المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب الشروط في البيع - الدرر السنية في الأجوبة النجدية - جـ ٦

[عبد الرحمن بن قاسم]

الفصل: ‌باب الشروط في البيع

‌باب الشروط في البيع

سئل الشيخ: محمد بن عبد الوهاب: عمن كان له في ذمة رجل دراهم، واشترى من آخر شيئا، بشرط أن يقبل الثمن من ذمة غريمه؟

فأجاب: وأما إذا كان في ذمة رجل لرجل دراهم، واشترى من آخر شيئا بشرط شرط له: يقبل الثمن من ذمة فلان، فلا أرى فيه بأسا.

سئل الشيخ: حسن بن حسين بن الشيخ، إذا اشترط قوة الكيل، ورضي البائع؟

فأجاب: إذا اتفق البائع والمشتري على ما ذكر، ولا غرر في ذلك، فلا مانع، وقد نص أحمد على كراهة الزلزلة عند القبض، لاحتمال زيادة على الواجب، قال الفتوحي في شرح المنتهى: ولأن الرجوع في كيفية الاكتيال إلى عرف الناس في أسواقهم، ولم تعهد فيها، انتهى.

قال الشيخ منصور: وفيه نظر، بل عهد ذلك في بعض الأشياء، فعليه لا يكره فيها كالكشك، انتهى، قلت: وعليه أيضا: لا يكره في القهوة ونحوها، لكون العرف فيها زلزلة المكيال، وذكر الشيخ

ص: 34

محمد الخلوتي: أن الآية محمولة على ما يتضمن أخذ زيادة، لا تسمح بها النفوس عادة.

وسئل الشيخ: أبا بطين عمن اشترى قهوة مثلا، وكالها كيلا جيدا، فلما باعها اشترط أن يكيلها هو، أو فلان، والحال أنه أنقص من الأول

إلخ؟

فأجاب: الذي أرى- والله أعلم- أنه إذا قال للمشتري أكيل أنا، أو فلان، والحالة أن كيله أو كيل فلان، أنقص من الكيل الأول الذي اكتاله البائع، أن ذلك لا يمنع، وأما إذا اشترط البائع على المشتري: أنه لا يكيلها إلا أنت، أو فلان، فهنا الشرط غير صحيح; ويجوز أن يتولى الكيل غير المعين المشروط، كما قالوا إذا اشترط في السلم مكيالا معينا له عرف، أنه لا يصح هذا الشرط، ولا يلزم التعيين.

سئل بعضهم: إذا اشترط شرطين

إلخ؟

فأجاب: رحمه الله إذا اشترط المشتري على البائع شرطين، كحمل الحطب وتكسيره، فهذه المسألة فيها قولان للعلماء، هما روايتان عن أحمد، إحداهما: أن ذلك لا يجوز، وهو قول الشافعي وأصحاب الرأي، وعن أحمد: أن ذلك جائز، وهو اختيار الشيخ تقي الدين رحمه الله، واحتج من أبطل ذلك بما روى عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا يحل سلف وبيع، ولا شرطان في بيع، ولا تبع ما

ص: 35

ليس عندك " 1

أخرجه أبو داود والترمذي، وقال حديث حسن صحيح.

واختلف أهل العلم في تفسير الشرطين المنهي عنهما، فروي عن أحمد: أنهما شرطان صحيحان، ليسا من مصلحة العقد، فحكى ابن المنذر عنه، وعن إسحاق فيمن اشترى ثوبا، وشرط على البائع خياطته وقصارته، أو طعاما واشترط طحنه وحمله، إن شرط أحد هذه الأشياء فالبيع جائز، وإن شرط شرطين فالبيع باطل، وكذلك فسر القاضي الشرطين المبطلين بنحو هذا التفسير،

وكذلك روى عن أحمد: أنه فسر الشرطين، أن يشتريها على أنه لا يبيعها لأحد ولا يطوها، ففسره بشرطين فاسدين، ومحل الخلاف إذا لم يكونا من مصلحة العقد، فأما إن كانا من مصلحة العقد، كشرط الرهن والضمين فإن ذلك يصح، اختاره الموفق والشارح والمجد وغيرهم من العلماء، انتهى.

