المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل في خيار العيب - الدرر السنية في الأجوبة النجدية - جـ ٦

[عبد الرحمن بن قاسم]

الفصل: ‌فصل في خيار العيب

‌فصل في خيار العيب

سئل الشيخ: محمد بن عبد الوهاب: عن قصاب اشترى بعيرا أعور، ولم يعلم به إلا بعد ذبحه؟

فأجاب: والبعير إذا ذهبت عينه، وهو مثل فاطر، وذبحها ولا علم القصاب أن عينها ذهبت إلا بعد ذبحها، فليس له مطالبة.

سئل الشيخ: عبد الله أبا بطين: إذا ذبح الجزار ناقة، وصارت أنقص مما ظن فيها، هل يثبت له خيار؟

فأجاب: مثبت الخيار له غالط، والفقهاء ذكروا خيار الغبن في ثلاث صور، وهذا يثبت صورة رابعة، وهي: ما إذا اشترى جزافا فبان دون ما ظنه، كمشتري الصبرة جزافا، فبانت أقل مما ظنه، فكذلك مشتري الجزور، ظانا أنه يحصل منها مثلا ثلاثون رطل شحم، فبان أقل من ذلك، وقد تنازع فقهاء نجد وغيرهم في الهزال، هل هو عيب؟ فقال سليمان بن علي، وابن ذهلان: إنه عيب، وقال عبد الوهاب وابن عطوة ليس بعيب، لكن قال الأولون: إذا كان قيمتها بعد

ص: 62

الذبح، تقارب ثمنها الذي اشتريت به، فلا فسخ ولا رد، وبكل حال فهذا القول غلط.

سئل الشيخ: إبراهيم بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن: عن الدبرة 1 إذا قطرت، ولا علمت ورؤيت إلا بعد الذبح؟

فأجاب: يرجع فيه إلى قول أهل الخبرة والحذق، لأنه مرض خفي، ولا يعلم هل هو قبل العقد أو بعده، ولا ملازمة بين وجود الدبرة وتقطيرها، فإذا ثبت بقول أهل الخبرة والمعرفة: أن مثل هذا لا يكون إلا قديما قبل العقد، عمل بقولهم، وإن كان محتملا فيحلف البائع على نفيه قبل البيع، مع أنا نميل إلى الصلح في مثل هذه الصورة.

سئل الشيخ عبد الرحمن بن حسن: عن حكم عيب الجرب

إلخ؟

فأجاب: وأما عيب الجرب فحكمه حكم سائر العيوب، فإذا ادعى المشتري انتقال المبيع بذلك العيب ولا بينة، حلف المشترى على ما ادعاه على الأصح.

وأجاب الشيخ عبد الله أبا بطين: وأما عهدة الحيوان إذا بان فيه جرب بعد البيع بمدة، فقول أهل الخبرة بذلك، أنه يمكن حدوثه في هذه المدة، مقبول، وإن ثبت تقدمه على

1 "الدبرة" في لغة أهل نجد: قرحة تحدث في الدابة أثر قتب ونحوه. وقوله: قطرت، أي: نفذت إلى داخل الدابة.

ص: 63

البيع أثبتنا الرد بفسخ البيع، وإن احتمل الأمرين: أوجبنا اليمين على البائع بنفي تقدم الجرب، على إحدى الروايتين من أن القول قول البائع بيمينه على البت، إذا اختلفا في حدوث العيب، وكان محتملا الأمرين.

سئل الشيخ: عبد الله بن الشيخ محمد: عمن اشترى بعيرا وسافر به، ثم ظهر به عيب وشهد عليه شهود، بأن هذا العيب فيه عند مالكه الأول، وبائعه ليس معه ليرده عليه؟

فأجاب: الذي اشترى بعيرا وسافر عليه من الخرج للأحساء، ثم بعد ذلك تبين له عيبه، وهو في أثناء الطريق، وشهد عنده الشهود بأن هذا العيب عند البائع، فأشهد على فسخ البيع، ولكن ركبه لأجل حاجته، فالذي يظهر لي من كلام الفقهاء: أن مثل ذلك لا يمنع الرد، إذا لم يكن عنده ما يركبه غيره، لكن عليه أجرة ركوبه لمالكه، إن ثبت له الرد، بأن يكون منتقلا إلى المشتري بهذا العيب.

