المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مدح الإمام «الباقر» للصحابة رضوان الله عليهم - الروض الناضر في سيرة الإمام أبي جعفر الباقر

[بدر محمد باقر]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌كلمةٌ لابد منها

- ‌الفصل الأولإِشراقة ذاتية

- ‌اسمه ولقبه:

- ‌ثناء العلماء عليه:

- ‌مولده ونشأته:

- ‌أبوه:

- ‌أمّه وإخوته:

- ‌1 - زيد بن علي بن الحسين:

- ‌2 - عمر بن علي بن الحسين:

- ‌3 - عبد الله بن علي بن الحسين:

- ‌4).4 -الحسين بن علي بن الحسين:

- ‌أولاد محمد «الباقر»:

- ‌وفاته:

- ‌حرصه على اتباع السنّة حتى في لحظاته الأخيرة:

- ‌الفصل الثانيتفسيره للقرآن الكريم

- ‌منهج «الباقر» رضي الله عنه في التفسير

- ‌قبسات من تفسير الإمام الباقر

- ‌سورة البقرة:

- ‌سورة آل عمران:

- ‌سورة النساء:

- ‌سورة المائدة:

- ‌سورة الأنعام:

- ‌سورة الأعراف:

- ‌سورة التوبة:

- ‌سورة هود:

- ‌سورة الرعد:

- ‌سورة الحجر:

- ‌سورة الإسراء:

- ‌سورة يوسف:

- ‌سورة الأنبياء:

- ‌سورة الحج:

- ‌سورة النور:

- ‌سورة الفرقان:

- ‌سورة القصص:

- ‌سورة فاطر:

- ‌سورة الأحقاف:

- ‌سورة الجن:

- ‌سورة الذاريات:

- ‌سورة التحريم:

- ‌سورة البلد:

- ‌سورة الضحى:

- ‌التأويلات المكذوبة على «الباقر» رضي الله عنه

- ‌أمثله من التأويل الباطني المكذوب على «الباقر»:

- ‌أسباب الأخذ بالتفسير الباطني

- ‌الفصل الثالثروايته للحديث

- ‌المبحث الأولروايات «الباقر» في الكتب التسعة

- ‌ما جاء في باب الطهارة

- ‌ما جاء في باب الغسل

- ‌ما جاء في باب الحيض

- ‌ما جاء في باب الصلاة

- ‌ما جاء في باب المواقيت

- ‌ما جاء في باب الجمعة

- ‌ما جاء في باب الصوم

- ‌ما جاء في باب الحج

- ‌ما جاء في باب الديون

- ‌ما جاء في باب الذبائح

- ‌ما جاء في باب الأضاحي

- ‌ما جاء في باب العقيقة

- ‌ما جاء في باب الفتن

- ‌ما جاء في باب الصدقة

- ‌ما جاء في الغزوات

- ‌ما جاء في باب الزهد

- ‌ما جاء في باب الجنائز

- ‌ما جاء في باب الأحكام

- ‌ما جاء في باب اللباس

- ‌ما جاء في باب الرقائق

- ‌ما جاء في باب المناقب

- ‌ما جاء في تحريم الدم

- ‌ما جاء في باب الأشربة

- ‌ما جاء في باب الطلاق

- ‌ما جاء في باب الأطعمة

- ‌ما جاء في باب الإيمان

- ‌ما جاء في باب الدعاء

- ‌ما جاء في الوصية والميراث

- ‌جدول يبين أرقام الأحاديث التي رواها الإمام «الباقر» رضي الله تعالى عنه في الكتب التسعة:

- ‌المبحث الثانيبعض روايات «الباقر» في غير الكتب التسعة

- ‌المبحث الثالثشيوخ «الباقر»

- ‌المبحث الرابعالرواة عنه

- ‌المقصد الأول: الرواة العدول

- ‌المقصد الثاني: المتهمون بعدالتهم:

- ‌الفصل الرابعالإمام «الباقر»…ذلك الرجل المُوَحِّدُ

- ‌من أدعية الإمام «الباقر»:

- ‌متى نشأ الشرك

- ‌الدعاء هو العبادة

- ‌جملة افتراءات:

- ‌الفصل الخامسإجلال الباقر للصحابة وأهل العلم

- ‌مدح الإمام «الباقر» للصحابة رضوان الله عليهم

- ‌مدحه لعطاء والحسن البصري

- ‌مع الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز

- ‌الفصل السادسالإمام «الباقر» فقيهاً

- ‌من أحكام الطهارة:

