المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل (المضاربة بالعروض والمغشوش) - الدرر السنية في الأجوبة النجدية - جـ ٦

[عبد الرحمن بن قاسم]

الفصل: ‌فصل (المضاربة بالعروض والمغشوش)

‌فصل (المضاربة بالعروض والمغشوش)

سئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب: عن المضاربة بالعروض، والمغشوش هل تصح؟

فأجاب: روي عن أحمد أن المضاربة لا تصح بالعروض، اختاره جماعة، ولم يذكروا على ذلك حجة شرعية نعلمها; وعن أحمد: أنه يجوز، وتجعل قيمة العروض وقت العقد رأس المال، قال الأثرم: سمعت أبا عبد الله يُسئل عن المضاربة بالمتاع، فقال جائز، واختاره جماعة، وهو الصحيح، لأن القاعدة في المعاملات: أن لا يحرم منها إلا ما حرمه الله ورسوله، لقوله "وسكت عن أشياء رحمة لكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها"

وأما المغشوش: فقد تقدم أن الصحيح جوازه بالعروض، وهي أبلغ من المغشوش، وقد أطلق الموفق في المقنع الوجهين، ولم يرجح واحدا منهما، ولكن الصحيح جواز ذلك لما تقدم، وما ذكر في السؤال من غش ذهب المعدن، فهذا غش لا قيمة له، فأين هذا من غش قيمته: أبلغ من قيمة الفضة الخالصة أو مثلها؟

وسئل: هل تصح المضاربة بالدين؟

فأجاب: وأما جعل الدين مضاربة، فبعض العلماء يجوزه، والاحتياط أنه لا يضارب إلا بشيء حاضر.

ص: 303

وسئل الشيخ عبد الرحمن بن حسن رحمهما الله: إذا جعل قيمة العروض رأس مال المضاربة؟

فأجاب: يشترط في المضاربة، وشركة العنان: أن يكون رأس المال دراهم أو دنانير، وهو المذهب، وعن الإمام أحمد رحمه الله رواية أخرى، أنها تصح بالعروض; واختارها أبو بكر وأبو الخطاب، وصاحب الفائق وغيرهم،

قال في الإنصاف: قلت وهو الصواب، وعلى هذه الرواية يرجع عند المفارقة بقيمة العروض عند العقد، كما جعلنا نصابها قيمتها، وسواء كانت مثلية أو غير مثلية.

سئل الشيخ: عبد الله أبا بطين: عما يفعله بعض الناس يدفع إلى آخر سلعة، يقول قيمتها كذا وكذا، وهي مضاربة؟

فأجاب: هذا لا يسمى بيعا، وإنما هو مضاربة بمسمى العروض، وذلك لا يجوز عند أكثر العلماء،

وجوزه طائفة منهم، لكن بشرط أن يجعل رأس المال قيمة العروض وقت العقد; وبعض من يفعل ذلك يجعل رأس المال أكثر من قيمتها، وذلك لا يجوز.

وسئل: إذا أخذ رجل من آخر مجيديات فضة مضاربة، واشترى بها عروضا، وظهر ربح هل يدفع ريالات؟

فأجاب: وأما مسألة المضاربة فإن طلب المالك من

ص: 304

العامل أن يرد رأس ماله، كما أخذه لزمه ذلك بطريق مباح; وأما إذا رضي رب المال بقبض الريالات الرائجة، فالذي أرى أن هذا جائز لا محذور فيه، لأنه عين ماله انقلب بالتجارة فيه من نوع إلى نوع آخر، لم يكن في ذمة العامل، بل رأس المال والمنضوض 1 ملك لرب المال، فإن كان قد ظهر ربح قوم، وأعطى العامل حصته من الربح من الناض، لا من رأس المال.

سئل الشيخ: عبد الله بن الشيخ محمد، عن الدراهم التي يباع فيها بنصف الربح إذا تلفت بموت المواشي أو ضياع؟

فأجاب: إذا كان الذي يبيع فيها ويشتري، يجتهد فيها مثل ما يجتهد لنفسه ولم يفرط، فليس عليه غرامة ولو تلفت.

وأجاب أيضا: وإذا أخذ من رجل بضاعة على أنه يسافر بها ثم بعد ذلك سافر بها وأخذت أو ضاعت بلا تفريط، فليس عليه غرامتها.

وسئل: عن رجل أعطى آخر خمسين زرا وضاربه والزر إذ ذاك بثمان، ونزل السعر، هل يرجعان إلى القيمة ذلك الوقت؟

1 المنضوض: المصفى، وتنضيضه تصفيته من العروض، بجعله نقدا، والناض: الحاصل، يقال: ما نض بيده شيء، أي: ما حصل.

ص: 305

فأجاب: الذي رأيناه مذكورا في كتب الفقه، أنهما لا يرجعان إلى القيمة، وليس له إلا دراهمه التي دفعها إليه، وتغير السعر بالغلاء والرخص، يكون من الربح الذي يقتسمانه بينهما، لأن صاحب خمسين الحمر مثلا، إذا نقصت قيمتها عن يوم الدفع، يطالبه بالنقص ليجبره من الربح، فكذلك إذا زادت القيمة، طالبه المضارب بأن له بعض الزائد، كما لو دفع له عروضا بسعر يومها، ثم زادت أو نقصت، فمعلوم أن النقص يؤخذ من الربح، والنقص يكون بينهما.

