المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌ ‌ ‌باب الحجر سئل الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد: عن مفلس - الدرر السنية في الأجوبة النجدية - جـ ٦

[عبد الرحمن بن قاسم]

الفصل: ‌ ‌ ‌ ‌باب الحجر سئل الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد: عن مفلس

‌باب الحجر

سئل الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد: عن مفلس أراد أن يبيع أو يرهن بعض ما في يده، هل يحجر عليه

الخ؟

فأجاب: إذا كان رجل معروفا بالفلس، ويعامله الناس مع ظهور فلسه، وأراد رهن بعض ما في يده، أو أوفى به بعض الغرماء، وطلب الغرماء من الحاكم الحجر عليه، لزمه إجابتهم، وهذا هو الصحيح إن شاء الله تعالى.

سئل الشيخ: محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، عن رهن المفلس

الخ؟

فأجاب: والذي مستغرق دينا، لا يصح له رهن إلا بإذن الديانين.

وسئل ابنه: الشيخ عبد الله، عن رهن المفلس قبل الحجر؟

فأجاب: في نفوذ تصرفه قبل الحجر عليه قولان، هما روايتان، إحداهما: أنه يصح تصرفه وينفذ، قاله في الإنصاف، على الصحيح من المذهب نص عليه، وعليه

ص: 272

جماهير الأصحاب ; وقيل لا ينفذ تصرفه، ذكره الشيخ تقي الدين، وحكاه رواية واختاره، وسأله جعفر - يعني الإمام أحمد - من عليه دين يتصدق بشيء؟ قال الشيء اليسير، وقضاء دينه أوجب عليه، قلت: وهذا القول هو الصواب، خصوصا وقد كثرت حيل الناس، وجزم به في القاعدة الثالثة والخمسين، وقال: المفلس إذا طلب البائع منه سلعته، التي يرجع بها قبل الحجر، لم ينفذ تصرفه نص عليه، وذكر في ذلك ثلاثة نصوص، لكن ذلك مخصوص بمطالبة البائع، انتهى كلامه في الإنصاف، وهو الراجح إن شاء الله تعالى.

وسئل: عن الفلاح الذي أوفى بعض الديّانين؟

فأجاب: والفلاح الذي أوفى بعض ديانيه، وبعضهم ما أوفاهم، وهو مفلس، فالذين ما جاءهم شيء يجيئهم قدر المواساة.

وأجاب الشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين، وأما إذا ضاق مال الإنسان عن دينه، وكان له عين مرهونة عند بعض الغرماء، فإن المرتهن أحق بثمن الرهن من سائر الغرماء، إذا كان رهنا لازما بلا نزاع، قال في الشرح: لا نعلم فيه خلافا، فإن كان الراهن حين الرهن قد ضاق ماله عن دينه، انبنى صحة رهنه على جواز تصرفه وعدمه، وهو أنه: هل يكون محجورا عليه إذا ضاق ماله عن ديونه بغير حكم حاكم، كما هو قول مالك، ويحكى رواية عن أحمد، اختاره

ص: 273

الشيخ تقي الدين، أو لا يكون محجورا عليه إلا بحكم حاكم؟ كما هو قول أبي حنيفة والشافعي، وأحمد في المشهور عنه.

وأجاب الشيخ حسن بن علي: إذا رهن الغريم شيئا من ماله، عند أحد غرمائه، وهو حال الرهن قد ضاق ماله عن وفاء دينه، فالذي قرره شيخ الإسلام تقي الدين، وحكاه رواية عن أحمد، وصوبه في الإنصاف، أنه محجور على المفلس حكما، حين ضاق ماله عن ديونه، وأن حكمه حكم من حجر عليه الحاكم، فلا يصح رهنه والحالة هذه، وعليه الفتوى.

