الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فانظر كيف استدرج إبليس لعنه الله الناس إلى الشرك، وكان أوَّل استدراجه لهم الاعتكاف حول قبر رجل صالح واستشفاعهم به، وهذا عين حال الناس اليوم وإلى الله المشتكى.
الدعاء هو العبادة
لقد قال تعالى في كتابه الكريم: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}
(1)
، وتأمَّل قوله جلَّ وعلا {ادْعُونِي} ثم قوله {عِبَادَتِي} فالمستكبر عن دعاء الله هو مستكبر عن عبادته سبحانه.
وروي أن سديراً الصيرفي سأل «الباقر» عليه السلام: أي العبادة أفضل؟ فقال: «ما من شيء أفضل عند الله من أن يسأل ما عنده ويطلب منه، وما أحد أبغض إلى الله ممن يستكبر عن عبادته ولا يسأل ما عنده»
(2)
.
فكيف يا عبد الله تصرف أفضل العبادات لغير الله؟، أما لك في هدي النبي وآل بيته أسوة حسنة؟.
واقرأ قوله رضي الله عنه: «لا يلح عبد مؤمن على الله في حاجته إلا قضاها له»
(3)
.
ولم يقل: (تشفعوا بي وبغيري من أهل البيت لتقضى حاجاتكم!).
(1)
غافر (60).
(2)
عوالي اللئالي ابن ابي جمهور الأحسائي (4/ 19).
(3)
عدة الداعي ابن فهد الحلي ص (189).
(1)
.
قد دلَّل «الباقر» على عظم قدر الدعاء ونص على أنَّ الدُّعاء من الله بمكان فكيف يصرف لغير الله تعالى؟
واقرأ هذه الرواية في «مكارم الأخلاق للطبرسي» :
«عن أبي عبيدة الحذاء قال: كنت مع «الباقر» عليه السلام فَضَلَّ بعيري، فقال عليه السلام: صل ركعتين ثم قل كما أقول: «اللهم راد الضالة، هاديا من الضلالة رد علي ضالتي فإنها من فضلك وعطائك» ثم قال عليه السلام: يا أبا عبيدة تعال فاركب، فركبت مع أبي جعفرعليه السلام فلما سرنا إذا سواد على الطريق، فقال عليه السلام: يا أبا عبيدة هذا بعيرك فإذا هو بعيري»
(2)
.
فهذا «الباقر» في حياته يُعَلِّم من معه أن يتقرب إلى الله بالعمل الصالح عندما قال «صل ركعتين» ثمَّ بالدعاء إلى الله وحده ولم يقل له: (استغث بي أو بأجدادي) وهذا مصداق قوله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ وَابْتَغُوا إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}
(3)
فالوسيلة التي يأمرنا ربُّ العِزَّة باتِّخاذها هي
(1)
عدة الداعي ابن فهد الحلي ص (186 - 187).
(2)
مكارم الأخلاق للطبرسي ص (259 - 260).
(3)
المائدة (35).
العمل الصالح وهذا ما فهمه «الباقر» رضي الله، فأمر من معه بالعمل الصالح ليكون قربة إلى الله عز وجل ويُتْبِع العمل الصالح بالدعاء.
(1)
.
فليست الوسيلة باتخاذ الأولياء والصالحين وسائط بين العبد وخالقه وإنما هي عبادات يتوجه بها العبد إلى خالقه رجاء رحمته وخوفا من عذابه.
وقد روى الطوسي في «الأمالي» عن محمد بن عجلان (مولى الإمام الباقر) أنه قال: أصابتني فاقةٌ شديدةٌ ولا صديقٌ لمضيق، ولزمني دين ثقيل وغريم يلج
(1)
بحار الأنوار للمجلسي (66/ 386).
باقتضائه، فتوجهت نحو دار الحسن بن زيد، وهو يومئذ أمير المدينة لمعرفة كانت بيني وبينه، وشعر بذلك من حالي محمد بن عبد الله بن علي بن الحسين، وكان بيني وبينه قديم معرفة، فلقيني في الطريق فأخذ بيدي وقال لي: قد بلغني ما أنت بسبيله، فمن تؤمل لكشف ما نزل بك؟ قلت: الحسن بن زيد. فقال: إذن لا تقضى حاجتك ولا تسعف بطلبتك، فعليك بمن يقدر على ذلك، وهو أجود الأجودين، فالتمس ما تؤمله من قبله، فإني سمعت ابن عمي جعفر بن محمد يحدث عن أبيه عن جده، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه علي بن أبي طالب عليهم السلام، عن النبي صلى الله عليه وآله قال: أوحى الله إلى بعض أنبيائه في بعض وحيه إليه، وعزتي وجلالي لأقطعن أمل كل مؤمل غيري بالإياس، ولأكسونّه ثوب المذلة في الناس، ولأبعدنه من فَرَجي وفضلي، أيؤمل عبدي في الشدائد غيري، أو يرجو سواي! وأنا الغني الجواد، بيدي مفاتيح الأبواب وهي مغلقة وبابي مفتوح لمن دعاني، ألم يعلم أنه ما أوهنته نائبة لم يملك كشفها عنه غيري، فما لي أراه بأمله معرضا عني، قد أعطيته بجودي وكرمي ما لم يسألني، فأعرَضَ عني ولم يسألني وسأل في نائبته غيري وأنا اللهُ ابتدئ بالعطية قبل المسألة، أفأُسال فلا أجيب؟ كلا أو ليس الجود والكرم لي؟ أو ليس الدنيا والآخرة بيدي؟ فلو أن أهل سبع سماوات وأرضين سألوني جميعا فأعطيت كل واحد منهم مسألته، ما نقص ذلك من ملكي مثل جناح بعوضة، وكيف ينقص ملك أنا قيّمه؟ فيا بؤس لمن عصاني ولم يراقبني. فقلت: يا ابن رسول الله، أعد علي هذا
الحديث، فأعاده ثلاثاً فقلت: لا والله لا سألت أحداً بعد هذا حاجة، فما لبثت أن جاءني برزق وفضل من عنده»
(1)
.
فأقول: يا بؤس من يؤمل غير الله ويا بؤس من يدعو غير الله، ويا بؤس من يستجير بغير الله، فإنه قد لجأ إلى العبد وترك المعبود، واعتصم بالناس ونسي رب الناس، فيا من تسأل غير الله اتِّق الله، واقتد بالنَّبي وبآل بيته وبصحابته، فو الله ما أشركوا مع الله أحداً بدعائهم أبداً، ولا يغرنَّك كثرة من ترى ممن ضلوا سواء السبيل فقد قال تعالى في كتابه العزيز {وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ}
(2)
.
وقد قال أحد العلماء العارفين رحمه الله: «الزم طريق الهداية ولا يضرنك قلة السالكين، وإياك وطريق الغواية ولا يغرنك كثرة الهالكين» .
وقد نقل عن «الباقر» رضي الله عنه قوله: «ما اغرورقت عين بمائها من خشية الله عز وجل إلا حرّم الله جسدها على النار، ولا فاضت دمعة على خد صاحبها فرهق وجهه قتر ولا ذلة يوم القيامة، وما من شيء من أعمال الخير إلا وله وزن أو أجر إلا الدمعة من خشية الله، فإنّ الله يطفئ بالقطرة منها بحاراً من نار يوم القيامة، وإنّ الباكي ليبكي من خشية الله في أمة فيرحم الله تلك الأمة ببكاء ذلك المؤمن فيها»
(3)
.
(1)
الأمالي للطوسي ص (584).
(2)
الأنعام (116).
(3)
الأمالي للمفيد ص (143).