وقال الشيخ: حمد بن ناصر بن معمر رحمه الله تعالى: عبارة الشرح في تفسير الشرطين، وكذا عبارة الإنصاف التي نقلت أشرفنا عليها، والذي عليه الفتوى: أن الشرطين الصحيحين لا يؤثران في العقد، كما هو اختيار الشيخ تقي الدين.

وأجاب أيضا: وأما البيعتان في بيعة، فالمشهور عن أحمد: أنه اشتراط أحد المتعاقدين على صاحبه عقدا آخر، كبيع أو إجارة أو صرف الثمن، أو قرض ونحو ذلك. وعنه:

1 الترمذي: البيوع (1234)، والنسائي: البيوع (4611)، وأبو داود: البيوع (3504)، والدارمي: البيوع (2560) .

ص: 36

البيعتان في بيعة، إذا باعه بعشرة نقدا، وعشرين نسيئة، وقال في "العمدة" البيعتان في بيعة، أن يقول: بعتك هذا بعشرة صحاح، أو بعشرين مكسرة، أو يقول: بعتك هذا على أن تبيعني هذا، انتهى، فجمع، بين الروايتين، وجعل كلا الصورتين، دخلا في معنى بيعتين في بيعة.

وأجاب: الشيخ عبد الله أبا بطين: وأما قوله صلى الله عليه وسلم " من باع بيعتين في بيعة، فله أوكسهما أو الربا " 1 فهذا الحديث رواه الإمام أحمد وأبو داود، قال الشيخ تقي الدين رحمه الله، للناس في البيعتين في البيعة تفسيران، أحدهما: أن يقول هو لك بكذا بنقد، أو بنسيئة بكذا، كما رواه سماك بن حرب عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، عن أبيه قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صفقتين في صفقة " 2 قال سماك: هو الرجل يبيع البيع، فيقول: هو بنسأ بكذا، وبنقد بكذا وكذا، رواه الإمام أحمد.

وعلى هذا فله وجهان، أحدهما: أن يبيعه بأحدهما مبهما، ويتفرقا على ذلك، وهذا تفسير جماعة من أهل العلم، لكنه يتعذر من هذا الحديث، فإنه لا مدخل للربا هنا، ولا صفقتين هنا، وإنما هي صفقة واحدة بثمن مبهم، والثاني أن يقول: هي بنقد بكذا، وأبيعه بنسيئة بكذا، كالصورة التي ذكرها ابن عباس، قال: إذا استقمت بنقد فبعت بنقد فلا بأس، وإذا استقمت بنقد فبعت بنسيئة فلا خير فيه.

1 أبو داود: البيوع (3461) .

2 أحمد (1/398) .

ص: 37

ومعنى استقمت: أي قومت السلعة، يعني إذا قومت السلعة بنقد فلا تبعها بنسيئة، معناه: إذا قومتها بنقد بعشرة مثلا، يجعلها بأكثر نسيئة، يعني إذا قلت هي بنقد بكذا وأبيعها بنسيئة بكذا، فيكون قد جمع صفقتي النقد والنسيئة في صفقة واحدة، وجعل النقد معيار النسيئة، وهذا مطابق لقوله صلى الله عليه وسلم " فله أوكسهما أو الربا " 1 فإنه مقصوده حينئذ هو بيع دراهم عاجلة بآجلة، فلا يستحق إلا رأس ماله، وهو أوكس الصفقتين، وهو مقدار القيمة العاجلة، فإن أخذ الربا فهو مربي.

التفسير الثاني: أن يبيعه الشيء بثمن، على أن يشتري المشتري منه ذلك الثمن، وأولى منه: أن يبيعه السلعة على أن يشتريها البائع بعد ذلك، وهذا أولى بلفظ البيعتين في بيعة، فإنه باع السلعة وابتاعها، أو باع الثمن وابتاعه، وهذه صفقتان في صفقة، وهذا بعينه هو العينة المحرمة وما أشبهها، مثل أن يبيعه نسأ ثم يشتري بأقل منه نقدا، أو بنقد ثم يشتري بأكثر منه نسأ ونحو ذلك، فيعود حاصل هاتين الصفقتين، إلى أن يعطيه دراهم ويأخذ أكثر منها، وسلعته عادت إليه، فلا يكون له إلا أوكس الصفقتين، وهو النقد، فإن ازداد فقد أربى، انتهى كلام الشيخ رحمه الله ملخصا على هذا الحديث.

وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه " نهى عن بيعتين في بيعة " 2 وقال: " لا يحل سلف وبيع " 3 وقد ذكر العلماء رحمهم الله

1 أبو داود: البيوع (3461) .

2 الترمذي: البيوع (1231)، والنسائي: البيوع (4632) .

3 الترمذي: البيوع (1234)، والنسائي: البيوع (4611)، وأبو داود: البيوع (3504)، والدارمي: البيوع (2560) .

ص: 38

لذلك صورا كثيرة، وضابطها: أن يشترط أحد المتعاقدين على صاحبه عقدا آخر، وقد نص الإمام أحمد رحمه الله على صور من ذلك، نحو أن يشترط أحدهما على صاحبه سلما، أو إجارة أو بيعا، أو قرضا أو شركة، أو صرفا للثمن أو غيره، قال الأصحاب: وكذلك كل ما كان في معنى ذلك، مثل أن يقول: بعتك كذا بكذا، بشرط أن تزوجني ابنتك، أو أزوجك ابنتي، وكذا أن تنفق على عبدي أو دابتي، أو نصيبي من ذلك قرضا أو مجانا، وذكروا صورا.

فإذا عرفت ضابط المسألة، تبين لك تفصيلها وأنواعها، فإذا أجره أرضه أو زارعه عليها، وشرط عليه أن يقرضه أو يبيعه كذا، أو ساقاه على نخله وشرط أن يبيعه أو يسلم إليه كذا، ونحو ذلك من اشتراط عقد في عقد آخر، فهذا ونحوه، من نحو بيعتين في بيعة، وصفقتين في صفقة، وقد روى الإمام أحمد عن ابن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم " نهى عن صفقتين في صفقة " 1 2.

وأجاب أيضا: وأما النهي عن بيعتين في بيعة، فنحو أن يقول: أبيعك دابتي هذه بكذا، بشرط أن تبيعني السلعة الفلانية بكذا، أو تؤجرني دارك بكذا، أو يسلم إليه في طعام، ويشترط أن يشتري منه شيئا، ومنه أن يقول: أشتري دابتك هذه بعشرة مثلا، ويشترط عليه أن يأخذ عن العشرة أو

1 أحمد (1/398) .

2 وله جواب آخر في الطبعة الأولى شبيه بهذا فحذف هنا خشية التكرار.

ص: 39

بعضها ثوبا أو صرفها أو نحو ذلك، كما يفعله كثير، وضابطه: أن يشتري شيئا، ويشترط أحدهما على صاحبه عقدا آخر;

وأما النهي عن سلف وبيع، فنحو أن يشتري منه سلعة، أو يسلم إليه في طعام أو غيره، ويشترط عليه أن يقرضه شيئا.

وأما اشتراط صاحب الأرض ونحوها على مستأجرها، أن يستسلم منه فلا يجوز، وهو كبيعتين في بيعة كما تقدم، وأما إذا اشترط البائع على المشتري اشتراء سلعة من غيره، فالذي يظهر أن هذا شرط فاسد.

سئل الشيخ: عبد الله بن الشيخ، إذا قال إن جئتني بحقي في مدة كذا، وإلا فالرهن لك.

فأجاب: الرجل الذي رهن رهنا، وقال له المرتهن إن لم تقضني في هذه المدة أو مضت المدة ولا قضيتني، فهي لي بالذي عندك، فهذا لا يجوز، وهذا يسمى غلاق الرهن، وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا يغلق الرهن "1.

وأجاب أيضا: إذا قال إن جئتك بالدراهم إلى كذا وكذا، وإلا فالرهن لك، فهو رهن فاسد، وهذا ينافي مقتضى العقد، فإذا اشترط هذا فسد العقد، ويتخرج لا يفسد، والأول أظهر.

وسئل عن بيع العربون؟

فأجاب: هذه المسألة ورد فيها حديث، رواه أبو داود وابن ماجه، وفيه راو لم يسم، وسمي

1 ابن ماجه: الأحكام (2441)، ومالك: الأقضية (1437) .