- ‌الصلاة:

- ‌هل يصلي المسافر صلاة الجمعة:

- ‌فقه رمضان:

- ‌فقه الزكاة:

- ‌أحكام الطلاق:

- ‌فقه الحدود:

- ‌الفصل السابعحكمه ومواعظه

- ‌حكم ومواعظ سبقه إليها غيره

- ‌الفصل الثامنما نُسِب إلى الإمام «الباقر» من الأباطيل

- ‌طعن في كتاب الله

- ‌إلحاد وعبث في كتاب الله

- ‌التلاعب في دين الله

- ‌غلو في الصالحين:

- ‌لمز وطعن في الأنبياء

- ‌دعوة للنفاق

- ‌جهل في الدين

- ‌سخافات واستخفاف بالعقول

- ‌حتى الكعبة لم تسلم من الطعن

- ‌الشام ومصر أيضاً

- ‌الخاتمة

- ‌أهم المراجع والمصادر

الفصل: ‌مدح الإمام «الباقر» للصحابة رضوان الله عليهم

‌مدح الإمام «الباقر» للصحابة رضوان الله عليهم

بعد أن أوردنا بعض الآيات التي تمدح أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم واستعرضنا بعض الأقوال المخالفة لصريح القرآن نستعرض ذرات من أقوال «الباقر» رضي الله عنه في أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

الرواية الأولى: روى الطوسي في الأمالي عن «الباقر» رضي الله عنه أنه قال: «صلّى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام بالناس الصبح بالعراق فلما انصرف وعظهم فبكى وأبكاهم من خوف الله تعالى، ثم قال: أما والله لقد عهدت أقواماً على عهد خليلي رسول الله صلى الله عليه وآله وإنهم ليصبحون ويمسون شعثاً غبراً خمصاً بين أعينهم كَرُكَب المعزى

(1)

، يبيتون لربهم سجداً وقياماً، يراوحون بين أقدامهم وجباههم يناجون ربهم، ويسألونه فكاك رقابهم من النار، والله لقد رأيتهم وهم جميع مشفقون منه خائفون»

(2)

.

تأمَّل ثناء سيدنا علي رضي الله عنه وأرضاه على الصحابة وحبِّه لهم، ثم تأمل قوله:«والله لقد رأيتهم وهم جميع مشفقون منه خائفون» ، ثمّ وَجِّه بعد ذلك سؤالًا

(1)

الركب: جمع ركبة والمعزى: هي ذوات شعر من الغنم والمقصود من هذا التشبيه هو وصفهم بكثرة السجود لأنه يحصل بها في الجبهة صلابة وخشونة لكثرة وضعها على الأرض وهو مصداق قول الله تعالى فيهم: {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ} .

(2)

بحار الأنوار للمجلسي (22/ 306)، الأمالي للطوسي ص (102)، نهج البلاغة (1/ 190).

ص: 259

لكل من يتّهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم «أهذا حال الكفار والمنافقين» ؟

الرواية الثانية: وروى ابن عساكر عن «الباقر» رضي الله عنه قوله: «أجمع بنو فاطمة على أن يقولوا في أبي بكر وعمر أحسن ما يكون من القول»

(1)

.

وأقول: صدق «الباقر» رضي الله عنه وأرضاه، فكل آل البيت يوادّون الصحابة ويحبونهم والدلائل والقرائن أكثر من أن تحصى، فعندما نقرأ عن تسمية أبنائهم بأسماء أبي بكر وعمر وعثمان، ثم نقرأ عن تزويج علي رضي الله عنه وأرضاه ابنته أم كلثوم لعمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه وهو ما يرويه لنا «الباقر» فيقول:«أن عمر بن الخطاب خطب إلى علي أم كلثوم فقال: أنكحنيها، فقال: علي إني أرصدها لابن أخي جعفر، فقال: عمر انكحنيها فوالله ما من الناس أحد يرصد من أمرها ما أرصد فأنكحه علي فأتى عمر المهاجرين فقال: ألا تهنئوني؟ فقالوا: بمن يا أمير المؤمنين، فقال: بأم كلثوم بنت علي وابنة فاطمة بنت رسول الله إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كل نسب وسبب ينقطع يوم القيامة إلا ما كان من سببي ونسبي فأحببت أن يكون بيني وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم سبب ونسب»

(2)

.

