المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

أم قول المالك؟ فالقول قول المالك على الراجح عند متأخري - الدرر السنية في الأجوبة النجدية - جـ ٦

[عبد الرحمن بن قاسم]

الفصل: أم قول المالك؟ فالقول قول المالك على الراجح عند متأخري

أم قول المالك؟ فالقول قول المالك على الراجح عند متأخري الحنابلة، وكذا الوكيل بجعل، والذي نفهم من كلامهم صوابه، ولا نعلم شيئا يرده من الكتاب والسنة، وذلك: أن الدليل دل على أن القول قول المنكِر بيمينه، والبينة على المدعي، كما في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" البينة على المدعي واليمين على من أنكر " وهذه قاعدة عظيمة، وكلمة جامعة من جوامع الكلم التي اختص بها نبينا صلى الله عليه وسلم ومعلوم: أن الوكيل والمضارب قد أقرا بوصول المال لهما، ثم ادعيا وصوله إلى صاحبه، فإن أقرا بالواصل فلا كلام، وإن أنكرا فالقول قوله بيمينه ; لأن الأصل عدم الوصول حتى تقوم البينة بذلك، والوكيل بجعل من هذا الباب.

ص: 296

‌باب الشركة

سئل الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد: عن رجلين اشتركا بأموالهما، من عقار وعروض وأثمان وغيرها، هل هذه شركة صحيحة، أو فاسدة؟

فأجاب: قال في الإنصاف: من شرط صحة الشركة أن يكون المالان معلومين، وإن اشتركا في مختلط بينهما شائع صح ; إن علما قدر ما لكل واحد منهما، ثم قال: ويشترط أن يعملا فيه أو أحدهما على الصحيح، لكن يشترط أن يكون له أكثر من ربح ماله، وهي شركة عنان على الصحيح من

ص: 296

المذهب. وقيل مضاربة ; فإن شرط له ربحا قدر ماله فهو إبضاع.

وأما الشركة في العقارونحوه، فلم أر في كلامهم تصريحا بجوازه، وقضية إطلاقهم الأموال، يقتضي جوازه في العروض والعقار، فإذا عرفا قدر ماليهما، واشتركا في العمل فيه، ثم فسخ أحدهما تقاسما الربح على قدر ماليتهما، ورجع العقار إلى مالكه الأول.

وأما المسألة التي أشكلت عليك، وهي: أن أهل بلدكم يجعلون للأجير الذي يسقي الزرع جزءا مشاعا، وأنك نهيتهم عن ذلك ; لأنك وقفت على كلام لبعض أهل العلم، في اشتراط معرفة الأجرة - وإن كانت مجهولة لم يصح- فاعلم أن الذي يظهر من كلام أهل العلم، أن مثل هذه المسألة لا بأس بها، ويكون ذلك من باب المشاركة، لا من باب الإجارة، كما إذا دفع أرضه لمن يزرعها بجزء مشاع من الزرع، أو نخله لمن يقوم عليه ويصلحه بجزء من ثمره، أو ثوبه إلى من يخيطه، أو غزلا إلى من ينسجه بجزء منه مشاع، فقد نصوا على أن مثل هذا جائز، وكذلك إذا دفع ثوبه إلى من يخيطه، أو غزلا إلى من ينسجه بجزء من ربحه، فإن هذا جائز.

قال في المغنى: وإن دفع ثوبه إلى خياط ليفصله قمصانا يبيعها له وله نصف ربحها بحق عمله جاز، نص عليه في رواية حرب، وإن دفع غزلا إلى رجل ينسجه ثوبا

ص: 297

بثلث ثمنه أو ربعه جاز، نص عليه، وهذه المسائل أبلغ في الجهالة والضرر من مسألتكم، فمسألتكم أولى بالجواز، والجهالة في مثل هذه المسائل مغتفرة، كما اغتفرت في المزارعة والمساقاة، التي ثبتت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بجوازها، وهي في الحقيقة أجرة للأرض، والله أعلم.