قال في الشرح: وإن استعمل المشتري المبيع، أو عرضه على البيع أو تصرف فيه تصرفا دالا على الرضا به، قبل علمه بالعيب، لم يسقط خيار الرد، لأن ذلك لا يدل على الرضا به معيبا، وإن فعل بعد علمه بعيبه بطل خياره، في قول عامة أهل العلم انتهى.

ومراده: إذا فعل ما يدل على الرضا بعد علمه بالعيب، لأن ركوب المشتري لهذا البعير وهو في الطريق، لا يدل على رضاه به، خصوصا إذا أشهد على الفسخ والمطالبة بالعيب.

ص: 64

ثم قال صاحب الشرح: وكذلك إن ركب الدابة لينظر سيرها، أو استخدم الأمة ليختبرها، أو لبس القميص يعرف قدره، لم يسقط خياره، لأن ذلك ليس برضا، ولهذا لا يسقط به خيار الشرط، وإن استخدمها استخداما كثيرا بطل رده، وإن كان يسيرا لم يبطل الخيار، قيل لأحمد: إن هؤلاء يقولون، إذا اشترى عبدا فوجده معيبا فاستخدمه، بأن يقول: ناولني هذا الثوب، بطل خياره، فأنكر ذلك، وقال: من أين لهم هذا؟ ليس هذا برضا، حتى يكون شيء بين، ويطول، انتهى، فانظر إلى تصريح أحمد، بأنه لا بد أن يتصرف فيه، ويستعمله استعمالا يدل على رضاه به.

وأجاب بعضهم: إذا اشترى سلعة ليسافر به، ثم وجد بها عيبا، فالوجه المناسب في هذه الصورة: أن يشهد من حضر أنه فسخ العقد، فإن أمكنه حفظها معه حتى يأتي صاحبها فعل، وإلا أودعها عند ثقة.

سئل الشيخ إبراهيم بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن، عن العيب إذا عاد بعد برئه؟

فأجاب: إذا كان في الدابة عيب، مثل ضلع في يد أو رجل أو غيره، فبرأت منه، ثم باعها ولم يعلم المشتري به من البائع ولا من غيره، فعادها ذلك العيب، فللمشتري الفسخ.

سئل الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد: إذا اشترى دابة، ثم علم بها عيبا وركبها ليردها على صاحبها

إلخ؟

ص: 65

فأجاب: الركوب الذي لا يدل على الرضا لا يمنع الرد، وإذا اشترى مصراة وهو عالم بالتصرية، فلا يثبت له الخيار، وإذا اشترى دارا فوجد جار سوء، فالجار السوء عيب يرد به المبيع.

وسئل: عمن اشترى جارية فاطلع على عيب

إلخ؟

فأجاب: إذا اشترى جارية، فاطلع على عيب لم يعلم به وقت البيع، ثم وطئها بعد علمه، فلا خيار له، وإذا وطئها ثم علم بالعيب، فله الخيار بين الإمساك وأخذ أرش العيب، وبين الرد وأرش البكارة.

وسئل: عمن اشترى شيئا ثم باعه، ثم علم بعيب منتقل به من البائع فهل يثبت له الأرش؟

فأجاب: إذا علم المشتري الثاني العيب فله رده، وكذلك المشتري الأول إن لم يكن عالما بالعيب، ولم يوجد منه ما يدل على الرضا، فكذلك له رده، فإن أرادا الأرش فلهما ذلك.

وسئل أيضا: عن الأرش ما هو؟

فأجاب: الذي ذكره العلماء أنها 1 تقوم بالثمن الذي اشتريت به، قال في الإقناع، والأرش: قسط ما بين قيمة الصحيح والمعيب، فيرجع بنسبته من ثمنه، فيقوَّم المعيب

1 أي: السلعة ونحوها.

ص: 66

صحيحا، ثم يقوَّم معيبا، فإذا كان الثمن مثلا مائة، فقوم المعيب صحيحا بمائة، ومعيبا بتسعين، فالعيب نقص عشرة، نسبتها إلى قيمته صحيحا عشره، فينسب ذلك إلى المائة تجده عشرا، وهو الواجب للمشتري، هذا على القول بأنه مخير بين الرد وأخذ الأرش مع الإمساك، وأما على المفتى به عندنا، وهو الرواية الأخرى عن أحمد، واختيار الشيخ تقي الدين رحمه الله: أن المشتري إذا وجد بها عيبا لم يعلمه، فليس له إلا الإمساك بلا أرش، أو الرد.

