المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌ ‌ ‌باب الربا قال الشيخ حسين وإبراهيم وعبد الله وعلي، أبناء الشيخ - الدرر السنية في الأجوبة النجدية - جـ ٦

[عبد الرحمن بن قاسم]

الفصل: ‌ ‌ ‌ ‌باب الربا قال الشيخ حسين وإبراهيم وعبد الله وعلي، أبناء الشيخ

‌باب الربا

قال الشيخ حسين وإبراهيم وعبد الله وعلي، أبناء الشيخ محمد رحمهم الله، قال الله تعالى:{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا} [سورة البقرة آية: 275] وقال تعالى: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} [سورة البقرة آية: 276] والنبي صلى الله عليه وسلم " لعن آكل الربا وموكله، وكاتبه وشاهديه "1.

وأجاب: أيضا عبد الله بن الشيخ، المراباة حرام بالكتاب والسنة والإجماع، وقد " لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله، وكاتبه وشاهديه، والمحلل والمحلل له " 2 قال الترمذي حديث صحيح، فالاثنان ملعونان; وكان أصل الربا في الجاهلية: أن الرجل يكون له على الرجل المال المؤجل، فإذا حل الأجل، قال له: أتقضي أم تربى؟ فإن وفاه وإلا زاد هذا في الأجل، وزاد هذا في المال، فيتضاعف المال والأصل واحد.

وهذا الربا حرام بإجماع المسلمين، وأما إذا كان هذا هو المقصود، ولكن توسلوا بمعاملة أخرى، فهذا تنازع فيه المتأخرون من المسلمين، وأما الصحابة فلم يكن منهم نزاع

1 النسائي: الزينة (5103) .

2 مسلم: المساقاة (1597)، والترمذي: البيوع (1206)، وأبو داود: البيوع (3333)، وابن ماجه: التجارات (2277) ، وأحمد (1/394 ،1/402 ،1/430) .

ص: 91

في أن هذا محرم، فإن الأعمال بالنيات والآثار عنهم بذلك كثيرة مشهورة، والله تعالى حرم الربا لما فيه من ضرر المحتاجين، وأكل المال بالباطل، وهذا موجود في المعاملات الربوية.

وإذا حل الدين وكان الغريم معسرا، لم يجز بإجماع المسلمين أن يلزم بقلب، لا بمعاملة ولا غيرها، بل يجب إنظاره، وإن كان موسرا كان عليه الوفاء، فلا حاجة إلى القلب لا مع يساره، ولا مع إعساره، والواجب على ولاة الأمور: تعزير المتعاملين بالمعاملة الربوية، بأن يأمروا المدين أن يؤدي رأس المال، ويسقط الزيادة الربوية، فإن كان معسرا وله مغلات يوفي منها، وفى دينه منها بحسب الإمكان.

وقال الشيخ: عبد الرحمن بن حسن: اعلم وفقنا الله وإياك، أن الله تعالى نهى عباده عن أكل الربا، وأنزل بتحريمه القرآن المجيد، الذي {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [سورة فصلت آية: 42] وزجر عنه عباده بضروب من التحذير والتهديد والوعيد الشديد، فقال عز من قائل:{الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} [سورة البقرة آية: 275-276] قال ابن عباس في معنى

ص: 92

الآية: " آكل الربا يبعث يوم القيامة مجنونا يخنق " رواه ابن أبي حاتم.

وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِين َفَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [سورة البقرة آية: 278] إلى قوله: {وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} [سورة البقرة آية: 281] قال البخاري رحمه الله في صحيحه: قال ابن عباس: "هذه آخر آية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم" وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَاتَّقُوا اللَّهَ} [سورة آل عمران آية: 130] الآية، إلى غير ذلك من الآيات المحكمات.

وقد جاءت السنة الصحيحة بالزجر عنه والتحذير، وإيضاح ما أجمل منه بالبيان والتفسير، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "اجتنبوا السبع الموبقات قالوا يا رسول الله: وما هن؟ قال: الشرك بالله، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات " 1 رواه البخاري ومسلم، وأبو داود والنسائي.

وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله، وكاتبه وشاهديه، وقال هم سواء" 2 رواه مسلم.

وعن سمرة بن جندب، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " رأيت الليلة رجلين أتياني، فأخرجاني إلى أرض مقدسة، فانطلقنا حتى أتينا على نهر من دم، فيه رجل قائم، وعلى وسط النهر

1 البخاري: الوصايا (2767)، ومسلم: الإيمان (89)، والنسائي: الوصايا (3671)، وأبو داود: الوصايا (2874) .

2 مسلم: المساقاة (1598) ، وأحمد (3/304) .

ص: 93

رجل بين يديه حجارة، فأقبل الرجل الذي في النهر، فإذا أراد أن يخرج رمى الرجل بحجر في فيه، فرده حيث كان، فجعل كلما جاء ليخرج، رمى في فيه بحجر فيرجع كما كان، فقلت ما هذا؟ فقال الذي رأيته في النهر: آكل الربا " 1 رواه البخاري في صحيحه، وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نشتري الثمرة حتى تطعم " 2 وقال: " إذا ظهر الزنى والربا في قرية، فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله " رواه الحاكم وقال صحيح الإسناد ; وفي حديث الإسراء:" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر ليلتئذ، بأقوام لهم أجواف مثل البيوت، فسأل عنهم؟ فقيل هؤلاء أكلة الربا " 3 رواه البيهقي.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " يأتي على الناس زمان يأكلون فيه الربا قال قيل له: الناس كلهم؟ قال: من لم يأكله منهم ناله من غباره " 4 رواه الإمام أحمد، وأبو داود والنسائي وابن ماجه، وعن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" الربا ثلاثة وسبعون بابا " 5 رواه ابن ماجه والحاكم في مستدركه، وزاد " أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه، وإن أربى الربا عرض الرجل المسلم " 6 وقال على شرط الشيخين، ولم يخرجاه ; ورواه محمد بن نصر عن ابن مسعود موقوفا، قال:"الربا بضع وسبعون بابا، والشرك نحو ذلك" ورواه أيضا عن أبي هريرة موقوفا قال: " الربا سبعون حوبا أدناهن مثل ما يقع الرجل على أمه، وأربى الربا استطالة المرء في عرض أخيه " 7 وروي أيضا عن

1 البخاري: البيوع (2085) .

