المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل (حكم التعامل بالجدد حين رخصت وصارت الفضة فيها أكثر من المقابل) - الدرر السنية في الأجوبة النجدية - جـ ٦

[عبد الرحمن بن قاسم]

الفصل: ‌فصل (حكم التعامل بالجدد حين رخصت وصارت الفضة فيها أكثر من المقابل)

أكثر ما يقال فيه إنه كالغصب، ولو قيل بالقيمة اليوم لما تعذر المثل، لكان فيه اجتياح على القابض.

ص: 136

‌فصل (حكم التعامل بالجدد حين رخصت وصارت الفضة فيها أكثر من المقابل)

سئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله تعالى-: عما يتعامل به أهل نجد، من الجدد حين رخصت وصارت الفضة فيها أكثر من المقابل؟

فأجاب: هي صورة مسألة مد عجوة لا بد فيها من أن يكون المفرد أكثر من الذي معه غيره على الرواية القائلة بالجواز، وهي اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، فعلى هذا: إذا كان الذي في الجدد من الفضة أكثر من فضة الريال، فلا يجوز بيعها به على كلا الروايتين، والوفاء بالزررة عن المشاخصة جائز، بشرط كونه وفاء باطنا وظاهرا.

وأجاب ابنه: الشيخ عبد الله، أما رد البدل إذا اقترض ريالية، ودفع إليه البدل زرورا، أو بالعكس فهذا جائز، لأنه أخذ به نقدا عن نقد آخر، لحديث ابن عمر:"ولكن بسعر يومه" وكذلك لو أخذ بدل القرض برا، أو شعيرا، أو تمرا، أو كان القرض طعاما فأخذ عنه دراهم، فكل ذلك جائز إن شاء الله تعالى، لكن لا يلزم إلا بالقبض، لئلا يكون بيع دين بدين.

وأجاب أيضا: هو والشيخ عبد الرحمن بن حسن: "الجدد" لما رخصت، وصار فيها من الفضة أكثر مما في

ص: 136

الريالات المقابل لها في المصارفة، محرم إذا قلنا بأن هذه الصورة من صور مد عجوة، فلا بد أن يكون المفرد أكثر من الذي معه، وهذا الشرط يجري على الرواية القائلة بالجواز، اختارها شيخ الإسلام، وأما إذا كان ما يقابل الريال من الجدد، أكثر فضة من الريال، فلا يجوز صرفه بها قولا واحدا، لما في ذلك من التفاضل في الفضة من غير مقابلة بشيء، وهذا صريح الربا، اهـ.

وقال أيضا الشيخ: عبد الرحمن بن حسن: إن مما كثر البحث عنه والسؤال، فيما عمت به البلوى بين العوام من الجهال: الاعتياض بالنقود المسماة بالجدد عن الريال، وقد ورد علينا ونحن بالديار المصرية، من بعض أعيان بلادنا النجدية، كتاب يتضمن السؤال عن ذلك، ويستدعي الجواب عما وقع هنالك؟

فأجاب شيخنا شيخ الإسلام، خاتمة الأئمة الأعلام: عبد الله بن الشيخ الإمام، شيخنا محمد بن عبد الوهاب، أجزل الله له الأجر والثواب، بما حاصله: إذا كان يعرف بين أهل الخبرة والاستعمال، أن ما يبذل منه هذا النقد في الريال، يشتمل من الفضة على أكثر مما فيه، فهذا ربا بلا إشكال، وكذا إذا كانت الزيادة من الفضة، أو المساواة يتطرق إليهما الاحتمال، فهو من الربا باتفاق أهل النظر والاستدلال، لأن من أصول هذا الباب، عند ذوي العقول والألباب: أن الجهل بالتماثل، كالعلم بالتفاضل، بغير شك ولا ارتياب.