وسئل الشيخ: حسن بن حسين بن الشيخ: إذا قلنا إنه ليس إلا الرد أو الإمساك في المعيب، كما هو رواية عن أحمد ومذهب أبي حنيفة، وكان ظهور العيب بموضع ضرورة كالمسافر على الدابة، وراكب السفينة، فهل يتعين الأرش في هذه الحال على هذا القول، حضر البائع أو غاب؟

فأجاب: لا ريب أن القائلين بهذا القول كأبي حنيفة والشافعي، وأبي العباس يقيدونه بما إذا لم يتعذر رده، لكن الذي يظهر من كلامهم، أن ما ذكرته في السؤال، ليس من صور التعذر الذي عنوه، وإنما الذي أرادوه، كعتق العبد، وإباقه، وقتله، وموته، ونحو ذلك مما ييئس معه من الرد، غير عالم بعيبه، أما ما ذكرته فلا يظهر أنه تعذر، ولا يوصف بموضع الضرورة، لاندفاعه بالإمساك مجانا، لا سيما واللزوم والجواز عارض، ثم رأيت بعض القائلين بهذا القول، صرح في كتابه باعتبار اليأس من الرد، وانحصار أسباب يستحق معها

ص: 67

الأرش في ثلاثة أمور، فقال: ولغير مقصر، أيس من رد، بتلف، ونكاح، وتعيب، لا بيع أرش، انتهى.

قال شارحه: قوله "أرش" مبتدأ خبره: ولغير مقصر أيس، ويجوز أن يجعل قوله "أرش" فاعلا لفعل مقدر، دل عليه قوة الكلام، وأيس صفة لغير، والمعنى: ويثبت لغير مقصر في أداء المعيب أرش، وأفاد انحصار الأسباب في الأمور الثلاثة، انتهى، من بعض كتب الشافعية; وقوله:" لا بيع" جرى على أحد القولين عندهم، من أن البيع لا يحصل به اليأس من رد المعيب، لأنه ربما عاد، والقول الثاني لهم: أن البيع أثر رابع يحصل به اليأس، كالتلف والنكاح والتعيب.

إذا تقرر لك ما ذكرناه، فاعلم: أنه إن كان من التزام ما يلزم، أن يقوى عندنا من المذهبين في هذه المسألة، ما عليه جماهير أصحاب الإمام أحمد، من القول بالأرش مع الإمساك مطلقا، أو الرد سواء أمكن الرد أو تعذر، لأنه أمكن تقرير العقد من غير ضرر; قال في الشرح الكبير: ولأنه ظهر على عيب لم يعلم به، فكان له الأرش كما لو تعيب عنده، انتهى، ولرضا المتعاقدين على أن العوض في مقابلة المعوض، فكل جزء من العوض مقابله جزء من المعوض، ومع العيب فاته جزء، فيرجع ببدله وهو الأرش، انتهى من شرح المنتهى لمنصور.

وأجابوا عن حديث المصراة، الذي استدل به المانعون

ص: 68

من الإمساك مع الأرش، سوى ما ذكروه، بأن البيع في المصراة ليس فيه عيب، إنما ثبت له الخيار بالتدليس، لا لفوات جزء كما في المعيب، فلم يستحق شيئا، انتهى، وحيث اختير الرد على كل من المذهبين، فإنه لا يفتقر إلى حضور البائع، كما لا يفتقر إلى رضاه، والمبيع بعد فسخ أمانة، ذكره في المنتهى وغيره. وأجاب شيخنا: الشيخ سعد بن حمد بن عتيق، رحمهم الله تعالى: يخير بين الإمساك بلا أرش، أو الرد، وقضى به غير مرة، وأنا أسمع.