ص: 40

في رواية، فإذا هو ضعيف، وله طرق ولا تخلو عن مقال، قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع العربان " 1 وفسره مالك بصورة المسألة، قال في سبل السلام: اختلف الفقهاء في جواز هذا البيع، فأبطله مالك والشافعي لهذا النهي، ولما فيه من الشرط الفاسد والغرر، ودخوله في أكل المال بالباطل، وروي عن عمر وابنه وأحمد جوازه، انتهى، قلت: وضعف أحمد حديث العربون في النهي عنه،

قال في الشرح، الثالث: أن يشترط شرطا يفسد البيع، كقوله: بعتك إن جئتني بكذا، أو إن رضي فلان، فلا يصح، وكذلك إذا قال: إن جئتك بحقك في محله، وإلا فالرهن لك، فلا يصح البيع إلا بيع العربون، فقال: أحمد لا بأس، لأن عمر فعله.

وسئل أيضا: إذا اشترط البراءة من جميع العيوب هل يبرأ.

فأجاب: إذا شرط البراءة من كل عيب لم يبرأ، وعنه يبرأ إلا إذا علم البائع العيب فكتمه.

وقال الشيخ: سليمان بن سحمان، قال ابن القيم في أعلام الموقعين: المثال الثاني والثلاثون، إذا رهنه رهنا بدين، وقال: إن أوفيتك الدين إلى كذا وكذا، وإلا فالرهن لك بما عليه، صح ذلك، وفعله الإمام أحمد، وقال أصحابنا: لا يصح، وهو المشهور من مذاهب الأئمة الثلاثة، واحتجوا بقوله " لا يغلق الرهن " 2 ولا حجة لهم فيه، فإن هذا كان موجبه في الجاهلية: أن المرتهن يتملك الرهن بغير إذن

1 أبو داود: البيوع (3502)، وابن ماجه: التجارات (2192) .

2 ابن ماجه: الأحكام (2441)، ومالك: الأقضية (1437) .

ص: 41

المالك إذا لم يوفه، فهذا هو غلق الرهن الذي أبطله النبي صلى الله عليه وسلم.

وأما بيعه للمرتهن بما عليه عند الحلول، فلم يبطله كتاب ولا سنة، ولا إجماع، ولا قياس صحيح، ولا مفسدة ظاهرة، وغاية ما فيه: أنه بيع علق على شرط ونعم، فكان ماذا؟ وقد تدعو الحاجة والمصلحة إلى هذا من المتراهنين، ولا يحرم عليهما ما لم يحرمه الله ورسوله، ولا ريب أن هذا خير للراهن والمرتهن، من تكليفه الدفع إلى الحاكم، وإثباته الرهن، واستئذانه في بيعه، والتعب الطويل الذي لا مصلحة فيه، سوى الخسار والمشقة، فإن اتفقا على أنه له بالدين عند الحلول، كان أصلح لهما وأنفع، وأبعد من الضرر والمشقة والخسارة، والحيلة في جواز ذلك، بحيث لا يحتاج إلى حاكم أن يملكه العين التي يريد أن يرهنها منه، ثم يشتريها منه بالمبلغ الذي يريد استدانته، ثم يقول: إن وفيتك الثمن إلى كذا وكذا، وإلا فلا بيع بيننا، فإن وفاه وإلا انفسخ البيع، وعادت السلعة إلى ملكه، وهذه حيلة حسنة، محصلة لغرضها من غير مفسدة، ولا يتضمن لتحريم ما أحل الله ولا تحليل ما حرم الله، انتهى.

سئل الشيخ: حسن بن حسين بن علي: عمن باع دابة، وشرط مرضا

إلخ؟

فأجاب: وأما المرض الذي يذكره البائع للمشتري، فإن

ص: 42

أطلق عم جميع أنواع المرض، وإن خص مرضا دون غيره فماتت الدابة، ولم يعلم المشتري هل هو من المرض المشروط، أو من غيره، فهنا تتوجه اليمين على المشتري، {وَالصُّلحُ خَيْر} ، [النّساء: 128] .

سئل الشيخ: عبد الله أبا بطين، عن قولهم: من اشترى متاعا فوجده خيرا مما اشترى. إلخ؟

فأجاب: وأما قولهم: من اشترى متاعا فوجده خيرا مما اشترى، فعليه رده، فهذا كما لو اشترى عباءة، يقول صاحبها إنها صوف أو قز، فوجدها المشتري قيلانا، والبائع جاهل الحال، كما لو اشتراها قيلانا فوجدها المشتري صوفا، ونحوه فله ردها، وكما لو اشترى "غازيا" على أنه ناقص فوجده وافيا لزمه رده، والظاهر أنه إذا أخبر صاحبه بالحال، فسمحت به نفسه، جاز.