ص: 137

ولما يسر الله رجوعي من تلك الديار، وحصل لي بالوطن مكث واستقرار; رأيت أن مما يتعين علي: تنبيه إمام المسلمين وفقه الله لطاعته، بأن يصرف الهمة إلى منهج الصواب والسداد، لما في ذلك من صلاح البلاد والعباد، فبادر إلى ما أشرت إليه، فدفع إلى من يرضى أمانته، عشرين من تلك النقود، وأمره أن يختبر ما فيها من الفضة، بالسبك على الوجه المعهود، فحضرت تصفيتها مع ذلك الثقة المأمور، فحصل من العشرين خمسة بزنة المثقال، وهذا القدر لا يزيد عما في الريال منها ولا ينقص بحال، فأفتيت بعد ذلك التحرير والاختبار، بأن هذه المصارفة لا تحل إذا زادت الجدد عن ذلك المقدار.

ثم ذكر أدلة تحريم الربا، وتقدم- إلى أن قال- قلت فتأمل كيف أفاد: أن ما يخل من الخلط بالتماثل، يمنع من بيع الجنس بجنسه، وهو صريح كلام الجميع، ولا يخفى أن النحاس المخالط للفضة في الجدد، يخل بالتماثل، وما يخل بالتماثل لا يجوز.

فصل

ومن نظائرهما: ما نص عليه في الشرح والمغنى والكافي وغيرهم، من أنه لا يجوز بيع الزبد بالسمن، قالوا: لأن في الزبد لبنا يسيرا يخل بالتماثل قلت: فإذا كان الخلط اليسير من اللبن في الزبد، يخل بالتماثل، فالنحاس مع الفضة من باب أولى، لكونها أصلا وذلك فرع ; فإن قال قائل: إن الفضة فيها تبع قلت: هذا باطل من وجوه: الأول أنه لا

ص: 138

قيمة للنحاس الذي فيها، إذ لو صفت الفضة عنه لعاد خبثا،

الثاني: أن الفضة أصل في الربا وفي الثمنية، وهو فرع فيهما، فلا يجعل ما هو أصل تبعا لفرعه وأيضا فالفضة جوهر ثمين، فلا تكون تابعة لما ليس كذلك، قال ابن حزم: وحبة ذهب أو فضة لها بال عند المساكين، نعم وعند التجار، وعند أكثر الناس، ولا يحل أن يزيدهما في الموازنة، انتهى، وما أسلفته من الأحاديث، يبطل هذا الاعتراض.

فإن قيل: قد جوز الفقهاء درهما فيه نحاس، بنحاس واختلاف، قلت: هذا عليكم لا لكم، لأن الفضة ليست من جنس النحاس، واختلاف الجنس لا يمنع التفاضل بالاتفاق، وأما ما كان من النحاس في الدرهم، فقد أخرجته الصنعة عن أصله، وما أخرجته الصنعة مما أصله الوزن، فلا يجري فيه الربا غير الذهب والفضة، نص عليه في المنتهى ; فإن قيل: قد أجازوا بيع درهم بمساويه في غش؟ قلت: وهذا أيضا من الحجة عليكم، لأنه لا سبيل إلى العلم بتساوي الدرهمين المتساويين وزنا في الغش، إلا من جهة العلم بتساويهما في الفضة، وبالعلم بالتساوي يزول المانع، بخلاف مسألتكم فإن التساوي فيها غير معلوم.

فإن قيل: قد رأيناهم جوزوا بيع التمر فيه النوى بمثله، قلت: هو كذلك، ولكنه قد اشتمل على شيئين بأصل الخلقة، وما اشتمل على شيئين كذلك جاز، نص عليه في الكافي وغيره، ففارقت هذه المسألة، وقد نص الفقهاء

ص: 139

رحمهم الله تعالى: على أنه لو نزع النوى من التمر، لم يجز بيع التمر المنْزوع منه النوى، بتمر فيه نوى، سواء ترك معه أولا، ومسألتكم أولى بالمنع ولا بد،

وهذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، قد صرح في الفتاوى المصرية أنها إذا كانت الفضة المغشوشة أكثر من المفردة، فإنه لا يجوز بيع إحداهما بالأخرى، وهي مسألتكم بعينها، وعلى المنع منها اتفق العلماء رحمهم الله.

