الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من أدعية الإمام «الباقر» :
(1)
.
فتأمَّل عزيزي القارئ هذا الدعاء المبارك بما فيه من التضرع للخالق عز وجل وطلب قضاء الحوائج من الله تعالى وحده لا سواه، وقارن بين ذلك وبين من يدَّعي
(1)
مصباح المتهجد للطوسي ص (164).
اتِّباع وحبّ آل البيت ويطلب حاجاته من غير الله، أين هو من فعل أئمَّة آل البيت؟ ولماذا لا يقتدي بهم في دعائه ورجائه؟ ولماذا يشرك مع الله غيره في الدعاء؟
(1)
.
سبحان الله، شتَّان بين فعل آل البيت وبين فعل بعض الناس في زماننا هذا، فآل البيت رضي الله عنهم يدعون الله و يعلمون أنه جار المستجيرين وأنَّه مجيب دعوة المضطرين، وبعض من يدَّعي أنَّه متبعٌ للرسول صلى الله عليه وآله وسلم ولهم يدعو غير الله ويستجير بغير الله ولم نرَ «الباقر» يستجير بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم ولم نره يستجير بأحد الأنبياء أو الصالحين، ولم نره يستجير بعلي أو فاطمة أو الحسن والحسين رضي الله عنهم وأرضاهم وهم أفضل منه وأجلُّ مكانةً منه عند الله تعالى بل نراه يطلب من الله ويسأل الله ويلجأ إليه مخلصاً له الدين، وقد ورد عنه قوله رضي الله
(1)
بحار الأنوار للمجلسي (88/ 188).
عنه: «اللهم من كانت له حاجة ههنا وههنا، فإنَّ حاجتي إليك وحدك لا شريك لك»
(1)
، ونرى من تكون حاجته عند أبي الفضل وعند الحسن والحسين وعند غيرهم من عباد الله، فهل هؤلاء متبعون لهدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟ وهل هؤلاء متبعون لهدي «الباقر» رضي الله عنه؟
واقرأ معي قول الله تبارك وتعالى: {لهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إلى الْمَاء لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلَالٍ}
(2)
، ثم اقرأ تفسير «الباقر» رضي الله عنه لهذه الآية:
«{لهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ} فإنه يدعى فيستجيب، {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ} أي يدعوهم المشركون {بِشَيْءٍ} من الطلبات، {إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ} أي إلا استجابة كاستجابة من بسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه يطلب منه أن يبلغه من بعيد أو يغترف مع بسط كفيه ليشربه، {وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ} لأن الماء جماد لا يشعر بدعائه ولا يقدر على إجابته ولا يستقر في الكف المبسوطة، وكذلك آلهتهم.
وروى علي بن إبراهيم عن «الباقر» رضي الله عنه أنه قال: «هذا مثل ضربه الله للذين يعبدون الأصنام، والذين يعبدون الآلهة من دون الله فلا يستجيبون لهم بشيء ولا ينفعهم إلا كباسط كفيه إلى الماء ليتناوله من بعيد، ولا يناله إلا في ضلال وبطلان» ، وقد قال المجلسي «هذا المثل جار في الأصنام والآلهة المجازية فإنهم لا
(1)
بحار الأنوار المجلسي (91/ 270) الباب الثالث والأربعون.
(2)
الرعد (14).
يقدرون على إيصال المنافع إلى غيرهم إلا بتيسير الله وتسبيبه وهو مالك الرقاب ومقلب القلوب ومسبب الأسباب وكذا قوله: {أَفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاء} ظاهره في الأصنام ويجري في غيرها»
(1)
.
إن محمد صلوات الله وسلامه عليه وهو أحبُّ النَّاس إلى الله، وهو أكرمهم وأجلّهم منزلة عنده، لا يقدر على نفع أحد إلَّا بإذن الله عز وجل، وقد قال الله تعالى في كتابه الكريم:{وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ}
(2)
، وهذا جارٍ في الأصنام وفي غيرها، ولنا أن نسأل هل يقدر الولي بل وحتى النبي أن يكشف الضر من دون إذن الله عز وجل؟ فإن لم يكن على ذلك بقادر أَوَلَيْسَ الأولى أن ندعو من هو قادر على ذلك؟
إن «الباقر» وعلياً والحسن والحسين وأبا بكر وعمر ما هم إلا عبادٌ لله، وهم والله غير قادرين على دفع الضُرّ عن أنفسهم حتى يدفعوه عن غيرهم، بل إنَّ من يستغيثون بالحسين وبغيره من أولياء الله يُقِرُّونَ بأنَّهم قد قُتلوا، وأنَّ الحسين رضي الله عنه قد مات عطشاناً رضي الله عنه، فكيف تستغيثون بمن لم يقدر أن يَسقي نفسه شربة ماء؟
(1)
بحار الأنوار المجلسي (68/ 115).
(2)
الزمر (38).
