الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التأويلات المكذوبة على «الباقر» رضي الله عنه
قد اطَّلعنا معا عزيزي القارئ على نماذج من منهج الإمام «الباقر» رضي الله عنه في التفسير، وهي مُوافقه لهدي النبي صلى الله عليه و آله وسلم، وهدي صحابة رسول الله رضوان الله عليه ومن تبعهم بإحسان من تابعيهم وأتباعهم.
ولكن لم تُرضِ هذه التفاسير والتأويلات أصحاب الهوى، الذين ابتُلِيَ آل بيت النبيِّ صلوات الله وسلامه عليه بهم، فهذه التأويلات لا ترضي مزاعمهم ولا تخدم شهواتهم وضلالهم وهم يهدفون إلى إضلال أمَّة محمَّد وإلقائها في دياجير الظلام فلجأوا إلى الكذب ووضع أحاديث يَتأول فيها أئمّة آل البيت القرآن بطريقة ترفضها الفطرة السليمة ويستهجنها العقل السوي، ولمَّا كانت هذه التأويلات لا تُوافق بأي حال منهج القرآن ولا توافق معانيه وألفاظه لجأوا إلى كَذِبةٍ لمحاولة إغواء العامَّة وإقناعهم بهذه التأويلات، فقالوا بأنَّ لهذا القرآن تأويلاً ظاهراً وباطناً، فأما التأويل الظاهر فهو الذي يتأوله جميع من يقرأ القرآن، وأما الباطن فعند أهل البيت عليهم السلام.
فقد روى العياشي والفيض الكاشاني بسندهم عن جابر الجعفي قال: «سألت أبا جعفر عن شيء من تفسير القرآن فأجابني، ثم سألت ثانية فأجابني بجوابٍ آخر فقلت: جُعلت فداك كنتَ أجبت في هذه المسألة جواباً غير هذا قبل اليوم؟ فقال لي: يا جابر إن للقرآن بطنا وظهرا، وللظهر ظهرا، يا جابر، وليس شيء أبعد من عقول
الرجال من تفسير القرآن، إن الآية لتكون أولها في شيء وآخرها في شيء وهو كلام متصل يصرف على وجوه»
(1)
.
فنسبوا للإمام «الباقر» العبث في كتاب الله تعالى، ونسبوا له تكذيب الله تعالى حين يدّعي أن كتاب الله أبعد من عقول الرجال وأنّ له بطناً وظهراً وأن للظهر ظهراً بينما يقول الله تعالى:{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ}
(2)
(3)
وأيضا قوله تعالى: {وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إلى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ}
(4)
، فكيف يصف الله تعالى هذا القرآن بأنه يهدي إلى صراط عزيز، وهو أبعد ما يكون عن عقول الرجال؟، بل إنّ الإمام نفسه يفسره بتفسيرات متضاربة، سبحانك ربِّ هذا بهتان عظيم.
وهذه التأويلات الباطنية لا ضابط لهاً، ولا قاعدة تحكمها، اللهمَّ إلَّا تأويل كل ما هو حسن بالأئمَّة من آل البيت، وكل ما هو سيِّء بأصحاب النبيِّ رضوان الله تعالى عليهم، وعلى رأسهم أبي بكر وعمر، فحوَّل هؤلاء المفترون كتاب الله المحكم إلى
(1)
تفسير العياشي (1/ 11)، تفسير الصافي (1/ 29).
(2)
القمر (17).
(3)
الأنعام (114).
(4)
سبأ (6).
كتاب مدح وهجاء، وكأنَّ الله تبارك وتعالى يتِّقي الكفَّار فلا يذكر أسماءهم صراحةًّ بل يكنِّي بهم والعياذ بالله من هذا القول!.