وأما مسألة: مد عجوة ودرهم التي منع الجمهور منها فللبطلان فيها مأخذان، أحدهما: سد ذريعة الربا، وفي كلام الإمام إيماء إلى ذلك; الثاني: وهو مأخذ القاضي وأصحابه: أن الفضة إذا اشتملت على شيئين مختلفي القيمة، يقسط الثمن على قيمتيهما، وهذا يؤدي هنا إلى يقين التفاضل وإما إلى الجهل بالتساوي، وكلاهما مبطل للعقد، فإنه إذا باع درهما ومدا يساوي درهمين، بمدين يساويان ثلاثة، فالدرهم في مقابلة ثلثي مد، ويبقى مد في مقابلة مد وثلث وذلك ربا فلو فرض التساوي، كمد يساوي درهما ودرهم بمد يساوي درهما، ودرهم لم يصح أيضا لأن التقويم ظن وتخمين، فلا تحقق معه المساواة والجهل بالتساوي كالعلم بالتفاضل، انتهى عثمان م ص. 1.

وأجازها: أبو حنيفة وأحمد فى رواية عنه، وعليه فلا

1 أي: ملخصا من حاشية عثمان بن قائد، على شرح منصور للمنتهي.

ص: 140

تشبه هذه المسألة بحال، فإن المجوزين لها اشترطوا شروطا، لم يوجد واحد منها في هذه المسألة، فمنها: أنهم يشترطون: أن يكون المفرد أكثر من الذي معه غيره، وبعضهم اشترط أن يكون الزائد يسيرا بقدر قيمة ما مع الجنس، وهذا الثاني نص عليه الشيخ تقي الدين رحمه الله في الفتاوى المصرية، فقال: إذا كانت الفضة المفردة أكثر من الفضة المغشوشة بشيء يسير بقدر النحاس، فهذا يجوز في أظهر قولي العلماء، انتهى.

فافهم كلامه: أنه إذا لم توجد القيود الثلاثة امتنع الجواز، وذلك في أربع صور أحدها: أن لا تكون المفردة أكثر، وذلك بأن علم أنها أقل أو جهل، وأن تكون أكثر بشيء غير يسير، أو بيسير أكثر من قيمة النحاس.

ومسألتكم لا تخرج عن هذه الأربع، فلا تجوز ومنعه المتأخرون كصاحب المستوعب، ومن يشترط في مسألة مد عجوة، إذا كان مع كل واحد من غير جنسه من الجانبين التساوي، جعله لكل جنس في مقابلة جنسه، قال في الإنصاف: وهو من جعل الجنس في مقابلة غيره لا سيما مع اختلافهما في القيمة، انتهى.

واشترطوا أيضا: أن لا يكون حيلة على الربا، وبعضهم اشترط أن لا يكون الجنس الذي مع غيره مقصودا كالسيف المحلى، وهو رواية عن الإمام أحمد، اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.

وعلى كل: فالمجوزون لمسألة مد عجوة محجوجون عند الجمهور بما تقدم من الأحاديث، وبما في السنن وغيرها

ص: 141

من حديث فضالة بن عبيد، قال أبو داود في حلية السيف: تباع بالدراهم؛ والقلادة فيها الذهب والفضة،

حدثنا محمد بن عيسى وأبو بكر بن أبي شيبة وأحمد بن منيع، قالوا حدثنا ابن المبارك، وحدثنا ابن العلاء، أنبأنا ابن المبارك عن سعيد بن يزيد، حدثني خالد بن أبي عمران، عن فضالة بن عبيد، قال:" أتى النبي صلى الله عليه وسلم عام خيبر بقلادة فيها ذهب وخرز، قال أبو بكر وابن منيع، فيها خرز معلقة بذهب، ابتاعها رجل بتسعة دنانير، أو سبعة دنانير، قال صلى الله عليه وسلم لا، حتى تميزوا بينها فقال: إنما أردت الحجارة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا، حتى تميزوا بينها " 1 قال ابن حزم: فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكتف بنيته، في أنه إنما غرضه الخرز، ويكون الذهب تبعا، ولا راعى كثرة من قلة، وأوجب التمييز في الموازنة ولا بد، انتهى.

قال الشيخ: فهذا ما انتهى إليه علمنا القاصر في هذه المسألة، وقد أتينا في هذه الرسالة بما لعلك لا تجده مجموعا في غيرها، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.