2 البخاري: البيوع (2196)، ومسلم: البيوع (1536)، والنسائي: البيوع (4524 ،4550) .

3 ابن ماجه: التجارات (2273) .

4 النسائي: البيوع (4455)، وأبو داود: البيوع (3331)، وابن ماجه: التجارات (2278) ، وأحمد (2/494) .

5 ابن ماجه: التجارات (2275) .

6 ابن ماجه: التجارات (2274) .

7 ابن ماجه: التجارات (2274) .

ص: 94

أبي هريرة مرفوعا قال: " ليأتين على الناس زمان، لا يبالي المرء بما أخذ من المال بحل أم بحرام " 1 ورواه البخاري ولفظه: " لا يبالي المرء ما أخذ منه، أمن الحلال أم من الحرام "2.

وعن أبي سعيد الخدري: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل، ولا تشفوا بعضها على بعض; ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلا بمثل، ولا تشفوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا منها شيئا غائبا بناجز " 3 رواه مالك والبخاري، والنسائي.

وللبخاري: " الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، سواء بسواء، من زاد أو استزاد فقد أربى، الآخذ والمعطى فيه سواء " 4 وعن سالم بن عبد الله، عن أبيه رضي الله عنهما: أن أبا سعيد حدثه مثل ذلك، حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقيه عبد الله بن عمر، فقال يا أبا سعيد: ما هذا الذي تحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو سعيد في "الصرف" سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الذهب بالذهب مثلا بمثل، والورق بالورق مثلا بمثل " 5 رواه البخاري.

وقال محمد بن نصر المروزي، حدثنا إسحاق بن إبراهيم، أنبأنا روح بن عبادة، حدثنا حبان بن عبد الله العدوي، وكان ثقة قال: سألت أبا مجلز عن "الصرف" فقال: "كان ابن عباس لا يرى به بأسا زمانا، ما كان منه يدا بيد، فلقيه أبو سعيد الخدري، فقال له: إلى متى؟ ألا

1 البخاري: البيوع (2059 ،2083)، والنسائي: البيوع (4454) ، وأحمد (2/435)، والدارمي: البيوع (2536) .

2 البخاري: البيوع (2059)، والنسائي: البيوع (4454) ، وأحمد (2/435 ،2/452 ،2/505)، والدارمي: البيوع (2536) .

3 البخاري: البيوع (2177)، ومسلم: المساقاة (1584)، والنسائي: البيوع (4570) ، وأحمد (3/4 ،3/61)، ومالك: البيوع (1324) .

4 مسلم: المساقاة (1584)، والنسائي: البيوع (4565) ، وأحمد (3/4 ،3/49 ،3/66 ،3/97) .

5 البخاري: البيوع (2176)، والترمذي: البيوع (1241) ، وأحمد (3/53) .

ص: 95

تتقي الله، حتى متى توكل الناس الربا؟ أما بلغك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:- وهو عند زوجته أم سلمة- إني لأشتهي تمر عجوة فبعث بصاعين، فأتي بصاع عجوة، فقال. من أين لكم هذا؟ فأخبروه، فقال: ردوه، التمر بالتمر، والحنطة بالحنطة، والشعير بالشعير، والذهب بالذهب، والفضة بالفضة، يدا بيد، عينا بعين، مثلا بمثل، فما زاد فهو ربا ثم قال: وكذلك ما يكال أو يوزن أيضا فقال ابن عباس: جزاك الله الخير يا أبا سعيد، ذكرتني أمرا كنت نسيته، فاستغفر الله وأتوب إليه" قال: فكان ينهى عنه بعد، قال روح، وكان حبان رجل صدق.

ربا الفضل والبيوع الربوية

وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن بيع الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، إلا سواءا بسواء، عينا بعين " 1 رواه مسلم.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الذهب بالذهب، وزنا بوزن، مثلا بمثل، والفضة بالفضة، وزنا بوزن، مثلا بمثل، فمن زاد أو استزاد فقد أربى " 2 رواه مسلم والنسائي

وعن أبي بكرة رضي الله عنه قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الفضة بالفضة، والذهب بالذهب، وأمرنا أن نبتاع الذهب بالفضة كيف شئنا، والفضة بالذهب كيف شئنا " 3 رواه البخاري، والنسائي،

وله في رواية: " نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نبيع الفضة بالفضة، إلا عينا بعين، سواء بسواء، ولا نبيع

1 مسلم: المساقاة (1587) .

2 مسلم: المساقاة (1588) .

3 البخاري: البيوع (2182)، ومسلم: المساقاة (1590)، والنسائي: البيوع (4578) ، وأحمد (5/38 ،5/49) .

ص: 96

الذهب بالذهب، إلا عينا بعين سواء بسواء " 1.

وعن مجاهد أنه قال: "كنت مع عبد الله بن عمر، فجاءه صائغ، فقال: يا أبا عبد الرحمن، إني أصوغ الذهب ثم أبيع الشيء من ذلك بأكثر من وزنه، فأستفضل من ذلك قدر عمل يدي، فنهاه عبد الله عن ذلك، فجعل الصائغ يردد عليه المسألة، وعبد الله ينهاه، حتى انتهى إلى باب المسجد، أو إلى دابة يريد أن يركبها، ثم قال عبد الله بن عمر: الدينار بالدينار، والدرهم بالدرهم، لا فضل بينهما، هذا عهد نبينا إلينا، وعهدنا إليكم" رواه مالك والنسائي.

وعن سعيد بن المسيب، عن بلال قال:" كان عندي تمر دون، فابتعت به من السوق تمرا أجود منه بنصف كيله، فقدمت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما رأيت كاليوم تمرا أجود منه، من أين لك هذا يا بلال؟ " قال فحدثته بما صنعت، فقال: انطلق فرده إلى صاحبه، وخذ تمرك، فبعه بحنطة أو شعير، اشتر به من هذا التمر قال ففعلت، ثم أتيته به، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم التمر بالتمر مثلا بمثل، والملح بالملح مثلا بمثل، والذهب بالذهب وزنا بوزن، والفضة بالفضة وزنا بوزن، فما كان من فضل فهو ربا " رواه الإمام محمد بن نصر المرزوي.