وسئل بعضهم: إذا كان لرجل على آخر سلم في تمر أو عيش وقد أعطاه حين دخوله في الفلاحة، ما يحتاج إليه في شراء نواضح وغيرها، ثم بعد ذلك احتاج الفلاح لزيادة لتمام الزرع والثمرة، فهل يجبر الغريم على إعطاء الفلاح ما يحتاج إليه أم لا؟ وهل إذا امتنع أو غاب فاستدان الغريم من غيره، لأجل تكميل الثمرة يقدم الثاني بحقه أم لا؟ وإن قدمه حاكم وساغ تقديمه قدم أو لا؟

فأجاب: الذي يعمل به أنه إذا احتاج الفلاح لزيادة نفقة لإصلاح ثمرته وزرعه، وطلب ذلك من غريمه، وامتنع معتذرا أن ثمرته وزرعه لا تفي بما عليه، قائلا: لا أخرج مالي يذهب علي مجانا لإصلاح غيري، أنه إن أمكن التوفيق بينهما بما فيه منفعة للفلاح، من غير ضرر يلحق الغريم، وتطيب به

ص: 274

نفسه فعلنا ; وإن لم يكن إلا بضرر ظاهر يلحق الغريم، فلا نجبره على المعاوضة أو القرض، لأجل مصلحة المدين ; لأن من شرط ذلك التراضي ولا مسوغ للإجبار، وليس هذا موضع ضرورة.

وإن سميت ضرورة فلا يزال الضرر بالضرر، لحديث " لا ضرر ولا ضرار" 1 وسواء وعده عند دخولهما في المعاملة أو لم يعده، فلا يترتب على ذلك حكم، لكن إن تيسر التوفيق بما لا ضرر فيه على الكل فحسن، كأن يجعل للأول بعض الزرع، أو الثمرة في مقابلة حقه، ويصير الباقي لمن ينفق عليه آخر المدة، أو يعطى رهنا أو ضمينا في حقه، أو نحو ذلك مما تطيب به النفس، فإن تعذر ذلك: بأن غاب الغريم، أو تعذر بنفاد ما في يده، أو خوفا من ذهاب ماله، بأن ليس عند المدين مقابلة لجميع ذلك ونحو ذلك، فلا نرى جواز التقديم بغير رضا الغريم ; لأنه ربما استغرق حق الثاني جميع الثمرة والزرع، فيذهب الأول بلا شيء، وهذا يرده حديث "لا ضرر ولا ضرار "2.

وقد أمكن دفع الضرر، بأن يدفع لكداد آخر كده معاملة، بما يتراضيان عليه إلى تمامه، أو يستأجر من يقوم به، وقد استقر حكم الشريعة العادلة، أن صاحب الحق يعطى حقه وإن تضرر بذلك الغريم، فلم تعتبر الشريعة تضرر المدين بأداء الحق إلى مستحقه، ومن أدخل غريما ثانيا على أول، وقدمه بحقه، فقد عكس حكم الشريعة:"خذوا ما وجدتم"

1 ابن ماجه: الأحكام (2340) ، وأحمد (5/326) .

2 ابن ماجه: الأحكام (2340) ، وأحمد (5/326) .

ص: 275

وبيع مال معاذ لوفاء دينه، وبيع عتيق واسترق، وبيع مال الأسيفع، ولم ينظر إلى كونهم يتضررون بذلك، ولهذا ذهب مالك والشافعي: إلى أن جميع مال المفلس يباع لوفاء دينه، حتى مسكنه وخادمه، ومذهب الإمام أحمد المشهور عنه: أنه لا يباع المسكن ولا الخادم، إلا إذا كانا نفيسين، وكذلك إذا كان ذا حرفة ترك له ما يحترف به، وإن لم يكن ذا حرفة ترك له ما يتجر به لمؤنته، وهذا من مفردات المذهب.