سئل الشيخ: علي بن حسين بن الشيخ: عن أخوين اقتسما ما ورثاه نصفين من نخل وأرض، ودراهم ودواب وغيرها، ثم اشتركا في ذلك مشاعا بينهما، وقاما على النخل بالسقي والعمل، فأثمر الكبير ونما الصغير، وركزا وأخذا على ذلك سنين طويلة، ثم اختلفا هذه السنة في شركة العقار، وأقرا بالشركة فيما سواه؟

فأجاب: الكلام على هذه المسألة ينبني على أصلين ; إما أن يقال: إنهما اشتركا بعد القسمة الأولى في النخل، والأرض تبعا لسائر المال، من الدواب والدراهم وعروض التجارة، فيطلق عليهما الاشتراك بعد الافتراق في جميع المال، وإن كانا قد أشهدا في ابتداء الشركة، أن العقار على القسمة الأولى، فشاهد الحال الواقع منهما، بتصرف كل واحد منهما في مال الآخر، بالغرس والقلع والسقي وبناء الجدار والبئر والدار، يدل على أنهما اشتركا في العقار تبعا لغيره.

وأما ما أشكل عليك أنهما لم يشهدا على الاشتراك في العقار، فشاهد الحال أعدل البينات وأبينها، ومعلوم بالضرورة

ص: 298

أنها لا تطيب نفس أحد من أهل هذا الزمان، أن يفعل ذلك في ملك غيره مجانا، والبينة ما بين الحق، ويدل على ذلك أن من تدبر أصول الشريعة، وجدها موافقة لذلك، فمن ذلك: أن الشارع صلى الله عليه وسلم جعل البينة في اللقطة أن يصف مدعيها عفاصها ووكائها فتدفع إليه إذا وافق الوصف، ومن ذلك الحكم بالاستفاضة في كثير من القضايا، ومن ذلك الحكم باللوث الظاهر في الدماء، وغير هذا كثير لمن تدبره، وقد ذكر ابن القيم رحمه الله من هذا كثيرا في الطرق الحكمية.

وأما قولك: هل يكون هذا في حكم الهبة المقبوضة؟ كما يدل عليه قرائن الحال، فهذا بعيد لا سيما لمن عرف حال الشخص وشريكه، وشح كل واحد منهما بماله عن الآخر، فيبعد أن يظن فيه أنه عمل هذا العمل الكثير بالنفقة الكثيرة إلى المدة الطويلة، وأنه قصد بذلك الهبة، هذا لا يقع من أجود الناس فضلا عن مثل أهل هذه القضية، فلا يكاد يتطرق إلى ظن أن مثله يجود بمثل هذا، ويدل عليه تغير حاله، ومظنة افتتانه لما قيل له ذلك. الأصل الثاني: إن قيل بعدم الاشتراك في العقار، فيقال كل واحد مساقا ومساق لصاحبه، فتعطى هذه الشركة حكم المساقاة، وحكم المناصبة والمغارسة ; لأن هذه الشركة أقرب شيء لشركة المفاوضة، وقد ذكر الفقهاء ذلك في موضعه، وشاهد الحال يدل على الاشتراك في الجميع بالفعل، وإن لم يوجد بالقول ; لأن الشركة كالبيع والإجارة، تنعقد بكل ما عده

ص: 299

الناس شركة، من قول أو فعل من متعاقب ومتراخ.

قال صاحب الإقناع: إذا كان الغراس من العامل، فصاحب الأرض بالخيار بين قلعه ويضمن نقصه، وبين تركه في أرضه ويدفع إليه صاحب الأرض قيمته، كالمشتري إذا غرس في الأرض، ثم أخذها الشفيع، وإن اختار العامل قلعه فله ذلك، سواء بذل له القيمة أو لا، وإن اتفقا على إبقائه ودفع أجرة الأرض جاز، وقيل يصح كون الغراس من مساق ومناصب ; قلت: هو الصحيح وعليه العمل، انتهى كلامه ;

ولو تتبعنا ما يدل على صحة هذه الشركة، وعدم إبطالها، لوجدنا ما يدل على ذلك كثيرا، والذي أحب لك: أن مثل هذه المسألة إذا كان فيها إشكال، تجتهد فيها بالصلح، عن الخطر في القدوم على الفتيا في أمر ليس بصريح لك، فهو أسلم.