وهذا: لا يشبه ما اختاره الشيخ تقي الدين، في مسألة الديون والمغصوب والصلح، وعوض الخلع، وما أشبه ذلك، يكون بقيمته يوم العقد، مع أن أكثر العلماء لا يوافقه في ذلك، لكن كلامه له وجه واضح; والحنابلة لم يذكروا الرجوع إلى القيمة في هذه المسائل، إلا إذا حرمها السلطان بالكلية، وأما إذا نقصت القيمة، كدانق يساوي عشرين زرا يوم العقد نقص النصف، وصار لا يساوي إلا عشرة، فليس له إلا الدراهم المعقود عليها، كما ذكر ذلك صاحب الإنصاف وغيره.

سئل الشيخ عبد الرحمن بن حسن: إذا أخذ من رأس المال شيء أو خسر، ففسخ العامل، هل عليه أن يعمل فيه حتى يكمل رأس المال؟

فأجاب: ليس عليه أن يعمل فيه بعد فسخ المضاربة،

ص: 306

لكن نقل في القواعد الفقهية، عن ابن عقيل ما حاصله: أنه لا يجوز للمضارب الفسخ، حتى ينض رأس المال ويعلم به ربه، لئلا يتضرر بتعطل ماله عن الربح، وأن المالك لا يملك الفسخ إذا توجه المال إلى الربح، ولا يسقط به حق العامل، قال: وهو حسن جار على قواعد المذهب، في اعتبار المقاصد وسد الذرائع، ولهذا قلنا: إن المضارب إذا ضارب لآخر من غير علم الأول، وكان عليه في ذلك ضرر، ردّ حقه من الربح في شركة الأول، انتهى.

أقول مراده بقوله: حتى ينض رأس المال، يعني أنه إذا لم ينقص، أما إذا نقص فليس على المضارب إلا تنضيض ما بقي في يده من رأس المال، لأن المضاربة عقد جائز، ولا ضمان على المضارب فيما تلف من غير تعد المضارب ولا تفريطه، فلا يضمنه.

وأجاب بعضهم: وأما قسمة العامل الذي يبيع في رأس المال من الربح، فلا أرى إلزامه إلا برضاه.

اختلاف المضارب ورب المال

سئل بعضهم: إذا دفع إنسان مالا مضاربة، فاشترطا لأحدهما ثلث الربح، وللآخر الثلثين، ثم اختلف العامل ورب المال فيمن له الثلث، ولا بينة لهما؟

فأجاب: قال في الشرح، إذا اختلفا فيما شرطا للعامل، ففيه روايتان، إحداهما: القول قول رب المال، نص عليه أحمد في رواية منصور، وسندي، وبه قال الثوري

ص: 307

وإسحاق وأبو ثور، وأصحاب الرأي وابن المنذر، لأن رب المال منكر للزيادة التي ادعاها العامل، والقول قول المنكر; والراوية الثانية: أن العامل إن ادعى أجرة المثل، وما يتعامل الناس به، فالقول قوله، لأن الظاهر صدقه، إن ادعى أكثر فالقول قول رب المال، فيما زاد على أجرة المثل، كالزوجين إذا اختلفا في الصداق.

وقال الشافعي: يتحالفان لأنهما اختلفا في عوض عقد، فيتحالفان كالمتبايعين، ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " ولكن اليمين على المدعى عليه " 1 ولأنه اختلاف في المضاربة، فلم يتحالفا كسائر اختلافهما، والمتبايعان يرجعان إلى رءوس أموالهما، بخلاف ما نحن فيه.

باب المساقاة

سئل الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد رحمه الله: إذا دفع إنسان إلى آخر أرضه يغرسها، وشرطا بينهما مدة سنين

إلخ؟

فأجاب: الذي عليه كثير من العلماء، أن مثل هذا لا يصح، سواء سمي مساقاة، أو مزارعة، أم لا؟ والذي اختاره الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمه الله: جواز ذلك، وهو الذي تقتضيه الأصول والقواعد في المساقاة والمزارعة، على النصف أو الثلث أو الربع، كما ثبتت السنة بذلك قي قصة خيبر.

وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن رحمه الله: وذكرت

1 البخاري: تفسير القرآن (4552)، ومسلم: الأقضية (1711)، والنسائي: آداب القضاة (5425)، وابن ماجه: الأحكام (2321) ، وأحمد (1/363) .

ص: 308

لك أن الأصل في العقود الصحة، ووجد مع الأصل ظاهر، وهو الكتب على العقد، فلا يسعنا نقول في الصحيح أنه فاسد، بل يتعين أن نذكر لك ما يظهر لنا; وأما ما ذكرت أن مستندك في القول بفسادها: أنهم جعلوا للعامل بعض الأرض، وهذا تفسد به المغارسة; فاعلم يا أخي: أنه ليس في الأصل الذي بين أيديهم ما يقتضي ذلك، ولو قدر أن الخصم ادعاه وثبتت به دعواه، فالمعتمد الذي عليه شيوخنا، القول بجوازه; وما علمت أن أحدا منهم قال بفساده، لا ابتداء ولا دواما، ودليلهم في ذلك: أن هذا عقد من العقود، وقد أمر الله سبحانه بالوفاء بالعقود، والأصل في المعاملات الإباحة، ولنا في ذلك القول سلف من الأئمة.