قال الشارح: وهذا محمول على الشيخ الكبير، وذوي الهيئات الذين لا يمكنهم التصرف بأبدانهم، والنبي صلى الله عليه وسلم جعل الغرماء أسوة، ما عدا صاحب المتاع إذا وجده بعينه عند المفلس، وألحق به الفقهاء المرتهن، أنه يقدم بقيمة رهنه، لتعلق حقه بالعين والذمة، فلا يجوز لنا أن نقدم من لم يقدمه الله ورسوله، وكل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل، واستقر عند الناس في نواحينا: تقديم صاحب البذر، والأجير في هذه المسألة، ويرون الحكم بغير ذلك جائرا، لكونهم لا يعرفونه، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

سئل بعضهم: إذا وجد معسر قد اقتسم غرماؤه ماله، وبقي لهم عليه بقية من حقوقهم بعد أن أخذوا ما في يده، ثم استدان وثبت في ذمته حقوق ضاق ماله عن وفائها، وربما كان للمتجددة حقوقهم رهن، فهل إذا حلت حقوقهم يشاركهم الأول، أم لا؟

فأجاب: إنما يرد هذا السؤال على القول الذي ذكرتموه

ص: 276

عن الشيخ تقي الدين، وحكاه رواية عن أحمد، وصوبه في الإنصاف من أنه محجور عليه حكما، وعليه الفتوى، فيكون المدين في حالتيه الأولى والثانية محجورا عليه حكما، حين ضاق ماله عن ديونه، فالظاهر - والحالة هذه - أن حكمه حكم من حجر عليه الحاكم في كلتي حالتيه، فإن كان للذين تجددت حقوقهم رهن صحيح لازم، فهم أحق بالرهن أو قيمته ; وإن لم يكن لهم رهن شاركهم غرماء الحجر الأول ; لأن حقوق الجميع متعلقة بذمته، هذا قول الجمهور، وهذا المذهب.

وقول غرماء الحجر الثاني: ما في يده إنما نتج من أموالنا؟ جوابه: أن مالكم هو ما في ذمته، وأما دراهمكم ونحوها، فهي ماله من حين صارت في يده، وأن الذي لكم في ذمته ; وعند مالك: أن غرماء الحجر الأول، لا يشاركون غرماء الحجر الثاني، إلا أن يكون له فائدة مواريث، أو تجني عليه جناية، وهذا كله في محجور الحاكم ; والظاهر: أن حكمهما سواء، وبعض من أدركنا من القضاة يقضي بنحو قول مالك ; وأفاد سؤالكم أنه يترجح عندكم القول بعدم اشتراط القبض للزوم، وهذا هو الذي نفتي به، والحاجة إليه داعية.

سئل الشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين، هل يبيع الحاكم مال المفلس فورا

الخ؟

فأجاب: أما بيع الحاكم مال المفلس، فقال الأصحاب

ص: 277

رحمهم الله يبيع كل شيء في سوقه، قال الشيخ تقي الدين وغيره: ولا يبيعه إلا بثمن مثله المستقر في وقته، أو أكثر على الفور، ذكره في الإنصاف، واقتصر عليه في الفروع، والضمير في قولهم: في وقته راجع للبيع، أي: في وقت البيع، فدل كلامهم على أن الحاكم إذا باع مال المفلس، يجب عليه الاستقصاء وعدم العجلة، حتى يبذل في الجميع قيمته في ذلك الوقت، فهذا ما دل عليه كلامهم، خلاف ما فهمه من لا علم عنده، من أن مرادهم أنه إذا كانت العين المبيعة من مال المفلس، في وقت قد رخص فيه مثلها، بعد زمن كانت غالية فيه، أنها لا تباع زمن الرخص، رجاء أن تعود قيمتها إلى ما كانت في الزمن الماضي ; فهذا لم يدل عليه كلامهم، بل هو مخالف لصريح قولهم في وقته، أي وقت البيع، ولم يعتبروا قيمته في غير ذلك الوقت، وأوجبوا الفورية في البيع، كما تقدم في كلام الشيخ وغيره.