فصل (حكم التعامل بالجدد حين رخصت وصارت الفضة فيها أكثر وأجاب أيضا: وأما إذا كانت الفلوس فيها فضة مثل قروش محمد علي، 2 وتصرف بدراهم من الفضة، فإن هذه الصورة من أفراد مسألة مد عجوة، فمن جوزها قال: تجوز هذه، ومن لا فلا، وشرط جوازها عند من يقول به: أن يكون المفرد أكثر من الذي معه غيره، واختار شيخ الإسلام الجواز

1 أبو داود: البيوع (3351) .

2 خديوي مصر، المعروف.

ص: 142

بشرطه، وهو رواية عن الإمام أحمد، ومذهب أبي حنيفة.

والرواية الأخرى: لا يجوز، وهو المذهب، قال في الإنصاف: وللأصحاب في توجيه المذهب مأخذان أحدهما- وهو مأخذ القاضي وأصحابه- أن الصفقة إذا اشتملت على شيئين مختلفي القيمة، يقسط الثمن على قيمتيهما، وهذا يؤدي هنا إما إلى يقين التفاضل، وإما إلى الجهل بالتساوي وكلاهما مبطل للعقد في باب الربا، فإن اتخاذ ذلك حيلة على الربا الصريح واقع، كبيع مائة درهم في كيس، بمائتين، جعلا للمائة في مقابلة الكيس، وقد لا يساوي درهما فمنع من ذلك وإن كانا مقصودين حسما لهذه المادة وفي كلام أحمد إيماء إلى هذا المأخذ، والله أعلم.

وأما معنى المكسرة في كلام الفقهاء؟ فالجواب: أني وقفت على عبارة في غاية مرعي، تبين ذلك، فإنه قال: ومن اشترى شيئا بنصف دينار لزمه، ثم إن اشترى آخر بنصف آخر لزمه، ويجوز إعطاؤه عنها صحيحا، انتهى.

فيقال على الريال هذا صحيح، وعلى النصفين ريال مكسر، وكذا الأرباع، والله أعلم.

وسئل: عمن أراد أن يسعر ببعض الريال فقال لمن أراد أن يأخذ منه شيئا بنصفه: خذ هذا وأعطني بنصفه، ورد علي النصف الآخر نصفا.

فأجاب: هذا جائز إذا قبض النصف قبل التفرق، لأنه

ص: 143

صارفه بالنصف مثلا بمثل يدا بيد، وليس هذا من أفراد مسألة مد عجوة، لأن صاحب الطعام يستحق نصف الريال ثمنا، والنصف الآخر أخذه مصارفة، ودفع عنه ما يماثله، فافهم هذا، قال في الأنصاف: فلو دفع إليه درهما، وقال: أعطني بنصف هذا الدرهم نصف درهم، وبنصفه فلوسا، أو حاجة أخرى جاز، انتهى.

وأجاب الشيخ: سليمان بن عبد الله بن الشيخ رحمهم الله، هذه الجدد قد قيل إنها ملحقة بالعروض كالفلوس، لكن هذا عندي لا يتوجه على المذهب، لوجهين،

أحدهما: ما فيها من الفضة من غير اعتبار له،

الثاني: أن قاعدة المذهب تحريم مسألة مد عجوة، ومعنى مسألة مد عجوة- كما هو مقرر- أن يبيع جنسا فيه الربا بجنسه، ومع أحدهما أو معهما من غير جنسهما، ويلزم من ألحقها بالعروض أن يبيح مد عجوة، فيخالف فيها المذهب، كما هو الواقع في صرفها بالفضة الآن، فعرفت أن إلحاقها بالعروض خلاف المذهب، لكنه يتمشى على القول بإباحة مسألة مد عجوة، إما مطلقا، أو بشرط أن يكون الذي مع الجنس الآخر غير مقصود، إن فسر القصد بأن يكون مقصود الصياغة ونحوها، إذ الفضة في الجدد غير مقصودة لصياغة ونحوها، أو بشرط أن يكون مع كل واحد من غير جنسه، وقد اختار هذين القولين، في مسألة مد عجوة، الشيخ تقي الدين في موضعين من كلامه.

ووجه ثالث: وهو أن الفلوس التي ذكر الأصحاب، أنها

ص: 144

كالعروض ليس فيها ذهب ولا فضة، فكيف يصح إلحاق ما فيه شيء منهما بالفلوس، التي فيها شيء منهما، مع وجود الفارق؛ وأما إلحاقها بالنقدين فلا يصح أيضا، لأنها ليست بنقد أصلا، فكيف يلحق ما ليس بنقد بالنقد؛ ولا أظن أحدا يقول ذلك.