وسئل: عن أخذ المسلَم فيه المعيب مع أرشه، ما صورته؟

فأجاب: صورة ذلك فيما يظهر لي، أنه إذا وجد المسلم فيه معيبا بالسوس مثلا، أو غير ذلك من الفساد، كما إذا أسلم في مائة صاع تمر مثلا، فقبض المسلم فيه فوجده مسوسا، فإنه ينظر في قدر ما ينقص العيب هذا التمر، لو كان سليما من الفساد، فإذا كان ينقصه العشر، رجع بعشر المائة تمرا صحيحا، ولا يرجع بأرش العيب من النقدين، ولا من غير جنس المسلم فيه، لأنها حينئذ تجيء مسألة الاعتياض عن دين السلم بغير جنسه، وفيها الخلاف المعلوم، ومقتضى كلام الأصحاب، أن ذلك لا يصح، وفد عرفت مما ذكرنا: أن هذا في العيب كالسوس مثلا، وأما إذا وجد المسلم فيه رديئا،

ص: 69

فليس له إلا قبوله أو رده، كما نبهوا عليه، فراجعه في محله.

سئل الشيخ: محمد بن عبد الوهاب، رحمه الله: إذا كان في المبيع عيب وتلف إلخ؟

وأجاب: إذا كان في المبيع عيب ولا علم به المشتري، وتلف المبيع بسببه، مثل الإباق في العبد، أو الشرادة في الدابة، فإن كان البائع علمه وكتمه، فهم يذكرون أنه يضمن البائع، لأنه غره.

وأجاب ابنه الشيخ عبد الله: إذا أراد إمساك المدلس مع الأرش لم يكن له ذلك، فإن تلف رجع الموكل بالتدليس، على الوكيل في أرش التدليس، وإذا أعتقه ثم علم بالعيب، فله الأرش.

وأجاب أيضا: هو، والشيخ حمد: المبيع المعيب إذا زال ملك المشترى عنه، بعتق، أو موت، أو وقف، تعذر رده، وكان تصرف ذلك قبل علمه بالعيب فله الأرش، لتعذر الرد في هذه الصورة، والخلاف المشهور بين الفقهاء فيما إذا أمكن الرد، وامتنع المشتري وطالب بالأرش.

وأجاب أيضا الشيخ عبد الله: إذا زال ملك المشتري بعتق، أو وقف، أو تعذر الرد قبل علمه بالعيب، فله الأرش هذا المذهب، وعليه الأصحاب.

سئل الشيخ: محمد بن عبد الوهاب، رحمه الله: عن النماء في مدة خيار العيب؟

ص: 70

فأجاب: النماء المتصل للبائع في خيار العيب، وكذا لو اشترى ناقة أو غيرها فهزلت عنده، أو طالت مدة الثوب رده، ورد نقصه.

وأجاب أيضا: والنماء المتصل للبائع في خيار العيب، ولا يقبل إقرار الوكيل على موكله في العيب، لكنه يصير شاهدا.

وأجاب أيضا: وأما إذا اشترى ثوبا فصبغه أو نسجه أو خاطه وهو معيب وثبت أنه معيب عند البائع فهو يرده، وله قدر صبغه أو نسجه أو خياطته وقت الرد، وللبائع قدر استعماله.

وسئل ابنه الشيخ عبد الله: إذا تبايع رجلان، ثم ترافعا بعد ذلك إلى الحاكم وبطل العقد، والعين قائمة، فأراد البائع أو المشترى الرد، ولها نماء منفصل، هل يرد معها؟

فأجاب: الذي صححه كثير من العلماء: أن الملك ينتقل إلى المشتري بنفس العقد، فعلى هذا يكون نماؤه المنفصل له، لأن ضمانه عليه سواء كان فيه خيار أو لم يكن، واستدلوا على ذلك بما رواه الترمذي مرفوعا، إلى النبي صلى الله عليه وسلم " الخراج بالضمان " 1 قال الترمذي: حديث صحيح. فإذا كان ضمانه عليه، لزم أن يكون خراجه له، وذلك هو النماء المنفصل، فعلى هذا يكون النماء المنفصل للمشتري، هذا إذا رد بخيار.

1 الترمذي: البيوع (1285)، والنسائي: البيوع (4490)، وأبو داود: البيوع (3508)، وابن ماجه: التجارات (2243) .