1 النسائي: البيوع (4579) .

ص: 97

فتضمنت هذه النصوص: تحريم بيع الجنس من هذه الأجناس الستة ونحوها بجنسه، ما لم تعلم مساواته للآخر، وفرق النبي صلى الله عليه وسلم بين الحلال والحرام، بقوله:" مثلا بمثل، يدا بيد، سواء بسواء، وزنا بوزن، عينا بعين " 1 وأكد ذلك بقوله: " فما كان من فضل فهو ربا " وبقوله: " فمن زاد أو استزاد فقد أربى، الآخذ والمعطي فيه سواء " 2 فليس فوق هذا البيان بيان.

وبهذا يعلم: أن الصور في بيع الجنس الربوي، ثلاث صور، صورة منها تحل، وهي: ما إذا علم بالتماثل، وحصل التقابض في المجلس، وصورتان لا تحلان، وهما: إذا جهل التماثل، أو علم التفاضل، وعلى هذا دلت الأحاديث الصحيحة، وبه صرح العلماء رحمهم الله تعالى،

قال ابن حزم رحمه الله تعالى: وافترض رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يباع الذهب، أو الفضة بشيء من نوعه، إلا عينا بعين، وزنا بوزن، وأن لا يباع شيء من الأصناف الأربعة، بشيء من نوعه، إلا كيلا بكيل، وعينا بعين، فإذا بان في أحد الأنواع المذكورة خلط شيء مضافا إليه، فلا سبيل إلى بيعه بشيء من نوعه، عينا بعين، ولا كيلا بكيل، ولا وزنا بوزن، لأنه لا يقدر على ذلك أصلا، انتهى.

وقال العماد بن كثير رحمه الله، في تفسيره: قال الفقهاء: الجهل بالمماثلة كحقيقة المفاضلة، انتهى، وهذا الذي حكاه العماد رحمه الله عن الفقهاء رحمهم الله، يكفينا عن

1 مسلم: المساقاة (1587) .

2 مسلم: المساقاة (1584)، والنسائي: البيوع (4565) ، وأحمد (3/49 ،3/66 ،3/97) .

ص: 98

تتبع أقوالهم، قال في الشرح الكبير: وأما ربا الفضل، فيحرم في مكيل أو موزون بيع بجنسه، وإن كان يسيرا وإن لم يأت فيه الكيل أو الوزن، إما لقلته كالحبة والحفنة، وما دون الأرزة من الذهب والفضة، أو لكثرته كالصبرة العظيمة،

قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن ذلك لا يجوز، إذا كان من جنس واحد، وفي الكافي وغيره الربا: في كل ما كان جنسه مكيلا أو موزونا، وإن تعذر الكيل فيه والوزن، إما لقلته كالتمرة والقبضة، وما دون الأرزة من الذهب والفضة، وإما لعظمته كالزبرة العظيمة، وإما للعادة كلحم الطير، لأنه من جنس فيه الربا.

وفي المنتهى: يحرم ربا فضل في كل مكيل أو موزون بجنسه وإن قل، كتمرة بتمرة، قال المحشي: قوله: وإن قل، لعدم العلم بالتساوي، انتهى،

وفي الكافي: وما جرى الربا فيه اعتبرت فيه المماثلة، في المكيل كيلا، وفي الموزون وزنا، لقول النبي صلى الله عليه وسلم " الذهب بالذهب وزنا بوزن، والفضة بالفضة وزنا بوزن، والبر بالبر كيلا بكيل، والشعير بالشعير كيلا بكيل " رواه الأثرم، قال: ولا يجوز بيع خالصه بمشوبه، كحنطة فيها شعير وزوان، بخالصة، أو غير خالصة، ولبن مشوب بخالص أو مشوب، أو عسل بشمعه بمثله، إلا أن يكون الخلط يسيرا لا وقع له، كيسير التراب ; و"الزوان" الذي لا يظهر في المكيل، ولا يمكن التحرز منه.

ص: 99

وقال بعضهم: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على أشرف المرسلين، محمد وآله وصحبه أجمعين، وسلم تسليما كثيرا.

إلى من يصل إليه هذا الكتاب من المسلمين، وفقنا الله وإياهم، اتباع الحق المبين، والتمسك بسنة سيد المرسلين ; سلام عليكم ورحمة الله وبركاته؟ وبعد: فاعلموا أن الله تعالى حرم على عباده الربا في المعاملات، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه من السبع الموبقات، وقد قال تعالى في كتابه العزيز، الذي {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [سورة فصلت آية: 42] .

{الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} [سورة البقرة آية: 275] أي: أنه يكون يوم القيامة كالمجنون {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} [سورة البقرة آية: 275-276] وقال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} [سورة البقرة آية: 278-279] وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ

ص: 100

وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [سورة آل عمران آية: 130-132] .

فتدبروا ما في هذه الآيات من الوعيد الشديد.

وفي الحديث: " لعن الله آكل الربا وموكله، وكاتبه وشاهديه " 1 وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ليأتين على الناس زمان لا يبالي المرء بما أخذ المال، بحلال أم بحرام " 2 وعنه قال صلى الله عليه وسلم " الربا سبعون حوبا، أدناهن مثل ما يقع الرجل على أمه، وأربى الربا استطالة المرء في عرض أخيه " 3 وعن عبد الله بن مسعود قال: " الربا بضع وسبعون بابا، والشرك نحو ذلك " وقد روي هذا عن ابن مسعود من طرق، وعن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الذهب بالذهب ربا إلا ها وها، والبر بالبر ربا إلا ها وها، والتمر بالتمر ربا إلا ها وها، والشعير بالشعير ربا إلا ها وها " 4 أخرجه البخاري ومسلم، وأبو داود والترمذي، والنسائي وابن ماجه.

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وهو عند زوجته أم سلمة " إني لأشتهي تمر عجوة فأتي بصاع عجوة، فقال: من أين لكم هذا؟ فأخبروه فقال ردوه، التمر بالتمر، والحنطة بالحنطة، والشعير بالشعير، والذهب بالذهب، والفضة بالفضة، يدا بيد، عينا بعين، مثلا بمثل ثم قال وكذا ما يكال ويوزن أيضا ".

وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلا

1 مسلم: المساقاة (1597)، والترمذي: البيوع (1206)، وأبو داود: البيوع (3333)، وابن ماجه: التجارات (2277) ، وأحمد (1/393 ،1/394 ،1/453) .

2 البخاري: البيوع (2083)، والنسائي: البيوع (4454) ، وأحمد (2/435 ،2/452 ،2/505)، والدارمي: البيوع (2536) .

3 ابن ماجه: التجارات (2274) .

4 البخاري: البيوع (2134)، وابن ماجه: التجارات (2253) .

ص: 101

بمثل، سواء بسواء، يدا بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم، إذا كان يدا بيد " 1.

رواه مسلم، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الذهب بالذهب وزنا بوزن مثلا بمثل، والفضة بالفضة وزنا بوزن مثلا بمثل، فمن زاد أو استزاد فهو ربا " 2 رواه مسلم.

وعن فضالة بن عبيد، قال:" اشتريت يوم خيبر قلادة بإثني عشر دينارا، فيها ذهب وخرز، ففصلتها فوجدت فيها أكثر من اثني عشر دينارا، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: لا تباع حتى تفصل " 3 رواه مسلم وأبو داود.

وعنه أيضا قال: " أتي النبي صلى الله عليه وسلم عام خيبر بقلادة فيها ذهب وخرز، قال أبو بكر وابن منيع: فيها خرز معلقة بذهب، ابتاعها رجل بتسعة دنانير، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا حتى تميز بينه وبينه فقال: إنما أردت الحجارة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا حتى تميز بينهما " 4 رواه أبو داود.

وأنتم اليوم: وقعتم فيما نهيتم عنه، من ذلك: يباع السيف المحلى بالفضة بريالات ولا يحصل تمييز الفضة من غيرها، فلا يحصل تساو في الفضة، ولا يدا بيد; وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الأحاديث: أنه لا بد من التماثل والتقابض، فإذا لم يحصل ذلك، فهو الربا الذي حرمه الله ورسوله، فتدبروا ما في حديث فضالة، من قول المشتري: إنما أردت الحجارة، فقال صلى الله عليه وسلم " لا حتى تميز بينهما " وقد جاءتكم الموعظة من كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بالنهي عن ذلك،

1 مسلم: المساقاة (1587)، والنسائي: البيوع (4560 ،4561 ،4562)، وابن ماجه: التجارات (2254) ، وأحمد (5/320) .

2 صحيح مسلم: كتاب المساقاة (1588)، وسنن النسائي: كتاب البيوع (4569) .

3 مسلم: المساقاة (1591)، والنسائي: البيوع (4573)، وأبو داود: البيوع (3352) ، وأحمد (6/21) .

4 أبو داود: البيوع (3351) .

ص: 102

فانتهوا عما حرمه الله عليكم، فإن فيما أحل الله لكم غنى عما حرم عليكم، فإن البركة في الحلال، وفي السلامة من الوعيد والوبال، فإياكم والتعرض لسخط الله.

فإذا اشترى أحدكم سيفا أو غيره مما فيه من الفضة، فافصلوا الفضة واقبضوا عوضها في مجلس العقد يدا بيد، فإن كانت بريالات وفضتها فضة الريال، فبيعوها وزنا بوزن وإلا فبيعوها بغير الفضة يدا بيد، فإن في ذلك السلامة من اللعنة والنار، ومحق البركة، قال الله تعالى:{قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [سورة المائدة آية: 100] وكونوا من معاصي الله على حذر، فإن للمعاصي عقوبات عاجلا وآجلا، أجارنا الله وإياكم من المعاصي وعقوباتها، ووفقنا وإياكم لتقوى الله، والعمل بما يحبه ويرضاه.

أكل الربا وتأكيله والشهادة عليه وكتابته

وقال الشيخ: عبد الله أبا بطين، وأما أكل الربا وتأكيله، والشهادة عليه وكتابته، فإنما يستحق هؤلاء الثلاثة اللعن إذا علموا به، كما في الحديث.

وقال الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف رحمه الله: ومن أعظم الكبائر التي تمحق البركات، ويسعى بها صاحبها في حرب الله تعالى، المعاملات الربوية، وقد فشت وكثرت في الناس، وأكثر من غرهم بعض المنتسبين عياذا بالله، وقد شدد صلى الله عليه وسلم في الربا وغلظ فيه، وبين شعبه وأنواعه، وألحق

ص: 103

وسائله بأصوله في التحريم، قال صلى الله عليه وسلم " الربا سبعون بابا أسهلها مثل من يأتي أمه علانية "

سئل الشيخ: محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: عن الربا يختص في المطعومات؟.

فأجاب: مذهب الشيخ وابن القيم: أن الربا يختص في المكيل والموزون بالمطعوم، والذي قال: أنا أعطيك عن ثلاثين هذا الحمر، التي في ذمة هذا الرجل الغائب عشرين زرا، فهذا عين الربا، كيف يشكل هذا عليك؟ وقد اجتمع فيه ربا النسيئة وربا الفضل جميعا.

سئل ابنه: الشيخ عبد الله: عن بيع جنس بجنسه؟.

فأجاب: وأما بيع الحب بحب مثله متفاضلا. فلا يجوز ; وأما إذا كان من جنسين، كشعير بحب، وحب بشعير، فإنه يجوز التفاضل فيه، ولا يجوز بيع بعض ببعض في الذهب والفضة والمطعومات، إلا بشرط التقابض في المجلس، كما في الحديث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والتمر بالتمر، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والملح بالملح، مِثلا بمثل، فإذا اختلفت هذه الأصناف، فبيعوا كيف شئتم يدا بيد " 1 والعمل على هذا عند أهل العلم، لا يرون أنه يباع البر بالبر إلا مثلا بمثل، وباقي الأصناف المذكورة في الحديث كذلك، فإذا اختلفت الأجناس، فلا

1 الترمذي: البيوع (1240)، والنسائي: البيوع (4561)، وابن ماجه: التجارات (2254) ، وأحمد (5/320) .

ص: 104

بأس أن يباع بعضها ببعض متفاضلا، بشرط التقابض في المجلس.