سئل الشيخ: حمد بن ناصر بن معمر، عن قولهم: ويحرم تعاطيهما عقدا فاسدا، فلا يملك به.

فأجاب: معنى ذلك أن العقود الفاسدة التي نهى عنها الشرع، يحرم تعاطيها، ولا ينتقل الملك بها، ولو تراضيا على ذلك المتعاقدان، فقولهم: ويحرم ذلك، يعنون أن من فعل ذلك فهو آثم، لأنه فعل ما لا يجوز له، ومع الإثم لا يتم به ملك أيضا، لئلا يظن الجاهل أن من فعل ذلك فسد عقده

ص: 43

فقط، بل يقال: يأثم ويفسد العقد ولا يملك به، فيجب رد السلعة إلى البائع، وصور العقد الفاسد كثيرة لا تنضبط، يدخل فيه كل بيع نهي عنه، سواء كان من الربويات أو من غيرها، كالطعام الذي يباع قبل قبضه، وكالعينة، وكما لو جمع بين سلف وبيع، أو شرطين في بيع، أو باع ما ليس عنده.

فكل هذه العقود يحرم تعاطيها، ولا ينتقل الملك فيها، بل يبقى الثمن على ملك المشتري، والمثمن على ملك البائع، ويرد كل مال إلى مالكه بزياداته إن كان قد زاد، وهذا مذهب أحمد والشافعي، وأما أبو حنيفة: فعنده إن تقابضا حصل الملك، قال: وللبائع المطالبة في رد المبيع، فيأخذه بزيادته المتصلة، وأما قبل القبض فلا يحصل الملك بالعقد الفاسد، كما ذهب إليه الشافعي، وأحمد.

وأجاب الشيخ: حسن بن حسين بن الشيخ محمد، كل موضع فسد العقد فيه لم يحصل به ملك وإن قبض، لأنه مقبوض بعقد فاسد، أشبه ما لو كان المثمن ميتة، ولا ينفذ تصرف المشتري فيه، وعليه رده بنمائه المتصل والمنفصل، وأجرة مثله مدة مكثه تحت يده، ويضمنه إن تلف أو نقص بما يضمن به المغصوب، قاله في الكافي.

وقال في الإنصاف منافع المقبوض بعقد فاسد، كمنافع المغصوب، تضمن بالفوات والتفويت، انتهى.

ص: 44

وقال في الإقناع والمقبوض بعقد فاسد لا يملك به، ولا ينفذ تصرفه فيه ويضمنه كالغصب، ويلزمه رد النماء المتصل والمنفصل، وأجرة مثله مدة بقائه في يده، وإن نقص ضمن نقصه، وإن تلف فعليه ضمانه بقيمته،

وقال في باب الغصب: وإن كان للمغصوب منفعة تصح إجارتها، فعلى الغاصب أجرة مثله مدة بقائه في يده، استوفى المنافع أو تركها تذهب، وإن ذهب بعض أجزائه في المدة، كخمل المنشفة لزمه الأجرة وأرش نقصه، وما لا تصح إجارته مما لا منفعة له لم يلزمه له أجرة، انتهى، فقد عرفت أنه يلزم المشتري بالعقد الفاسد الأجرة وأرش النقص معا.

وأجاب الشيخ: سعيد بن حجي: قال في الإقناع: ويحرم تعاطيهما عقدا فاسدا فلا يملك به ولا ينفذ تصرفه، ويضمنه وزياداته بقيمته، كمغصوب لا بالثمن، انتهى ; وقال الموفق في الكافي- لما ذكر الاختلاف في الشروط في البيع- وكل موضع فسد العقد فيه لم يحصل به ملك وإن قبض، لأنه مقبوض بعقد فاسد أشبه ما لو كان الثمن ميتة، ولا ينفذ تصرف المشتري فيه، وعليه رده بنمائه المنفصل والمتصل، وأجرة مثله مدة مقامه في يده، ويضمنه إن تلف أو نقص بما يضمن به المغصوب، لأنه ملك غيره حصل في يده بغير إذن الشرع، أشبه المغصوب، انتهى.