ص: 71

وأما إذا تعيب المبيع عند المشتري، فالذي عليه أكثر الحنابلة: أن للبائع الأرش، وهو قيمة نقص عيبه عند المشتري، اللهم إلا أن يكون البائع دلس العيب على المشتري، فعن أحمد يرده بلا أرش، قال في الإنصاف، قال الزركشي: هذا المذهب المنصوص المعروف، حتى قال القاضي ولو تلف المبيع عنده، ثم علم أن البائع دلس العيب، رجع بالثمن كله، نص عليه في رواية حنبل، قال أحمد: في رجل اشترى عبدا فأبق، وأقام البينة أن إباقه كان موجودا في يد البائع، يرجع على البائع بجميع الثمن، لأنه غر المشتري ويتبع البائع عبده حيث كان، انتهى، قلت: وهذا هو الصواب الذي لا يعدل عنه، انتهى كلامه.

وأما إن تلفت العين، ولم يدلس البائع العيب، فإنه يرجع إلى قيمة مثلها، سواء كانت مثلية أو غير مثلية، هذا الذي عليه أكثر أصحاب أحمد، قال في الإنصاف، قال في التلخيص: ثم يرد عين المبيع عند التفاسخ إن كانت باقية وإلا فمثلها، فإن لم تكن مثلية فقيمتها، فاعتبر المثلية، فإن لم تكن مثلية فالقيمه، والجماعه أوجبوا القيمة وأطلقوا.

وأجاب الشيخ عبد الرحمن بن حسن: وأما قولكم إذا نقصت الناقة بالاستعمال، والثوب كذلك، فهذا النقص الحاصل في المبيع، يرجع على البائع بأرش العيب الأول، والعيب عند التجار: ما نقصت به القيمة وعده التجار نقصا.

ص: 72

وسئل الشيخ حسن بن حسين بن علي: عمن اشترى دابة واستعملها بركوب وغيره، ثم بان له عيب قديم هل يرد معه قدر استعماله

إلخ؟

فأجاب: إذا رد المبيع فلا يخلو، إما أن يكون بحاله، أو يكون قد زاد أو نقص، فإن كان بحاله رده وأخذ الثمن، وإن زاد بعد العقد، أو حصلت له فائدة، فإن كانت الزيادة متصلة، كالسمن والحمل والثمرة قبل الظهور، فإنه يرده بنمائه، لأنه يتبعه في العقود والفسوخ، وإن كانت الزيادة منفصلة، فإن كانت من غير المبيع كالكسب والأجرة، فهو للمشتري في مقابلة ضمانه، وهو معنى قوله عليه السلام:" الخراج بالضمان" 1 ولا نعلم في هذا خلافا.

وروى ابن ماجه عن عائشة: " أن رجلا اشترى عبدا فاستعمله ما شاء الله، ثم وجد به عيبا فرده، فقال يا رسول الله: استعمل غلامي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الخراج بالضمان " 2 رواه أبو داود، وبهذا قال أبو حنيفة ومالك والشافعي، ولا نعلم عن غيرهم خلافهم، وإن كانت الزيادة من عين المبيع، كالولد والثمرة واللبن، فهو للمشتري أيضا، ويرد الأصل بدونها، وبهذا قال الشافعي، إلا أن الولد إذا كان لآدمية لم يملك ردها دونه، وعنه ليس له رده دون نمائه المنفصل، قياسا على النماء المتصل.

فإن اشتراها، أي: الدابة، حاملا فولدت عند المشتري

1 الترمذي: البيوع (1285)، والنسائي: البيوع (4490)، وأبو داود: البيوع (3508)، وابن ماجه: التجارات (2243) .

2 أبو داود: البيوع (3510)، وابن ماجه: التجارات (2243) .

ص: 73

فردها، رد ولدها معها، لأنه من جملة المبيع، والولد هنا نماء متصل، وإن نقص المبيع، فسيأتي حكمه، انتهى من الشرح الكبير، وحكمه: أن يرد مع المعيب أرش النقص عنده، كأن وطئ البكر، أو قطع الثوب، أو هزلت الدابة، ونحو ذلك مما تنقص به قيمته، صرح به في المغني وغيره، قال في شرح الإقناع: لما روى الخلال بإسناده، عن ابن سيرين: أن "عثمان قال في رجل اشترى ثوبا فلبسه، ثم اطلع على عيب، يرد وما نقص، فأجاز الرد مع النقص" وعليه اعتماد أحمد، انتهى.