قال في الإقناع وشرحه، ويجب عليه، أي: الحاكم، ذلك أي بيع مال المفلس، وقسم ثمنه على غرمائه، ويكون ذلك على الفور ; لأن تأخيره مطل وفيه ظلم لهم، وقال في المنتهى وشرحه: وبيعه بثمن مثله المستقر في وقته، أو أكثر من ثمن مثله إن حصل فيه راغب، وقسمه أي الثمن، فورا حال من قسم وبيع ; لأن هذا جل المقصود من الحجر عليه، وتأخيره مطل وظلم للغرماء، انتهى ; وكذا حكم المرهون، لا يبيعه الحاكم أو العدل إلا بثمن مثله، فإن باعه بدون ثمن

ص: 278

المثل صح البيع، وضمن البائع النقص على المذهب، قاله في الإنصاف، وعلى قياسه مال المفلس، إذا بيع بدون ثمن المثل، قال الشيخ منصور: ومقتضى القواعد أنه إذا بيع بدون ثمن المثل، صح البيع وضمن البائع النقص، وكذلك حكم مال اليتيم إذا دعت الحاجة إليه، لم يبعه الولي إلا بثمن المثل، فإن نقص عن ثمن المثل، فهل يبطل البيع أو يصح ويضمن الولي النقص؟ فيه وجهان، والمغصوب يضمن بقيمته مطلقا يوم تلفه، على الصحيح من المذهب.

وأما قولكم: هل القيمة وصف قائم بالمتقوم؟ أو هي ما تنتهي إليه رغبات الراغبين؟ قال الغزي الشافعي: والصحيح أن ثمن المثل ما تنتهي إليه الرغبات المعتادة في الغالب، ومرادهم: ما تنتهي إليه رغبات الراغبين في ذلك الوقت ; وفرق طائفة منهم بين المرهون ومال المفلس، على تفصيل عندهم، وهذا التفريق لم أره لأصحابنا.

سئل الشيخ: محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى: عمن وجد عين ماله

الخ؟

فأجاب: والرجل إذا وجد عين ماله وقد زادت قيمته، أو نقصت لم يكن له الرجوع.

وأجاب: ابنه الشيخ عبد الله: إذا وجد أحد الشيئين إلخ، فهذه المسألة فيها روايتان عن الإمام أحمد، قال في الشرح الكبير: وإن كان المبيع عينين، كعبدين أو ثوبين تلف

ص: 279

أحدهما، أو نقص، ففي جواز الرجوع في الباقي روايتان، إحداهما لا يرجع نقلها أبو طالب عنه، قال لا يرجع ببقية العين، ويكون أسوة الغرماء ; لأنه لم يجد المبيع بعينه، فأشبه ما لو كان عينا واحدة ; لأن بعض المبيع تالف، فلم يملك الرجوع فيه، كما لو قطعت يد العبد ; ونقل الحسن بن ثواب عن أحمد: إن كان ثوبا واحدا فتلف بعضه، فهو أسوة الغرماء، وإن كان رزما، فتلف بعضها، فإنه يأخذ بقيتها إذا كان بعينه ; لأن السالم من المبيع وجده البائع بعينه، فيدخل في عموم الحديث المذكور، ولأنه مبيع وجده البائع بعينه، فكان للبائع الرجوع، كما لو كان جميع المبيع، فإن باع بعضه أو وهبه أو وقفه، فهو بمنْزلة تلفه ; لأن البائع ما أدرك ماله بعينه.

وسئل: عما إذا زادت قيمته؟

فأجاب: من شرط الرجوع في السلعة إذا وجدها صاحبها عند المفلس، أن لا يكون المبيع زاد زيادة متصلة، كالسمن والكبر، وتعلم صنعه، فإن هذا يمنع الرجوع، وهو اختيار الخرقي ; وعن أحمد رحمه الله: أن ذلك لا يمنع ; قال في الشرح الكبير: وهو مذهب مالك والشافعي، إلا أن مالكا قال يخير الغرماء بين أن يعطوه السلعة، أو ثمنها الذي باعها به، واحتجوا بالخبر، يعني قوله:" من وجد متاعه بعينه عند رجل قد أفلس، فهو أحق به " 1 ولأنه فسخ لا يمنع الزيادة المنفصلة، فلم يمنع المتصلة كالرد بالعيب.