قال في الاختيارات: ولو دفع أرضه إلى آخر يغرسها بجزء من الغراس صح كالمزارعة، واختاره أبو حفص العكبري، والقاضي في تعليقه، وهو ظاهر مذهب أحمد، ثم قال: ومقتضى قول أبي حفص: أنه يجوز أن يغارسه بجزء من الأرض، كما جاز النسج بجزء من الغزل نفسه; وقال في الفروع: وظاهر نص الإمام أحمد جواز المساقاة على شجر يغرسه، ويعمل عليه بجزء معلوم من الشجر والثمر كالمزارعة، واختاره أبو حفص، وصححه القاضي في التعليق، واختاره في الفائق، والشيخ تقي الدين رحمه الله.

قال في الإنصاف: لو كان الاشتراك في الغراس والأرض فسد وجها واحدا، قاله المصنف رحمه الله تعالى والشارح

ص: 309

والناظم وغيرهم، وقال الشيخ تقي الدين: قياس المذهب صحته; قال في الفائق، قلت: وصحح المالكيون المغارسة في الأرض الملك لا الوقف، بشرط استحقاق العامل جزءا من الأرض، مع القسط من الشجر، انتهى، فإذا عرفت أن القول بصحة المغارسة أقوى، وأن عليه جمعا من المحققين وعليه الفتوى، وهذا على تقدير ثبوت هذه الدعوى، مع وجود شهود أصل العقد بخطهم وقت المعاملة والمعاقدة، وسلامة العقد ظاهرة، فكيف لا نقول بصحته، وهذا هو الذي أوجب المراجعة، وبالله التوفيق.

سئل الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد: إذا كان عند رجل أرض بيضاء، وأراد آخر أن يغرسها بشجر من عنده هل يجوز؟

فأجاب: ذلك جائز، وأكثر العلماء لا يجيز ذلك، ولا يظهر لنا وجه المنع.

وسئل بعضهم: إذا غارس رجل رجلا في أرض، على أن يغرس فيها قدرا معلوما من النخل والنخل من العامل، وينفق عليه العامل حتى يثمر، ثم يقتسمان النخل والأرض، هل يصح ذلك؟ أم لا يصح إلا على أن الأرض له بها والنخل بينهما؟ أو تصح في الصورتين، كما أفتى به أبو العباس رحمه الله تعالى؟

فأجاب: قال في الشرح: لو دفع أرضه إلى رجل

ص: 310

يغرسها، على أن الشجر بينهما لم يجز، ويحتمل الجواز بناء على المزارعة، فإن الزارع يبذر في الأرض، فيكون بينه وبين صاحب الأرض، وهذا نظيره، فأما إن دفعها على أن الأرض والشجر بينهما، فذلك فاسد وجها واحدا; وقال الشيخ قدس الله روحه: قياس المذهب صحته; وبه قال مالك والشافعي، وأبو يوسف ومحمد، ولا نعلم فيه مخالفا، انتهى; وكذا قال أبو محمد في المغني، وعلل بأنه شرط اشتراكهما في الأصل، ففسد كما لو دفع إليه الشجر والنخل، ليكون الأصل والثمر بينهما، أو شرط في المزارعة كون الأرض والزرع بينهما، انتهى.

وقال في الإنصاف: واختار الشيخ جواز المساقاة على شجر يغرسه ويعمل عليه، بجزء معلوم من الشجر والثمر، كالمزارعة، وذكر أنه هو المذهب، قال: ولو كان مغروسا، ولو كان ناظر وقف، وأنه لا يجوز لناظر بعده بيع نصيب الوقف بلا حاجة، وأن للحاكم الحكم بلزومها، ومحل النّزاع فقط والحكم به من جهة عوض المثل، ولو لم يقم به بينة، لأنه الأصل، ويتوجه اعتبار بينة،

وقال في التوضيح: وإن ساقاه على شجر يغرسه، ويعمل عليه حتى يثمر، بجزء معلوم من الثمر أو من الشجر أو منهما، وهي المغارسة والمناصبة صح، إن كان الغرس من رب الأرض، وقيل يصح كونه من مساق أو مناصب، وعليه العمل، انتهى.

وقال في الروض المربع: ولا يشترط في المزارعة

ص: 311

والمغارسة كون البذر والغراس من رب الأرض، فيجوز أن يخرج العامل في قول عمر، وابن مسعود وغيرهما; ونص عليه في رواية مهنا، وصححه في المغني والشرح، واختاره أبو محمد الجوزي، والشيخ تقي الدين، وعليه عمل الناس; لأن الأصل المعمول عليه في المزارعة، قصة خيبر، ولم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن البذر على المسلمين، وظاهر المذهب اشتراطه، نص عليه في رواية الجماعة، واختاره عامة الأصحاب، وقدمه في التنقيح وتبعه المصنف في الإقناع وقطع به في المنتهى، انتهى; فقد علمت: أنه فاسد في الثانية بلا خلاف، وإنما الخلاف في الأولى، وأن العمل على جوازه.