وقال في الإنصاف- عند قول المقنع: وعنه ليس له رده دون نمائه، أي المنفصل- فلو صدر العقد وهي حامل فولدت عنده، ثم ردها، رد ولدها معها، وأما إذا حملت وولدت بعد الشراء، فهو نماء منفصل بلا نزاع، والصحيح من المذهب: أنه لا يردها إلا بولدها، فتعين الأرش جزم به في المحرر، انتهى، فقد عرفت أنه إن كان بحاله رده مجانا وأخذ ثمنه، وإن زاد ففيه التفصيل، أو نقص فإنه يرد معه أرش ما نقص عنده.

وسئل الشيخ: عبد الله أبا بطين، عن قوله:" الخراج بالضمان "؟

فأجاب: وأما حديث " الخراج بالضمان " 1 وفي لفظ آخر "الغلة بالضمان" 2 فهذا الحديث، وإن كان واردا في صورة رد المبيع بالعيب فيتناول بعمومه صورا كثيرة، ذكرها الفقهاء في

1 الترمذي: البيوع (1285)، والنسائي: البيوع (4490)، وأبو داود: البيوع (3508)، وابن ماجه: التجارات (2243) .

2 أحمد (6/80) .

ص: 74

مواضعها، غير صورة الرد بالعيب، كالنماء الحاصل في مدة الخيار، وكذا المبيع إذا رجع بالإقالة وقد حصل منه غلة، أو نماء عند المشتري، وكذا الشقص المشفوع إذا أخذه الشفيع، وقد نما عند المشتري، والعين عند المفلس إذا استردها بائعها، وكذا هبة الأب لولده، إذا رجع فيها وقد نمت عند الولد، وكذلك الصداق إذا نمى بيد الزوجة، ثم رجع نصفه إلى الزوج بطلاق قبل الدخول ونحوه، وغير ذلك من الصور، يعرفها من تتبع مظانها من كتب الفقه.

سئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: عمن اشترى ثوبا فصبغه، ثم بان معيبا

إلخ؟

فأجاب: وأما إذا اشترى ثوبا فصبغه أو نسجه أو خاطه، وهو معيب عند البائع، فهو يرده وله قدر صبغه، أو نسجه أو خياطته وقت الرد، ويدفع إلى البائع بقدر استعماله له.

وأجاب ابنه الشيخ عبد الله: إذا صبغه أو نسجه، فظهر معيبا فله الأرش، ولا رد له في أظهر الروايتين.

سئل الشيخ: محمد بن عبد الوهاب: عمن اشترى شيئين صفقة واحدة، فوجد بأحدهما عيبا؟

فأجاب: أما من اشترى شيئين صفقة واحدة، فإذا ثبت العيب أنه عند البائع فله الرد، هذا إذا تلف الصحيح، وإن لم يتلف فالأرش، ومثله عيب بعض المبيع عند المشتري، إذا كان فيه عيب، هل يمنع الرد أم لا؟

ص: 75

سئل ابنه الشيخ عبد الله: إذا اختلف في حدوث العيب

إلخ؟

فأجاب: إن كان لا يحتمل حدوثه، كالاصبع الزائدة، والشجة المندملة التي لا يمكن حدوث مثلها، أو الجرح الطري الذي يحتمل كونه قديما، فالقول قول من يدعي ذلك بغير يمين، للعلم بصدقه وإن احتمل قول كل منهما، كالخرق في الثوب، والرفو، ونحوهما، ففيه روايتان، إحداهما: القول قول المشتري مع يمينه، فيحلف بالله أنه اشتراها وبها هذا العيب، وأنه ما حدث عنده، ويكون له الخيار، وقال به بعض الأصحاب، والثانية: القول قول البائع مع يمينه، وكأن الرواية الثانية أظهر، لأنه مُنكِر.

وأجاب الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف: على رواية أن القول قول المشتري بيمينه، تكون اليمين على البَتّ، وأما على الرواية الأخرى التي عليها الفتوى، وفاقا للثلاثة، وهي: أن القول قول البائع بيمينه، فتكون اليمين على حسب جوابه، على الصحيح من المذهب.