1 البخاري: في الاستقراض وأداء الديون والحجر والتفليس (2402)، ومسلم: المساقاة (1559)، والترمذي: البيوع (1262)، والنسائي: البيوع (4676)، وأبو داود: البيوع (3519)، وابن ماجه: الأحكام (2358) ، وأحمد (2/474)، ومالك: البيوع (1383)، والدارمي: البيوع (2590) .

ص: 280

قال: ولنا أنه فسخ بسبب حادث، فلم يملك به الرجوع في عين المال الزائد زيادة متصلة، كفسخ النكاح بالإعسار، أو الرضاع، ولأنها في ملك المفلس فلم يستحق البائع أخذها كالمنفصلة، انتهى ; والذي يترجح عندي: مذهب مالك رحمه الله، وهو أن الغرماء يخيرون بين أن يعطوه السلعة بعينها، وبين أن يعطوه الثمن الذي باعها به ; فعلى هذا: إن كان لهم مصلحة في زيادتها المتصلة، أعطوه ثمنه، وأخذوا السلعة، وتكون الزيادة المتصلة للمفلس، يستوفى بها الغرماء.

وأجاب الشيخ حسن بن حسين بن الشيخ: المسألة فيها روايتان عن أحمد، إحداهما: أنه يرجع في العين الباقية، جزم به في المنتهى والإقناع، وذكر في الإنصاف أنه الصحيح من المذهب ; لأن السالم وجده ربه بعينه، فيدخل في عموم الخبر، قاله في شرح المنتهى، ووجه في الغاية: أن مثله المكيل والموزون، فيأخذ ما وجد منه، والرواية الثانية: أن المتعين كغيره، إذا لم يجده كله كان أسوة الغرماء، لتعذر كل العين قال في الإنصاف: وهو ظاهر كلام المصنف هنا وجماعة، انتهى ; وفي الأولى قوة مع كونها مختار المتأخرين.

سئل الشيخ عبد الله بن محمد: عن الغريم إذا أعسر

الخ؟

فأجاب: إذا كان له فلائح لا تفي بكفايته وكفاية من

ص: 281

تحت يده، ولا يقدر على حرفة غير ذلك تغنيه وتغني أولاده ومن تحت يده، فلا يجوز لصاحب الدين يأخذ ذلك ويتركه يضيع ومن تحت يده، بل يصبر إلى أن الله يغنيه، أو يصالحه على شيء يعطيه إياه كل سنة لا يضر به.

وسئل الشيخ: عبد الله أبا بطين ما يترك للمفلس؟

فأجاب: الغريم إذا ضاق ماله عن الديون التي عليه، فالمشهور في المذهب فيها معروف، وأنه يترك له المسكن والخادم، إذا كان مثله يخدم، ما لم يكونا عين مال غريم ; ويشتري أو يكتري له بدلهما، ويترك له ما يتجر به إن كان تاجرا، أو يترك له آلة محترف إن كان ذا صنعة، ومقتضى قولهم: أنه إذا كانت حرفته الحراثة، أنه يترك له ما يحرث عليه، من سوان وآلة الحراثة، ومقتضى قولهم: أنه إذا لم يكن له حرفة وله عقار أنه يترك له، إذا لم يكن له فيه فضل عما يقوم به معاشه، والذي أرى: أنه ما يمكن العمل اليوم بالمذهب في بلدان نجد، لقلة أموالهم، والغالب على الحراثين الفقر، ويمكن أحدهم أن يستدين من الناس أموالهم، ويشتري بها دارا وعقارا، أو يشتري بها سوان، فإذا طلب أهل الحقوق حقوقهم، لم يجدوا إلا هذه التي ذكرنا، أيقال: تترك له الدار، أو يترك له العقار يعيش به، إذا لم يكن له ما يعيش به، أو تترك له السواني؟ وإن كان تاجرا وفي يده رأس مال، قيل يترك له ما يتجر به؟ وهذا فيه إشكال.