وأجاب أيضا: وأما بيع البر بالبر، والشعير بالشعير، فلا يجوز إلا سواء بسواء، يدا بيد، إلا إذا اختلفت الأجناس، فيجوز الزيادة لكن يدا بيد.

وأجاب الشيخ: حمد بن ناصر بن معمر: هذه المسألة اختلف فيها كثير من العلماء، يقولون إن العلة في الذهب والفضة، كونها موزونتي جنس، فيطردون العلة في كل موزون من جنس واحد، فلا يجوز بيع الصفر بالصفر، والرصاص بالرصاص، والنحاس بالنحاس، والحديد بالحديد; وكذلك الأصناف الأربعة: البر والشعير، والتمر والملح، المنصوص عليها في حديث عبادة، المخرج في صحيح مسلم، والذهب والفضة، يقولون: العلة في البر والشعير، والتمر والملح "الطعم والكيل" فيطردون في كل مكيل مطعوم.

وأما المطعوم الذي لا يكال ولا يوزن، كالمعدودات كالبطيخ، والرمان، وكالبعير والفرس، وما جرى هذا المجرى، فيجوز التفاضل في ذلك، إذا كان يدا بيد، ولا يجوز بيع ذلك بعضه ببعض نسأ، هذا قول أكثر العلماء، وعليه الفتوى عندنا، واستدلوا على ذلك، بما روى الإمام أحمد في المسند: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تبيعوا الدينار، بالدينارين، ولا الدرهم بالدرهمين، ولا الصاع

ص: 105

بالصاعين، فإني أخاف عليكم الرماء " 1.

وهو الربا، فقام إليه رجل فقال: يا رسول الله، الرجل يبيع الفرس، بالأفراس، والنجيبة بالإبل، فقال "لا بأس إذا كان يدا بيد "2.

وأجاب الشيخ عبد الله أبا بطين: وأما الأصناف الستة الربوية المذكورة، فلا يجوز بيع واحد منها بجنسه، إلا مثلا بمثل يدا بيد، وأما بيعه بغير جنسه، فيجوز التفاضل فيه، بشرط التقابض في مجلس العقد.

وسئل: عن بيع الشاة بالشاة، وبيع اللبن في الشاة

إلخ؟.

فأجاب: وأما بيع اللبن في الشاة على هذه الصورة، فكثير من العلماء يمنعه، وأباحه بعضهم، وبيع الشاة بالشاة فلا بأس به.

وسئل الشيخ: عبد الله بن الشيخ: عن بيع اللحم بالشحم، أو عكسه؟.

فأجاب: اللحم والشحم أجناس، فمن الأصحاب من جوز بعضه ببعض متفاضلا، وقال القاضي هما جنس واحد، لا يجوز بيع بعضه ببعض متفاضلا.

سئل الشيخ: محمد بن عبد الوهاب، رحمه الله: عن بيع التين متفاضلا؟.

فأجاب: بيع التين متفاضلا، لا يجوزه الشيخ وابن القيم.

1 أحمد (2/109) .

2 أحمد (2/109) .

ص: 106

سئل الإمام: عبد العزيز بن محمد بن سعود عن الربا، هل هو في الستة الأنواع المنصوص عليها؟ أم ليس هو إلا في النسيئة؟.

فأجاب: الذي ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم واتفقت عليه الأمة، هو: ربا النسيئة في الأنواع الستة، التي في حديث عبادة:" البر بالبر، والتمر بالتمر، والشعير بالشعير، والذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والملح بالملح "1.

وأما ربا الفضل مع عدم النسيئة، فالذي عليه كثير الأمة: تحريمه; ودليلهم عليه أحاديث كثيرة مشهورة، في الصحيحين وغيرهما، وخالف في ذلك ابن عباس رضي الله عنهما، ثم قيل إنه رجع عن ذلك، لما ناظره أبو سعيد الخدري، وغيره من الصحابة.

وأما من باع متاعا بأكثر من سعر يومه، لأجل النسيئة مع اضطرار المشتري إليه، هل يحل أم لا؟ فهذه المسألة تسمى "بيع المضطر" وهي جائزة عند أكثر العلماء، لظاهر قوله تعالى:{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا} [سورة البقرة آية: 275] فإن كان المشتري متورقا، فمسألة "التورق" اختلف العلماء فيها، وجمهورهم على جوازها، ومنعها عمر بن عبد العزيز، وبعض التابعين، وأحمد في رواية عنه.

1 مسلم: المساقاة (1587)، والترمذي: البيوع (1240)، والنسائي: البيوع (4561 ،4562 ،4564)، وابن ماجه: التجارات (2254) ، وأحمد (5/314)، والدارمي: البيوع (2579) .

ص: 107

سئل الشيخ: عبد الرحمن بن حسن، رحمه الله: عن بيع النوى بحب، أو تمر؟.

فأجاب: أما بيع النوى بتمر فيه نوى، ففيه روايتان: إحداهما- وهو المذهب- يجوز، قال في الإنصاف: صححه في التصحيح وغيره واختاره ابن حامد، وابن أبي موسى، والقاضي وغيرهم، قال في الشرح: وعلى القول بالجواز: يجوز متفاضلا ومتساويا، وعلى الرواية الأخرى لا يجوز; وأما بيع النوى بالمكيل من غير جنسه نسيئة فيجرى على الخلاف في علة الربا، فعلى القول: بأن العلة الكيل والوزن، على المشهور في مذهب الإمام أحمد، ومذهب أبي حنيفة، فلا يجوز ذلك، وعلى القول الثاني: أن علة الربا الطعم، وفي الذهب والفضة الثمينة، يجوز بيع النوى بكل مكيل وموزون وغيره، لأن النوى ليس من طعام الآدمي.

والقول: بأن العلة الطعم مع الكيل والوزن، اختارها الموفق، والشيخ تقي الدين، ومالك خص الربا بالقوت وما يصلحه، ورجحه ابن القيم رحمه الله، فعلى هذين القولين أيضا: يجوز بيع النوى بغيره نسيئة، لعدم وجود العلة فيه، فيمتنع على القول الأول، ويجوز على ما بعده من الأقوال.

ص: 108

سئل الشيخ: عبد الله بن الشيخ محمد: عن معنى مد عجوة؟.