(1)

سير أعلام النبلاء للذهبي (4/ 406).

(2)

مستدرك الحاكم (3/ 142)، قال عنه الحاكم:«هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجّاه» ، وقال الذهبي:«اسناده منقطع» ، و المصاهرة بين عمر وعلي رضي الله عنهما صحيحة وثابتة في كتب التاريخ والأنساب، وقد أثبته الطبرسي في «إعلام الورى بأعلام الهدى» ، والنسابة ابن الطقطقي في «الأصيلي في = = أنساب الطالبيين» ، والكليني في «الكافي» في أربعة أحاديث أحاديث، وصصح المجلسي منها واحدا ووثق الآخر وحسّن الثالث، والكتب التي أثبتت هذه المصاهرة كثيرة جدا لا مجال لحصرها وهذه من أكبر الدلالات على العلاقة الحميمة التي تجمع علياًّ وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما.

ص: 260

الرواية الثالثة: ما رواة ابن عساكر رحمه الله في تاريخه بسنده إلى أبي حنيفة رحمه الله الذي يقص علينا زيارته للإمام «الباقر» وسؤاله له عن عمر رضي الله عنه وحال عليٍّ معه فيقول: «أتيته فسلمت عليه فقعدت إليه فقال: لا تقعد إلينا يا أخا العراق فإنكم قد نهيتم عن القعود إلينا، قال: فقعدت فقلت: يرحمك الله هل شهد علي موت عمر فقال: سبحان الله أو ليس القائل ما أحد من الناس ألقى الله عز وجل بمثل عمله أحب إلي من هذا المسجى عليه ثوبه، ثم زوجه ابنته، فلولا أنه رآه لها أهلا أكان يزوجها إياه؟، وتدرون من كانت لا أبا لك اليوم؟ كانت أشرف نساء العالمين» . وفي زيادة «كان جدها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأبوها علي ذو الشرف والمنقبة في الإسلام، وأمها فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأخواها حسن وحسين سيدا شباب أهل الجنة، وجدتها خديجة قال: قلت: فإن قوماً عندنا يزعمون أنك تتبرأ منهما وتنتقصهما فلولا كتبت إلينا كتابا بالانتفاء من ذلك، قال: أنت أقرب إليّ منهم أمرتك أن لا تجلس إليّ فلم تطعني فكيف يطيعني أولئك»

(1)

.

(1)

تاريخ مدينة دمشق (54/ 289 - 290).

ص: 261

ثم تامّل مساندة الإمام علي رضي الله تعالى عنه للشيخين الإمامين أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما وتفكّر بها، فبعد هذا كله ستتيقن أن مثل هذه العلاقة الوطيدة بين الآل والأصحاب ليست خيالاً أو مبالغة.

لقد فات من يتهم أبا بكر وعمر رضي الله عنهما بالنفاق والكفر أن عليًّا رضي الله عنه كان وزيراً لهما ومعيناً لهما، وقد قال «الباقر» رضي الله عنه:«العامل بالظلم والمعين له، والراضي به، شركاء ثلاث»

(1)

.

ولا أعلم أحداً يُنكر أنّ عليّا رضي الله عنه كان وزيراً للشيخين، بل إنّ كثيراً ممن يطعنون بالشيخين، يثبتون وزارة علي لعمر رضي الله عنهما ومناصحته ويرددون القول المنسوب إلى عمر «لولا علي لهلك عمر» ، ويستدلِّون به على رجاحة عقل علي رضي الله عنه وأرضاه، لكنهم في الوقت ذاته يغفلون عن قول «الباقر» السابق:«إنّ العامل بالظلم والمعين له والراضي به شركاء» ، وهم بهذا يتهمون علياً رضي الله عنه وأرضاه بتولي الظالمين والمشاركة في ظلمهم، أيقبل عاقل هذا؟

ولا سبيل لتنزيه علي رضي الله عنه وأرضاه من هذا الظلم إلا بتنزيه إخوانه الصحابة، وعلى رأسهم الشيخين أبي بكر وعمر من هذا الأمر.

فمن نسب إلى الصحابة الردة والكفر فقد جمع معهم علياً رضي الله عنه لأنه كان معيناً لهم في جميع أحواله.