ص: 282

وأما ما سوى مذهب أحمد، فأبو حنيفة يقول: يترك له المسكن فقط، وقال مالك والشافعي: تباع ويكترى له بدلها، لحديث " خذوا ما وجدتم " 1 والقول بأنه يترك له ما يتجر به إن كان تاجرا، أو آلة الحرفة إن كان له صنعة من مفردات المذهب ; ونقل عبد الله عن أبيه: يباع الكل إلا المسكن، وما يواريه من ثياب وخادم يحتاجه، وفي رواية يترك له ما يقوم به معاشه ; قال في الشرح: وهذا في حق الشيخ، وذوي الهيئات الذين لا يمكنهم التصرف بأبدانهم، ومع ذلك قال أصحابنا: إن كانت أمواله كلها أعيان أموال الناس، أفلس بأثمانها، أخذوها بشروطها، لقوله صلى الله عليه وسلم " من وجد متاعه بعينه عند إنسان قد أفلس، فهو أحق به " 2 لكن إن كانت الدار ونحوها رهنا، ففي حكمها على المذهب تردد ; قال في الغاية: إن كانت الدار ونحوها رهنا توجه احتمالان، والله أعلم.

سئل الشيخ: عبد الرحمن بن حسن: إذا استأجر أرضا للزرع ونحوه، ثم رهنه فقصرت الثمرة عن الدين والأجرة وأجرة الحداد والخراز والذي يعمل في الزرع.

فأجاب: إذا انتفى اللزوم بعدم القبض أو الاستدامة، تحاصوا في الثمرة وغيرها، على قدر مالهم من دين أو أجرة ; لأن محل ذلك ذمة المدين، وتقديم أحدهم على غيره، ترجيح من غير مرجح، وما اشتهر بين الناس من تقديم العامل

1 مسلم: المساقاة (1556)، والترمذي: الزكاة (655)، والنسائي: البيوع (4530 ،4678)، وأبو داود: البيوع (3469)، وابن ماجه: الأحكام (2356) ، وأحمد (3/36 ،3/58) .

2 البخاري: في الاستقراض وأداء الديون والحجر والتفليس (2402)، ومسلم: المساقاة (1559)، والترمذي: البيوع (1262)، والنسائي: البيوع (4676)، وأبو داود: البيوع (3519 ،3523)، وابن ماجه: الأحكام (2358) ، وأحمد (2/228 ،2/247 ،2/249 ،2/258 ،2/347 ،2/385 ،2/410 ،2/413 ،2/468 ،2/474 ،2/487)، ومالك: البيوع (1383)، والدارمي: البيوع (2590) .

ص: 283

في الزرع ونحوه بأجرته، لم نقف له على أصل يوجب المصير إليه.

وأجاب الشيخ عبد الله أبا بطين: وأما إذا ضاق مال الإنسان عن دينه، وكان له عين مرهونة عند بعض الغرماء، فإن المرتهن أحق بثمن الرهن من سائر الغرماء، إذا كان لازما بلا نزاع ; قال في الشرح: لا نعلم فيه خلافا ; فإن كان الراهن حين الرهن قد ضاق ماله عن دينه، انبنى صحة رهنه على تصرفه وعدمه، وهو أنه هل يكون محجورا عليه، إذا ضاق ماله عن ديونه بغير حكم حاكم؟ كما هو قول مالك، ويحكى رواية عن أحمد، اختاره الشيخ تقي الدين؟ أو لا يكون محجورا عليه، إلا بحكم حاكم؟ كما هو قول أبي حنيفة والشافعي وأحمد في المشهور عنه؟

سئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله عن تقديم الأجير

الخ؟

فأجاب: والأجير يقدم على الغرماء.