فأجاب: هو جنس يباع بعضه ببعض، ومع أحدهما أو معهما من غير جنسهما، كدرهم ومدين، أو بمد ودرهم، وظاهر المذهب أن ذلك لا يجوز، نص عليه أحمد في مواضع كثيرة، وقيل: يجوز بشرط أن يكون المفرد أكثر من الذي معه.

وأجاب الشيخ: عبد الرحمن بن حسن: ومن صورها مد ودرهم، بدرهمين، فالجمهور من الفقهاء قالوا بعدم الجواز، بناء على أن جملة المد والدرهم في مقابلة الدرهمين، فلم يتميز ما يقابل الدرهم من جميع الدرهمين، ولا ما يقابل المد، وإنما الجملة قابلت الجملة، فلا تحصل المماثلة بين الجنس الذي هو لغة للجمل بما يقابل كلا، وكذلك إذا وزعت الأفراد على الجمل، كما إذا اعتبر الدرهم الذي مع المد في مقابلة مجموع الجملة من الدرهمين، والمد كذلك، فلم يتميز ما يقابل الجنس من جنسه، هل هو درهم، أو أقل، أو أكثر; والجهل بالتساوي كالعلم بالتفاضل.

وذهب شيخ الإسلام: كأبي حنيفة، إلى الجواز، فوزعوا الأفراد على الأفراد، فصار الدرهم يقابل درهما من غير زيادة، والمد يقابل الدرهم الآخر، فحصلت المماثلة والتساوي في الجنس، وهو مشكل، والله أعلم.

ص: 109

فصل

سئل الشيخ: عبد الله بن الشيخ محمد: هل يجوز بيع الذهب والفضة بعرض، كالجدد وغيرها نسيئة؟.

فأجاب: لا يجوز ذلك إذا كان العرض جدد، لأنها بمنْزلة الأثمان، إذا اختلفت أجناسها، يجوز بيع بعضها ببعض ولا يجوز نسيئة، وأما العروض التي ليست بأثمان، فلا بأس بذلك، ولا أعلم في هذه المسألة نزاعا بين العلماء.

سئل الشيخ: عبد الرحمن بن حسن -رحمه الله تعالى-: عن صرف الريال بالجدد؟.

فأجاب: ظهر لنا بعد التحري، أن في عشرين الجديدة من الفضة الخالصة، مثل ما في الريال من خالص الفضة، ورفعنا الأمر لتركي رحمه الله، ومنع الناس من المصارفة بأكثر أو أقل، فحصل منهم الامتثال في الظاهر دون الباطن، فدخل في الأمر ما أفسده وهو: تقطيع الريال، وسكه عشرين قطعة أو أكثر، فصار الناس يتصارفون الريال بفضة مقطعة مضروبة، فوقعوا في الربا الصريح، ببيع الفضة الخالصة بالفضة الخالصة متفاضلا. فلما صارت المفسدة أكبر نهيناهم عن ذلك، لأن المفسدة فيه أعظم، لكونه صريح الربا، وسكتنا عن الأمر الأول، وهو: المصارفة بالجدد الأولى المغشوشة، لوجهين:

الأول: أنه قد تقدم منا النهي، وصار معلوما عند الخاص

ص: 110

والعام، وأني صنفت في ذلك مصنفا.

الوجه الثاني: أن فيه ارتكاب أدنى الضررين لدفع أعلاهما، فصرنا لا نأمرهم ولا ننهاهم، وكنا سابقا قد بلغناهم، وفي تلك الحال لم يحصل امتثال.

سئل الشيخ: محمد بن عبد الوهاب، رحمه الله: عن بيع الحديد بالنحاس، واللحم بالتمر نسيئة؟.

فأجاب: ومسألة الحديد بالنحاس، واللحم بالتمر نسيئة، ما ندري عنها، والورع تركه. وأجاب ابنه الشيخ عبد الله: وأما السمن بالتمر، واللحم بالتمر، والأقط بالتمر، فالذي يعمل عليه أكثر أهل العلم، أنه لا يجوز، وينهى عنه، وهو الذي نعمل عليه.

وأجاب أيضا: وأما إذا باع ذرة، ببر نسأ، فهذا لا يجوز، وهو ربا إلا إن كان يدا بيد، وأما بيع السمن بالحب مؤجلا، فلا ينبغي فعله.

وأجاب أيضا: وأما بيع الحيوان بالتمر نسأ، فلا أرى به بأسا، وأما بيع الدهن بالتمر، أو البر نسأ، فلا يجوز عند جمهور العلماء، وأجازه نفاة القياس، القائلون بقصر الربا على الأنواع الستة، المذكورة في حديث عبادة، لكن قول الجمهور أولى وأحوط، وأما إذا بيع ذلك يدا بيد فهو جائز، لقوله عليه السلام فإذا اختلفت هذه الأجناس إلخ، وأما بيع الدراهم بالحب، وبيع الحب بالدراهم مؤجلا، فجائز إذا حضر أحد النوعين.

ص: 111

وأجاب الشيخ: عبد الرحمن بن حسن: أما بيع اللحم بالطعام نسيئة، فإن كان الطعام مكيلا، فهو من باب بيع الموزون بالمكيل، لأن اللحم من الموزونات، فيجوز حالاًّ مقبوضا بلا ريب، وأما إذا اشترى به مكيلا نسيئة، ففيه روايتان: إحداهما يجوز وهو المذهب، صححه في الخلاصة وغيرها، وهو الذي ذكرته عن شيخنا: الشيخ حمد بن ناصر رحمه الله، أنه أفتاك به، والرواية الثانية: أنه لا يجوز، قطع به الخرقي وصاحب الوجيز، وصححه في التصحيح، وهذه الرواية تجري على مذهب مالك، إذا كان كلاهما من القوت، وتجري أيضا على الرواية الثانية عن الإمام أحمد، وقول الشافعي وابن المسيب أن العلة الطعم، فتأمله يظهر لك أقواهما.