(1)

مستدرك الوسائل للنوري الطبرسي (13/ 125) باب (تحريم معونة الظالمين ولو بمدة قلم) حديث رقم (16).

ص: 262

وقد روى النوري الطبرسي عن «الباقر» أنه قال: «قال أمير المؤمنين عليهم السلام: إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول: «من كان يؤمن بالله واليوم الأخر، فلا يؤاخين كافراً، ولا يخالطن فاجراً، ومن آخى كافراً أو خالط فاجراً، كان كافراً فاجراً»

(1)

.

فلنا أن نسأل أيخالطُ عليٌّ رضي الله عنه وأرضاه الكفَّار الفجَّار بل ويتزوَّج منهم ويزوِّجهم؟ بل السؤال الأعظم هو أيخالط النبي صلى الله عليه وآله وسلم الكفَّار الفجَّار ويتزوَّج منهم ويزوِّجهم بناته؟

كلنا يعلم أن عائشة بنت أبي بكر الصديق هي زوج النبي، وأنّ ابنتي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانتا زوجتين لعثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه، فهل يقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أمراً ويفعل خلافه؟ وهل ينقل علي هذا القول عن النبي ويفعل خلافه؟

ثم اقرأ ما رواه المجلسي عن «الباقر» عن علي رضي الله تعالى عنه:

أوحى الله تعالى جلَّت قدرته إلى شعيا «شعيب» عليه السلام إني مهلك من قومك مائة ألف: أربعين ألفاً من شرارهم وستين ألفاً من خيارهم فقال عليه السلام: هؤلاء الأشرار فما بال الأخيار؟ فقال: داهنوا أهل المعاصي فلم يغضبوا لغضبي

(2)

.

(1)

مستدرك الوسائل للنوري الطبرسي (8/ 334) باب (كراهة مؤاخاة الفاجر والأحمق والكذاب) حديث رقم (1).

(2)

بحار الأنوار للمجلسي (97/ 81).

ص: 263

وقارنها بفعل علي رضي الله عنه مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين نصحه بعدم الخروج للروم قائلاً: «إنك متى تسر إلى هذا العدو بنفسك فتلقهم بشخصك فتنكب لا تكن للمسلمين كانفة

(1)

دون أقصى بلادهم ليس بعدك مرجع يرجعون إليه فابعث إليهم رجلا محربا واحفز معه أهل البلاء والنصيحة، فإن أظهر الله فذاك ما تحب، وإن تكن الأخرى كنت ردءا للناس ومثابة للمسلمين»

(2)

، فإن كان عمر رضي الله عنه مرتداً أو ضالاً - وحاشاه من ذلك - كان علي رضي الله عنه مداهناً له فكلامه لا يحتمل إلا أن يكون كلام حق في صالح عادل أو مداهنة لظالم غاشم.

الرواية الرابعة: قال سالم بن أبي حفصة: سألت أبا جعفر وابنه جعفر بن محمد عن أبي بكر وعمر فقالا لي يا سالم تولهما وابرأ من عدوهما فإنهما كانا إمامي هدى وقال: ما أدركت أحداً من أهل بيتي إلا وهو يتولاهما

(3)

.

الرواية الخامسة: وحتى جابر الجعفي وهو من مبغضي الصحابة وممَّن يتقوَّل على آل البيت ويضع الروايات عليهم في سبِّ أصحاب النبي رضوان الله عليهم، لم يستطع إلا أن ينقل مدح أئمَّة أهل البيت لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: قلت لمحمد بن علي: «أكان منكم أهل البيت أحد يزعم أن ذنباً من الذنوب شرك؟ قال: لا قال قلت: أكان منكم أهل البيت أحد يقر بالرجعة؟ قال: لا،

(1)

كانفة عاصمة يلجئون لها، من كنفه إذا صانه وستره.

(2)

نهج البلاغة (2/ 18).

(3)

تهذيب التهذيب (9/ 312)، تاريخ الإسلام (7/ 463).

ص: 264

قلت: أكان منكم أهل البيت أحد يسبُّ أبا بكر وعمر؟ قال: لا، فأحبّهما وتولّهما واستغفر لهما»

(1)

.

ما كان نقله لمثل هذه الرواية إلا لاستفاضة المدح للصحابة بحيث يستحيل أن يخفيه هو أو غيره.