والأولى عندي أن يقال: هي وما أشبهها ملحقة بالمغشوش، فينظر فيها، فإن بلغ ما فيها من الفضة نصابا بنفسه، أو بالضم إلى فضة أخرى، أو نقول بضم الفضة إلى الذهب، كما هو رواية عن أحمد، وقول مالك وأبي حنيفة، فإنه يزكيها زكاة النقدين، وإن لم يبلغ ما فيها من الفضة نصابا، ولو بالضم إلى فضة أخرى، أو كان عنده ذهب ولم نقل بضم الفضة إلى الذهب، فإنه يزكيها زكاة التجارة، على أني لم أر أحدا من الأصحاب ذكر ذلك غيره، بل ذكروا أن المغشوش ليس فيه زكاة، إلا أن يكون نصابا، هكذا ذكروه ولم يقيدوا، فظاهر كلامهم: أنه لا زكاة فيه حتى يبلغ نصابا مطلقا، هذا ما ظهر لي على أني لم أجد فيها كلاما لأحد، وأما جعلها رأس مال السلم، فيصح ذلك لانتفاء المانع، لأنها معلومة.

وأما اشتراط القبض في مجلس الصرف، فيشترط ذلك على كل تقدير، لاتحاد علة الصرف فيه قبل القبض، لكن ينبغي أن يعرف أن صرفها بفضة لا يجوز، إلا على القول بجواز مسألة مد عجوة وقد عرف ما فيها من الخلاف.

ص: 145

فصل

وسئل الشيخ: علي بن حسين بن الشيخ محمد رحمهم الله: إذا كان لرجل على آخر فضة، كريالات الناس وللآخر عليه مثلها فتصارفا بالقول؟

فأجاب: ليس هذا بصرف، وإنما هو تساقط، وليست هذه الصورة التي ذكر صاحب الشرح، بقوله: إذا كان رجل في ذمته لآخر ذهب، وللآخر عليه دراهم فاصطرفا لم يصح، لأنه بيع دين بدين، لأنه تصارف في الذمم، وهذا تساقط فيصح، قال في المنتهى وشرحه: ومن استحق على غريمه مثل ماله عليه من دين، جنسا وقدرا وصفة حالين، بأن اقترض زيد من عمرو دينارا مصريا ثم اشترى عمرو من زيد شيئا بدينار مصري حالين أو مؤجلين أجلا واحدا، كثمنين اتحد أجلهما، تساقطا إن استويا، أو سقط من الأكثر بقدر الأقل، إن تفاوتا قدرا بدون تراض، لأنه لا فائدة في أخذ الدين من أحدهما ثم رده إليه، والله أعلم.

وسئل الشيخ عبد الله أبا بطين: إذا كان لرجل على آخر ريالات وأراد أن يعطيه عنها نوعا من الفضة، مثل هذه التي يسمونها المجيديات، أو غيرها.

فأجاب: هذا حرام بلا شك، لأن النبي صلى الله عليه وسلم اشترط المماثلة في بيع الفضة بالفضة، في أحاديث كثيرة، كما في الصحيحين من حديث أبي سعيد مرفوعا " لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا

ص: 146

بمثل، ولا تبيعوا الورِق بالورِق إلا مثلا بمثل، ولا تشفوا بعضها على بعض " 1.

والأحاديث في مثل هذا كثيرة، ولم يستثن من ذلك صورة، كما استثنى العرايا من المزابنة بشروطها، فمن ذا الذي يجترئ على تخصيص هذه العمومات بالرأي؟ والنبي صلى الله عليه وسلم سمى مبادلة الذهب بالذهب، والفضة بالفضة بيعا.