سئل الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف، والشيخ عبد الله بن عبد العزيز العنقري: عن تصبير الأرض التي غورس عليها قبل أن يغل الغرس ولو لم يذكرا مدة الصبرة؟

فأجاب: نعم يجوز ذلك وعليه الفتوى عند أهل نجد، وذكرا أن عمل الشيخ عبد الرحمن بن حسن على ذلك، والجهالة تغتفر في مثل ذلك للحاجة، ويؤيده: ما اختاره الشيخ تقي الدين، من جواز إجارة الأرض، والمغارسة على الشجر.

سئل الشيخ عبد الله أبا بطين: إذا دفع أرضه لإنسان يغرسها، هل يجوز لصاحب الأرض بيع نصيبه من الغرس؟ ولو لم تتم المدة؟

ص: 312

فأجاب: يجوز لصاحب الأرض بيع نصيبه من الغرس، ولو لم تتم المدة، لأن بيع المشاع صحيح، والمشتري يقوم مقام العامل، بإتمام العمل الذي شرط عليه في العقد، وإذا تلف نصيب الغارس من النخل رفع يده عن الأرض، ليس له فيها حق، بل لو شرط في ابتداء العقد أن له شيئا من الأرض فسد العقد، بلا خلاف بين العلماء، والمشتري من مالك الأرض، إن كان إنما اشترى نصيبه من الغرس فهو صحيح، كما ذكرناه، وإن كان اشترى نصيبه من الغرس وجميع الأرض، فالذي أرى أنه لا يصح، لأنه لا يمكنه تسليم الأرض والحالة هذه.

وسئل: إذا قطع الغراس هل ترجع الأرض لأهلها؟ أو تكون في يد المغارس، وهل الحكم واحد إذا بقي فيها شيء، أو لم يبقَ فيها شيء من الغرس الأول؟ إذا كان فيه خيار وفسخ المشتري لما حدث قطع في النخل؟

فأجاب: إذا قطع الغراس، فالذي أرى أن الأرض ترجع إلى صاحبها، وليس للعامل إحداث غرس، إلا بعقد جديد بتراضيهما، وأما إذا بقي شيء من الغرس قليل أو كثير، ففيه إشكال، والذي أرى: أنه يشبه مسألة من اشترى أرضا، وغرس فيها، ثم أخذت بالشفعة، أن الشفيع يدفع قيمة الغراس، إن لم يختر صاحبه قلعه; وكذا إذا انقضت مدة الإجارة وغرسه باق، مع أن التالف في هذه الحادثة يقل ويكثر،

فيحتاج أن ينظر فيما لا ضرر فيه على صاحب الأرض

ص: 313

والغارس، والصلح جائز بين المسلمين، وأما إذا فسخ المشتري قبل قطع النخل صح الفسخ، فإن ثبت قطع شيء منه قبل الفسخ فعلى المشتري، لأن الملك للمشتري فضمانه عليه.

سؤال: ما الحكم فيما ينبت على ماء المساقي، أو المستأجر من الشجر؟ هل يكون لمالك الأرض؟ أو مالك المنفعة، أو يشتركان فيه؟ أفيدونا؟

أجاب الشيخ عبد الرحمن: ما نبت بغير فعل لا تعدي فيه، فلصاحب الأرض تملكه من صاحبه بقيمته، أو يقلعه ويضمن صاحب الأرض نقصه.

وأجاب الشيخ عبد الله أبا بطين: لم أر في كتب الأصحاب ذكرا لهذه المسألة بعينها، ورأيت جوابا للشيخ عبد الله بن ذهلان النجدي، في هذه المسألة: اعلم أن الغرس النابت في الأرض المؤجرة أو الموقوفة، لم نظفر فيه بنص، وتعبنا من زمن، وجاءنا فيه جواب للبلباني، أظنه غير محرر.

وأرسلنا من زمن طويل للشيخ عبد الرحمن بن عبد الله الشافعي، المفتي بالأحساء، فيمن استأجر أرضا مدة طويلة، فنبت فيها غراسٌ الظاهر سقوطه في مدة الإجارة، ونما بعمل مستأجر، ما حكمه؟

فأجاب: إذا استأجر شخص أرضا مدة طويلة، ووقع منه

ص: 314

نوى في الأرض المذكورة، ولم يعرض عنه، كان النابت ملكا للمستأجر، إن تحقق أن النوى ملكه; وإن لم يتحق أنه ملكه، أو أعرض عنه وهو ممن يصح إعراضه، فهو ملك لصاحب الأرض، وإنما نما بعمل المستأجر، هذا جوابه.