وقال في الإنصاف "فائدة" ويحرم تعاطيهما عقدا فاسدا، فلو فعلا لم يملك به، ولا ينفذ تصرف على الصحيح

ص: 45

من المذهب؟

وقال الشيخ تقي الدين: يترجح أن يملك بعقد فاسد، فعلى المذهب حكمه حكم المغصوب في الضمان، وقال ابن عقيل وغيره: حكمه حكم المقبوض على وجه السوم، وعلى المذهب أيضا يضمنه بقيمته، وذكر أبو بكر: يضمنه بالمسمى، واختاره الشيخ تقي الدين، انتهى، وكلامه في المبدع قريب من كلام الإنصاف، فهذه عبارات الحنابلة كما ترى.

وأما كلام الشافعية: فقال في كتاب الأنوار "تكملة" حيث فسد البيع وحصل القبض لم يملكه المشتري، ولم ينفذ تصرفه فيه، ولزمه الرد ومؤنته، وأجرة المثل بمدة وضع يده وإن لم ينتفع، وأرش النقص إن نقص، وأقصى القيم من القبض إلى التلف إن تلف، والزوايد مضمونة عليه، ولو أنفق مدة لم يرجع إن جهل الفساد، انتهى

وقال في الحاوي: وحيث فسد لو قبض المشتري فهو كالمغصوب، أي في موضع فسد البيع، بانضمام شرط فاسد، أو للإخلال بشرط، أو ركن لو قبض المشتري المبيع بذلك البيع الفاسد، فالمشترى المقبوض مثل المغصوب، وإن قبضه بإذن البائع حتى لا يجوز تصرفه فيه، ولزم أقصى القيم أو المثل، ويجب عليه مؤنة الرد؛ ولا يرجع بما أنقق، سواء علم الفساد أو ظن الصحة، ويجب عليه أجرة المثل لمدة التصرف، سواء استوفى المنفعة أو لا، ورد الزوائد متصلة كانت أو منفصلة، انتهى.

ص: 46

وأما كلام المالكية: فقال أبو الجودي في شرحه على رسالة ابن أبي زيد، المسمى:"إيضاح المسالك على المشهور من مذهب مالك" ص " وكل بيع فاسدا، فضمانه من البائع، فإن قبضه المبتاع فضمانه من المبتاع من يوم قبضه، فإن حال سوقه أو تغير في يده، فعليه قيمته يوم قبضه، ولا يرده، وإن كان مما يوزن أو يكال فعليه مثله، ولا يفيت الرباع حوالة سوق " ش " إذا وقع عقد المبيع فاسدا، فضمان المبيع على البائع، لأن البيع الفاسد لا ينقل الملك، فإن قبضه المبتاع انتقل الضمان إلى المبتاع، فإذا فسد رد المبيع إلى بائعه، ولا شيء على المبتاع مما اغتله لأنه خراج، والخراج للضامن، فإن تعذر الرد لفوات عين المبيع، ضمن قيمته في الْمُقَوَّم ومثله في المثلي، والمشهور: أن التقويم يوم القبض لا يوم الفوات، انتهى، ثم ذكر أنواع الفوات.

وقال محمد بن غانم البغدادي الحنفي، في كتابه "مجمع الضمانات" البيع الباطل لا يفيد الملك بالقبض، ولو هلك المبيع في يد المشتري، كان أمانة عند بعض، وعند البعض يكون مضمونا، لأنه لا يكون أدنى حالا من المقبوض على سوم الشراء- إلى أن قال- والفاسد: يفيد الملك عند القبض، ويكون المبيع مضمونا في يدي المشتري، يلزمه مثله إن كان مثليا، والقيمة إن كان قيميا، كما في الهداية، انتهى، وذكر في المقبوض بعقد غير صحيح من الخلاف، ما يطول

ص: 47

ذكره عند الحنفية، فمن تأمل هذه العبارات، اتضح له الحق، والله الموفق.

وسئل الشيخ: عبد الله أبا بطين، عن رجل اشترى ذهبا بعضه نسيئة، وأعطى زوجته الذهب فباعته وأخذت ثمنه، ثم مات الزوج وضاقت التركة عن وفاء دينه، فتبينا أن العقد فاسد، وقد أتلفت المرأة الذهب، ولم يعلم المشتري الثاني، فمن يستقر الضمان عليه؟.