الرواية السادسة: قال عروة بن عبد الله سألت أبا جعفر محمد بن علي عن حلية السيف فقال: «لا بأس به قد حلَّى أبو بكر الصدّيق سيفه» ، قال: قلت: وتقول الصدّيق؟ قال: فوثب وثبةً واستقبل القبلة ثم قال: «نعم الصدّيق نعم الصدّيق فمن لم يقل الصدّيق فلا صدَّق الله له قولاً في الدنيا والآخرة»

(2)

.

لقد كان «الباقر» مثالاً حياً لقول الله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ}

(3)

، فلم تكن في نفسه خبيئة على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بل كان يجلهم ويعرف لهم حقهم الذي افترضه الله تعالى عليه وعلى المؤمنين جميعا.

الرواية السابعة: يقول «الباقر» رضي الله عنه في معرض تعبيره عن استنكاره ورفضه للتهم الباطلة المنسوبة إليه في نظرته للصحابة رضي الله عنهم: «يا جابر بلغني

(1)

الطبقات الكبرى لابن سعد (5/ 321).

(2)

البداية والنهاية (9/ 340)، كشف الغمَّة (2/ 360).

(3)

الحشر (10).

ص: 265

أنّ قوماً بالعراق يزعمون أنهم يحبونا ويتناولون أبا بكر وعمر ويزعمون أني أمرتهم بذلك فأبلغهم عني أنِّي إلى الله منهم بريء، والذي نفس محمد بيده -يعني نفسه- لو وُلِّيت لتقربت إلى الله بدمائهم، ولا نالتني شفاعة محمد صلى الله عليه وآله وسلم إن لم أكن أستغفر لهما وأترحم عليهما إن أعداء الله لغافلون عن فضلهما وسابقتهما فأبلغهم أني بريء منهم وممن تبرأ من أبي بكر وعمر رضي الله عنهما»

(1)

.

وقيَّد رضي الله عنه معرفة هدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمعرفة فضل أبي بكر وعمر فقال: «من لم يعرف فضل أبي بكر وعمر فقد جهل السُنَّة»

(2)

.

الرواية الثامنة: عندما سئل عن تفسير قول الله عز وجل: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}

(3)

، قال:«هم أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: قائل: يقولون هو علي فأجابه «الباقر» رضي الله عنه قائلا: هو من أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم»

(4)

.

وتفسيره هذا إنَّما هو دلالة على علمه وفقهه وحكمته، فإطلاق العموم مع إرادة الخصوص منافٍ لبيان وفصاحة كتاب الله جل وعلا، فعندما عمَّم الله جل جلاله اللفظ لا يمكن أن يُحمل هذا اللفظ على الخصوص إلا بقرينة وهي منتفية هنا.

(1)

البداية والنهاية (9/ 340).

(2)

البداية والنهاية (9/ 340).

(3)

المائدة (55).

(4)

البداية والنهاية (9/ 340).

ص: 266

الرواية التاسعة: روى أبو نعيم بسنده إلى محمد «الباقر» رضي الله عنه أنّه قال: «لما طعن عمر رضي الله عنه بعث إلى حلقة من أهل بدر كانوا يجلسون بين القبر والمنبر فقال: يقول لكم عمر أنشدكم الله أكان ذلك عن رضا منكم؟ فتلكأ القوم فقام علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه فقال: لا، وددنا أنّا زدنا في عمره من أعمارنا»

(1)

.

الرواية العاشرة: ثم يروي «الباقر» رضي الله تعالى عنه أن جده عليّا رضي الله تعالى عنه دخل على عمر بعد موته، وهو مسجَّى على سريره، فقال:«ما أحب أن ألقى الله بصحيفة أحد إلا بصحيفة هذا المسجى»

(2)

.

وهذه بعض الروايات التي وردت عن «الباقر» رضي الله تعالى عنه التي تبجِّل أبا بكر وعمر -رضي الله تعالى عنهما- وتدلِّل على حبِّه وإجلاله لهما وأمَّا الطعن فيهما فلم يكن قط من منهج أئمة الهدى من آل البيت بل كان من وضع المُتقولين عليهم. الرواية الحادية عشر: ها هو كثيّر النواء يسأل «الباقر» رضي الله تعالى عنه فيقول: جعلني الله فداك، أرأيت أبا بكر وعمر هل ظلماكم من حقكم من شيء أو ذهبا به؟ قال: لا والذي أنزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً، ما ظلمانا من حقنا مثقال حبة من خردل، قال: قلت: جعلني الله فداك، فأتولاهما؟ قال: نعم ويحك! تولهما في

(1)

حلية الأولياء وطبقات الأصفياء للحافظ أبي نعيم الأصبهاني وقال: هذا حديث غريب من حديث أيوب وجعفر.