ومن جواب لمحمد بن عثمان الشافعي: الودي النابت في الأرض لمالكها، لا للمستأجر، وإن حصل نموه بفعل المستأجر من سقيه ومعاهدته، انتهى; وقال في الشرح: وإن رهن أرضا فنبت فيها شجر فهو رهن، لأنه من نماء الرهن، سواء نبت بفعل الراهن أو غيره، فتعليلهم أن النابت من نماء الأرض، ربما يلحظ منه شيء صورة ما ظهر للفقير حسن، عن جواب هذا السؤال الذي تفيده قواعد المذهب، وتفهمه عبائر الأصحاب: أن هذا النابت ملك للمنمي له بعمله، كما لمحه الشيخ عبد الرحمن;

وقال في المستوعب: لو أعاره أرضا بيضاء، ليجعل فيها شوكا للدواب، فتناثر فيها حب أو نوى، فهو للمستعير، وللمعير إجباره على قلعه بدفع القيمة، لنص أحمد على ذلك في الغاصب، انتهى.

وأخبرني الثقة: أن العم الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد، كان يفتي أن ما ظهر على ماء الشريك المساقي يكون له، دون شريكه الذي لا ماء له.

ثم رأيت في فتاوى ابن زياد، ما صورته: مسألة عن

ص: 315

رجل شرك من آخر أرضا، وبذرها بدخن وعطب مشترك بينهما وبعد أن حصل زرع الدخن، سقيت الأرض ونبت فيها زرع كثير، من الحب المتناثر من الدخن المشترك، بين صاحب الأرض والشريك، والحال أن الأرض تحت يديهما معا، فهل يشتركان في الزرع المذكور والحال ما ذكر؟ مع بقاء يد الشريك، وعدم إعراضه، أم لا؟

الجواب: نعم; يكون الزرع النابت من الحب المذكور، مشتركا بين الشريك، وبين صاحب الأرض، والحال أن يد الشريك باقية على الأرض، بتجديد العمل فيها، وحيث لم يجدد العمل، فالزرع النابت لمالك الأرض، ولا تحقق يد الشريك إلا بتجديد العمل، ذكر ذلك السيد العلامة بدر الدين حسين الأهدل، انتهى; والله أعلم.

وسئل الشيخ عبد الرحمن بن حسن، رحمهما الله: عن رجل غرس أرضا وقفا، وادعى تملكها، وأخذ مدة يستغلها، ثم بعد ذلك ثبتت وقفيتها، وطالبه أرباب الوقف، واستحقوها عليه، فما حكم المغارسة والحالة هذه؟ وهل يجبر على قسمتها وإفراز نصيب الوقف إذا كان ممتنعا؟ وما حكم الغلة مدة مقامها في يده؟

فأجاب: غرس الوقف لا يصح إلا إذا كان بإذن الناظر، وبغير إذن الناظر الخاص أو العام، يفسد، ويكون حكم هذا الغرس حكم الغصب، فيفعل فيه ما يفعل في غراس الغاصب، بقلع

ص: 316

الشجر وتسوية الحفر على الغارس، أو يأخذه الناظر بقيمته، وعليه أجرة الأرض مدة وضع يده عليها، واختار شيخ الإسلام في مثل هذه الصورة، أن تكون مثل المغارسة الصحيحة، على ما هو المعتاد في محله; وعلى هذا تكون الثمرة كلها للوقف الماضي منها والمستقبل، حتى يتم الغراس وتصح المقاسمة بتمام العمل.

وقال الشيخ حمد بن عتيق: أرض وقف باعها أولاد أولاد الموقف فغرس المشتري وبنى وأنفق، مع علمه بأن الأرض وقف، فلما كبر النخل وأثمر، نازع البائع واعتذر عن البيع بأعذار فاسدة، واعتذر المشتري بمثلها، والوقف مشتهر عند أهل البلد، والبائع والمشتري يعلمان ذلك، واجتهدت في البحث وشاورت من حولي من الإخوان، وكاتبت أهل المعرفة والدين، واتفق الرأي على الإصلاح بما هو أقرب إلى مقصود الواقف ومصلحة الأرض، وأقل ضررا على المشتري، والنخل مائة وخمسون، أصلحنا بنصفها للوقف، والثمن الذي أخذ البائع يسقط عن المشتري، إعانة له على سقي النخل، ورضيا، وذلك بحضور جماعة من المسلمين.

وقال الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف: قال في المغني والشرح: وإذا زارع رجلا، أو آجره أرضه فزرعها وسقط من الحب شيء وقت الحصاد، نبت في تلك الأرض عاما آخر، فهو لصاحب الأرض، نص عليه أحمد في رواية أبي داود، ومحمد بن الحارث، وقال الشافعي: هو لصاحب الحب

ص: 317

فهو كما لو بذره قصدا.

ولنا أن صاحب الحب أسقط حقه منه بحكم العرف، وزال ملكه عنه، لأن العادة ترك ذلك لمن يأخذه، ولهذا أبيح التقاطه، ولا نعلم خلافا في إباحة ما خلفه الحصادون، من سنبل وحب وغيرهما، فجرى ذلك مجرى نبذه على سبيل الترك له، وصار كالشيء التافه كالتمرة واللقمة ونحوهما.

