الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني
تفسيره للقرآن الكريم
(1)
.
وعرّفه بعضهم بأنه: «علم يبحث فيه عن أحوال القرآن المجيد، من حيث دلالته على مراد الله تعالى، بقدر الطاقة البشرية»
(2)
.
ومن المعلوم أن الله سبحانه وتعالى قد خاطب خلقه بما يفهمونه، وإنما أرسل رسله إلى أقوامهم بلغتهم، وقد عاب الله جلَّ وعلا على المشركين عدم تدبّرهم للقرآن رغم نزوله بلغتهم فقال:{إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}
(3)
.
وقال جل جلاله: {وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً}
(4)
.
وقال سبحانه: {قُرآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}
(5)
.
(1)
قاله الزركشي في الاتقان (2/ 462).
(2)
منهج الفرقان (2/ 6).
(3)
يوسف (2).
(4)
طه (113).
(5)
الزمر (28).
ويقرِّرُ الله سبحانه هذه المسألة، ويحتجُّ على المشركين بأن هذا القرآن إنَّما أُنزل بلغة تفهمونها ولو أَنزله سبحانه بلغة لا يعقلونها لاحتجّوا بعدم الفهم فقال سبحانه:{وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أَعْجَمِيّاً لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ}
(1)
.
من هنا يتبين أنّ من ادّعى - من الباطنية - بأنَّ الله سبحانه قد خاطب خلقه بالألغاز وبما لا يفهمون أو يعقلون وبأنَّ ظاهر القرآن بخلاف باطنه فقد نسب الظلم لله والعياذ بالله من ذلك، وقد خالف بقوله هذا قول الله عز وجل:{وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً عَلَى هَؤُلاء وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ}
(2)
.
فكيف يكون الكتاب تبياناً لكل شيء وهو غامض لا يفهمه إلا نفرٌ قليلٌ من النَّاس؟ وكيف يهدي الله به عباده وقد حصر فهم القرآن على نفرٍ قليل؟.
فإن قال قائل: إن كان القرآن الكريم واضحاً ومفهوماً للنَّاس جميعاً فما الحاجة إلى التفسير إذاً؟.
(1)
فصلت (44).
(2)
النحل (89).
والجواب أن يقال إنَّنا نحتاج التفسير لسببين:
أولهما: كمال فضيلة هذا الكتاب، وهو لقوته العلميَّة يجمع المعاني الدقيقة في لفظ وجيز، فربما عسر على البعض فهم مراده، فقصد بالشرح ظهور تلك المعاني الخفية.
ثانيهما: احتمال اللفظ لمعانٍ مختلفة فاحتجنا إلى علم التفسير لترجيح معنى على الآخر.
ومن المعلوم أن هذا القرآن أول نزوله كان على أفصح العرب، وكانوا يعلمون ظواهره وأحكامه، ولكن تخفى عليهم بعض الجوانب الدقيقة منه، وكانت تظهر لهم بعد البحث والنَّظر وسؤال النبي صلى الله عليه و آله وسلم، وذلك كسؤالهم عند نزول قوله جلَّ وعلا:{الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ}
(1)
، فقالوا: أيّنا لم يظلم نفسه؟، ففسَّره النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالشرك واستدلَّ بقوله سبحانه:{وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}
(2)
.
أمّا في زماننا هذا فقد ازدادت الحاجة إلى هذا العلم، وذلك لبعدنا الشديد عن اللغة العربيَّة، ولقصورنا في فهم مدارك أحكامها.
(1)
الأنعام (82).
(2)
لقمان (13).
أما عن أحسن طرق التفسير:
فقد قال الحافظ ابن كثير في تفسيره: «إنَّ أصح الطرق في ذلك أن يُفَسَّر القرآن بالقرآن، فما أُجْمِل في مكان فإنه قد فُسِّر في موضع آخر، فإن أعياك ذلك فعليك بالسنة فإنها شارحة للقرآن وموضحة له»
(1)
.
واستدل «رحمه الله» على ذلك بقول رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم: «ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه..»
(2)
.
فإن لم نجد التفسير في القرآن ولا في السنة، «رجعنا في ذلك إلى أقوال الصحابة فإنهم أدرى بذلك، لما شاهدوا من القرائن والأحوال التي اختصوا بها، ولما لهم من الفهم التام، والعلم الصحيح، والعمل الصالح، لا سيِّما علماؤهم وكبراؤهم»
(3)
.
وإن لم نجد في أقوال الصحابة رجعنا إلى أقوال التابعين كمجاهد وعطاء وسعيد بن جبير و «الباقر» والضحَّاك وقَتاده وغيرهم من التابعين وأتباع التابعين رضوان الله عليهم.
(1)
تفسير ابن كثير (1/ 4).
(2)
مسند أحمد بن حنبل مسند الشاميين حديث المقدام بن معدي كرب الكندي أبي كريمة حديث رقم (16546).
(3)
تفسير ابن كثير (1/ 4).
أما تفسير القرآن بمجرد الرأي بلا علم فحرام، وذلك لقول رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم:«من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار»
(1)
.
(1)
سنن الترمذي كتاب (تفسير القرآن) باب (ما جاء في الذي يفسر القرآن برأيه) حديث رقم (2874)، قال عنه الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وقد ضعفه الشيخ الألباني رحمه الله.