالك مع يمينه، قال في الشرح: لأنه منكر للزيادة، فكان القول قوله بيمينه، كما لو قال بعتك هذا العبد بمائة، وقال بل هذين العبدين بمائتين.

وسئل بعضهم: إذا اختلفا في قدر الأجرة؟

فأجاب: إذا أعطى ثوبه خياطا بلا عقد، ثم اختلفا في قدر الأجرة، فقال في الشرح: إذا دفع ثوبه إلى خياط ليخيطه، أو قصار ليقصره من غير عقد، ولا تعريض بأجرة، مثل أن يقول: خذ هذا فاعمله، وأنا أعلم أنك إنما تعمل

ص: 375

بأجرة، وكان القصار والخياط منتصبين لذلك، ففعلا ذلك، فلهما الأجرة، لأن العرف الجاري بذلك يقوم مقام القول، فصار كعقد البلد، ولأن شاهد الحال يقتضيه، فصار كالتعريض، فأما إن لم يكونا منتصبين لذلك، لم يستحقا أجرة إلا بعقد أو شرط، أو تعريض به، لأنه لم يجرِ عرف يقوم مقام العقد، فهو كما لو تبرع به، وفي المسألة قول آخر: له الأجرة مطلقا، سواء كان منتصبا للعمل بأجرة أو لم يكن، قال في الإنصاف: وهو الصحيح من المذهب، وعليه كثير من الأصحاب.

سئل الشيخ: حسن بن حسين بن الشيخ محمد رحمهم الله: عن أرض مغصوبة، أو نخل استأجرها إنسان مدة معلومة كل سنة بجديدة أو ربع مثلا وبطل التعامل بها ولم نعلم قيمتها وقت العقد.

فأجاب: يبعد تعذر معرفة القيمة في الجديدة أو الربع لقرب العهد بالتعامل وإذا فرضناه فقياس كلامهم فيما إذا كان رأس مال السلم جوهرة ونحوها وفيما إذا باعه الشقص المشفوع بجوهرة ونحوها وجهلت القيمة: أن القول قول المستأجر هنا لأنه غارم وإن جهلها المؤجر والمستأجر معا فمقتضى القواعد الرد إلى أجرة المثل وهي: ما انتهت إليه رغبات الناس بعد الاشتهار لأن ما قَوَّمَه المقومون في قياس ما ذكروه وفيما إذا وقع ثمن الشقص المشفوع عرضا وكان موجودا أن يعرض على المقومين ليشهدوا بقيمته.

ص: 376