قلت: لمن سلم من التعصب والهوى، وطلب الحق والهدى، انظر كلام صاحب المغني، وابن أبي عمر في شرحيهما، وهما بعد زمن نجم الدين، ابن حمدان رحمه الله، صاحب الرعاية، ولم يذكرا إلا قول الشافعي، وبينا اختيارهما، ولم يلتفتا إلى تقييد ابن حمدان رحمه الله، ولا ذكره أحد عنه إلا المتأخرون، ولو كان هنا عناية بما استقر عليه الحال، في زمن الدعوة الإسلامية، وعلمائنا ومشايخنا رحمهم الله تعالى، لكان بهم قدوة، ولنا فيهم أسوة، خصوصا بعد ما فهموا من تقريرات شيخهم محمد رحمه الله، وقوله في رسائله: أكثر ما في الإقناع والمنتهى، مخالف لنص أحمد، فضلا عن نص رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرف ذلك من عرفه، رادّا بهذا الكلام رحمه الله، على مثل هذا البليد المعاند الطاعن بالهوى.

فدع عنك الكتابة لست منها

ولو سودت وجهك بالمداد

ونزيد ذلك إيضاحا وحجة، تفهم المقصود من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية، قال: وقد سئل عمن استأجر أرضا

ص: 318

مدة طويلة، ونبت فيها غراس، الظاهر سقوطه في مدة الإجارة، ونما بعمل المستأجر، ما حكمه؟

أجاب: بما صورته: إذا استأجر شخص أرضا مدة طويلة، ووقع منه نوى في الأرض المذكورة، ولم يعرض عنه، كان النابت ملكا للمستأجر، إن تحقق النوى ملكه، وإن لم يتحقق أنه ملكه، أو أعرض عنه وهو ممن يصح إعراضه عنه، فهو ملك لصاحب الأرض، كذا ذكره القاضي أبو يعلى، وابن عقيل إذا رهن أرضا ونبت فيها شجر، فهو رهن، لأنه من نمائها، سواء نبت بنفسه أو بفعل الراهن، انتهى كلامه رحمه الله وقدس روحه.

وقال ابن مفلح، في الفروع، في الدار المؤجرة والأرض: إذا وجد بها ركازا، أو لقطة، فهي لصاحب الأرض أو الدار، وقيل هي للمستأجر، والرواية الثانية: هي لمالك الدار أو الأرض، كالمعدن وغيره، وهو الصحيح من المذهب، انتهى، هذا الذي عليه اعتمادنا، وندين الله به، وفيه كفاية، والقصد في ذلك بيان الحق لملتمسه; وأما صاحب الهوى والمناقضات، فقد علم هذا وتحققه:

وقل للعيون الرمد للشمس أعين

سواك تراها في مغيب ومطلع

وسامح نفوسا أطفأ الله نورها

بأهوائها لا تستفيق ولا تعي

ونقول لمن وجد غير هذا، من كلام الله وكلام رسوله أو كلام الصحابة والتابعين، ومن بعدهم من أئمة الدين أرشدنا.

ص: 319

إليه وبينه، فإن الحق ضالة المؤمن، والمعصوم من عصمه الله، وقد قيل:

عليك في البحث أن تبدي غوامضه

وما عليك إذا لم تفهم البقر

سئل الشيخ: عبد الله بن الشيخ محمد رحمهما الله: إذا ساقاه على النخل بسهم معلوم، كالثلث أو الربع وشرط عليه زيادة وزان معلومة، أو دراهم معلومة، أو ساقاه على نخله بخمسمائة وزنة، أو أقل أو أكثر، أو جعل بدل التمر دراهم، وآجر النخل بدراهم معلومة؟

فأجاب: هذا النوع أجازه الشيخ تقي الدين، وهو المفتى به اليوم، والجمهور على المنع، ولا أعلم دليلا يدل على المنع من ذلك، بل ظاهر الحجة مع الشيخ، وليس هذا موضع ذكرها.

وأما الجمع بين السهم المشاع، كالنصف والثلث، وبين وزان معلومة زائدة على ذلك، أو دراهم معلومة زائدة على ذلك، فهذا لا يجيزه الشيخ، بل حكى في بعض أجوبته: أنه لا يجوز باتفاق أهل العلم.

وأجاب أيضا: وأما المساقاة فلا يجوز للمالك أن يشترط طليعة نخلة أو نخلتين، أو يشترط شيئا زيادة على السهم الذي له، فإن فعل ذلك فسدت المساقاة، وسواء في ذلك النخل والعنب والخوخ، فإذا فسدت فالحكم واضح في كلام العلماء.

ص: 320

وأما قولك: هل تفسد المساقاة أم يفسد الشرط وحده؟ فالعمل عندهم على أن ذلك يفسد العقد، ويستأنفون عقداً آخر.

وأجاب أيضا: إذا استثنى صاحب النخل ثمرة نخلة أو أكثر خالصة له دون العامل، فالعقد فاسد، لكن سوغ بعض متأخري فقهاء نجد، فيما إذا كانت نخلة وقفا على بركة، مثل أن يشترط للعامل جزءا يسيرا من ثمرتها، وكذا لو شرط الواقف بأن هذه النخلة على البركة، أو الساقي لا يزال عنها ذلك، فلا يزال.

سئل الشيخ: عبد اللطيف بن عبد الرحمن، هل تصح المساقاة من كل نخلة عذق؟ فأجاب: لا تصح المساقاة بعذق معين، أو ثمرة نخلة معينة، وأما بالسدس أو السبع أو أقل أو أكثر، من غير تعيين الشجر فيصح.