(2)

المتمنين لابن أبي الدنيا (1/ 57).

ص: 267

الدنيا والآخرة وما أصابك ففي عنقي، فعل الله بالمغيرة وبنان فإنهما كذبا علينا أهل البيت

(1)

.

الرواية الثانية عشر: ثم اقرأ ما يرويه «الباقر» عن عبد الله بن جعفر فيقول: «ولينا أبو بكر خير خليفة الله أبره وأحناه علينا»

(2)

.

الرواية الثالثة عشرة: ولنقرأ ما رواه ابن عساكر أن كثير النوا قال: قلت لأبي جعفر إن فلانا حدثني عن علي بن الحسين أن هذه الآية نزلت في أبي بكر وعمر: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ} ، قال: والله إنها لفيهم نزلت وفيمن نزلت إلا فيهم؟، قال: وأي غل هو؟، قال: غل الجاهلية أي بني تيم وعدنا وبني هاشم كان بينهم في الجاهلية فلما أسلم هؤلاء القوم تحابوا، فأخذت أبا بكر الخاصرة فجعل علي يسخن يده فيكمد بها خاصرة أبي بكر فنزلت هذه الآية

(3)

.

الرواية الرابعة عشرة: ويخبرنا عروة بن عبد الله بن قشير أنه كان يتحاور مع أبي جعفر «الباقر» يحدثه فقال: «أبو بكر الصديق، قلت: الصديق؟، قال: نعم الصديق،

(1)

شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد (16/ 220).

(2)

مستدرك الحاكم (3/ 79)، قال عنه الحاكم رحمه الله: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وصححه الذهبي رحمه الله.

(3)

تاريخ دمشق (30/ 338).

ص: 268

وذكر حديثا فيه ذكر عمر فقال: أمير المؤمنين عمر، قلت: أمير المؤمنين؟، قال نعم أمير المؤمنين»

(1)

.

الرواية الخامسة عشرة: روى «الباقر» عن جده علي رضي الله عنه قوله: «إني لأرجو أن أكون أنا وطلحة والزبير من الذين قال الله فيهم: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ}

(2)

»

(3)

.

الرواية السادسة عشر: وقد مدح الإمام «الباقر» عموم الأنصار فقال: «ما سُلَّت السيوف ولا أقيمت الصفوف في صلاة ولا زحوف ولا جهر بأذان ولا أنزل الله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} حتى أسلم أبناء القيلة: الأوس و الخزرج»

(4)

.

الرواية السابعة عشرة: وهاهو «الباقر» رضي الله تعالى عنه ينقل عن أبيه زين العابدين قوله: «أتاني نفرٌ من أهل العراق فقالوا في أبي بكر وعمر، ثم ابتركوا

(5)

في عثمان ابتراكاً، فلما فرغوا قال لهم علي بن الحسين: ألا تخبروني أنتم المهاجرون الأولون {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ} قالوا: لا، قال: فأنتم

(1)

فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل (1/ 40).

(2)

الحجر (47).

(3)

الطبقات الكبرى (3/ 113)، الشافي في الإمامة للشريف المرتضى (4/ 340).

(4)

بحار الأنوار (22/ 312) باب (أصحاب الصفة) حديث رقم (17)، وانظر «الثناء المتبادل بين الآل والأصحاب» من إصدارات مبرة الآل والأصحاب.

(5)

ابترك الرجل في عرضه: أي تنقصه واجتهد في ذمه

ص: 269

{وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ} قالوا: لا، قال: أمّا أنتم فقد برأتم أن تكونوا من أحد هذين الفريقين، وأنا أشهد أنكم لستم من الذين قال الله عز وجل:{والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان} »

(1)

.

الرواية الثامنة عشرة: ويؤكد «الباقر» رضي الله تعالى عنه كلام أبيه زين العابدين ويعضِّده بدفاعه عن ذي النورين عثمان رضي الله تعالى عنه وأرضاه فيقول: «كان قتل عثمان على غير وجه الحق»

(2)

.