وسئل بعضهم: عن رجل قضى رجلا جديدة مثلا، والذي عندهم أنها صحيحة، وأخذت أياما عنده يعبرها وترد عليه، وأخرجها من يده، وربما رفعها عند أهله، ولما لم تعبر جاء بها للذي قضاه، فأنكرها ولم تكن بينة؟

فأجاب: الذي يظهر من كلامهم في هذه الصورة، أن

ص: 76

القول قول الدافع بيمينه، أنها ليست جديدته التي دفعها، إذا كانت قد خرجت من يده، وأما إذا لم تخرج من يده، ففيها قولان في المذهب، أحدهما- وهو المشهور في المذهب- أن القول قول المشتري مع يمينه، قال في الإنصاف: لو باع سلعة بنقد أو غيره، معين حال العقد وقبضه، ثم أحضره وبه عيب، وادعى أنه الذي دفعه إليه المشتري، وأنكر المشتري كونه الذي اشتراه به، ولا بينة لواحد منهما، فالقول قول المشتري مع يمينه، لأن الأصل براءة ذمته، وعدم وقوع العقد على هذا المعين.

ولو كان الثمن في الذمة، ثم نقده المشتري، أو قبضه من قرض أو سلم، أو غير ذلك مما هو في ذمته، ثم اختلفا كذلك ولا بينة، فالقول قول البائع، وهو القابض مع يمينه على الصحيح، لأن القول في الدعاوى قول من الظاهر معه، والظاهر مع البائع، لأنه ثبت له في ذمة المشتري، ما انعقد عليه العقد غير معين، فلم يقبل قوله في ذمته- إلى أن قال- ومحل الخلاف: إذا لم يخرج عن يده، انتهى، ومراده: أنه إذا أخرجه البائع من يده، كما في الصورة المسؤول عنها، فالقول قول المشتري وهو الدافع، بلا خلاف عندهم.

وسئل بعضهم: إذا اشترى سلعة فوجدها معيبة، فقال البائع: العيب حدث عند المشتري وقال المشتري: هي معيبة قبل الشراء، ولا بينة لهما؟

ص: 77

فأجاب: هذه المسألة فيها روايتان عن أحمد، إحداهما: أن القول قول البائع مع يمينه، وهذا مذهب أبي حنيفة ومالك، لأن الأصل سلامة المبيع وصحة العقد، ولأن المشتري يدعى أنه يستحق فسخ البيع، والبائع ينكره، والقول قول المنكِر; والرواية الثانية: أن القول قول المشتري مع يمينه، فيحلف بالله أنه اشتراه وبه هذا العيب، أو أنه ما حدث عنده، ويكون له الخيار، اختارها الخرقي، لأن الأصل عدم القبض في الجزء الفائت، واستحقاق ما يقابله من الثمن، والقول الأول أظهر، قال في الإنصاف: ومحل الخلاف: إذا لم تخرج عن يده، فإن خرجت من يده إلى غيره لم يجز له ردها، نقله مهنا، واقتصر عليه في الفروع، والله أعلم.

وسئل الشيخ عبد الله أبا بطين: إذا علم المشترى بالعيب، وأمسكه ليرجع بالأرش فهل يقبل قوله بلا بينة؟

فأجاب: اختلف في هذه المسألة فقهاء نجد، فبعضهم يقول: يقبل بيمينه، وبعضهم يقول: لا يقبل قوله إلا ببينة أشهدها حين بان له العيب، وهذا الذي يترجح عندي.

سئل الشيخ: حسن بن حسين بن الشيخ: عن قوله في شرح الزاد: ويقبل قول قابض في ثابت في ذمة، من ثمن، وقرض، وسلم ونحوه، إن لم يخرج عن يده؟

فأجاب: معناه: أنه إذا ثبت على عمرو لزيد عشرة آصع مثلا، سواء كانت ثمن مبيع باعه زيد على عمرو، أو

ص: 78

قرض أقرضه زيد عمرا، أو دين سلم في ذمة عمرو لزيد، أو أجرة دار في ذمة عمرو لزيد، أو قيمة سلعة، أتلفها عمرو لزيد، فثبت غرمها في ذمته، فبعد ما قبضه زيد من عمرو، رده بعيب وجده فيها، وأنكر عمرو كون الآصع المردودة، هي الآصع التي دفعها، فإن القول في هذه الصور التي صورنا، قول القابض للثابت، وهو قول زيد بيمينه، لأن الأصل بقاء شغل الذمة بهذا الحق الثابت، والقاعدة: أن القول قول مدعي الأصل، وإنما عبرنا لقابض، ليشمل البائع والمقرض والمسلم، والمؤجر والمتلف ونحوهم.