ولا فرق بين كون العوضين عينا، أو أحدهما في الذمة لوجود المبادلة فيها، التي عرف بها الفقهاء البيع، فقالوا في حده: هو مبادلة مال بمال، وقالوا بيع الدين المستقر لمن هو في ذمته، فسموا المبادلة بما في الذمة بيعا، والفقهاء يسمون الاعتياض عما في الذمة من أحد النقدين بجنسه صرفا، كما قالوا: فيما إذا انفسخ عقد السلم، أنه يرد رأس ماله إن كان موجودا، أو يرد عوضه إن لم يوجد، فإن كان رأس مال السلم نقدا وأخذ عنه نقدا من جنسه، فصرف له حكمه، وقالوا فيما إذا اقترض دراهم مكسرة، وحرمها السلطان، ورد المقترض فضة، فصرف تعتبر له شروطه، وقال في الشرح الكبير في مسألة اقتضاء أحد النقدين عن الآخر: أنه يشترط لجواز ذلك، أن يكون بالسعر، وأنه قول الجمهور خلافا لأصحاب الرأي، واستدل لقول الجمهور بحديث ابن عمر، وعلله بأن هذا جرى مجرى القضاء، فتقيد بالمثل كالقضاء من الجنس، قال والتماثل هنا بالقيمة لتعذر التماثل بالصورة، انتهى.

فكلامه صريح في أنه إذا كان من الجنس، فلا بد من التماثل بالصورة، وجعل ذلك أصلا لمسألة الخلاف، فدل

1 البخاري: البيوع (2177)، ومسلم: المساقاة (1584)، والترمذي: البيوع (1241) ، وأحمد (3/4)، ومالك: البيوع (1324) .

ص: 147

على أنه لا بد من التماثل في الصورة، إذا كان القضاء من الجنس بلا خلاف، وهذا أمر ظاهر، وقد علمتم كلام الفقهاء: أن من اشترى طعاما بكيل لا يصح قبضه جزافا، لحديث " إذا سميت الكيل فكل " 1 وغير ذلك.

وليس في حديث جابر، وهو "أن جابرا طلب من غرماء أبيه أن يقبلوا ثمر حائطه، ويحللوا أباه" ما يستدل به للجواز، وقد استدل به ابن عبد البر وجماعة، على جواز أخذ الثمر على الشجر عما في الذمة، إذا علم أنه دون حقه، إرفاقا بالمدين، وإحسانا إليه، وهذا شبه مسألة ذكرها الفقهاء في الصلح، فيما إذا أقر إنسان لآخر بدين في ذمته، فصالحه بجنسه بأقل أو أكثر على سبيل المعاوضة لم يجز، وإن صالحه بأقل على سبيل الإبراء أو الهبة، لا بلفظ الصلح، فهو جائز، وقولهم إن الناس لا مندوحة لهم عن ذلك، حجة فاسدة، وللناس عن ذلك مندوحة: بأن يشتري بالمجيديات أو القطع، ولا يسمى الريالات، لكن الشيطان يضيق طرق الحلال، ويفتح طرق الحرام، نسأل الله لنا ولكم الهداية والسداد.

وأجاب في موضع آخر: أما صرف الريالات بالقرانات 2 فحرام صرح، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" الفضة بالفضة مثلا بمثل " 3 وقال: " من زاد أو ازداد فقد أربى " 4 والتفاضل بين الريالات والقرانات معلوم، ولو فرض الجهل

1 ابن ماجه: التجارات (2230) .

2 نقود معروفة، وبعضهم يسميها: غرانات، جمع غران، بتخفيف الراء.

3 الترمذي: البيوع (1240) ، وأحمد (5/319) .

4 مسلم: المساقاة (1587)، والترمذي: البيوع (1240)، والنسائي: البيوع (4560 ،4561 ،4562 ،4563 ،4564)، وأبو داود: البيوع (3349) ، وأحمد (5/314)، والدارمي: البيوع (2579) .

ص: 148

بالتماثل، فالجهل بالتماثل كالعلم بالتفاضل مثلا بمثلا فاشترط لجواز ذلك العلم بالتماثل، وأما صرف الريالات بالجدد، فالذي رأينا من كلام العلماء، في بيع الدراهم المغشوشة بعضها ببعض، أنه لا يجوز إلا إن علم تساويها في الفضة، ونقل غير واحد عن مذهب الحنفية أنهم يجعلون الحكم للغالب، فإن كان غالب الدراهم نحاسا، فهي نحاس تباع بالفضة الخالصة، فعلى هذا يجوز صرف الجدد والمحاليق 1 بالريالات، واقتضاء أرباع القرش عن الريال صرف لا يجوز وإن كان ذلك بهذه الأنصاف الحمر، فأرجو أنه جائز.