فأجاب: لبائع الذهب تضمين من شاء من الثلاثة، المشترى منه، وزوجته، والمشتري منها إن علم، ويستقر الضمان عليه، فلو ضمنه المالك القيمة، رجع على المرأة بما دفع من الثمن فقط، هذا هو الظاهر من كلام الأصحاب وغيرهم، حيث شبهوا المقبوض بعقد فاسد بالمغصوب، فيقتضي ذلك المشابهة في جميع الأحكام، إلا ما استثنى بعضهم من نفوذ العتق في المقبوض بعقد فاسد، وبعضهم استثنى صحة عبادة فيه، قال في القواعد: المعروف في المذهب أنه غير منعقد وتترتب عليه أحكام الغصب، وما قلنا من جواز تضمين المالك من شاء من الثلاثة، واستقرار الضمان على من تلف في يده، صرح به في الشرح الكبير.

فقال: إن باع المشتري المبيع الفاسد لم يصح، لأنه باع ملك غيره بغير إذنه، وعلى المشتري رده إلى البائع الأول لأنه مالكه، ولبائعه أخذه حيث وجده، ويرجع المشتري الثاني

ص: 48

بالثمن على الذي باعه، ويرجع الأول على بائعه، فإن تلف في يد الثاني فللبائع مطالبة من شاء منهما، لأن الأول ضامن، والثاني قبضه من يد ضامنه بغير إذن صاحبه، فكان ضامنا، فإن كانت قيمته أكثر من ثمنه فضمنها الثاني، لم يرجع بالفضل على الأول، لأن بالتلف في يده استقر الضمان عليه، وإن ضمن الأول رجع بالفضل على الثاني، انتهى.

قلت: قوله في القواعد: تترتب عليه أحكام الغصب يدل لذلك، ولذلك ذكر مرعي في "الغاية" اتجاها جازماً به، لو تلف عند قابضه الآخر، فللمالك مطالبة كل منهما، وقرار ضمان على التالف عنده، لأن تفصيله كغصب كما يأتي، إلا في صحة عبادة فيه، لإعراض ربه عنه بطيب نفسه، انتهى.

إذا تقرر ذلك: فللبائع تضمين الزوجة قيمة الذهب، وترجع بها في تركة زوجها، فتضرب بها مع الغرماء، ومقتضى ما ذكرناه أنها لا ترجع مع علمها بفساد العقد، وقولنا بضمان القيمة، إنما هو إذا كان الذهب مصوغا أو مغشوشا، وأما إذا كان خالصا غير مصوغ، ضمنه بمثله، ويشترط في ضمان غصب بالقيمة: أن تكون من غير الجنس أيضا.

وأجاب أيضا: إذا باع الرجل بيعا فاسدا، وقبض الثمن، ودفعه إلى غيره عن دين عليه أو اشترى به منه شيئا، فإن صاحب الثمن الذي دفعه في الشراء الفاسد، يرجع

ص: 49

بثمنه على من هو في يده، أو على البائع لكون قبض البائع الثمن- والحالة هذه- قبضا فاسدا، فيرجع دافع الثمن على من أحب، على البائع أو من قبضه من البائع، هذا في البيع الفاسد; وأما إذا كان فسخ البيع لأجل عيب في المبيع، فإن المشتري يرجع بثمنه على البائع فقط، لا على من قبضه من البائع، لكون قبض البائع قبضا صحيحا لصحة العقد، فليس له مطالبة غير البائع بالثمن، سواء كان معسرا أم لا.

وأما إذا غرم المسروق ماله شيئا بسبب ذلك، فإنه يرجع به على السارق، لكونه السبب في ذلك، كما قاله الشيخ تقي الدين، فيما إذا مطله غريمه فاحتاج إلى الشكاية، فما غرم بسببه لزم المماطل، وقالوا: لو غرم بسبب كذب عليه عند ولي الأمر، رجع به على الكاذب، انتهى.

فمسألتنا أولى بالرجوع، وقد صرح بعض المتأخرين، بأنه لو لم يحصل له ما سرق منه، إلا ببذل بعض المال لحليف ونحوه، أنه يرجع بذلك على السارق.

ص: 50