وهي شهادة من «الباقر» رضي الله تعالى عنه لذي النورين عثمان رضي الله تعالى عنه بأنه كان إمام هدى وأنه قُتل شهيداً طاهراً نقيَّ الثوب رضي الله تعالى عنه و «الباقر» رضي الله تعالى عنه بهذا المدح والثناء لأصحاب النبي موافقٌ لصريح كتاب الله و للهدي النبوي الشريف فتأمل عزيزي القارئ ما سبق من روايات ثم قارن بينها وبين الأقوال المنسوبة كذباً وزوراً للباقر رضي الله عنه واعرض كلا القولين على كتاب الله فما كان موافقاً لقول الرحمن أخذنا به وما كان مخالفاً له ضربنا به عرض الحائط وبرّأنا الإمام «الباقر» منه.

إن اللعن والسب والبذاءة ليست من أخلاق ولا من شيم «الباقر» رضي الله عنه ولا من شيم آل بيت النبوة عليهم السلام حتى مع المشركين، فهل يمكن أن يكون

(1)

تهذيب الكمال (20/ 394)، كشف الغمة (2/ 291).

(2)

البداية والنهاية (7/ 218).

ص: 270

منهجهم السب واللعن مع السابقين بالإسلام ومع من نصروا الدين وأعز الله بهم الإسلام؟.

وقد ورد عن «الباقر» رضي الله عنه قوله: «نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يُسبّ قتلى بدر من المشركين وقال: لا تسبُّوا هؤلاء فإنه لا يخلص إليهم شيء مما تقولون وتؤذون الأحياء، ألا إنّ البذاء لؤم»

(1)

، فكيف نقبل أن يُتَّهم «الباقر» رضي الله تعالى بالبذاءة، وبمخالفة هدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فننقل عنه أنه كان سبَّاباً لعاناً بذيئاً لئيماً؟

وقد سمعنا بقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: «ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء»

(2)

، فكيف يليق بنا ونحن ندَّعي اتِّباع محمد و آل بيته -صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين- أن نخالفهم ونتخذ اللعن والسب ديناً ووسيلة نتقرب بها إلى الله؟

فشتَّان بين نهج «الباقر» وبين من هذا حالهم، وإن كنَّا صادقين في دعوانا بأنَّنا من أتباع محمد وآل بيته فيتوجَّب علينا أن نحذو حذوهم وأن نقتدي بهم وأن نتمثل بأخلاقهم، فننزه ألسنتنا عن اللعن والشتم وقبيح القول، ونترحم على كل من سبقنا في الإيمان وعلى رأسهم صحابة محمد رضوان الله تعالى عليهم، فهذا والله خلق أهل البيت.

(1)

عمدة القاري (8/ 230).

(2)

سنن الترمذي كتاب (البر والصلة) باب (ما جاء في اللعنة) حديث رقم (1900).

ص: 271

الرواية التاسعة عشرة: ولم يتوقَّف «الباقر» عن الثَّناء على الشيخين حتى في حال مرضه ولحظاته الأخيرة، فعن سالم بن أبي حفصة قال:«دخلت على أبي جعفر وهو مريض فقال - وأظن قال ذلك من أجلي: اللهم إني أتولَّى وأحبُّ أبا بكر وعمر اللهم إن كان في نفسي غير هذا، فلا نالتني شفاعة محمد صلى الله عليه وآله وسلم يوم القيامة»

(1)

.

ويتضح جليّاً تغليظ «الباقر» وتشديده في مسألة الطعن بصحابة النبي رضي الله تعالى عنهم بروايته لحديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «من سب نبياً قُتل، ومن سب صاحب نبي جُلد»

(2)

.

وأخيرا أقول لمن يطعن بخير البشر بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: قم كما قاموا، وصم كما صاموا، وانصر الدين كما نصروه، وافتح البلاد وانشر دين الله في الأرض كما فعلوا، وجاهد المشركين كما جاهدوا، قبل أن تحرك لسانك بالطعن فيهم رضي الله عنهم وأرضاهم، وصدق القائل:

أقلِّوا عليهم - لا أبا لأبيكم - من اللو

م أو سدوا المكان الذي سدوا

(1)

سير أعلام النبلاء للذهبي (4/ 406).

(2)

وسائل الشيعة للحر العاملي باب (قتل من سب النبي صلى الله عليه وآله أو غيره) حديث رقم (34591)، بحار الأنوار (76/ 221) باب (حكم المرأة المرتدة) حديث رقم (7).

ص: 272