لقد استنكر أئمَّة أهل البيت هذه التأويلات واستشنعوها وحذَّروا منها تحذيراً شديداً، فقد قيل للإمام جعفر «الصادق»: إنَّ أحدَهم يروي عنك تفسير قول الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ} : بالإمام، فقال «الصادق» رضي الله عنه: لا والله لا يأويني وإيَّاه سقفُ بيتٍ أبداً، هم شرٌّ من اليهود والنصارى والمجوس والذين أشركوا، والله ما صغَّر عظمة الله تصغيرهم شيء قط.. والله لو أقررت بما يقول فيَّ أهل الكوفة لأخذتني الأرض، وما أنا إلا عبد مملوك لا أقدر على شيءٍ ضرَّ ولا نفع
(1)
.
وأهل الكوفة الذين حذَّر منهم «الصادق» في الرواية السابقة، هم جابر الجعفي وزرارة بن أعين، وأمثالهما ممن استحلّوا الكذب على أهل البيت، ووضعوا عليهم الأحاديث والأكاذيب فأضلَّوا بها خلقاً كثيراً، نسأل الله العافية، ودورنا أيها القارئ الكريم - إن كنَّا من محبِّي أهل البيت حقا- أن ننزَّههم من هذا الكذب وننصرهم على من كذبوا عليهم بإظهار تراثهم الحقيقي من بين أكوام الكذب والافتراءات المنسوبة لهم رضوان الله تعالى عليهم أجمعين.
(1)
اختيار معرفة الرجال (2/ 590).
وقبل أن نتطرق إلى أمثلة من التأويلات الباطنية المفتراة على «الباقر» رضي الله عنه وننقدها ونظهر زيغها وعوارها، أود أذكِّرك أيها القارئ الكريم بحديث «الباقر» رضي الله عنه إذ قال:«كلّ شيءٍ خالف كتاب الله ردَّ إلى كتاب الله والسنة»
(1)
.
وقال ابنه «الصادق» رضي الله عنه: «كل شيء مردود إلى الكتاب والسنة، وكل حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف»
(2)
.
فمن أبى إلا الإصرار على الباطل بالتمسك بهذه التفاسير الباطنية التي ما أنزل الله بها من سلطان رجونا له الهداية وتبرأنا منه ومن باطله، فإن الله تعالى قد حكى عن المؤمنين استبشارهم بكتاب الله، وحكى عن أهل الضلال والشقاق استزادتهم للضلال والكفر صرف الله تعالى آياته فهذان طريقان لا يلتقيان أبدا، قال تعالى:{وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ {124} وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إلى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ {125} أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ {126} وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ نَّظَرَ بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُم مِّنْ أَحَدٍ ثُمَّ انصَرَفُوا صَرَفَ اللّهُ قُلُوبَهُم بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُون {127} }
(1)
الفصول المهمة في أصول الأئمة (2/ 366).
(2)
الكافي للكليني (1/ 69).
لقد حذر الله جلَّ شأنه عباده من أن يتَقَوَّلوا عليه ما ليس لهم به علم فقال: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ}
(1)
.
عزيزي القارئ اسأل نفسك، من أصدق؟ آلله أم من يكذبون عليه ويدَّعون أنَّ للقرآن ظهراً وبطناً، ثم ينسبون هذه الأقوال لأئمة أهل البيت، ليجعلوا لهم موطأ قدم وقبول بين عامَّة النَّاس، فلا تنخدع وتنقاد خلف العواطف وارجع إلى كتاب الله ففيه الهدى والنور، اقرأه وتفكر وتمعن فيه، وادعُ الله صادقاً واطلب منه الهداية فوالله ما لجأ أحد إلى الله تعالى فخاب رجاؤه كما قال جل وعلا:{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}
(2)
.
دعوتنا بسيطة وظاهرة، ارجع إلى كتاب الله واعرض عليه الأقوال فما وافقه فخذ بها وما خالفه فاضرب بها عرض الحائط، فهل هذه دعوة جائرة؟.
كان من دعاء الإمام أحمد رضي الله عنه: «اللهم من كان على هوى أو على رأي وهو يظن أنه على الحق، فرده إلى الحق حتى لا يضل من هذه الأمة أحداً»
(3)
.
(1)
الأعراف (33).
(2)
العنكبوت (69).
(3)
تهذيب الكمال (1/ 464).