وسئل الشيخ: عبد الله أبا بطين: عن بيع اللحم بالحيوان

إلخ؟

فأجاب: وأما بيع اللحم بالحيوان، فهو من مراسيل سعيد بن المسيب، عن النبي صلى الله عليه وسلم وذكر الإمام أحمد حديثا مرفوعا:" لا يباع حي بميت "

واختلف العلماء في ذلك، فقال أبو حنيفة: يجوز بيع اللحم بالحيوان مطلقا، ومذهب مالك والشافعي وأحمد: أنه لا يجوز بيع اللحم بحيوان من جنسه، وفي بيعه بغير جنسه خلاف، المشهور في المذهب الجواز، وأما بيعه بحيوان غير مأكول، ففيه قول بعدم الجواز، وقال الشارح ظاهر قول أصحابنا الجواز، وهو قول عامة الفقهاء.

ص: 112

وسئل الشيخ: سعيد بن حجي: عن بيع النوى بالتمر، أو البر نسأ؟.

فأجاب: يجوز بيع النوى بالتمر، أو بالبر نسأ، لأن ما انعدم فيه الطعم فلا ربا فيه، رواية واحدة، وهو قول أكثر أهل العلم، وذلك كالتبن والنوى والقت، والماء والطين ونحو ذلك، قاله في الشرح، فعلى هذا يجوز بيع النوى بالتمر، وبالبر ونحوهما نسأ، لأن النوى لا يدخله الربا.

وسئل: عن رجل نهى أن يبيع عشرة آصع من البر وغيره، بعشرين صاعا نسأ، فاحتال وقال: أعطيك قروشا على عشرين، واشتر بها مني على عشرة؟.

فأجاب: لا يجوز بيع الربوي بالربوي، إلا يدا بيد، فإن كان جنسا واحدا كالتمر بالتمر، والبر بالبر ونحوها، اشترط فيه المساواة والتقابض في مجلس العقد، وإن كان جنسا بجنس آخر، كالتمر بالبر ونحوهما، اشترط التقابض في المجلس، ولم تشترط المساواة، فيجوز صاع تمر بصاعي بر، ونحو ذلك بشرطه المتقدم.

وأما الحيلة المسؤول عنها: فلا تجوز، لا سيما إذا كان يعامل بالربا ثم نهى عنه، قال في الشرح: وأما الحيل فهي محرمة كلها، قال أيوب السختياني: إنهم ليخادعون الله كما يخادعون الصبيان، لو أتوا الأمر على وجهه كان أهون علي، وقال أبو حنيفة: هي جائزة إذا لم يشترط عند العقد ولنا

ص: 113

أن الله عذب أمة بحيلة احتالوها، وجعل ذلك {نَكَالاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ} [سورة البقرة آية: 66] يتعظون بهم انتهى، وذكر في الإقناع نحوا من ذلك، وهل إذا أسلم عليه القروش. وتقابضا، واشترى منه بذلك الثمن ربويا يجوز؟ أما إذا لم يتقابضا شيئا فالبيع فاسد.

سئل الشيخ: محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: عن بيع البعير بالبعيرين نسأ؟

فأجاب: والبعير بالبعيرين إلى أجل فيه اختلاف، الأصح أنه يجوز للحاجة.

وأجاب ابنه الشيخ عبد الله: وأما بيع الإبل بالحيوان نسيئة ففيه خلاف، ومن منعه احتج بالحديث المروي في ذلك: أنه نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة، ومن أجازه احتج بالحديث الصحيح في قصة وفد هوازن: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ومن لم تطب نفسه، فله بكل فريضة ست فرائض، من أول ما يفيء الله علينا " والتفريق بين ما كان معد للحم وغيره، عند مالك وغيره إنما هو في مسألة بيع اللحم بالحيوان، هل يصح ذلك أم لا؟ فمنعه مالك فيما كان معدا للحم، دون ما هو معدا للركوب وغيره.

وأجاب الشيخ حمد بن ناصر رحمه الله: بعض العلماء ذكر ذلك، وكثير منهم لا يرى بذلك بأسا، لما روي أن عليا رضي الله عنه باع بعيرا، يقال له عصيفير، بأربعة أبعرة إلى أجل معلوم.

ص: 114

سئل الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد: عن بيع ثوب بثوبين نسأ؟ فأجاب: يجوز بيع ثوب بثوبين.

سئل الشيخ: محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله تعالى-: إذا حل لرجل دراهم، وأراد أن يقلبها بزاد وأخرج دراهم وصحح بها وأوفاه بها؟

فأجاب: قد ذكرت لك أن هذه من الحيل الباطلة، التي أنكرها الإمام أحمد وغيره من الأئمة، وأغلظوا القول فيها وأهلها، وذلك: أن عندهم لا بد من كون رأس مال السلم مقبوضا في مجلس العقد، وعندهم أن كونه دينا، أعني رأس مال السلم ربا، وهذه مسألتكم بعينها، لأنه لما اعترف بكونه ربا، أحضر من بيته عدة من الدين المقلوب وعقد به، والعاقدان والشهود ومن حضرهم، يعلمون أن المكتوب هذا الدين الحال، والتاجر يقول له، أوفنى أو اكتبها 1 والمشتري يقول: وردت له دراهم وكتبتها منه، ويفهمون أن الدراهم الحاضرة غير مقصودة، ويسمون هذا العقد التصحيح، هذا لا ينكره إلا مكابر معاند.

وحينئذ فعبارتهم: والحيل التي تحل حراما، أو تحرم حلالا، لا تجوز في شيء من الدين; وهو أن يظهرا عقدا

1 الكتب: السلم و "اكتبها" اجعلها سلما، في لغة بعض أهل نجد.

ص: 115

صحيحا، ومرادهما التوصل به إلى غير صحيح، وهذه عبارة الإقناع وشرحه، فإن جادلكم أحد: أن هذه الصورة غير داخلة في ذلك، فقل له: ما صورة الحيلة المحرمة؟ فإنه لا يذكر شيئا من الصور، إلا ومسألتكم مثلها، أو أشد بطلانا; وأعجب من هذا: أن ابن القيم، ذكر في أعلام الموقعين، في صورة لو أراد أن يجعل رأس مال السلم دينارا، يوفيه إياه في وقت آخر، بأن يكون معه نصف دينار، ويريد أن يسلم إلى رجل دينارا في كر حنطة، فالحيلة: أن يسلم إليه دينارا غير معين، ثم يوفيه نصف دينار؛ وهذه الحيلة من أقبح الحيل، فإنهما توصلا إلى ذلك بالقرض، الذي جعلاه صورة مبيحة لصريح الربا، ولتأخير رأس مال السلم، وهذا غير القبض الذي جاءت به الشريعة، وإنما اتخذه المتعاقدان تلاعبا بحدود الله، انتهى كلامه.