فصل

(باعه مرابحة على أن ثمنها مائة ويربح عشرة ثم بان أن ثمنها تسعون)

سئل الشيخ: عبد الله بن الشيخ محمد، رحمهما الله: إذا باعه مرابحة، على أن ثمنها مائة ويربح عشرة، ثم بان أن ثمنها تسعون؟

فأجاب: إذا علم ببينة أو إقرار، أن ثمنها تسعون، فالبيع صحيح ويرجع في الزيادة على الثمن وهو عشرة، وحصتها من الربح وهو درهم، ويبقى له تسعه وتسعون.

[اشترى بثمن مؤجل أو ممن لا تقبل شهادته له أو بأكثر من ثمنه حيلة]

وسئل: إذا اشترى بثمن مؤجل إلخ؟

فأجاب: إذا اشترى بثمن مؤجل، أو ممن لا تقبل شهادته له، أو بأكثر من ثمنه حيلة، أو باع بعض الصفقة بقسطها من الثمن، ولم يبين ذلك، فمتى علم بذلك فهو

ص: 79

بالخيار، إن شاء رده، وإن شاء أمسكه وأخذه بثمنه مؤجلا، حكى ذلك ابن المنذر عن الإمام أحمد، وفيه رواية ثانية: إن شاء رده، وإن شاء أخذه بثمنه الذي وقع عليه العقد حالا، والأظهر الأول.

اختلاف المتبايعين

سئل الشيخ: محمد بن عبد الوهاب، رحمه الله: إذا اختلف المتبايعان

إلخ؟

فأجاب: قال الشيخ تقي الدين رحمه الله: إذا اختلف المتبايعان في قدر الثمن وليس بينهما بينة، تحالفا، لأن كلا منهما مدع ومدعى عليه، فيبدأ بيمين البائع، ثم إن شاء المشتري أخذ المبيع، وإن شاء حلف وفسخ; وإن تلف المبيع فالقول قول المشترى.

وأجاب الشيخ محمد أيضا: وإذا اختلف المتبايعان والمتصارفان، فالقول قول المنكِر مع يمينه.

وأجاب ابنه الشيخ: عبد الله، إذا اختلفا في قدر الثمن ولا بينة لأحدهما، تحالفا، فيحلف البائع أولا ما بعته بكذا وإنما بعته بكذا، ثم يحلف المشتري ما اشتريته بكذا وإنما اشتريته بكذا، فإذا تحالفا ولم يرض أحدهما بقول الآخر، انفسخ البيع، وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي، ورواية عن مالك.

وعن أحمد: أن القول قول البائع، أو يترادان البيع،

ص: 80

لما روى ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إذا اختلف المتبايعان وليس بينهما بينة، فالقول ما قال البائع، أو يترادان البيع" 1 رواه سعيد وابن ماجة. قال الزركشي: هذه الرواية، وإن كانت خفية مذهبا، فهي ظاهرة دليلا، وذكر دليلها ومال إليها.

وأجاب أيضا: إذا اختلفا في الثمن والسلعة قائمة، ولأحدهما بينة حكم بها، وإن لم يكن لهما بينة تحالفا، فيبدأ بيمين البائع، لأنه منكِر؛ إذا أقام كل منهما بينة وتعادلت بينتاهما، ثبت العقد للمشتري، وإذا اختلفا في قدر الثمن، والسلعة تالفة، ففيه روايتان، إحداهما: يتحالفان، والثانية: القول قول المشترى مع يمينه، واختارها أبو بكر، وهو قول النخعي والثوري، والأوزاعي وأبي حنيفة. وأجاب أيضا: المشتري إذا ادعى أنه اشترى بنسيئة فعليه البينة، وإلا حلف البائع أنه حاضر.

وأجاب الشيخ: عبد الرحمن بن حسن، إذا اختلف المتبايعان، والسلعة تالفة، فالمسألة ذات قولين، المقدم في المذهب أنهما يتحالفان، ويكون للبائع القيمة وقت العقد ; والقول الثاني: أن القول قول المشتري بيمينه، وكلا القولين قوي في النظر والاستدلال.

1 الترمذي: البيوع (1270)، والنسائي: البيوع (4648)، وأبو داود: البيوع (3511)، والدارمي: البيوع (2549) .

ص: 81