وأجاب أيضا: وأما صرف الريال بالجدد، فالذي يظهر لي أنه ليس من مسائل مد عجوة، لأن النحاس الذي في الجدد غير مقصود، وإن قيل إن له قيمة، فيجعل في مقابلة وزن نحو سدس جديدة من فضة الريال تبقى، ففضة الريال الكثيرة في مقابلة يسير فضة الجدد، وفي أثناء كلام لشيخ الإسلام تقي الدين رحمه الله على نحو هذه المسألة، قال بعد كلام سبق: لو باع حنطة فيها شعير، بحنطة فيها شعير يسير، فإن ذلك يجوز عند الجمهور، وكذلك إذا باع الدراهم التي فيها غش بجنسها، كان الغش غير مقصود، والمقصود بيع الفضة بالفضة، وهما متماثلان، فجعل العلة في الجواز تماثل الدرهمين، فيؤخذ من كلامه: أنه لو فقد التماثل لم يجز.

1 نقود أيضا.

ص: 149

وقال أيضا: إذا باع دراهم خالصة بمغشوشة، فإن كانت فضة الدرهم الخالص تزيد على فضة المغشوش زيادة يسيرة، بقدر النحاس الذي في الآخر، جاز ذلك في أحد قولي العلماء، فدل كلامه: أن المسألة ذات قولين، الجواز وعدمه، واقتصاره على حكاية القول بالجواز، دليل على أنه يقول به بشرطه المذكور، وهو: أن فضة الدرهم الخالص، تزيد على فضة المغشوش زيادة يسيرة، بقدر النحاس الذي في الآخر، وهذا مختلف بين الريال والجدد، هذا مع اختياره رحمه الله في مسائل مد عجوة: أنه إذا كان المفرد أكثر من الذي معه غيره كمدي بر بمد ودرهم، أو كان مع كل واحد منهما من غير جنسه، كمد ودرهم، بمد ودرهم، وكلامه المتقدم: يدل على أن الدراهم المغشوشة بالفضة المتفاوتة، ليست كهذه المسألة التي اختار جوازها ويستدل لعدم الجواز، بعموم قوله صلى الله عليه وسلم " الفضة بالفضة مثلا بمثل " 1 هذا ما ظهر لي، والله أعلم، والذي يظهر لي، أن صرف الريال بالجدد، يتمشى على مذهب الحنفية، الذين يعتبرون النقود المغشوشة بالغالب، إن كان غالبها فضة فهي فضة، وإن كان غالبها نحاسا فهي نحاس.

وأجاب الشيخ: عبد الله العنقري: الذي عنده لآخر ربابي، فدفع إليه ذهبا أو عرضا، أو طعاما أو غير ذلك، من غير الفضة، فهذا لا بأس به بشرط القبض في مجلس العقد.

1 الترمذي: البيوع (1240) ، وأحمد (5/319) .

ص: 150

سئل الشيخ: عبد الله بن الشيخ محمد: هل تتعين الدراهم والدنانير بالتعيين أم لا؟ وما فائدة الخلاف؟

فأجاب: هذه المسألة فيها روايتان عن أحمد، والمذهب أنها تتعين، وأما فائدة الخلاف، فذكروا له فوائد كثيرة: منها أنه لا يجوز إبدالها إذا عينت، وإن خرجت مغصوبة بطل العقد، ويحكم بملكها للمشتري بمجرد التعيين فيملك التصرف فيها، وإن تلفت فمن ضمانه، وإن وجدت معيبة من غير جنسها بطل العقد، إلى غير ذلك من الفوائد، كما نبه على ذلك في الإنصاف وغيره.

وسئل: إذا دفع رجل إلى آخر دراهم صرفا، أو ثمن مبيع ثم مضى بها الذي دفعت إليه، فلما أخذ مدة أتاه بدراهم قد ظهرت زيوفا، فأنكرها فمن القول قوله؟

فأجاب: القول قول الصارف، أو المشتري مع يمينه، فيحلف بالله: لقد أوفيتك الدراهم صحاحا ويبرأ.

ص: 151