سئل الشيخ: عبد اللطيف بن عبد الرحمن، عن بيع عقار الميت لوفاء دينه، إذا خيف عليه التلف؟ وهل للمسغبة تأثير في البيع؟

فأجاب: بيع العقار إذا خيف عليه التلف، خير وأولى من تلفه، والمسغبة لا تأثير لها في البيع وتركه، وعبارة بعضهم: إذا كسد العقار كسادا ينقصه عن مقاربة ثمن المثل ويضر بالمالك، فلا يباع حتى تعود الرغبة، وهذا القول محله إذا أمن التلف، ولم يرج زوال الرغبة مع حياة المدين، وأما

ص: 284

مع موته فلا حق للورثة إلا فيما أبقته الديون والوصايا، وليس للحاكم منعهم من استيفاء الدين والحالة هذه.

وسئل الشيخ حسن بن حسين بن علي: هل يباع الملك في وقت كساد الأملاك وغور المياه والجدب، بغير اختيار من المالك، لوفاء دينه أم لا؟.

فأجاب: لا يباع العقار في الدين بكساد لأنه يرجى نفاقه بثمن المثل في العادة الماضية أو قريب منها ; وشيخ الإسلام ابن تيمية يرى عدم الإجبار على البيع، إذا حصل الكساد الخارج عن العادة لجدب ونحوه ; وعليه: فلا يلزم بيعه والحالة هذه.

سئل الشيخ إبراهيم بن عبد اللطيف: عن امتناع ورثة المدين من قضاء دينه؟

فأجاب: كثير من الناس لو يخلى ونفسه ما دان الله بقضاء دينه، فضلا عن دين غيره، ولكن الواجب عليك القيام بما يلزم، وإجبار مثل من حكيت حاله على بيع العقار وقضاء الدين، لا سيما إذا كان المدين ميتا فقضاء دينه على الفور، فكيف والغريم له رهن؟ ولو كان الراهن موجودا، وامتنع من بيع الرهن بعد حلول الدين، باع عليه الحاكم كما لا يخفى، فهذا أولى.

سئل الشيخ: عبد الله بن الشيخ محمد: هل يحل الدين المؤجل بالموت؟

ص: 285

فأجاب: هذه المسألة فيها خلاف، فمنهم من قال: لا يحل بالموت، ومنهم من قال: يحل ; والأظهر أنه لا يحل بالموت، فمن قال يحل بالموت، قال: يحل جميع الطعام المسلم فيه ; ومن قال بعدم حلوله بالموت، قال إلى الأجل الذي بينهما.

وأجاب أيضا: المسألة فيها قولان في المذهب، والأظهر أنه لا يحل بالموت إذا وثقه الورثة.

وأجاب بعضهم: لا يحل الطعام المسلم إليه فيه بموته أو الدين، كما لا تحل الديون التي له بموته، لقوله عليه السلام " من ترك حقا أو مالا فلورثته " 1 والأجل حق للميت، فينتقل إلى الورثة كسائر حقوقه ; والقول الثاني: وهو رواية عن أحمد، أنه يحل وفاقا للأئمة الثلاثة.

سئل الشيخ عبد الله بن حمد الحجازي رحمه الله: هل ينفك حجر المفلس إذا أخذ الغرماء ما تحت يده؟

فأجاب: المفلس إذا أخذ الغرماء ما تحت يده انفك عنه الحجر، وإذا انفك عنه الحجر صح تصرفه، ببيع الرهن أو غير ذلك، فإن كثر دينه بعد ذلك أعيد الحجر عليه، فإذا أعيد الحجر عليه، قدم من كان له رهن صحيح على غيره، وما فضل بعده فهو أسوة الغرماء.

1 البخاري: في الاستقراض وأداء الديون والحجر والتفليس (2398)، ومسلم: الفرائض (1619)، والترمذي: الجنائز (1070)، والنسائي: الجنائز (1963)، وأبو داود: الخراج والإمارة والفيء (2955)، وابن ماجه: الأحكام (2415) ، وأحمد (2/290)، والدارمي: البيوع (2594) .

ص: 286