ولنا في نبي الله أيوب عليه السلام عظةٌ وعبره، فقد مسَّه الضر والمرض فلم يقدر على أن يدفعه عن نَّفسه إلا بدعاء الله عز وجل، بل وإن خير الأنبياء محمداً صلوات الله وسلامه عليه قد مسَّه الضر والمرض والضيق فلم يجد ملجأً وملاذاً إلَّا إلى الله عز وجل، وكذا حال الأئمة «الباقر» وعلي وعمر و العباس وكل الصالحين رضي الله عنهم أجمعين.
ولا يغترن مغتر بخدعة شيطانية فحواها أنّ هؤلاء الذين يلجئون إلى الأولياء والصالحين إنما يستشفعون بهم لله لقربهم منه لا اعتقاداً لألوهيتهم فإنّه لعمري لهو عين فعل عبدة الأصنام، واقرأ معي هذه الآيات من كتاب الله وقارن بين فعل جهَّال هذا العصر وبين فعل جاهلية ما قبل الإسلام.
قال تعالى في كتابه العزيز: {وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ}
(1)
.
قد يقول قائل أن المقصود بالشفعاء هم الأصنام فقط لا قبور الأولياء والصالحين، فأدعوه إلى قراءة قول الله عز وجل:{إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ}
(2)
.
(1)
يونس (18).
(2)
فاطر (14).
وتأمَّل قوله تعالى: {وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ} ، وكلنا نعلم أن الأصنام صمٌّ بكمٌ لا تعقل ولا تسمع، وأيضاً تأمَّل معي قوله تعالى:{يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ} إذاً المقصود من هذه الآية من يسمع ويعقل بل من يكفر بشرك المشركين يوم القيامة وهم الأولياء والصالحون، الذين يتبرؤون من كلِّ من يدعوهم ويشركهم مع الله في الرَّجاء والخوف والطَّلب، ونرى في آية أخرى تبرُّء عيسى بن مريم عليه السلام ممن أشركه مع الله في الألوهية:{وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ}
(1)
، وقد يقول قائل هنا أنَّ النصارى قد قالوا إنَّ المسيح إله فذلك هو المقصود ولا دخل لهذه الآية في الشفاعة والشفعاء، فأقول إنَّ النصارى لم يقولوا أبداً أن مريم إله ولاأنَّها ابنة إله، بل هم يعترفون أنَّها بشر وأنَّها من نسل آدم عليه السلام ولكنهم يستشفعون بها عند الله، وقد اعتبر الله جلَّ وعلا هذه الشفاعة شركاً وبأنَّها تأليه لمريم وإشراكها مع الله في الطلب فلنتنبه جميعاً، ولا يغرَّنا فعل الآباء والأجداد، فالحقُّ أحق أن يُتَّبع والنبي صلى الله عليه وآله وسلم وصحابته وآل بيته هم من نقلوا إلينا هذا الدين وبفعلهم نقتدي، وفعلهم هو المُنجي من عذاب الله يوم القيامة، ويجب علينا أن لا ننخدع بقول بعض المتغافلين ممن يدَّعون العلم والفقه، فهذا لا يغني عنَّا يوم القيامة
(1)
المائدة (116).
من الله شيئا، فقد قال تعالى:{وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا}
(1)
،
وهذه هي حجَّتنا نحن أيضاً إن أطعنا الضّالين المضلين، فعندما يسألنا ربُّ العزة ويقول: يا عبادي لما أشركتم معي غيري وسألتم غيري ممن لا ينفعكم ولا يضركم؟ ألم تعلموا بأنِّي قاضي الحاجات ومفرج الكربات؟ وألم تعلموا أنَّ من تستغيثون بهم هم عبادٌ لي ولا يقدرون على فعل شيءٍ إلا بإذني؟
وروي عن «الباقر» انَّه قال لابنه جعفر «الصادق» رضي الله عنهما: «يا بني من كتم بلاءً ابتلي به من الناس، وشكى إلى الله عز وجل كان حقاً على الله أن يعافيه من ذلك»
(2)
.
وفي هذه الرواية ينصح «الباقر» رضي الله عنه ابنه بكتم البلاء عن النَّاس والشكوى إلى الله، فأين هذا ممن يلجأ إلى القبور ويتضرع لأصحابها طالباً منهم الشفاء أو الرزق أو تفريج الكُرب؟.
وروي أنّ «الباقر» رضي الله عنه كان يقول في ركوعه: «اللهم لك ركعت ولك خشعت وبك آمنت، ولك أسلمت وعليك توكلت وأنت ربي، خشع لك سمعي وبصري ومخي وعصبي وعظامي وما أقلته قدماي لله رب العالمين»
(3)
.
(1)
الأحزاب (67) ..
(2)
بحار الأنوار للمجلسي (90/ 296) باب (ما سلك واديا فذكر الله).
(3)
بحار الأنوار للمجلسي (82/ 110) باب (استحباب الذكر والدعاء في الركوع).