قال الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد لبعض معاصريه: إذا صار لرجل نخلة أو نخلتان في نخل، ولا هن سبيل، وقال: ما أوجرهن ولا أسقيهن،

وتذكر أنك سألت الشيخ عفا الله عنه، وقال: ما يجبر مالكهن على إجارتهن، ولا سقيهن، فهو على ما ذكر رحمه الله، إلا أن فعل مالكهن مضرة، كدخوله على أهل النخل، أو سقيهن وتردده لذلك، لأن هذا يعرف أن ذلك يضر بصاحب النخل الذي هو فلاحه.

ص: 321

سئل الشيخ: عبد الرحمن بن حسن:، عن قول صاحب الإنصاف، نقلا عن الفروع، في جواز إجارة الشجر مفردا، إلى آخره؟

فأجاب: وما ذكرت من عبارة الإنصاف، نقلا عن الفروع، فهذه المسألة خالف فيها شيخ الإسلام ابن تيمية أكثر العلماء، فجوز إجارة الشجر مفردا بآصع معلومة لمن يقوم عليها بالسقي، وتكون الثمرة له، أي: العامل، وليس لصاحب الشجر، إلا ما وقع عليه العقد من الأجرة، سواء كانت الأجرة من جنس ما يحمل به ذلك الشجر أو غيره، كما تجوز إجارة المزارع، بجامع أن كلا منهما، إنما قصد مغله، بخلاف بيع السنين، وهو: بيع ما أثمر هذا البستان من الثمر مثلا سنة، أو سنتين فأكثر من غير أن يقوم عليه، وإنما اشترى نماء سنين معدودة، فهذا لا يجوز بالإجماع، لأن الثمرة لا يجوز بيعها قبل بدو صلاحها، ولو كانت موجودة، فكيف إذا كانت معدومة؟ وهذا هو الذي دلت السنة على المنع منه.

واما إجارة الشجر لمن يعمل عليه لأجل الثمرة، فليس بيعا للثمرة قبل وجودها، وإنما وقع العقد على الشجر، كالأرض المستأجرة، لكن لما ورد على طريقة الشيخ، أن هذا الشجر قد لا يحمل، وقد تنقص ثمرته عن العادة، فيكون الضرر على المستأجر، أجاب عن ذلك: بأن الثمرة لو لم توجد أو وجدت ثم تلفت قبل أوان جذاذها، فلا أجرة، ويرجع بها على المؤجر إن كان قد قبضها منه، لعدم حصول

ص: 322

المقصود بعقد الإجارة، وإن نقصت ثمرة الشجر عن العادة انفسخ، ويرجع بالأجرة وقدر عمله أو أرش النقص، كما إذا كانت العادة أنها تثمر بألف مثلا، فلم يحصل منها هذا العام إلا نصفه مثلا، رجع بنصف الأجرة أو ثلاثة أرباعها، وكذلك الجائحة، أي: كما توضع الجوائح عن مستأجر الأرض، أو الحوانيت ونحوها، إذا أصاب الزرع جائحة من الآفات، فإنه يوضع من الأجرة عن المستأجر بقدر ما نقص المغل بالجائحة نصفا كان، أو أقل أو أكثر.

سئل الشيخ: عبد الله بن الشيخ محمد، عن قوله: وهل تصح على ثمرة موجودة؟

فأجاب: معناه ما يفعله الناس اليوم، إذا أبرت الثمرة وأراد ترك الفلاحة، ساقى على ثمرة نخله بالنصف أو الثلث، فيقوم الثاني مقام الأول في تصليح الثمرة وتنميتها، وهذه المسألة فيها خلاف، والمذهب عند المتأخرين جواز ذلك، إذا بقي من السقي والكلفة ما تنمو به الثمرة، وهو المفتى به اليوم.

وسئل: إذا فسدت لشرط

إلخ؟

فأجاب: أما إذا فسدت المساقاة أو المزارعة لشرط شرط، أوجب فسادها، ثم أسقط المشترط شرطه طلبا لصحة العقد، فإن العقد لا يعود صحيحا بعد فساده، وهذا ظاهر، وقد علل الفقهاء رحمهم الله تعالى بقاء عقود فاسدة على

ص: 323

فسادها، بأن العقد لا ينقلب صحيحا بعد فساده، والله أعلم.

وسئل: عن المساقاة والمزارعة، هل هي لازمة، أو جائزة؟

فأجاب: وأما المساقاة والمزارعة إذا شرط رب الأرض أن لا يخرج منها سنين معلومة، فالظاهر لزوم ذلك الشرط، كما في الحديث " المسلمون على شروطهم " 1 وكثير من العلماء يقول: إنها لازمة على المساقي والمزارع، وإن لم يشرط رب الأرض لزومه.

وسئل: هل حكم المزارعة والإجارة واحد؟

فأجاب: المذهب التفريق; فمن الأصحاب من قال: المساقاة عقد جائز ليس بلازم; ومنهم من قال: إنها لازمة صاحب العقار، لا في حق المساقي.