سئل الشيخ: حسن بن حسين بن الشيخ محمد رحمهم الله: إذا اشتركا في جمع زرعيهما، يداسان معا، ويكون نصفين، ولأحدهما زيادة دراهم؟

فأجاب: شرط زيادة الدراهم يبطل الشركة، والله أعلم.

سئل الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين: عن حكم ما يغرس أو ينبت من النخل ونحوه على ماء الشريك في المشاع، إذا أراد الشركاء القسمة؟

ص: 300

فأجاب: أما ما غرسه الشريك في الأرض المشاع بغير إذن شريكه، فقد صرح الأصحاب بأن حكمه حكم غرس الغاصب، ونص على ذلك الإمام أحمد، فإنه سئل عمن غرس نخلا في أرض بينه وبين قوم مشاعا، قال إن كان بغير إذنهم قلع نخله; قال في الإنصاف: قلت وهذا مما لا يشك فيه; قالوا: وكذلك لو غرس نوى فصار شجرا، فحكمه حكم الغرس لا كالزرع، على الصحيح من المذهب.

وأما قول الشيخ رحمه الله: من زرع بلا إذن شريكه، والعادة بأن من زرع فيها له نصيب معلوم، ولربها نصيب، قسم ما زرعه في نصيب شريكه كذلك، فالظاهر أن هذا في الزرع خاصة دون الغرس، ولجريان العادة بذلك.

وأما إذا نبت في الأرض المشاعة شجر بغير فعل صاحب الماء، وإنما نبت على مائه بغير فعل منه، فلم أر في كتب الأصحاب ذكرا لهذه المسألة بعينها، ورأيت جوابا للشيخ عبد الله بن محمد بن ذهلان النجدي، في هذه المسألة ما نصه: اعلم أن الغرس النابت في الأرض المؤجرة أو الموقوفة، لم نظفر فيه بنص، وتعبنا من زمن، وجاءنا فيه جواب للبلباني أظنه غير محرر.

وأرسلنا من زمن طويل للشيخ عبد الرحمن بن عبد الله الشافعي، المفتي بالأحساء، فيمن استأجر أرضا مدة طويلة، فنبت فيها غراس، الظاهر سقوطه في مدة الإجارة، ونما بعمل مستأجر، ما حكمه؟

ص: 301

فأجاب: إذا استأجر شخص أرضا مدة طويلة، ووقع منه نوى في الأرض المذكورة، ولم يعرض عنه، كان النابت ملكا للمستأجر، إن تحقق أن النوى ملكه، وإن لم يتحق أنه ملكه، أو أعرض عنه، وهو ممن يصح إعراضه، فهو ملك لصاحب الأرض، وإن نما بعمل مستأجر، هذا جوابه; ومن جواب محمد بن عثمان الشافعي: الودي النابت في الأرض، لمالكها لا للمستأجر، وإن حصل نموه بفعل المستأجر من سقيه وتعاهده، انتهى.

وقال في الشرح: وإن رهن أرضا فنبت فيها شجر فهو رهن، لأنه من نماء الأرض، سواء نبت بفعل الراهن أو بغيره، وكذا قال في المغني وغيره، فتعليلهم أن النابت من نماء الأرض ربما يلحظ منه شيء، والله أعلم. 1

سئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب: هل يصح قسم الدين في الذمم؟

فأجاب: يصح قسم الدين في الذمم.

وأجاب ابنه الشيخ عبد الله: وأما قسمة الدين في الذمم، فالمسألة فيها روايتان: الأولى المنع، والثانية الجواز، وقال الشيخ بالجواز.

وسئل إذا أشركه أحدهما، فقال بعضهم له ثلث حصتهما، وقال بعضهم له ثلث حصته، فليس له إلا ثلث حصته، وليس على الشريك الثاني تبع.

1 ويأتي أيضا: هذا الجواب وغيره في المساقاة.

ص: 302