الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الرابع
الإمام «الباقر»
…
ذلك الرجل المُوَحِّدُ
لم يألُ النبي صلى الله عليه وآله وسلم جهداً في تبليغ رسالة ربه، فأتمَّ لنا الدِّين وتركنا على المحجَّة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، وقد شهد له الله عز وجل بذلك فقال في كتابه العزيز:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلَامَ دِيناً}
(1)
، فجزاه الله عنَّا خير ما يجزي به نبيّاً عن أمته.
ولم يختص النبي صلى الله عليه وآله وسلم أحدا من أمته بتعاليم خاصة يمكن أن تتداول من بعده عليه الصلاة والسلام سرّا أو علانية، فقد أُكمل الدين تمّت النعمة.
وفي مسند أحمد عن الحارث بن سويد قال: قيل لعلي: إن رسولكم كان يخصكم بشيء دون الناس عامة قال: ما خصنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء لم يخص به الناس إلا بشيء في قراب سيفى هذا، فاخرج صحيفة فيها شيء من أسنان الإبل وفيها أن المدينة حرم من بين ثور إلى عائر من أحدث فيها حدثا أو آوى محدثا فإن عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه يوم القيامة صرف ولا عدل وذمّة المسلمين واحدة فمن أخفر مسلما فعليه لعنه الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه
(1)
المائدة آية (3).
يوم القيامة صرف ولا عدل ومن تولى مولى بغير أذنهم فعليه لعنه الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه يوم القيامة صرف ولا عدل
(1)
.
وقد تكفل الله تعالى بحفظ هذا الدين وصونه، فقال في كتابه الكريم:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}
(2)
، فحفظ كتابه وصانه من التحريف والتبديل، وقيَّض للسُنَّة من العلماء والحفَّاظ من يقوم بحفظها وصونها عن كذب الكاذبين ووضع الوضَّاعين، والناظر في التراث المنسوب لآل البيت وللإمامين «الباقر» وابنه «الصادق» على وجه الخصوص يرى الكم الهائل من الدسّ والتلفيق الذي طال رواياتهما بحيث يصدُق على تلك الروايات ما قاله الطوسي في افتتاحية كتابه (تهذيب الأحكام):«ذاكرني بعض الأصدقاء أيده الله ممن أُوجب حقه علينا بأحاديث أصحابنا أيّدهم الله ورحم السلف منهم، وما وقع فيها من الاختلاف والتباين والمنافاة والتضاد حتى لا يكاد يتفق خبر إلا وبإزائه ما يضاده ولا يسلم حديث إلا وفي مقابله ما ينافيه»
(3)
.
ولهذا حرص الإمام «الباقر» رضي الله عنه على صد هذه الحملة الشعواء التي استُهدف بها حاثّاً الناس على عدم قبول كل ما يُنسب إليه حتى يُعرض قبل ذلك على
(1)
مسند أحمد (1/ 151)، قال عنه الشيخ شعيب الأرنؤوط إسناده صحيح على شرط الشيخين.
(2)
الحجر (9).
(3)
تهذيب الأحكام ص (45).
الكتاب والسنَّة فإن عارض القول المنسوب له الكتاب والسنّة كان هو أول الناس براءةً منه.
ولهذا يقول: «كل شيء خالف كتاب الله رد إلى كتاب الله والسنة»
(1)
، وقوله وابنه «الصادق» رضي الله عنهما لبعض أصحابهما:«لاتصدِّق علينا إلا بما يوافق كتاب الله وسنة نبيه»
(2)
.
فآل البيت عليهم السلام هم كغيرهم تبع لكتاب الله وسنة نبيه المصطفى لا العكس.
لقد كان الإمام «الباقر» رضي الله عنه من سادات الموحِّدين، ومن أئمَّة العبَّاد فقد روي عنه أنه «كان يصلي في اليوم والليلة مائة وخمسين ركعة»
(3)
.
لقد كان رضي الله عنه يعي جيدا أهمية الدعاء والتضرع إلى الله تعالى، فقد حفظ عن أبيه الإمام زين العابدين قوله في مناجاته لربه: «وقلت: {لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}
(4)
(5)
، فسميت دعاءك عبادة وتركه
(1)
الفصول المهمة في أصول الأئمة للحر العاملي (2/ 366).
(2)
الوسائل باب (وجوه الجمع بين الأحاديث المختلفة وكيفية العمل بها) حديث رقم (47).
(3)
تاريخ الإسلام (7/ 464).
(4)
إبراهيم (7).
(5)
غافر (60).
استكباراً، وتوعدت على تركه دخول جهنم داخرين»
(1)
، ولهذا نُقل عنه رضي الله عنه تصريحه بأن «أفضل العبادة الدعاء»
(2)
وقد سُئل مرة: «أي العبادة أفضل؟ فقال: ما من شيء أفضل عند الله من أن يُسأل»
(3)
فلا عجب حينئذ أن يُخلص الإمام «الباقر» الدعاء لخالقه عز وجل لعلمه بأن الدعاء عبادة والعبادة لا تُصرف إلَّا لله عز وجل.
لقد كان من دعائه رضي الله عنه إذا أصبح أن يقول: «أصبحت وربِّي محمود أصبحت لا أشرك بالله شيئاً، ولا أدعو معه إلهاً، ولا أتخذ من دونه ولياً»
(4)
.
(1)
الصحيفة السجادية ص (224).
(2)
الوسائل للحر العاملي باب (استحباب إختيار الدعاء على غيره من العبادات المستحبة)(7/ 30)
(3)
الكافي (2/ 388)(كتاب الدعاء- باب القول عند الإصباح والإمساء)
(4)
الكافي (2/ 388)(كتاب الدعاء- باب القول عند الإصباح والإمساء).