وأجاب الشيخ حمد بن ناصر بن معمر: وأما المساقاة: فأكثر العلماء على أنها عقد لازم، واختاره الشيخ تقي الدين; وعند شيخنا: أنها عقد لازم من جهة المالك، وعقد جائز من جهة العامل، واللازم هو الذي لا يتمكن أحد المتعاقدين من فسخه إلا برضا الآخر، والجائز هو الذي يفسخه بغير رضا صاحبه.

وأجاب الشيخ عبد الرحمن بن حسن: الصحيح اللزوم، وهو الذي عليه الفتوى من شيخنا شيخ الإسلام، ومن أخذ عنه

1 أبو داود: الأقضية (3594) .

ص: 324

لا يختلف فيه اثنان منهم، واستمر الأمر على ذلك إلى الآن، وهو الصواب، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، وقول بعض متقدمي الأصحاب، لأنه عقد معاوضة، فكان لازما كالإجارة، فيفتقر إلى ضرب مدة.

وأجاب الشيخ حسن بن حسين بن الشيخ: الجمهور على أنها عقد لازم، فتفتقر إلى ضرب مدة معلومة كالإجارة; والقول: بأنها عقد جائز من المفردات، واختار صاحب التبصرة قولا ثالثا، وهو: أنها لازمة من جهة المالك فقط، وقيد بعض المحققين القول بجواز عقدها بقيد حسن.

وأجاب الشيخ إبراهيم بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن: المغارسة عقد لازم، وذكرها في باب المساقاة، من أجل المشاركات اللازمة.

سئل الشيخ: عبد الله بن الشيخ محمد رحمهما الله: عن المزارعة بجزء من الثمرة، إذا قيل بأنها لازمة أو جائزة، فإذا زرعها العامل وشغل الأرض بزرعه، وفوت على صاحب الأرض أجرة أرضه، فهرب

إلخ؟

فأجاب: ظاهر كلامهم أنه يجب عليه قيمة مغل الأرض لصاحبها، على ما تشارطا عليه، فإذا كانت الأرض تغل بألف صاع مثلا، وزارعه عليها بثلثها، وشغل أرضه ثم هرب العامل، وجب عليه ثلث الألف، هذا على القول بأنها جائزة، وأما على القول بأنها لازمة، فإن الحاكم يستأجر من

ص: 325

ماله من يقوم على الزرع; وأما إذا خرج منها قبل العمل، وقيل إنها جائزة، فليس عليه شيء.

وأجاب أيضا: وإذا خرج العامل في المساقاة، وقد مضى بعض السنة، فإذا كان قبل ظهور الثمرة فلا شيء له، وإن كان بعد ظهور الثمرة، استؤجر من ماله من يقوم على النخل إن أمكن، وإلا جيء برجل أمين يقوم مقامه في تتميم العمل، والذي قرره ابن القيم وغيره: أن الإمام ونائبه في هذا سواء، وأن تصرف الغير في مال المالك، إذا كان لمصلحة ظاهرة، ينفذ تصرفه، واستدلوا على ذلك بقوله تعالى:{مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [سورة التوبة آية: 91] والله أعلم.

سئل الشيخ: إبراهيم بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن رحمهم الله: عن سقي الحائل 1 إلى آخر السؤال؟

فأجاب: العامل يقوم بتمام العمل الذي يستحق به نصيبه من النماء، ويحصل به صلاح الثمرة، والعرف الجاري إنما هو بين العمال، مع أن العادة تغيرت على قولكم، فيلزم الفلاح تصليح جميع الثمرة، ولا يمكن من ترك نصيب المالك، لأن العقد عليه، وترك نصيب المالك ينافي مقصود المساقاة.

سئل الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن: عن قطع الشجرة المثمرة بغير إذن المالك؟

1 أي الذي لم يحمل.

ص: 326

فأجاب: الشجرة المثمرة يحرم قطعها بغير إذن المالك; وعلى من قطع الضمان بالقيمة، وكذلك إذا قطع السعف من النخل، ففيه القيمة بحسب حال البلد.

سئل الشيخ: محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: إذا اختلف الفلاح وصاحب النخل في النقص؟

فأجاب: وأما اختلاف صاحب النخل والفلاح، فالقول قول مدعي النقص مع يمينه.

سئل ابنه الشيخ عبد الله عن قوله: إن زرعت أرضي حبا، فهي بكذا كيلا مسمى أو شعيرا بكذا، أو قطنا بكذا، وزنا معلوما؟

فأجاب: هذه المسألة فيها خلاف مشهور في القديم والحديث، والذي نعمل عليه من أقوال العلماء: أن هذا لا بأس به إذا كان كيلا معلوما، أو وزنا معلوما، أو جزءا مشاعا معلوما، كالثلث أو الربع ونحو ذلك، والله أعلم.

وأما إذا كان لرجل أرض، ودفعها لرجل يحرثها ويزرعها هو وولده من بعده، بلا أجل معلوم، وجاء الإسلام والأرض في أيديهم، فإن مالك الأرض يرجع فيها، وما أحدث الزرَّاع من شجر أو بناء أو غرس فهو له، يأخذه بقيمته إن أراد.

سئل الشيخ حمد بن ناصر: إذا كان بين شريكين نخل أو زرع، وأراد أحدهما تركه للآخر، وعوضه كيلا معلوما، أو

ص: 327