فإذا كان هذا كلامهم، فيمن أراد أن يسلم إلى رجل مائة "محمدية" 1 من بيته باطنا وظاهرا، لكن لم يحضر في المجلس إلا خمسين، وكتبها عليه، ثم استقرضها وكتبها أخرى، إلى أن يخرج بالخمسين آخر النهار، أو بكرة، فكيف بكلامه في التحيل على قلب الدين، وجعله رأس مال السلم؟ ! وإذا كان هذا كلامه في أعلام الموقعين، وهم ينسبون عنه: أنه إذا أراد أن يشتري دابة بخمسين، وجاء رجل

1 المحمدية: نقود متداولة في زمن الشيخ.

ص: 116

وأربحه في الخمسين خمسة، أو أكثر، قال: أنا موكلك تشتريها لي، ثم تبيعها على نفسك، وهذه الحيلة الملعونة، التي هي مغلظ الربا، أو الحيلة التي استباح بها أكثر المطاوعة إلى الآن الربا الصريح، ونسبوها إلى أعلام الموقعين، وحاشاه منها، بل هذا صفة كلامه في رأس مال السلم الحاضر، إذا تأخر قبض بعضه إلى آخر النهار، فضلا عن هذه المسألة وأمثالها، ومع هذا كله: فإن الله تعالى لا مرد لحكمه، يضل من يشاء ويهدي من يشاء، {إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ} [سورة يونس آية: 96-97] .

وأجاب أيضا: ورد الدين على المعسر ما يجوز، إن كان ثمن زاد أو غيره.

قلب الدين على المعسر

وقال أبناء الشيخ: حسين وإبراهيم وعبد الله وعلي ومنها: أي المعاملات الربوية، قلب الدين على المعسر، إذا حل الدين على الغريم ولم يقدر على الوفاء، أحضر طالب الدين دراهم، وأسلمها إليه في طعام في ذمته، ثم أوفاه بها في مجلس العقد، ويسمون هذا تصحيحا، وهو فاسد ليس بصحيح، فإنه لم يسلم إليه دراهم، وإنما قلب عليه الدين الذي في ذمته، لما عجز عن استيفائه، والمعسر لا يجوز قلب الدين عليه.

فعليكم بتقوى الله (واحذروا عقوبته، فإن هذه

ص: 117

المعاملات تمحق المال، وتذهب بركته، وعاقبته في الآخرة أعظم مما يعاقب به صاحبه في الدنيا، من عدم البركة فيه، فإذا حل الدين على المعسر، لم يجز لغريمه التحيل على قلبه عليه، كما قال تعالى:{فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} 1 وإن كان الغريم مليا، وأراد أن يسلم إليه ويعامله، فليدفع إليه دراهم، ويقبضها البائع، ويذهب بها إلى بيته، ولا يوفيه بها في الحال، فإذا تملكها وأخذت عنده يوما أو يومين، بحيث يتصرف فيها بما يشاء، ثم أوفاه منها، فهذا لا بأس به إن شاء الله تعالى.

وأما الاستيفاء بها في مجلس العقد، فلا ينبغي لكم، لأنه ذريعة إلى الحيل، والحيل كلها محرمة; وكذلك إذا حل التمر على الكَدَّاد، فلا بد من قبضه بالقبض الشرعي، وأما التحيل على قلبه على صاحبه، فلا ينبغي أيضا، بل يأخذه صاحبه، ولا يبيع على الذي أوفاه منه شيئا، لا كثيرا ولا قليلا، فإن أحب البيع فليبعه طعاما غير الطعام الذي قبضه منه، فتحصل المعاملة، ويحصل التنَزه والاحتياط عن الحيل، التي لا يجوز تعاطيها.

وأجاب أيضا: الشيخ عبد الله: إذا كان في ذمة الكداد دراهم للتاجر أو الأجير، وأراد أن يقلبها عليه في زاد فهذه المسألة خطرها كبير، فينبغي التفطن فيها، لئلا يقع الإنسان في الربا وهو لا يشعر، وصورة المسألة: أن العلماء اختلفوا هل للتاجر أن يسلم إلى غريمه دراهم يستافي بها عن دينه

1 سورة البقرة آية: 280.

ص: 118

فمنعه مالك، وقال: ما خرج من اليد وعاد إليها فهو لغو، وجوده كعدمه، ومذهبه رحمه الله: أن هذا التصحيح الذي يفعله الناس اليوم لا يجوز.

وأما الأئمة الثلاثة، فيفرقون بين المليء الباذل، وبين المعسر المماطل، فالمعسر لا يجوز قلب الدين عليه، والواجب إنظاره، قال الله تعالى:{وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [سورة البقرة آية: 280] وأما الملي الباذل فظاهر كلامهم جواز السلم إليه، ولو أوفاه من الدراهم التي أسلمها إليه، إذا كان على غير وجه الحيلة ومن أعظم ما يكون، وأشده خطرا: قلب الدين إذا عجز عن استيفائه، فتجد الرجل يطلب الفلاح دراهمه، فإذا عجز عن استيفائها، كتبها عليه وصحح فيها، وهو لو يطمع أن دراهمه تحصل له بتمامها، ولو بعد سنة، ما كتبها عليه بزاد ولكن إذا علم أنه لا يحصل له دراهم، وعرف أنها باقية في ذمة الكداد، قلبها عليه لئلا يفوته الربح، وهذه من الحيل الباطلة، المتضمنة للربا.

والواجب: على كل من يداين الناس، أو يفتيهم، التفطن لهذه الأمور، وكثير من الناس يعقد عقودا ظاهرها الصحة، وهي باطلة، لأجل الحيلة، فينبغي لمن أسلم إلى غريمه أن يدفعها إليه، ولا يستافى منها بشيء في مجلس العقد، بل يدفعها إليه، ويمضي بها إلى بيته، فإذا حازها وتملكها، وصارت الدراهم مالا له، يتصرف فيها كسائر ماله، فلا بأس إذا أوفاه بها بعد ذلك.

ص: 119